تُعتبر المساعدات الأميركية لإسرائيل أول نموذج لـ "المساعدات التدخلية (interventionist aid)[1] في سياق العلاقات الدولية".[2] وقد تركزت الأبحاث عن المساعدات الأميركية لإسرائيل منذ فترة طويلة على نموذجين: أولاً، المساعدات الأميركية كشكل من أشكال المصلحة الجيوسياسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ ثانياً، المساعدات كنتاج لتأثير الدوائر المؤيدة لإسرائيل في السياسة الداخلية الأميركية التي دفعت دائماً نحو مثل مخططات المساعدات هذه.[3]
إن محافظة الولايات المتحدة وإسرائيل على علاقة متينة، بما في ذلك المساعدات والدعم الثابت الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى إسرائيل، تستند إلى عدة عناصر، أهمها: الأهداف الاستراتيجية المشتركة في الشرق الأوسط؛ العلاقات التاريخية القومية منذ التصويت الأميركي على خطة التقسيم في الأمم المتحدة (1947)؛ دعم الأشخاص والجمعيات غير الحكومية لتعزيز الدعم الأميركي لإسرائيل منذ قيامها في سنة 1948،[4] إذ نشأت في عقب حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، مجموعة ضاغطة داخل الولايات المتحدة لتعزيز الدعم في الكونغرس (AIPAC).[5]
والمساعدات الأميركية لا تُقدَّم لأسباب تتعلق بالشفقة، أو لاعتبارات قصيرة المدى تتعلق بـ "الأخذ والعطاء"، بل في إطار شراكة استراتيجية طويلة الأمد، تقوم على حاجة القوة العظمى إلى تعزيز قوة حليفتها، وعلى تماهي المواطنين والقادة الأميركيين في الولايات المتحدة مع دولة إسرائيل، والذي يتجلى أيضاً في الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الكونغرس، وعلى التعامل مع التهديدات المشتركة، مثل الإرهاب والأسلحة غير التقليدية والإنترنت وإيران وغيرها.
طوال عدة أعوام، اعتبرت الولايات المتحدة إسرائيل حليفاً رئيسياً من خارج حلف شمال الأطلسي. ويمكن النظر إلى المساعدات المقدمة إلى إسرائيل باعتبارها بديلاً مؤكداً من الدعم الأميركي لحلف الناتو، بل هو أمر مفضل لكلا البلدين. إذ خلافاً لما تفعله مع حلفائها الآخرين، فإن الولايات المتحدة لا تنشر قوات عسكرية في إسرائيل ، كما أن إسرائيل لا تعتمد على القوات الأميركية ميدانياً في عملياتها العسكرية.
إن المساعدات العسكرية هي المصدر الرئيسي لتمويل تعزيز الجيش الإسرائيلي، ويتم تقديمها في إطارين: المساعدات الخارجية من خلال برنامج أميركي لتمويل المشتريات العسكرية ((FMF، ومشاركة وزارة الدفاع الأميركية في تمويل المشاريع المشتركة، ولا سيما في مجالات الدفاع الصاروخي. كما تستفيد إسرائيل من مساعدات إضافية كمنح عسكرية عينية عند الضرورة.[6]
وتتيح الولايات المتحدة لإسرائيل أيضاً استخدام مخزونات الأسلحة الأميركية الموجودة في إسرائيل في أثناء المواجهات القتالية، وهو ما يؤدي إلى توسيع المخزونات المتاحة لإسرائيل. كما يتم دمج الصناعات المحلية الإسرائيلية في إنتاج الأسلحة الأميركية المخصصة لإسرائيل، بل إن الشركات الأميركية تقوم بعمليات شراء من الصناعات الإسرائيلية، مثلاً: اتفاقيات شراء طائرات "أدير" (F-35)، والتي وافق الأميركيون فيها على شراء المعدات من الشركات الإسرائيلية التي تشارك في إنتاج الطائرة.[7]
وتشكّل سنة 1971 مرحلة مفصلية في المساعدات العسكرية، إذ مُنحت إسرائيل قرضاً عسكرياً بلغ أكثر من نصف مليار دولار (للتعويض عن المخاطر العالية التي نتجت من حرب الاستنزاف التي شنّتها مصر 1969 - 1970، وتداعياتها في سنة 1974)، ثم وصل مجموع المساعدات إلى أكثر من 2,5 مليار دولار (بعد حرب 1973).[8]
وتمت المساعدات العسكرية لإسرائيل حتى سنة 1973 على شكل قروض، ثم تحولت إلى هبات وقروض حتى سنة 1984، ثم باتت تُعطى كهبات فقط. ومنذ سنة 1999، أصبحت المساعدات الأميركية تُقدَّم إلى إسرائيل من خلال مذكرة التفاهم بين البلدين (MOUs) لمدة 10 أعوام. وهذه المذكرة ليست اتفاقيات ملزمة قانونياً، ولا تتطلب تصديق مجلس الشيوخ.
في سنة 1987 تمت الموافقة على طلب إسرائيل من الولايات المتحدة الموافقة على مساعدات مالية سنوية بقيمة ثلاث مليارات دولار (1,8 مليار دولار مساعدات عسكرية، و1,2 مليار دولار مساعدات اقتصادية). وفضلاً عن هذه المساعدات المنتظمة، قدمت الولايات المتحدة إلى إسرائيل مساعدات خاصة، على سبيل المثال، في أثناء حرب الخليج في سنة 1991، وحرب العراق في سنة 2003.[9]
وتم الاتفاق على مذكرة التفاهم الأولى الممتدة 10 أعوام (1999 - 2008) بين إدارة كلينتون وإدارة نتنياهو الأولى، وشكلت التزاماً بما لا يقل عن 26,7 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية (منها 21,3 مليار دولار مساعدات عسكرية). ولعل الأمر الأهم الذي تضمّنه الاتفاق، هو القرار الاستراتيجي بوضع خطة لوقف جميع المساعدات الاقتصادية لإسرائيل بالتدريج.[10] واتُّخذ هذا القرار في سنة 1996 من طرف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بهدف تقليل اعتماد إسرائيل على المساعدات الاقتصادية الأميركية بنسبة 20%. فقد نص الاتفاق الذي تم توقيعه في سنة 1998 على خفض متدرج للمساعدات الاقتصادية بمقدار 120 مليون دولار سنوياً، على أن يتم تحويل نصف هذا المبلغ إلى مساعدات عسكرية. وانتهت هذه العملية في سنة 2007، ومنذ سنة 2008 لم تتلقّ إسرائيل سوى مساعدات عسكرية.[11]
في سنة 2007، وقّعت إدارة بوش وحكومة أولمرت مذكرة تفاهم ثانية تضمّنت مساعدات عسكرية بقيمة إجمالية بلغت 30 مليار دولار لفترة 10 أعوام (2009 - 2018). وتضمّن الاتفاق لأول مرة إمكان تحويل ما يصل إلى 26,3% من المساعدات إلى مساعدات نقدية لشراء المعدات التي تصنّعها إسرائيل (Off-Shore Platforms/OSP).[12]
وتجاوز مجمل المساعدات العسكرية لإسرائيل حتى سنة 2019، الـ 100 مليار دولار.[13] وقد ساهم هذا المبلغ الضخم في تخفيف العبء الأمني عن إسرائيل، وكان مصدراً لتمويل وتعزيز قدرات الجيش الإسرائيلي بالتكنولوجيا الأميركية ومنظومات الأسلحة الرئيسية.
في 15 أيلول / سبتمبر 2016، تم توقيع اتفاقية المساعدات الأمنية الثالثة بين الولايات المتحدة وإسرائيل للعقد 2019 - 2028، بمستوى قياسي قدره 38 مليار دولار. ودخلت الاتفاقية في حيز التنفيذ في سنة 2019، وستظل سارية المفعول حتى سنة 2028، وبموجبها ستبلغ المساعدات السنوية 3,8 مليارات دولار، منها 500 مليون دولار مخصصة تحديداً لمجال الدفاعات الجوية، مثل القبّة الحديدية، ومقلاع داود، وأنظمة أُخرى.
وفي إطار مذكرة التفاهم الثالثة (2019 - 2028)، تقرر أيضاً أنه بدءاً من سنة 2023، سيتم بالتدريج تقليص التحويل (المساعدات النقدية / OSP)، والذي بموجبه يمكن تحويل 26,3% من المساعدات السنوية، أي ما يقرب من 815 مليون دولار، إلى الشيكل، الأمر الذي يعني أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يمكنها شراء سلع أو خدمات من شركات إسرائيلية ودفعها بالشيكل، بناء على تحويل الدولارات التي تلقتها من الولايات المتحدة. ومن أبرز الأمثلة شراء المركبات القتالية المدرعة، وتحديداً "الميركافا" و"النمر"، والتي جرى شراؤها على أساس الأموال المحولة. ومن المفترض أن ينخفض هذا القسم بالتدريج كل عام حتى يتم إعادة ضبطه في سنة 2028، بحيث يبلغ متوسط معدله على مدى العقد الذي يسري فيه الاتفاق نحو 16%. وتُعتبر أهمية تقليص التحويل كبيرة وخطرة بالنسبة إلى الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، وخصوصاً المتوسطة والصغيرة، والتي لا تستطيع فتح مصانع في الولايات المتحدة تسمح لها بالاستفادة من ميزانية الدولار.
ومن الجدير بالذكر، أن هذه المساعدات التي تمتد 10 أعوام تسمح للجيش الإسرائيلي بالوصول المنتظم إلى أسلحة أميركية فائقة الجودة، وبالقدرة على تنفيذ التخطيط الطويل الأمد في مجال التعزيزات وتحسين ظروف الشراء.[14]
منذ هجوم 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 والحرب على غزة، فإن استثمار العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة هو الإنجاز الحقيقي للعقيدة الأمنية الإسرائيلية في الحرب على غزة، ذلك بأن التدخل الأميركي غير المسبوق بجميع المقاييس غيّر المعادلة إلى حد كبير، وهو ما يدل على متانة العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين وعمقها. وقد انعكس هذا الأمر في حجم وماهية المساعدات العسكرية غير المسبوقة لإسرائيل، منها: مساعدات عسكرية مباشرة، إذ زودت الولايات المتحدة إسرائيل بـ 230 قافلة عسكرية جوية، منها قنابل دقيقة التوجيه تبلغ قيمتها 320 مليون دولار،[15] و20 سفينة محملة بالأسلحة الأميركية.[16] وبعد وقت قصير من بدء الحرب على قطاع غزة، أقرّ الكونغرس زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل، بمبلغ إجمالي غير مسبوق بلغ 14,25 مليار دولار، أي أقل قليلاً من المبلغ الذي كان من المقرر أن تتلقاه إسرائيل في أربعة أعوام من المساعدات وفقاً للمخطط المعتمد، وكذلك مساعدات عسكرية غير مباشرة انعكست بالدعم الاستراتيجي من خلال نشر وجود عسكري في المنطقة لردع إيران وحزب الله، والمشاركة الفعلية بالدفاع عن إسرائيل خلال الهجوم الذي نفذته إيران.
وفي المقابل، عادت المساعدات العسكرية بالفائدة على الصناعة الأميركية التي ازدادت قدرتها على بيع منتوجاتها إلى دول أُخرى، وخصوصاً أنها ترى في الجيش الإسرائيلي مستخدماً متطوراً يشكل عنصراً مهماً في تعزيز المبيعات. كما استفادت المؤسسة الأمنية الأميركية بتلقّي معلومات استخباراتية وخبرة عملانية قيّمة من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
إلى جانب ذلك، فإن لهذه المساعدات أبعاداً إيجابية كبيرة في نظر الأميركيين، لا تقلّ أهميتها عن فائدتها لإسرائيل، وأبرزها تعزيز المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، إذ تستطيع إسرائيل، الحليف الإقليمي الأساسي، أن تردع وتدافع عن نفسها إزاء مجموعة واسعة من التهديدات العسكرية الإقليمية، وعن الجنود الأميركيين والمصالح الأميركية وحلفاء آخرين. وهذه الميزة الاستراتيجية تتعزز بشكل فاعل حين ترغب الولايات المتحدة في تقليص وجودها في المنطقة.[17]
علاوة على ذلك، فإن العلاقة الناتجة من هذه المساعدة تشكل جزءاً من شراكة أمنية أوسع نطاقاً. ففي إطارها، تتمتع الولايات المتحدة بإمكان الوصول إلى الاستخبارات الإسرائيلية التي تُعدّ بين الأفضل في العالم، والتدريبات المشتركة مع الجيش الإسرائيلي، والوصول إلى تقنيات رائدة مثل "تروفي" (Trophy) و"القبة الحديدية"، والتعلم المباشر من الخبرة العملانية بتشغيل أنظمة أسلحتهم، ومن التحسينات التي تجريها إسرائيل عليها، والتي تنتج معرفة ذات قيمة كبيرة.
في سياق إيجابيات المساعدات العسكرية، فإن المساعدات الأمنية المقدمة إلى إسرائيل تعبّر عن الالتزام الراسخ من جانب الأميركيين بدعم دولة إسرائيل، وقد بلغ مجموع هذه المساعدات حتى الآن أكثر من 142 مليار دولار، الأمر الذي انعكس أيضاً في الدعم الأميركي غير المشروط تقريباً من خلال التصويت لمصلحة إسرائيل في مجلس الأمن والجمعية العامة التابعتين للأمم المتحدة. وهذه المساعدات تتماهى مع القول الأميركي المأثور: "ضع أموالك في مكان فمك" (put your money where your mouth is).
كذلك، تلتزم الولايات المتحدة بإبقاء إسرائيل في طليعة التكنولوجيا مقارنة بجيرانها، وهو ما ينعكس في القانون الأميركي الذي بموجبه لا يمكن لمبيعات الأسلحة للولايات المتحدة أن تؤثر سلباً في "التفوق النوعي العسكري" (Qualitative Military Edge/ QME) لإسرائيل على الدول الأُخرى في المنطقة.
إن الميزة الاقتصادية، مثلما ذكرنا، أصبحت أقل أهمية. غير أن الميزة التكنولوجية في اتفاق المساعدات التي تمكّن إسرائيل من شراء الأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة بحجم أوسع وأكبر، تمكّنها من الحصول على التكنولوجيا المتقدمة جداً من خلال قنوات العمل المباشرة مع وزارة الدفاع الأميركية ووحداتها المسؤولة عن تنفيذ المساعدات العسكرية. وهذه الميزة تعزز العلاقات والتعاون غير المباشر، مثل تطوير منظومة الدفاع الصاروخي كـ "القبة الحديدية"، وتبرز في المشتريات المتبادلة (offset) المتفق عليها في الصفقات، وفي الإنتاج المشترك الجزئي لأجهزة ومعدات يتم بيعها إلى العالم مع الحفاظ على مختلف التعديلات التي تلائم حاجات إسرائيل، الأمر الذي يساهم في جلب التكنولوجيا والمعرفة إلى الصناعات المحلية، ويسمح لها بتوفير قدرات الصيانة المستقلة لمعدات الجيش الإسرائيلي.
أمّا في سياق نواقص وسلبيات المساعدات العسكرية، فيمكن الإشارة إلى عدد من النواقص أبرزها أن الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة لها ثمن لا ينبع فقط من المساعدات الأمنية، بل من حقيقة أن إسرائيل شريك استراتيجي للولايات المتحدة، وهو ما يجعل إسرائيل مستمرة في إظهار حساسيتها تجاه الأمن والمصالح السياسية الأميركية. وهذا الأمر برز بوضوح من خلال تفعيل الضغوط الأميركية على العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين إسرائيل والصين، إذ أُلغيت صفقة بيع طائرات "فالكون" للصين (في سنة 2000) بعد ضغوط أميركية، ثم تلتها المطالبة الأميركية بوضع آلية لمراقبة الصادرات العسكرية الإسرائيلية، تمخّض عنها إنشاء قسم الرقابة على الصادرات (EPD) في وزارة الدفاع الإسرائيلية.[18]
إن المساعدات الأميركية لها تأثير مقيد في الصناعات الدفاعية في إسرائيل، لأن معظم حاجات الجيش الإسرائيلي يتم توفيره من الصناعات الأميركية وفقاً لشروط المساعدات. ومن المتوقع أن يزداد التأثير الناجم عن ضرورة الجيش الإسرائيلي لشراء الأسلحة من الولايات المتحدة، مع التوقف المتدرج والمتوقع لخيار التحويل من الدولار إلى الشيكل.
وفي سياق متصل، فإن اتفاقية المساعدات العسكرية تشكل أحد التحديات المستقبلية التي تواجه استراتيجيا إسرائيل للصناعة العسكرية، إذ بموجب الاتفاقية الثالثة (2019 – 2028) يتم بالتدريج إلغاء القدرة على تحويل عملة المساعدات إلى عملة محلية (حتى نقطة إلغاء هذا التحويل تماماً في العام الأخير من الاتفاقية)، الأمر الذي سيتطلب من شركات الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك الشركات المشاركة في سلسلة إنتاج أنظمة الأسلحة والمنصات العسكرية، تخصيص موارد أكبر لدخول أسواق جديدة وتوسيع أنشطتها التسويقية، من أجل زيادة تصدير أنظمة الأسلحة الإسرائيلية للعملاء الحاليين والجدد.
ومن أجل تحقيق الفائدة القصوى من اتفاقية المساعدات الأميركية الجديدة لإسرائيل، سيتعين على شركات الدفاع الإسرائيلية ترسيخ وتثبيت التعاون مع شركات الدفاع الأميركية، وفتح خطوط إنتاج جديدة في الولايات المتحدة، أو تحويل خطوط إنتاج قائمة من إسرائيل إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي ربما يؤدي إلى فصل عمال إسرائيليين، ويُلحق ضرراً كبيراً بالشركات الأمنية المتوسطة والصغيرة في إسرائيل، إذا لم يتم الاستعداد المسبق لعملية إلغاء تحويل جزء من المساعدات الأميركية إلى الشيكل.[19]
منذ سنة 2020 حتى الحرب على غزة في سنة 2023، ارتفعت أصوات كثيرة في إسرائيل تدعو إلى إعادة النظر في الحاجة المستمرة إلى المساعدات الأمنية، بسبب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة، وما يلحقه ذلك من ضرر على العلاقة المتينة مع الولايات المتحدة.
كما أن القوة الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع بها دولة إسرائيل في المرحلة الراهنة، مع النمو المرتفع نسبياً مقارنة بالعالم الغربي، والناتج المحلي الإجمالي للفرد يقترب من 40,000 دولار من ناحية، والأهمية المتناقصة للاقتصاد الإسرائيلي من ناحية أُخرى، تثير تساؤلات عن الحاجة الاقتصادية الفعلية إلى المساعدات ومقدارها، مقارنة بالثمن الذي قد تولّده.
في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، رفض مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة ثلاثة مشاريع قوانين لتقييد تصدير الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل، على أساس ادعاءات عدم استيفائها المتطلبات القانونية الدولية في حربها على قطاع غزة. لكن مجرد مناقشة المقترحات في زمن الحرب، والاستعداد لدعمها داخل صفوف الحزب الديمقراطي، وانهيار الوحدة داخل المعسكر اليهودي المؤيد لإسرائيل، أمور تعبّر عن الانقسام المتزايد في الساحة السياسية الأميركية المحلية فيما يتعلق بإسرائيل وسياساتها. وإذا كان الدعم لإسرائيل في الماضي ساحقاً وثنائي الحزبية، فإن هذا الواقع بدأ يتغير، بل من المتوقع أن يشكل هذا الاتجاه تحدياً لإسرائيل على المديين المتوسط والبعيد، مع التركيز على مذكرة التفاهم بشأن المساعدات الخارجية لإسرائيل، والتي سيتم مناقشتها في الكونغرس في الأعوام المقبلة.[20]
بالمجمل، وحتى الحرب على غزة في سنة 2023، فإن خبراء ومسؤولين عسكريين اعتقدوا أن المساعدات الأميركية لا تشكل أهمية بالمفهوم الوجودي لإسرائيل. وفي المقابل، إذا قررت الولايات المتحدة إلغاء مساعداتها لأي سبب، فإن إسرائيل ستكون قادرة على الوجود من دونها. كما أن تغطية ميزانية الدفاع بالكامل من الموارد المحلية أمر ممكن اقتصادياً، من خلال تقليصات في مجالات أُخرى.
غير أن الحرب حسمت النقاش بشأن ضرورة المساعدات الأميركية، بل إن الحرب على غزة أثبتت أن التعاون الاستراتيجي، وفي جوهره المساعدات العسكرية، هو أمر ضروري لبقاء إسرائيل. ويظل النقاش الداخلي في إسرائيل بشأن مدى الاستعداد للتمسك بمبدأ الاعتماد على الذات في مقابل عمق التبعية وأثمانها، نقاشاً سياسياً وأكاديمياً على المستوى النظري فقط، عدا التعامل مع اتفاقية المساعدات العسكرية كأحد التحديات المستقبلية التي تواجه استراتيجيا إسرائيل للصناعة العسكرية.[21]
المصادر:
[1] إن "المساعدات التدخلية" تفترض التدخل المباشر وغير المباشر للدولة المانحة في الدولة المستهدفة لتقديم المساعدة، وتؤسَّس على المتابعة المستمرة ضمن مراقبة وتقييم أهمية وتأثير المساعدات بشكل مستمر لضمان فاعليتها.
[2] Aswin Ariyanto Azis and Hemalia Kusumadewi, “Aidization of Weapon, Weaponization of Aid: The US-Israel Interventionist Aid in Israeli Palestinian War”, European Journal of Law and Political Science, vol. 3, no. 2 (April 2024).
[3] Yu Wang, “Interest or Influence? An Empirical Study of U.S. Foreign Aid to Israel”, Israel Affairs, vol. 27, no. 4 (2021), pp. 664–674.
[4] “U.S. Overseas Loans and Grants (Greenbook)”, The U.S. State Department (Obligations and Loan Authorizations July 1, 1945 - September 30, 2017), USAID.
[5] Yosua Saut Marulitua Gultom & Hafidz Zaula Miftah, “The Role of the Jewish Lobby Toward US Foreign Policy Making on the 2023 Israel-Palestine War (Case of AIPAC)”, Hasanuddin Journal of Strategic and International Studies (HJSIS), vol. 2, no. 2 (2024), pp. 38-49.
[6] على سبيل المثال: في خضم الانتفاضة الثانية في سنة 2003، تم تخصيص منحة إضافية لإسرائيل بقيمة مليار دولار.
[7] Jim Zanotti, “Israel: Background and U.S. Relation”, Congressional Research Service RL33476, October 28, 2016, p. 25.
[8] Roni Bart, “Israel and American Aid: Continue Forward or Reverse Course”, Strategic Assessment, vol. 10, no. 1 (June 2007).
[9] Ibid.
[10] Jeremy M. Sharp, “U.S. Foreign Aid to Israel”, Congressional Research Service RL33222, August 7, 2019, p. 5.
[11] Bart, op. cit.
[12] Sharp, op. cit.
[13] Ibid., p. 1.
[14] Shamuel Even, “US Military Aid: Still a Strategic Asset for Israel”, in: Israel’s Defense Industry and US Security Aid, edited by Sasson Hadad, Tomer Fadlon, and Shmuel Even, The Institute for National Studies (INSS), Memorandum no. 2020, INSS, July 2020. pp, 129 – 140.
[15] Jared Malsin, “U.S. Plans $320 Million Weapons Transfer to Israel as Gaza Toll Mounts”, The Wall Street Journal, November 6, 2023.
[16] Ahmed Asmar, “Israel Receives 230 Planes, 20 Ships Loaded with US Arms Amid Gaza War”, “Anadolu Agency”, December 25, 2023.
[17] “Arming Israel to Defeat Iranian Aggression: Frontloading Weapons Delivery”, The Jewish Institute for National Security of America (JINSA), JIMSA’s Gemunder Center U.S.-Israel Security Policy Project, November 2019.
[18] أوره كورن، "طائرة الفالكون كنقطة تحول: الضغط الأميركي بدأ في سنة 2003"، "هآرتس" (بالعبرية)، 2 / 1 / 2008، في الرابط الإلكتروني.
ويُنظر أيضاً:
Doron Ella, “A Regulatory Mechanism to Oversee Foreign Investment in Israel: Security Ramifications”, The Institute for National Security (INSS) Insight, no. 1229, November 19, 2019.
[19] Even, op. cit.
[20] Avishay Ben Sasson-Gordis and Chuck Freilich and Theodore Sasson, “Implications of the US Senate Vote on Limiting Arms Sales to Israel”, The Institute for National Security (INSS) Insight, no. 1926, December 18, 2024.
[21] إيتان جلبوع، "الولايات المتحدة الأميركية وقضية 'اليوم التالي' للحرب في غزة"، "راديو غالي إسرائيل" (بالعبرية)، 9 / 1 / 2024، في الرابط الإلكتروني.