The Right-Wing Government: The Ability to Survive and Maneuver in the Shadow of Aggressive War in Gaza
Full text: 

يتمثل العامل الأساسي في المشهد السياسي الإسرائيلي في نجاح الحكومة على البقاء والتماسك في ظل العدوان على غزة، والأزمات المتتالية التي مرت بها، فقد نجح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في إبقاء حكومته متماسكة من خلال تحقيق مصالح جميع مركّباتها. وهذا السعي للحفاظ على الحكومة يتعلق بمعرفة جميع مركّباتها تقريباً أن إسقاط الحكومة سيعود بالخسارة على الجميع، لكن الأهم من ذلك غياب البديل الحكومي لكل مركب من مركّباتها، ففي كل حكومة مستقبلية غير هذه الحكومة لن يجد مركّب منها مكاناً له فيها، وأظن أن هذا المشهد غير مسبوق في تاريخ المشهد السياسي الإسرائيلي. 

أولاً: تماسك الحكومة

تعتمد هذه الحكومة على مركّبات لدى كل منها مصالح لا تستقيم مع حكومات أُخرى محتملة بعد العدوان على قطاع غزة، ولهذا كان الحفاظ على مصالح مركباتها العامل اللاصق لتلك المركّبات. فالأحزاب الدينية الحريدية (حركة شاس ويهدوت هتوراه) لديها مصلحتان: استمرار الدعم المالي القطاعي للمجموعة الحريدية في المجالات التعليمية والدينية والاجتماعية والاقتصادية؛ تشريع قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية. وبالنسبة إلى الهدف الثاني، فإن أي حكومة أُخرى لن تقبل تشريع قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية للمتدينين الحريديم، والذي ينسجم مع مطالب الأحزاب الدينية، وخصوصاً بعد العدوان على قطاع غزة، وبروز هذه القضية ليس كمسألة اقتصادية، بين مَن يخدم ويعمل ويدفع الضرائب، وبين مَن لا يخدم ولا يعمل ويحصل على الضرائب، بل لأنها تحولت إلى قضية بين مَن يخدم ويقتل، ومَن لا يخدم ويستمر وقت الحرب في الاستفادة من الذين يدفعون الضرائب.

تتفق أغلبية مركبات المعارضة على أهمية إقرار قانون لتجنيد الحريديم يفضي بالنهاية، وبعد أعوام من التجنيد المتدرج المتصاعد، إلى تجنيد معظم الحريديم في الجيش. ولهذا فإن الأحزاب الحريدية تدرك أن الحكومة الحالية هي الخيار الأفضل لها للتوصل إلى صيغة مقبولة لهم في هذا الشأن، فهم على الرغم من خرق نتنياهو المتكرر لوعوده لهم بتشريع قانون ملائم لهم، وتهديداتهم المستمرة بالخروج من الحكومة إذا لم يتم تشريع القانون، فإنهم يقررون في النهاية البقاء فيها. وكانت الجرعة الأخيرة التي قدمها نتنياهو لهم هي إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، وهذا لم يكن بسبب تباين المواقف بينهما فيما يتعلق بإدارة الحرب في غزة ولبنان، وإنما بسبب رفض الأخير الموافقة على تشريع قانون ينسجم مع شروط الأحزاب الحريدية.

أمّا حزب الصهيونية الدينية، فإنه حزب يهدف إلى توسيع وتعميق المشروع الاستعماري الاستيطاني في الضفة الغربية، وقد استطاع خلال العامَين الماضيين من عمر الحكومة أن يحقق كثيراً من أهدافه الاستعمارية في الضفة الغربية، فضلاً عن البيان الحكومي التأسيسي الذي أقرّ بضم الضفة الغربية. ولم يخرج الحزب من الحكومة مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، على الرغم من معارضته له، فهو لا يريد إسقاط الحكومة على الرغم من تهديده بذلك، خوفاً من خسارة ما حققه في الضفة الغربية. وفي رأي وزيرة الاستيطان [واسم الوزارة التي تولتها، هي "وزارة المهمات القومية"] أوريت ستروك، من حزب الصهيونية الدينية (حزب الاتحاد القومي)، فإن "ما نقوم به في الحكومة يُعتبر معجزة، من تشريع البؤر الاستيطانية، وتوسيع المستوطنات، وتهجير السكان من خلال الميليشيات الاستيطانية والجيش، وتضييق الحيز الفلسطيني، وربما ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها."

وجاء انضمام حزب "اليمين الرسمي" إلى الحكومة برئاسة غدعون ساعر في أواخر أيلول / سبتمبر 2024 مع بدء العدوان على لبنان، وذلك من أجل العودة إلى الحزب الأم، وهو الليكود، والذي سرعان ما تماهى مع معظم سياسات الحكومة وتوجهاتها التي عارضها في السابق عندما كان في المعارضة، ولا سيما مشروع التغييرات الدستورية، وخرج بخطة جديدة مع وزير القضاء الليكودي ياريف لفين لتغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة، وهي الخطة التي دشّنت عملياً عودة ساعر إلى صفوف الليكود في صيغته الشعبوية المتطرفة. أمّا حزب "قوة يهودية" برئاسة إيتمار بن غفير، فخرج من الحكومة في أعقاب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، من دون أن يصبح طرفاً في المعارضة، ولم يتحالف معها لإسقاط الحكومة، على أمل العودة إلى الحكومة إذا تجدد العدوان على قطاع غزة، أو ألغي الاتفاق. وما زالت الوزارة التي فشل فيها، وهي وزارة الأمن القومي، في عهدة لدى وزير آخر ريثما يعود إلى الحكومة.

بدأ التغير في شعبية نتنياهو شخصياً وفي الائتلاف الحكومي في أعقاب العدوان على لبنان في أواخر أيلول / سبتمبر 2024، إذ اعتُبر هذا العدوان انتصاراً كبيراً لإسرائيل تمثّل في اغتيال قيادات حزب الله، وعلى رأسهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وفي إضعاف المحور الإيراني، بل إن نشوة الانتصار وصلت إلى أقصى مدى في المجتمع الإسرائيلي جرّاء العدوان، وما حققته إسرائيل من إنجازات ذات طابع استراتيجي، مثل سقوط النظام السوري، واحتلال مناطق في سورية، والبقاء في لبنان على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية منه. وستبيّن استطلاعات الرأي (يُنظر الجدول أدناه) أن الائتلاف الحالي بدأ يزاحم المعارضة على الحصول على الأغلبية في الكنيست (من دون تمثيل القوائم العربية)، بعد أن كانت المعارضة اليهودية قادرة على تشكيل حكومة بسهولة من دون القوائم العربية لو جرت الانتخابات خلال العدوان على غزة. 

ثانياً: المعارضة الإسرائيلية

كانت استطلاعات الرأي كلها عند بدء العدوان على غزة، بل حتى قبل ذلك، تشير إلى أن مركّبات المعارضة تستطيع تشكيل حكومة في حال جرت الانتخابات الآن، ذلك بأنها ستحصل على أغلبية المقاعد في الكنيست الإسرائيلي، وفق تلك الاستطلاعات، إلّا إن عدد المقاعد التي يُمكن أن يحوزها كل حزب من أحزاب المعارضة لم يكن مستقراً، إذ كان يتفاوت مع استمرار العدوان على غزة. فمع بداية العدوان ارتفع حزب "معسكر الدولة" برئاسة بني غانتس بصورة دراماتيكية في استطلاعات الرأي، حتى إن تمثيله وصل إلى 42 مقعداً، وهو تمثيل لم تُعطِ الاستطلاعات مثله في الحلبة السياسية الإسرائيلية منذ سنة 1992، لكن مع دخول هذا الحزب إلى الحكومة، وإنقاذه لشرعية حكومة نتنياهو التي فقدت توازنها بعد عملية طوفان الأقصى، بدأ تمثيل غانتس يتراجع بالتدريج، فقد نجح نتنياهو في استغلاله لبناء شرعية لحكومته كونها حكومة طوارىء، غير أن نتنياهو شرع يهمّش غانتس بعد أشهر من العدوان، مستغلاً فرصة حكومة الطوارىء لتوطيد حكومته الأصلية، الأمر الذي دفع غانتس إلى الخروج من الحكومة في 9 حزيران / يونيو 2024، لكن بعد أن خسر كثيراً من تأييده الشعبي الذي حصل عليه بعد عملية طوفان الأقصى. واستمر حزب غانتس في التدهور في استطلاعات الرأي حتى وصل إلى تمثيل شبيه بتمثيله الآن في الكنيست (12 مقعداً).

 

جدول نتائج الانتخابات بحسب استطلاعات الرأي مقارنة بنتائج انتخابات 2022

قوائم الحكومة الحالية

 

استطلاع[1] 13/10

استطلاع[2] 3/11

استطلاع[3] 9/2

استطلاع[4]

7/6

استطلاع[5]

7/2/2025

انتخابات 2022

الليكود

19

18

18

20

24

32

شاس

7

8

11

10

9

11

يهدوت هتوراه

7

7

7

7

7

7

الصهيونية الدينية

4

5

0

4

4

14

عظمة يهودية

5

4

9

10

9

المجموع

42

42

45

51

53

64

قوائم المعارضة

 

استطلاع 13/10

استطلاع 3/11

استطلاع 9/2

استطلاع

7/6

استطلاع

7/2/2025

انتخابات 2022

المعسكر الرسمي

41

39

37

27

17

12

يوجد مستقبل

15

15

15

15

13

24

إسرائيل بيتنا

6

8

9

11

15

6

ميرتس

6

6

4

-

-

-

الجبهة-العربية للتغيير

5

5

5

5

6

5

القائمة العربية الموحدة

5

5

5

5

4

5

حزب العمل

0

0

0

6

12[6]

4

المجموع

78

78

75

69

67

56

 

مستقبل الحكومة

تبيّن نتائج استطلاعات الرأي بشكل مثابر أن الحكومة الحالية لا تستطيع إعادة تشكيل الحكومة في حالة جرت انتخابات في إسرائيل، وحتى بعد لقاء ترامب - نتنياهو الذي اعتُبر لقاء ناجحاً حققت فيه إسرائيل كثيراً من المكتسبات السياسية. فتمثيل الحكومة الحالية لا يسمح لها بتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من زيادة تمثيل حزب الليكود مقارنة ببداية العدوان. ولذلك يهدف نتنياهو بشكل مثابر إلى تثبيت مركّبات حكومته ومنعها من السقوط. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة، وهشاشة بقائها بسبب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإنها ربما تكون الحكومة الأولى، منذ سنة 1988، التي تُكمل مدتها القانونية حتى موعد الانتخابات العامة في تشرين الأول / أكتوبر 2026.

وقد نجح نتنياهو في تجاوز كثير من العقبات أمام بقاء حكومته، ويمكن تعدادها على النحو التالي:

1 - تحدي إخفاق 7 تشرين الأول / أكتوبر: لقد وصلت شرعية حكومة نتنياهو وشعبيته شخصياً إلى الحضيض، لكنه تمكّن من خلال تشكيل حكومة الطوارئ، من إنقاذ حكومته، وإعادة بنائها وتثبيتها بعد أشهر من الحرب. كما أن غانتس بدخوله إلى الحكومة ساعد في إنقاذ نتنياهو وشرعيته على المستوى الداخلي والخارجي، ولا سيما أنه رفض إجراء انتخابات جديدة، أو نزع شرعية الحكومة خلال الحرب، هذا من جهة. ومن جهة أُخرى، فإن مشاركة غانتس في إدارة الحرب عدة أشهر بقصد التأثير في قراراتها، كانت كافية لنتنياهو لإعادة ترتيب صفوف الحكومة واليمين من حوله، بحيث لم يستطع غانتس تحقيق ما أراده، وهو ما أكده بنفسه حين قال إن تأثيره في قرارات الحكومة كان معدوماً في الفترة الأخيرة من وجوده فيها. وبعد خروج غانتس بمدة انضم غدعون ساعر إلى الحكومة بعد أن فكّ تحالفه مع غانتس، وانضم بأربعة أعضاء إلى الحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي رفع تمثيلها إلى 68 مقعداً.

2 - تحدي قانون "التجنيد للمتدينين": بعد أن ألغت المحكمة العليا قانون التجنيد منذ سنة 2015، بسبب غياب المساواة فيه فيما يتعلق بالخدمة العسكرية، طلبت الحكومات المتعاقبة تأجيل البت في الموضوع. وفي سنة 2023، وقبل اندلاع الحرب، أمهلت المحكمة العليا الحكومة حتى تموز / يوليو لتشريع قانون الخدمة العسكرية للحريديم، لكن الحكومة ماطلت متحججة بذرائع متنوعة، غير أنه مع اندلاع الحرب، طالبت المحكمة مرة أُخرى بتشريع القانون، وحتى اللحظة لم تنفذ الحكومة ذلك، الأمر الذي يعني سريان قانون التجنيد الالزامي العام عليهم، في حالة لم تشرّع الحكومة قانوناً جديداً.[7]

تُعتبر مسألة قانون التجنيد التهديد الفعلي على حكومة نتنياهو، فعدم تشريع قانون إعفاء المتدينين الحريديم من الجيش كان من شأنه فرض قانون التجنيد الإلزامي عليهم، وبالتالي خروج الأحزاب الدينية الحريدية من الحكومة، الأمر الذي يفقدها الأغلبية المطلوبة ويؤدي إلى إسقاطها، لكن نتنياهو نجح في استحضار هذا القانون الذي قدمه غانتس في سنة 2022، ونجح في تمرير القراءة الأولى له، ليعزز بذلك تحالفه مع الأحزاب الدينية، وينجح في الحفاظ على دعمهم لحكومته وبقائهم فيها. ولاحقاً أقال نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت، ليس بسبب خلافات بشأن إدارة الحرب والعدوان على لبنان وغزة، بل بسبب رفض غالانت تقديم مشروع قانون تجنيد للمتدينين ينسجم مع مطالب الأحزاب الحريدية. وجاء تعيين الوزير الحالي يسرائيل كاتس من أجل طمأنة الأحزاب الحريدية بأن الحكومة جادة في تشريع قانون ملائم لهم، وفَرَض ذلك على المؤسسة العسكرية التي تطالب بتشريع قانون يُلبي حاجاتها العسكرية من الجنود والقوى البشرية بعد الخسائر الكبيرة خلال العدوان على قطاع غزة.

3 - تحدي خروج غانتس من الحكومة: لم يؤثر خروج غانتس في تماسك الحكومة، وإن كانت شرعيتها الجماهيرية تأثرت، لأن شرعيتها القانونية ظلت قائمة بسبب وجود 64 عضواً في الائتلاف الحكومي (ولاحقاً 68 عضواً). بل جاء خروج غانتس في سياق تعافٍ نسبي لشعبية حكومة نتنياهو وتماسكها،[8] إذ لم يتسبب خروجه باستقالة أعضاء من الحكومة الأصلية، وخصوصاً من أعضاء الليكود المعارضين لنتنياهو والمنتقدين لسياساته، وإنما دعموا جميعاً (ما عدا غالانت) قانون التجنيد للمتدينين. وهذا يؤشر إلى استمرار هيمنة نتنياهو على حزب الليكود، وعلى خوف معارضيه في مؤسسات الحزب من معاقبة جمهور الحزب لهم في الانتخابات الداخلية المقبلة، ويؤكد أيضاً أن اختيار غانتس لتوقيت خروجه من الحكومة "كان خطأً"، حتى إن الليكود وصفوه بأنه "هارب من الحرب".

4 - تحدي الضغط الجماهيري المتواصل على الحكومة، سواء فيما يتعلق بملف الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، أو الضغط الجماهيري لتبكير موعد الانتخابات وتشكيل لجنة تحقيق رسمية: فمثلما واجه نتنياهو الاحتجاجات الجماهيرية ضد التغييرات الدستورية قبل الحرب، فإنه واجه الاحتجاجات بعد الحرب، لكن حكومته استمرت، ولا سيما أن الاحتجاجات الأخيرة كانت أقل حدة من الاحتجاجات على التغييرات الدستورية.

5 - محاكمة نتنياهو: بدأت محاكمة نتنياهو بعد تأجيل طويل بسبب الحرب، وشرع يدلي بشهادته ثلاث مرات كل أسبوع، مع انقطاع بسبب التزاماته الأمنية أو الدبلوماسية. وتبيّن استطلاعات الرأي أن المحاكمة لم تؤثر في شعبية نتنياهو لا سلباً ولا إيجاباً، وإنما عززت الاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي بين مَن يعتقد أن المحاكمة هي ملاحقة سياسية، وهي سردية نجح نتنياهو في تكريسها في صفوف قواعد اليمين الاجتماعية، وبين مَن يعتقد أن نتنياهو فاسد وأن محاكمته تأخرت، لا بل إن هنالك تقصيراً من المنظومة القضائية في حسم هذا الملف بسبب حالة التحريض والخوف التي بثّها اليمين تجاه المنظومة القضائية. وفي المجمل نجح نتنياهو في تحويل محاكمته إلى دعاية سياسية شعبوية لتثبيت معسكر اليمين حوله من خلال الادعاء أن المحاكمة لا تهدف إلى محاكمته شخصياً فحسب، بل لإسقاط حكم اليمين أيضاً من خلال القضاء، بعد أن فشلت الدولة العميقة والمعارضة في إسقاطه عن طريق الانتخابات مراراً وتكراراً.

6 - خروج حزب "قوة يهودية": إن خروج هذا الحزب برئاسة إيتمار بن غفير من الحكومة في أعقاب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لم يؤثر في بقاء الحكومة، فبعد انضمام ساعر إلى الحكومة، بقيت الحكومة مع أغلبية في الكنيست، بل ربما يعود بن غفير إلى الحكومة إذا ما استأنفت الحكومة الحرب على قطاع غزة. وفي هذا الصدد، فإن خطة ترامب منحت الدعم للحكومة وتوجهاتها اليمينية، وبحسب وصف الكاتب السياسي ناحوم برنياع، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمثل التوجهات "الكاهانية" (نسبة إلى مئير كهانا رئيس حركة "كاخ" الإرهابية) في البيت الأبيض، أي التوجهات اليمينية الأكثر تطرفاً في إسرائيل.[9] وسيستغل نتنياهو فترة ترامب من أجل إنجاز أهداف سياسية وأيديولوجية، فضلاً عن محاولة تحسين شعبيته الشخصية وتمثيل حزبه ومركّبات حكومته، لذلك لن يقبل بتشكيل لجنة تحقيق رسمية. ويشير تاريخ لجان التحقيق الرسمية في إسرائيل منذ لجنة أغرانات[10] في سنة 1973، والتي جاءت في أعقاب حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، مرورا بلجنة "كوهين"[11] في أعقاب حرب لبنان في سنة 1982، وصولاً إلى لجنة "فينوغراد"[12] في أعقاب حرب تموز / يوليو على لبنان في سنة 2006، إلى أن هذه اللجان حمّلت المستوى السياسي المسؤولية عن الإخفاقات، الأمر الذي تسبب باستقالة رؤساء حكومة ووزراء دفاع بسبب نتائجها وتوصياتها.

بناء على ذلك، فإن من المتوقع أن تستمر الحكومة الإسرائيلية متجاوزة الخلافات الداخلية فيها، حتى ذلك الخلاف المتعلق باتفاق وقف إطلاق النار. فوجود ترامب أعطاها مبرراً للبقاء، وهو تحقيق حلم اليمين في توسيع المشروع الاستعماري في الضفة الغربية، وربما ضمها أو أجزاء منها إلى إسرائيل، ولذلك، إن وجود ترامب ساهم في تعزيز بقاء الحكومة وتغاضي مركّباتها، وخصوصاً اليمين المتطرف، عن تداعيات محتملة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة. 

خاتمة

يتضح أكثر أن نتنياهو يريد أن تبقى حكومته متماسكة حتى موعد الانتخابات الرسمي في تشرين الأول / أكتوبر 2026، فهو الخيار الأفضل لديه في ظل نتائج استطلاعات الرأي الحثيثة التي تؤكد عدم قدرته على تشكيل حكومة في حال أُجريت انتخابات قريبة، ولا سيما أن هنالك قوى سياسية صاعدة (مثل نفتالي بينت) الذي يطمح إلى رئاسة الحكومة، ويستطيع في ظل النتائج الحالية أن يشكّل حكومة بسهولة. وفضلاً عن ذلك، فإن نتنياهو يريد أن يكسب مزيداً من الوقت لتحسين مكانته السياسية، وتأجيل تشكيل لجنة تحقيق رسمية لن تتشكّل في ظل وجود الحكومة واستمرار الحرب. وللمفارقة، قد تكون هذه الحكومة هي أول حكومة تستوفي مدتها القانونية منذ سنة 1988، بسبب تخوف جميع مركّباتها، وعلى رأسهم نتنياهو، من سقوطها المُبكر. ومن أجل إطالة عمر حكومته، أقال نتنياهو غالانت من منصبه، ولا سيما أن الأحزاب الدينية الحريدية طالبته بذلك، بسبب قانون التجنيد. وعلاوة على ذلك، فإن بقاء الحكومة بتركيبتها الحالية يتعلق باستمرار حالة الحرب في غزة، بغضّ النظر عن وتيرته، وبقاء السيطرة العسكرية والأمنية الإسرائيلية الشديدة في الضفة الغربية.

 

المصادر:

[1] موشيه كوهين، "استطلاع معاريف: الائتلاف ينهار، الليكود مع 19 مقعداً، غانتس يرتفع"، "معاريف" (بالعبرية)، 13 تشرين الأول / أكتوبر 2024، في الرابط الإلكتروني.

[2] موشيه كوهين، "استطلاع معاريف: كم يؤيدون عملية برية؟ وما هي صورة المقاعد في ظل الحرب؟"، "معاريف"(بالعبرية)، 27 تشرين الأول / أكتوبر 2024، في الرابط الإلكتروني.

[3] "مكانته سلبية: الخبر الصعب لبتسلئيل سموتريتش"، "معاريف" (بالعبرية)، 11 شباط / فبراير 2024، في الرابط الإلكتروني.

[4] موشيه كوهين، "على نتنياهو القلق: الحزب الذي يرتفع في الاستطلاعات والمنافس الذي يتراجع"، "معاريف" (بالعبرية)، 7 حزيران / يونيو 2024، في الرابط الإلكتروني.

[5] "خريطة المقاعد بحسب معاريف: الرابحون والخاسرون من قمة ترامب - نتنياهو"، "موقع والا" (بالعبرية)، 7 / 2 / 2025، في الرابط الإلكتروني.

[6] تحت اسم "حزب الديمقراطيين"، وهو تحالف حزب العمل وحركة ميرتس برئاسة يائير غولان.

[7] سيفان حيلاي، "في خضم الحرب: عدد المتجندين الحريديم ظل على حاله، المعطيات التي كشفت في الكنيست"، موقع ynet (بالعبرية)، 21 / 2 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

[8] "الائتلاف يزداد قوة، نتنياهو يغلق الفجوة في مقابل غانتس"، "معاريف" (بالعبرية)، 17 / 5 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

[9] ناحوم برنياع، "المرة الأولى التي يرأس الولايات المتحدة رئيس كهاني"، موقع ynet (بالعبرية)، 17 / 2 / 2025، في الرابط الإلكتروني.

[10] لجنة التحقيق الرسمية التي أقيمت في تشرين الثاني / نوفمبر 1973 برئاسة قاضي المحكمة العليا شمعون أغرانات، لفحص سبب الإخفاقات في الحرب.

[11] لجنة التحقيق الرسمية التي أنشئت في تشرين الثاني / نوفمبر 1982 برئاسة رئيس المحكمة العليا يتسحاق كوهين، لفحص الأحداث في مخيم صبرا وشاتيلا خلال احتلال بيروت.

[12] لجنة التحقيق الرسمية التي شُكّلت في أيلول / سبتمبر 2006، برئاسة قاضي المحكمة العليا المتقاعد إلياهو فينوغراد لفحص نتائج الحرب على لبنان في تموز / يوليو 2006.

Author biography: 

مهند مصطفى: رئيس قسم التاريخ في المعهد العربي للتربية - بيت بيرل.