Ethical Implications of Humanitarian Housing and the White Savior Complex
Full text: 

لقد أصبح التدمير في غزة متكرراً إلى درجة أن المنازل نفسها تُبنى وتُدمر أكثر من مرة، ثم يُعاد بناؤها، الأمر الذي يُظهر تناقضاً بين كيفية النظر إلى المنزل باعتباره مثالياً أو تجربة عيش، وهو ما يؤثر في كيفية تعريف الناس له في محيط الصراع.

هذه المقالة تدرس التقنيات المعمارية التجريبية والتصميم الانتقالي للمجتمع الفلسطيني المتضرر في قطاع غزة، فلسطين، وتطرح ثلاثة أسئلة رئيسية:

ما هو الدور الاجتماعي للمهندسين المعماريين ومنظمات الإغاثة الدولية في معالجة تحديات وصراعات الإسكان في غزة؟ وما هي الآثار الأخلاقية للتكنولوجيا والتصميم المعماري التجريبي على المجتمعات المتضررة في غزة؟ وما هو تصميم الإسكان الملائم للمجتمعات المهمشة، والذي سيحترم فهمها الثقافي، ويتم إشراكها بمرور الوقت؟

تستند هذه المقالة أيضاً إلى خلفيتِي المعمارية، وتربط بين العمل في مواقع الطوارىء والهندسة المعمارية والبحث الميداني، وبالتالي استكشاف إمكانات رسم الخرائط الاجتماعية والمادية كأدوات بحثية. 

المباني التجريبية في حالة الطوارىء

اجتذبت حالة الطوارىء المستمرة في غزة مزيداً من المباني التجريبية التي بَنَتها منظمات الإغاثة الدولية، وذلك بسبب صعوبة جلب مواد البناء، والحاجة الملحّة إلى ملاجىء موقتة وانتقالية للنازحين الجدد، فضلاً عن ندرة مياه الشرب والكهرباء والخيارات الاقتصادية.

ومثلما هي الحال بالنسبة إلى العديد من المجتمعات، فإن الاستجابة لعدة أنواع من الأزمات تعني أن إعادة الإعمار في قطاع غزة يُنظر إليها على أنها فرصة لبناء نوع ونماذج جديدة من المباني.

وقد ركزت هذه المشاريع، في الغالب، على استخدام مواد بناء بديلة، مثل الطين وأكياس الرمل والخشب أو الأنقاض، وهذه حلول موقتة، لكن غير كافية إذا كان الهدف منها هو خلق مجتمع مستدام، وبالتالي إعادة بناء هوية المكان.

خلال الأحداث العسكرية التي جرت في سنة 2014، والمعروفة بعملية "الجرف الصامد" (الاسم الإسرائيلي للعملية في حين كان الاسم الفلسطيني "العصف المأكول")، حدثت هجرة داخلية داخل قطاع غزة، وهذه الهجرة حدثت من المناطق الحدودية الخطرة في اتجاه مدينة غزة، وهو ما تسبب بارتفاع كبير في أسعار الأراضي، والذي انعكس تلقائياً على تكلفة السكن، الأمر الذي جذب مزيداً من التصاميم التجريبية، وخصوصاً بسبب صعوبة جلب مواد البناء، والحاجّة الملحة إلى إيجاد ملاجىء موقتة للنازحين الجدد.

وفي سنة 2015، اضطرت العائلات المتضررة من الأحداث، وبعد كثير من المداولات، إلى القبول بأن تبني منظمة دولية لهم منازل خشبية كإجراء موقت لسدّ الفجوة إلى أن يتمكن الناس من الحصول على بعض الأسمنت وبناء منازل ملائمة.

قال أحد المستفيدين من مشروع الإسكان الخشبي الانتقالي الذي نفذته مؤسسة خدمات الإغاثة الكاثوليكية في قطاع غزة، ما يلي: "المنزل الخشبي أفضل من العيش في خيمة. أعيش مع زوجتي وابنتي واثنين من أبنائي غير المتزوجين، بينما استأجر أبنائي الثلاثة الآخرون منازل ليعيشوا فيها مع زوجاتهم وأطفالهم." 

الآثار الأخلاقية للتجربة الحديثة

تركت التكنولوجيات المعمارية التجريبية الحديثة والتصميم الانتقالي للمتضررين في قطاع غزة بين سنتَي 2009 و2021، آثاراً أخلاقية في تلك المجتمعات، وفيما يلي تحليل مقارن لتلك الآثار الأخلاقية:

بعد الهجمات الإسرائيلية في سنة 2008 / 2009، ونظراً إلى نقص مواد البناء، قامت الأونروا ببناء نحو 50 منزلاً باستخدام الطين كبديل من الأسمنت التقليدي المستخدم في جميع مراحل أعمال البناء في غزة.

والسؤال الذي يبرز هنا هو: إلى أي مدى نجح هذا النموذج في غزة آنذاك، وبشكل أكثر تحديداً، هل تريد أسرة فلسطينية ممتدة [من عائلات تمتد من الجد إلى الأب والابن والحفيد] العيش فيه؟

بداية لا بد من الإشارة إلى أن انتشار المباني المصنوعة من الطين متأثر بشكل رئيسي بما يلي: 1) الحاجة إلى عمالة ماهرة للغاية؛ 2) القدرة المحدودة على بناء مبانٍ متعددة الطبقات؛ 3) عدم مقاومة الرطوبة ومياه الأمطار، والحاجة إلى صيانة كبيرة بشكل دوري.

وحتى إذا تمت معالجة الطين باستخدام "كتل ترابية مضغوطة ومستقرة"، فعندها يمكن استخدامه فقط كحشو بين الأعمدة الخرسانية وليس كعنصر هيكلي. فضلاً عن ذلك، فإن الاستخدام المكثف للطين على نطاق واسع يمكن أن يلحق ضرراً بالأراضي الزراعية التي هي نادرة فعلاً في قطاع غزة.

لقد بيّنت التجربة، وفقاً لمقابلات مع أُسر معنية بالموضوع، عدم تقبّل فكرة بناء المنازل الطينية لأسباب ثقافية. فالانتقال من أماكن الإقامة الموقتة في مدارس الأونروا إلى أكواخ طينية لا يُنظر إليه على أنه يحسّن من وضعهم. وهناك تصور في غزة أن المنازل المبنية بيئياً (وخصوصاً المبنية من الطين) هي منازل قديمة الطراز، وتمثل "الماضي"، وبالتالي فإنها غير ملائمة لعيش الناس "الحديثين".

فسكان غزة لم يعتادوا البناء والعيش في منازل من الطين أو الخشب، بل يعتبرون أن هذا النوع من المنازل يفكك الروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة الممتدة، وفق ما برره أحد أفراد أُسر أُجريت معهم مقابلات بشأن عدم الاقتناع بهذا النوع من الإسكان. فهذا النوع من المنازل يجبر الأبناء على مغادرة أحيائهم الأصلية والانتقال بحثاً عن غرفة أو شقة للإيجار. ونتيجة ذلك، يضطر بعض أفراد الأسرة إلى الانتقال بعيداً عن أُسرهم الممتدة، الأمر الذي يؤدي إلى تفكك الروابط الأُسرية القوية وفقدان الحماية الأُسرية.

وقد تركت هذه التجربة أثراً سلبياً مستمراً في المجتمع الفلسطيني المستهدف بها، وخصوصاً الحقّ في السكن اللائق. فتتالي الحروب المدمرة، والحاجة إلى بناء الملاجىء الموقتة، تسببا بتغييرات ديموغرافية واجتماعية كبيرة، ولا سيما للأُسر الممتدة ذات الدخل المنخفض.

 

في قطاع غزة، أدى التدمير العسكري، وبناء ملاجىء موقتة من الطين أو الخشب، إلى تغييرات ديموغرافية واجتماعية كبيرة، بينما أنتج طبقة أُخرى من العنف الحضري.

المصدر: رسم خاص بالمؤلف (2021)، والمُلكية الفكرية تابعة له.

 

نحن نعطي وأنت تأخذ

يشبّه النازحون الغزيّون حالة المساكن التي تتبرع بها المنظمات غير الحكومية بالتوزيع الجماعي للطرود الغذائية التي تُقدم على طريقة "خذ الطرد أو اتركه"، إذ في حالة الملاجىء الطارئة فـ "أنت تأخذ ما نعطيك." وبالتالي فإن الإسكان "المخصص"، أو "المحدد"، الذي لا يملك السكان السيطرة عليه، هو جزء كبير من عمليات وسياسات نزع الصفة الإنسانية. كما أنه يثير الشكّ لدى بعض الفئات الراسخة في نظرية ممارسات الطوارىء والتنمية والتدخل الدولي، مثل "المناصرة للفقراء" و"التشاركية".

مرة أُخرى، في سنة 2017، بدأت المنظمة الدولية ذاتها التي بَنَت المنازل الخشبية مشروعاً جديداً بإعلان مسابقة تصميم لملاجىء طوارىء جديدة باستخدام ما يسمى المواد المستدامة والمستوردة والموقتة! 

البناء الأسمنتي العمودي العائلي

لقد ازدادت الأبنية الأسمنتية العمودية في قطاع غزة، والتي تسكن فيها عائلات ممتدة، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف البناء ونقص الأراضي. فهذه الأبنية متعددة الطبقات تؤوي أُسراً من الأجداد والأبناء والأبناء المتزوجين وأُسرهم. ويشكل توفير السكن للعائلة الممتدة عاملاً أساسياً لفهم البيئة الحضرية في غزة، إذ يمكن للسكان البناء على الأراضي المملوكة لهم فعلاً، من دون الحاجة إلى شراء المزيد.

وفي مثل هذه الوحدات، يشغل الآباء المسنّون مساحات في الطبقة الأرضية، وهو ما يسهل عليهم الوصول إليها والتحرك فيها والخروج منها واستقبال الضيوف، بينما يتقاسم الطبقتين الأولى والثانية أبناؤهم المتزوجون وزوجاتهم وأطفالهم. أمّا السطح فهو مساحة مشتركة بين الأجيال لممارسة أنشطة متنوعة.

ويوضح الشكل التالي كيف يتم تقاسم المنزل الذي يتم بناؤه ذاتياً بين عدة أجيال من الأُسرة.

 

مخطط مكاني للبُنية التحتية الاجتماعية يوضح كيف تعيش عدة أقسام من عائلة فلسطينية ممتدة معاً في وحدة سكنية حضرية نموذجية في غزة.

المصدر: رسم للمؤلف (2019)، والمُلكية الفكرية تابعة له.

 

اعتاد الناس في قطاع غزة استخدام الأسمنت كمادة أساسية في البناء، على الرغم من أنه أصبح أحد المواد "ذات الاستخدام المزدوج" المحظورة في أثناء الحصار الإسرائيلي، ومن أن الحصول عليه بالوسائل الرسمية أمر صعب. وتحت تأثير مفهوم "الدوام والاستمرار" فإن الأسمنت باعتباره النسيج الأساسي هو المادة المثالية لأنه يدوم طويلاً وغير مكلف، وخصوصاً مقارنة بالبدائل الموقتة، مثل الطين وأكياس الرمل والملاجىء الانتقالية الخشبية وحاويات الشحن. ويتطلب الأسمنت الحد الأدنى من الصيانة، ولا يحتاج إلى طلاء سطوحه الخارجية أو إحكام إغلاقها ضد التغيرات في الطقس.

وبما أن مساحة الأرض في قطاع غزة محدودة للغاية، فإن استخدام التقنيات البديلة في البناء على مساحة محدودة، من دون مراعاة الأبعاد الاجتماعية للبناء والامتداد الرأسي الذي تنتجه الأُسر الممتدة، يرقى إلى إهدار أو حرق تلك القطعة من الأرض.

لقد أظهر مثل هذه المشاريع المعمارية المخصصة كنماذج أولية فهماً محدوداً لشكل النسيج الحضري في غزة وتكوينه. ولم تؤخذ في الاعتبار مهارات عمال البناء في مثل هذه النماذج الأولية، ويبدو أن التحقيقات السابقة التي أُجريت كانت محدودة.

في التجربة خارج قطاع غزة، عملتُ [المؤلف] في سنة 2023، على تصميم مشروع إسكان ميسور التكلفة لسكان أميركا الأصليين، وهم شعب أوغلالا لاكوتا في محمية باين ريدج، في رابيد سيتي، في ولاية ساوث داكوتا. ولاحظت أن ما يجري في قطاع غزة، يجري أيضاً في العديد من المحميات التي يقطنها سكان أصليون، إذ يُجبر الناس على العيش في مقطورات موقتة توفرها وكالة إدارة الطوارىء الفيدرالية الأميركية، والتي تشكل خطراً على الصحة البدنية والعقلية والروحية.

يمكن للمرء أن يقول إن مثل هذه الظروف المعيشية هو استمرار للإبادة الجماعية، وإسكان موقت لأشخاص يُنظر إليهم على أنهم موقتون. 

إشراك المتضررين وتعزيز شعورهم بالملكية

هذه المقالة هي مساهمة في عملية إعادة الإعمار في غزة وإحداث تغيير نوعي يمهد الطريق لجهود مستقبلية من جانب سكان غزة أنفسهم. ونصيحتي للمهندسين المعماريين غير الفلسطينيين هي أن يستمعوا بعناية، وأن يتعاونوا قدر الإمكان، وأن يتأكدوا من أن مشاريعهم لإسكان المجتمعات المتضررة تجلب نوعاً من الفائدة والاستقرار لشعبنا في غزة.

فمن خلال إشراك أولئك الذين تضرروا بشدة من النزوح والصراع المستمر في مرحلتَي صنع القرار والتصميم، فإن هذه التدخلات تضمن سماع أصواتهم وحاجاتهم وانعكاسها في النتائج، وتعزيز الشعور بالملكية وتعزيز التماسك الاجتماعي.

ومع أن التركيز في هذه المقالة ينصبّ على غزة، فإن استخلاصاتها تفيد جهود إعادة الإعمار في مناطق الصراع الأُخرى في الشرق الأوسط، حيث يشكل النزوح البشري مشكلة، وحيث تشكل إعادة بناء البيئة المبنية بعد الصراع حاجة ملحّة.

يقول الأميركيون الأصليون إن خيمة التيبي مخروطية الشكل ترمز إلى القرابة، الأمر الذي لا تؤمّنه المقطورة الموقتة المربعة. وتتمثل مهمتنا في تعلم كيفية بناء التيبي كشكل من أشكال الإحياء الثقافي وعلاج الصدمات.

تتمثل مهمتنا في فلسطين في بناء نموذج أولي لتصميم منزل يهدف إلى استيعاب الأنشطة اليومية المحددة لمتطلبات كل أسرة. ويتكون المسكن من مساحات مرنة ومتزايدة، ويهدف إلى زيادة وصول الأُسر المتضررة إلى بيئات محمية وصحية بالكثافة نفسها من خلال استخدام نموذج مرن للإسكان.

Author biography: 

سالم القدوة: مهندس معماري فلسطيني/أميركي؛ زميل جامعة هارفارد في شأن الصراع والسلام.