Where Will You Return To?
Date: 
March 21 2025

منذ أكثر من 50 يوماً، ترزح مخيمات شمال الضفة الغربية تحت نار عملية "السور الحديدي" التي بدأها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة منذ 21 كانون الثاني/يناير. وإن "الحصار والتدمير والتهجير" هو العنوان الأنسب لوصف الحال هناك، فأهالي مخيم جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة طُردوا من منازلهم، وتقول الأونروا في هذا الصدد: "أسفرت العملية عن أكبر نزوح للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ حرب عام 1967، حيث أُجبر حوالي 40 ألف شخص على ترك منازلهم." وأضافت: "تم إفراغ مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين من سكانها تقريباً. ومع الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية المدنية بما في ذلك المنازل، يواجه الناس الآن احتمال عدم وجود مكان للعودة إليه."[1]  وتنذر هذه التصريحات بما هو أسوأ على ما يبدو، ولا سيما أن عدد سكان المخيمات الأربعة يصل إلى نحو 76,000 نسمة، بينما تشير تصريحات إسرائيلية إلى أن العملية العسكرية ستستمر في المستقبل المنظور، بما في ذلك منع السكان من العودة إلى المخيمات. وبحسب تقرير نشرته وكالة "وفا"، فإن "زهاء 1130 منزلاً ومنشأة للهدم إمّا [كلياً وإمّا جزئياً]."

وتتزامن هذه الأحداث الكبرى مع قرار إسرائيلي أنهى عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، منذ مطلع شباط/فبراير الماضي، وهو ما يهدد فعلياً كل النازحين من هذه المخيمات، وغيرهم من اللاجئين الفلسطينيين في الضفة وغزة بأوضاع أشد ضراوة وقسوة في الأسابيع والأشهر القادمة. وكل هذا تؤكده تصريحات إسرائيلية تفيد بأن العملية قابلة للتوسع لتشمل مناطق أُخرى في الضفة المحتلة، في وسطها وجنوبها، لتصبح معظم المخيمات مبدئياً بلا سكانها، وليصبح سكانها من اللاجئين بلا مأوى لمواجهة مستقبل جديد من التهجير الداخلي، أو ربما الدفع بهم نحو تهجير خارجي.

أوضاع مأساوية

"خرجت من منزلي في مخيم جنين، فإذا بجاري يخبرني بأن وحدات خاصة إسرائيلية تسللت إلى المخيم، وطوقته من معظم الجهات" هكذا بدأ عصري فياض حديثه، وهو والد الشهيد محمد فياض الذي استشهد في 13 حزيران 2024، وأضاف: "عدت إلى البيت لإحضار بعض اللوازم الخفيفة للخروج من المخيم على عجل، وعندما أصبحنا على طرف المخيم الشرقي، بدأ الرصاص ينهال علينا من قناصة تمركزوا على عمارات عالية في مقابل الجهة الشرقية، وأصيب أكثر من شخص أمامي، وهم شاب وسيدة بُترت ساقها لاحقاً، وهي أم الشهيد كريم أبو صبيح. عند ذلك عدت فوراً إلى البيت بعد إدراك أن الأخطار محدقة."

وكانت هذه الأحداث في اليوم الأول للعدوان، إذ لم يتوقف إطلاق النار، واستمر مع قصفٍ لبعض أحياء المخيم بالمسيّرات والرشاشات الثقيلة من الهيليكوبتر. وظل بعض الأهالي عالقين في بيوتهم لأيام، ويوضح فياض: "بقينا في المنزل حتى اليوم الثالث، إذ أُجبرنا على الخروج تحت تهديد السلاح، ومنذ ذلك الوقت ونحن نازحون، لا نملك مقومات، نقيم عند أقارب لنا."

وتزداد أزمة المخيم يوماً بعد يوم، ولا يبدو أن هناك أفقاً في الأمد القريب، فقد أشارت اللجنة الإعلامية للمخيم إلى أن "نحو 20,000 نازح من مخيم جنين في مراكز الإيواء وخارج منازلهم في أوضاع إنسانية صعبة."

إلى البيت على الرغم من كل شيء

وضْع فايق حسين ضبايا (56 عاماً) ليس أحسن حالاً من عصري وعائلته، فقد خرج من المخيم في اليوم الثاني، ويقول، وهو والد الشهيد متين والأسير أحمد، إنه ومن خرجوا معه لم يحملوا أي شيء من متاعهم، ويضيف: "بعد 25 يوماً من التهجير وضعف ذات اليد، وتحت وطأة متطلبات الحياة، قررت التسلل إلى بيتي في المخيم على الرغم من المخاطر، فأنا في أمس الحاجة إلى أبسط الضروريات. وعندما وصلت إلى أول حارات المخيم، تعرضتُ لإطلاق النار من جانب قناصة الاحتلال، فأصابوني في فخذي الأيسر، ليتحطم عظم رجلي، وبقيت أنزف، إلى أن جاء أفراد من الإسعاف ونقلوني إلى المستشفى، فأُجريت لي عدة عمليات."

نفتقد الأمان

لا تشعر ثروة سليمان محمد نغنغية (45 عاماً) بالأمان على أطفالها، إنما تشعر بأنها تعيش في سجن كبير: "إذا خرج أطفالنا للّهو بجانب المنزل، يلاحقونهم ويحاولون إيذاءهم. إننا نعاني جرّاء أوضاع صعبة في توفير الطعام والشراب، وحتى محاولتنا الدخول لإحضار بعض المستلزمات الشخصية باءت بالفشل، فقد أطلقوا النار علينا، وأصيبت امرأة كانت معنا."

تتذكر ثروة، وهي العاملة في سلك التربية والتعليم، كيف دخلت القوات الخاصة الإسرائيلية المنطقة المجاورة لسكنها في منطقة الهدف في المخيم في 21 كانون الثاني/يناير، عند الساعة 12:30، فتقول: "قامت قوات الاحتلال بقتل من تواجهه في طريقها عشوائياً، وهو ما أسفر عن استشهاد عدد من المواطنين المدنيين. وفي هذه الأثناء، كنت في منزلي القريب من الحدث، فحاصرت القوات المخيم، واشتدت المواجهات مع المقاومين، فقطعت قوات الاحتلال التيار الكهربائي والمياه، وبعد يومين من الحصار والمواجهات، أمرت المواطنين بإخلاء المخيم، وإلاّ فسيقومون بقصف كل من يبقى في منزله. فخرجنا، وكانت معي عائلتي. طلبوا منا ذلك بالطائرات المسيّرة، وفي أثناء خروجنا، وقفنا في طابور طويل، ننتظر دورنا في التفتيش للسماح بالخروج. وبعد خروجنا، واجهنا حاجزاً آخر على بُعد أمتار من الأول، وكسابقه، أعاد الفحص والتفتيش مرة أُخرى."

وقد وصلت إلى بيت أقاربها، وكانوا قريبين من الحاجز، وما زالت كغيرها من اللاجئين، نازحة إلى أن تعود أو تنزح نحو مكان آخر، فالمستقبل لم يعد واضحاً، كما أشار أكثر من لاجئ من المخيمات الثلاثة لوسائل إعلام عدة.

ومنذ بدئه حرب الإبادة على قطاع غزة، حتى الاثنين 10/3، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وهو ما أدى إلى مقتل نحو 930 فلسطينياً، وإصابة قرابة 7 آلاف شخص، واعتقال 14,500 شخص، وفق معطيات فلسطينية رسمية.

 

[1] "الضفة الغربية: عمليات هدم منازل واسعة النطاق تنفذها القوات الإسرائيلية ضمن عمليتها المستمرة لها تأثير غير مسبوق على لاجئي فلسطين"، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، 6/3/2025.

 

انظر

Read more