In This Issue
Full text: 

لم تنتهِ الحرب الإسرائيلية على غزة، ولم يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى والرهائن وفقاً لما كان الوسطاء قد أعلنوا، بل إن ما أُنجز من المرحلة الأولى نفّذته الحكومة الإسرائيلية بشكل انتقائي وركيك، ذلك بأن كمية المساعدات والأدوية والبيوت المتنقلة والمحروقات بقيت دون ما نص عليه الاتفاق، كما أن الأمر ظل رهناً للابتزاز والتلاعب الإسرائيليين، وهو ما ظهر في طريقتها بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، أكان ذلك بالإعاقة، أم بالتأجيل، أم بالصور التي أبرزت المساس بكرامتهم الإنسانية والوطنية. وفضلاً عن ذلك، لم تنسحب إسرائيل من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وهو ما يدل على عدم رغبتها في تنفيذ مقتضيات المرحلة الأولى من الاتفاق، والانتقال إلى المرحلة الثانية التي جوهرها وقف الحرب وإعادة الإعمار، وإنهاء ملف الأسرى والرهائن.

لقد بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بمبدأ الحطّ من كرامة الفلسطيني عبر وصفه بأبشع الأوصاف وفي مقدمها: "إننا نحارب حيوانات بشرية"، مثلما جاء على لسان وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، ومبدأ آخر هو تجويع أهالي قطاع غزة عبر منع إدخال المواد الغذائية والمحروقات وقطع الكهرباء والماء، وهو ما حدث فعلاً طوال خمسة عشر شهراً.

وقد استأنفت الحكومة والجيش الإسرائيليين حرب التجويع على قطاع غزة بعد عرقلة الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، ووسط تهديد بشنّ حملة عسكرية ثانية بدأت فعلاً تحت شعار استعادة ما تبقّى من رهائن، والقضاء على حركة "حماس" بشكل كامل، أي أن ما لم يُنجز في أشهر الحرب الخمسة عشر سيُنجز بعد وقف إطلاق النار الذي أعلنه الوسطاء في أواسط كانون الثاني / يناير الماضي مترافقاً مع عرقلة إسرائيل الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.

وها هي إسرائيل تتصرف كأنها دولة فوق القانون، فتفرض سطوتها ليس على الفلسطينيين فحسب، بل على المنطقة بأكملها، فهي تريد سلاماً من هذه الدولة أو تلك، وفي الوقت نفسه تتوسع عسكرياً وتحتل أراضي في سورية، وتصرّ على البقاء على 5 تلال مطلّة في الجنوب اللبناني خلافاً لما نصّ عليه اتفاق وقف الأعمال العدائية، وتعمل على ضمّ الضفة الغربية وتهجير سكانها. وعلاوة على ذلك، تريد أن تحافظ على وتيرة من العمليات العسكرية في غزة كي لا تضطر إلى إعلان انتهاء الحرب بموجب ما تنصّ عليه المرحلة الثانية من إعلان الوسطاء، وبالتالي الدخول في نفق لجان التحقيق الرسمية في إخفاق السابع من أكتوبر، وبالتالي سقوط حكومة اليمين ورئيسها بنيامين نتنياهو.

ويأتي هذا كله في ظل تخبّط إدارة ترامب الجديدة، ليس في ملف حرب غزة فقط، بل في كثير من الملفات التي فتحتها بشكل عدائي تجاه كثير من الدول، الأمر الذي أحدث توتراً في منظومة العلاقات الدولية، وفي الداخل الأميركي أيضاً. ففي الملف الفلسطيني - الإسرائيلي استفادت حكومة اليمين في إسرائيل من مشاريع ترامب القاضية بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بذريعة إعادة بنائه، ليس لمصلحة أهله، بل ليكون "ريفييرا" جديدة بسكان آخرين، ورفعت من وتيرة تهديداتها باستئناف الحرب "إذا لم تمتثل 'حماس' " لمطلب ترامب بضرورة الإفراج عن الرهائن بشكل فوري؛ وفي المقابل، وبمسار موازٍ، فتحت الإدارة الأميركية قناة اتصال سرية مع قادة "حماس" بهدف التوصل إلى تفاهمات تُطلِق عبرها الحركة أسرى إسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية أيضاً.

ولهذا حاولنا في هذا العدد سبر غور مستجدات الوضع الراهن دولياً وإقليمياً وفلسطينياً وإسرائيلياً عبر نشر خمس دراسات تتناول عدة موضوعات، وكذلك محاضرة عامة قدّمها عزمي بشارة في منتدى فلسطين في الدوحة، والذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية في أواخر كانون الثاني / يناير 2025.

كما ننشر تسعة مقالات تتناول المستجدات الراهنة وأثرها في المستقبلَين القريب والبعيد، فيُجري علي الجرباوي جولة أفق في الحالة الفلسطينية معتبراً أن الفلسطينيين أمام مفترق طرق. ويكتب نظمي الجعبة عن مسارات تهويد مدينة القدس في ظل حرب الإبادة، ويعرض أحمد حنيطي التغيرات الجوهرية في منظومة السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية عبر تفعيل شبكة واسعة من الحواجز والطرق الالتفافية بعد السابع من أكتوبر، في حين يتناول سامح حلاق وبلال فلاح أحوال الاقتصاد الفلسطيني في ظل الحرب، بينما يتطرق فادي نحاس إلى تاريخ المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل.

وبشأن مسارات التفاوض وصفقات تبادل الأسرى وإنهاء الحرب، يقدم بلال الشوبكي المسار الزمني لكل جولة وأسباب إفشالها، وفي سياق متصل إفشال مفاوضات إنهاء الحرب، في حين يكتب مهند مصطفى عن مصالح اليمين الإسرائيلي في عدم التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب.

ويخصص جورج جقمان مقالته للبحث في الأسباب الحقيقية التي دفعت "حماس" إلى تنفيذ عملية طوفان الأقصى.

ويكتب رامي الريس مقالة عن مسارات الحالة اللبنانية في أعقاب اتفاق وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله.

وفضلاً عن المقالات ذات الصلة بتطورات الأحداث في فلسطين والمنطقة، ننشر في هذا العدد تقريرَين يتناولان آخر التطورات في فلسطين وفي لبنان.

أمّا في باب الدراسات ذات الصلة فتنشر المجلة دراسة لأشرف بدر بعنوان: قطاع غزة: بين التهجير "الطوعي" والتهجير القسري 1967 – 2024.

وتنشر المجلة أيضاً دراسة لأحمد عزم بعنوان: حركة "فتح" في ستين عاماً بين الوطنية والدولاتية، يعرض فيها المراحل المفصلية التي مرت بها حركة "فتح".

وفي العدد ملفّان: الأول، عن "إعادة الإعمار في السياق الاستعماري"، وكتبت فيه مجموعة من الخبراء والباحثين والمعماريين، وتضمّن دراسة و8 مقالات، والثاني، عن "فلسطين والقضاء الدولي" وفيه دراسة تتناول استراتيجيات إسرائيل في التعامل مع جهود المساءلة في المحافل الدولية، وثلاث مقالات هي بمثابة مداخلات قُدمت في ندوة نظمتها المؤسسة في كانون الأول / ديسمبر 2024 بعنوان "الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في ميزان العدالة الدولية: قراءة في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية"، على أن يُستكمل نشر مواد أُخرى تضمّنتها الندوة في العدد المقبل في صيف 2025.

واستكمالاً لملف "ليس وداعاً بل تكريم" للراحل الزميل إلياس خوري، ننشر شهادات ومقالات لزوجة الراحل السيدة نجلاء جريصاتي، وأصدقائه جان قصير وبانة ماضي ومحمد علي الأتاسي وفادي يازجي.

وتنشر المجلة بالتعاون مع جمعية السبيل حواراً مع الراحل إلياس خوري جرى في نيسان/أبريل 2024، ضمن مشروع الجمعية "مطبخ الكتابة"، وأجرته بانة ماضي، تلميذة الراحل إلياس التي رافقته طويلاً خلال مرضه.

وفي العدد أيضاً قراءتان خاصتان: الأولى عن كتاب عزمي بشارة "الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة"، والثانية عن كتاب عصام نصّار وإسطفان شيحا وسليم تماري "أثر الصورة: الفوتوغرافيا وتاريخ فلسطين المهمّش". كذلك ننشر مراجعة كتبها نبيه عواضة لكتاب "الإخفاق الاستخباراتي والعسكري والسياسي في 7 أكتوبر"، من إعداد رندة حيدر.