History of the Shebaa Farms Between Syria and Lebanon: Israel Occupies the Border Triangle with Palestine
Publication Year: 
Language: 
Arabic
Number of Pages: 
11

قامت إسرائيل خلال حربها الأخيرة على لبنان باحتلال خمس نقاط في الجنوب اللبناني، ولم تنسحب منها وفق بنود اتفاق وقف النار الذي أُعلن في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وواصلت احتلالها مزارع شبعا وتلال كفر شوبا التي ظلت في قبضتها منذ تحرير القسم الأكبر من الجنوب اللبناني في سنة 2000، أو من معظم الشريط الحدودي. ولم يقدّم لبنان، ولا يملك حتى الآن، العدة اللازمة والوثائق القانونية الكافية لتغيير نظرة الأمم المتحدة، واستطراداً المجتمع الدولي، في قضية المزارع، بصرف النظر عن النقاش بشأن مشروعية المقاومة، وهو أمر لم يكن بارزاً عند التدقيق في خط الانسحاب الإسرائيلي على طول الحدود الجنوبية، إذ يملك لبنان الإثباتات الضرورية والخرائط لخط "بوليه- نيوكامب" لسنة 1923، وخط الهدنة لسنة 1949، الأمر الذي مكّنه من استعادة ملايين الأمتار المربعة عند وضع الخط الأزرق سنة 2000، على الرغم من تحفظه واستمرار الخلاف على عدد من النقاط الحدودية التي يقول لبنان إنها 13، بينما تصر إسرائيل متمسكة بـ 7 نقاط حدودية، عِلماً بأن هذه النقاط باتت متداخلة مع احتلال إسرائيل نقاطاً هي عبارة عن تلال استراتيجية في المنطقة الحدودية في الجنوب.

وفي 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، احتل الجيش الإسرائيلي، عقب سقوط نظام بشار الأسد، المنطقة العازلة الواقعة بين المناطق المحتلة في الجولان السوري ونظيرتها السورية "المحررة"، وذلك بعد أن أطلق عملية عسكرية سمّاها "سهم باشان"، إلى جانب تنفيذ مئات الغارات الجوية بهدف تدمير ترسانة الأسلحة السورية، والتي تركتها قوات النظام وراءها في عموم الأراضي السورية.[1] وباتت إسرائيل تسيطر على سفوح جبل الشيخ الجنوبية الشرقية وقرى ريف دمشق المشرفة على الحدود بين سورية ولبنان، وهي بذلك تجاوزت مزارع شبعا المحتلة إلى مساحة تقدَّر بنحو 360 كيلومتراً مربعاً، وتتحكم بمدينة دمشق وحدود لبنان وصولاً إلى المثلث الحدودي السوري – الأردني - الفلسطيني قرب نهر اليرموك.

وجاء توغل إسرائيل هذا بعد حربها على لبنان التي توقفت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بإعلان اتفاق وقف النار، حيث كانت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ساحة اشتباك بين حزب الله وإسرائيل، وهي التي تشرف عليها مع المنطقة العازلة قوة الأندوف لمراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة وفقاً لاتفاق فصل القوات في أيار/مايو 1974. وباحتلال أعلى نقطة في جبل الشيخ، بات في إمكان الجيش الإسرائيلي كشْف داخل دمشق وريفها، إلى جانب قدرته على المراقبة الدقيقة لكل مناطق جنوب لبنان والبقاع، وهو أمر سيمكّن إسرائيل من فرض شروط خلال أي مفاوضات مستقبلية بفعل اختلال موازين القوى، وسيطرح تساؤلات بشأن مصير مزارع شبعا اللبنانية التي باتت ضمن مناطق الجولان المحتلة وتندرج ضمن القرار 242، والتي اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية عليها خلال ولايته السابقة.

تاريخ المزارع

كانت منطقة المزارع خاضعة للسيطرة السورية بموافقة لبنانية، وقد وضعت سورية مخافر فيها بطلب لبناني بعد سنة 1958 لمنع التهريب، علماً بأنها كانت تقر بلبنانيتها. والمعمرون الذين لا يزالون على قيد الحياة يروون أن سورية طلبت من لبنان في منتصف خمسينيات القرن الماضي العمل على وقف التهريب من هذه المنطقة الجبلية في اتجاه فلسطين المحتلة عبر مثلث مغرسبكا اللبنانية - بانياس السورية - الحولة الفلسطينية، وحين لم تكن للبنان قدرة على ذلك، وضعت سورية مخافر أمنية في المنطقة بموافقة لبنانية، بينما اقتصر التدخل اللبناني على دوريات للجمارك اللبنانية، والتي كانت تحصي أعداد الماشية، وتدقق فيما إذا كانت هناك عمليات تهريب قد جرت أم لا. ولذلك، حين اجتاحت إسرائيل المنطقة، لم تكن توجد في المزارع سوى قوات سورية، فنسبت الأمم المتحدة المزارع المحتلة إلى القرار 242.

إسرائيل تحتل المزارع

بدأت إسرائيل تتوغل في مزارع شبعا خلال حرب 1967، بدءاً بمزرعة المفر التي تتداخل بين الحدود اللبنانية والفلسطينية والسورية، والتي تفصل منطقة المزارع عن وادي العسل السوري، وهي المزرعة الأولى التي احتُلت في 10 حزيران/يونيو 1967، ثم استولت إسرائيل في 15 حزيران/يونيو على مزارع خلة غزالة وظهر البيادر ورويسة القرن وجورة العقارب وفشكول، وهجّرت معظم سكانها. وفي 20 حزيران/يونيو 1967، استكملت إسرائيل اجتياحها مزارع قفوه وزبدين وبيت البراق والربعة وبرختا التحتا وبرختا الفوقا وكفردورة ومراح الملالي. وفي آب/أغسطس من السنة نفسها، احتلت مزرعة رمثا، وهجّرت جميع سكان المزارع وفجرت منازلهم. واكتمل احتلال المزارع سنة 1972 باجتياح مزرعة بسطرة، فضمت مساحاتها المتبقية، وسيّجت المنطقة بأسلاك شائكة ومكهربة.[2]

ولم يتوقف احتلال إسرائيل للمناطق المتاخمة للمزارع في تلك الفترة في العرقوب على المزارع وحدها، بل أيضاً امتد إلى غير منطقة، وخصوصاً في قاطع كفرشوبا، وما زالت حتى الآن تحتل أجزاء منه، وخصوصاً جبل الروس الذي يُعرف بـ "رويسة العلم"، وهو عبارة عن تلة دارت معارك طاحنة حولها بين الفدائيين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي سنة 1970، وفضلاً عن رويسة السماقة ومشهد الطير وخراجات أُخرى تمتد من كفرشوبا في اتجاه القنيطرة السورية. ويملك لبنان خرائط مفصلة لهذه الأراضي التي وردت في خرائط الحدود لسنة 1943 باستثناء مزارع شبعا.

وبعد أن قامت إسرائيل باحتلال المزارع سنة 1967، واقتطعتها تماماً سنة 1972، وسوّرتها وأحكمت السيطرة عليها بطرد جميع مَن فيها، عادت وثبّتت قرار الضمّ مع صدور قرار عن القيادة الإسرائيلية سنة 1989 يُلحق المزارع بقيادة الجولان وجبل الشيخ.

وأدرجت الأمم المتحدة، بعد احتلال الجولان السوري المحاذي لمزارع شبعا، هذه المزارع تحت القرار 242، من دون بروز أي موقف لبناني يسمح بإبقاء منطقة المزارع في الخريطة اللبنانية، إذ كانت هناك خشية من أن تضع أي مطالبة بذلك لبنان أمام انعكاسات الصراع العربي - الإسرائيلي. ثم أدرجت مزارع شبعا بصفتها جزءاً من المنطقة المحتلة في الجولان ضمن اتفاق فصل القوات، حين وُلدت المنطقة العازلة بين إسرائيل وسورية رسمياً في 31 أيار/مايو 1974، في مدينة جنيف، بموجب اتفاق فض اشتباك القوات بين الجيشين السوري والإسرائيلي، والذي قادته الولايات المتحدة عن طريق وزير خارجيتها حينذاك هنري كيسنجر. وتمتد المنطقة العازلة، بخط نظري متعرج ومتداخل، من الشمال عند سفوح جبل الشيخ الجنوبية الشرقية والقرى التابعة إدارياً لريف دمشق، والمشرفة على الحدود بين سورية ولبنان، إلى الجنوب عند القرى الواقعة في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، وهي نقطة التقاطع على الحدود السورية - الأردنية - الفلسطينية.

وكان اللبنانيون قبل احتلال الشريط الحدودي سنة 1978، وتمدُد الاحتلال سنة 1982، يشاهدون من وقت إلى آخر دوريات قوات أندوف الدولية تجوب منطقة المزارع اللبنانية امتداداً من الجولان السوري المحتل، كونهما منطقتين تابعتين لمسؤوليتها انطلاقاً من القرار 242، لأن قوة أندوف التي ترابط على الخط الفاصل بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية في الجولان تقوم بمهمتها الطبيعية، انطلاقاً من أن اتفاقية فصل القوات التي وُقّعت سنة 1974 بعد حرب الاستنزاف السورية في الجولان لحظت حدودها منطقة المزارع باستثناء مزرعة بسطرة، وهي آخر مزرعة احتلتها إسرائيل سنة 1972، ونصب حزب الله قبالتها خياماً قبل حرب إسناد غزة، لكنها اليوم عادت تحت الاحتلال مع تلال كفرشوبا قرب المزارع.

الموقف اللبناني

لم يُحدث احتلال مزارع شبعا ردات فعل رسمية لبنانية طوال تلك الفترة، ولم تظهر في وثائق الأمم المتحدة أي شكوى رسمية لبنانية في الفترة 1967 - 1974، على الرغم من صدور قرارات للمنظمة الدولية تطالب إسرائيل باحترام أراضي لبنان وسيادته، وتدعوها إلى الانسحاب من أراضٍ كانت قد اجتاحتها على طول الحدود الدولية من الناقورة إلى كفرشوبا في فترتَي الستينيات والسبعينيات. أمّا الإشارة الوحيدة التي ظهرت رسمياً، فهي من جانب عدد من النواب خلال مناقشات البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة في لبنان في الفترة 1968 - 1974، والتي اقتصرت على المطالبة بإثارة موضوع احتلال إسرائيل للمزارع، ومساعدة مهجريها والمهجرين من منطقتَي القنيطرة والحولا في الجولان المحتل، وشمال فلسطين الذين لجأوا إلى بلدة شبعا، ومطالبة مجلس الجنوب آنذاك بتعويض الأهالي الذين لم يكن قانون التعويض يلحظ أملاكهم في المزارع، بعكس أهالي منطقة كفرشوبا وكفرحمام وراشيا والهبارية وشبعا.[3]

ولم ينفِ احتلال إسرائيل مزارع شبعا وضمُّها وإدراجها في اتفاقية فصل القوات سنة 1974 بين سورية وإسرائيل لبنانية المزارع بالنسبة إلى اللبنانيين بصورة عامة، والجنوبيين منهم بصورة خاصة.

وبعد سنة 2000، اعتبرت الحكومة اللبنانية أن المزارع مشمولة بالقرار 425 من دون أن تعطي الوجه القانوني لذلك، وهو ما أدى إلى تعارُض حقيقي بين موقف لبنان وموقف الأمم المتحدة. وقد حاول لبنان التحرك من أجل إثبات لبنانية مزارع شبعا، وقدّم خرائط محلية تثبت ملكية اللبنانيين أراضي المزارع مع حجج ملكية لعدد من اللبنانيين، وتبيّن أن الأمم المتحدة تملك خرائط عديدة لا تشير إلى لبنانية المزارع، وتنسبها إلى سورية، ملحِقة إياها بالجولان السوري المحتل.

وأرسل رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك، في سنة 2000، الراحل الدكتور سليم الحص ثلاث رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة مطالباً بالانسحاب الإسرائيلي الشامل من المزارع، معللاً ملكية لبنان بالوثائق والأدلة التاريخية، وذلك إزاء موقف صدر عن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، تيري رود لارسن، الذي قال إن الانسحاب الإسرائيلي لن يشمل المزارع لأن هذه المنطقة لم تكن تحت سلطة اليونيفيل. وجاء في النقاط السبع التي أُقرت خلال عدوان 2006 دعوة إلى التزام مجلس الأمن وضعَ منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت ولاية الأمم المتحدة في انتظار ترسيم الحدود وإقرار السيادة اللبنانية عليهما بالكامل، وهو ما أوصل إلى إدراج هذه المسألة في المادة 10 من القرار 1701.

هذا بَيْدَ أن تحركات الحكومة اللبنانية التي أرسلت تعليماتها إلى مندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة بضرورة إجراء اتصالات لتأمين ضغط دولي من أجل وقف الضم الذي حدث منذ سنة 1967 لم تجدِ نفعاً. وبرز تعارُض آخر بين موقف لبنان وموقف الأمم المتحدة، وذلك عندما أصرت الأمم المتحدة، بعد حرب تموز 2006 على أن خط انتشار قوات الطوارئ الدولية اليونيفيل الحالية في المنطقة الجبلية، المحاذية للمزارع وعلى الخط الأزرق الذي وُضع بعد التحرير في سنة 2000، هو الخط نفسه الذي اتُفق عليه سنة 1978 بين لبنان والمنظمة الدولية، من دون أن تفضي الاعتراضات اللبنانية المتحفظة على ذلك إلى نتيجة ملموسة.

لبنانية المزارع والاعتراف السوري

تُعتبر مزارع شبعا لبنانية تاريخياً، كما يؤكد ذلك تاريخ المنطقة وروايات أهالي العرقوب ومرتفعات جبل الشيخ، ولم يكن يتذكرها سوى اللبنانيين المعنيين مباشرة بها، وذلك بفعل علاقتهم بأرضها والمساحات المثمرة من الأراضي التي يملكونها فيها بحجج غير مسجلة رسمياً في الدوائر العقارية اللبنانية، لكن أراضي هذه المنطقة غير ممسوحة من جانب الدوائر العقارية اللبنانية، وهو ما شكّل ثغرة في الخرائط الرسمية الموجودة في حيازة لبنان، والنسخ العديدة الموجودة في دوائر الأمم المتحدة المختصة وبعض الدول الكبرى، وخصوصاً في الخارجية الفرنسية.[4]

والواقع أن قضية مزارع شبعا بدأت تظهر إلى العلن وتبرز بقوة إلى الواجهة بعد تحرير المنطقة المحتلة من الجنوب وتحديد الخط الأزرق طبقاً لوثائق اتفاق الهدنة سنة 1949، فتركَز نشاط المقاومة الإسلامية، الذراع العسكرية لحزب الله، بعد سنة 2000 في منطقة المزارع وتلال كفرشوبا، تحت عنوان أن هذه الأراضي لبنانية وينبغي تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، وأن القرار 425 لم يكتمل تطبيقه طالما مزارع شبعا محتلة، وهو ما يعطي مشروعية لاستمرار المقاومة. وتناغمت الدولة اللبنانية والحكومات المتعاقبة منذ سنة 2000 مع هذا التوجه، ورفض لبنان نشر جيشه على الحدود طالما أن هناك أراضيَ لبنانية لا تزال تحت الاحتلال.

وهذا الأمر دحضه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان في تقرير تبناه مجلس الأمن في 23 أيار/مايو 2000، أشار فيه إلى أنه لا يوجد سجل دولي رسمي لاتفاق بين لبنان وسورية بشأن الحدود، وأن لدى الأمم المتحدة خرائط لبنانية وسورية عددها 81 تضع جميعها المزارع داخل سورية. وكذلك، فإنه في خرائط فك الاشتباك بين سورية وإسرائيل، تقع مزارع شبعا ضمن نطاق عمليات قوات الأندوف، وعليه، فهذه المناطق تخضع للقرارين 242 (1967) و338 (1973). وأضاف عنان أن هذا الإجراء لا يخل بأي اتفاق ربما يود لبنان وسورية أن يبرماه مستقبلاً.

وتشير الوقائع إلى أن مزارع شبعا ليست وحدها نقطة جدل، بل أيضاً بلدة الغجر في الجولان السوري المحتل، لكن قضيتها تختلف عن المزارع، فالجزء الشمالي للقرية لبناني باعتراف إسرائيل والأمم المتحدة، وهو مشمول ضِمن الخط الأزرق، بخلاف المزارع التي تحتاج إلى اعتراف رسمي سوري بلبنانيتها، على الرغم من أنها احتُلت سنة 1967؛ فقد احتلت إسرائيل قرية الغجر السورية ومزارع شبعا اللبنانية مع احتلالها هضبة الجولان السورية المتاخمة سنة 1967، ولم تكن القرية ممتدة في اتجاه الشمال اللبناني. وبموجب الخط الأزرق للحدود اللبنانية، أصبح شمال الغجر جزءاً من لبنان، وهو ما ترك الجزء الجنوبي تحت سيطرة إسرائيل. وقد أخلت إسرائيل شمال الغجر سنة 2000 عندما أنهت احتلالها للجنوب الذي استمر 22 عاماً، لكن لبنان لم يستعِد سيادته إلاّ على تخوم القرية، قبل أن تعاود إسرائيل احتلالها مرة أُخرى خلال حرب تموز 2006، ولم تنسحب منها. وحتى حزيران/يونيو 1967، كانت القرية تخضع للإدارة السورية، وإن كانت مشكلتها أكثر تعقيداً منذ تحديد الحدود اللبنانية – الفلسطينية - السورية سنة 1923، وفي اتفاق الهدنة مع إسرائيل سنة 1949، إذ كانت تُعتبر لبنانية تارة، وتارة أُخرى سورية، وثالثةً مشتركة، إلى أن حُسمت سوريتها في نهاية خمسينيات القرن الماضي. ويقال إنه عندما احتلت إسرائيل منطقة الجولان من سورية سنة 1967، لم تدخل أولاً قرية الغجر لاعتبارها لبنانية، على الرغم من أن لبنان لم يكن يمارس سيادته عليها.[5]

ومع احتلال إسرائيل المنطقة الحدودية من لبنان سنة 1978، توسعت الغجر شمالاً داخل الأراضي اللبنانية، ومنحت إسرائيل سكان الغجر الجنسية الإسرائيلية سنة 1981، بعد أن قرر الكنيست الإسرائيلي، عبر قانون الجولان، ضمّ الهضبة إلى إسرائيل.

وتكمن مشكلة مزارع شبعا، بالإضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي، في عدم اعتراف سورية بلبنانيتها، فهي حتى سنة 1967 - تاريخ احتلالها - لبنانية، وإن كانت هناك تفاهمات بين لبنان وسورية على إدارتها. ولم يعترف النظام السوري السابق رسمياً بلبنانية مزارع شبعا، بينما الأوضاع تغيرت اليوم بعد التوغل الإسرائيلي الذي تخطى المزارع باحتلال أرض سورية في جبل الشيخ والمنطقة العازلة في الجولان. وعلى الرغم من كل المطالبة اللبنانية، فإن النظام السوري لم يعترف بهوية المزارع اللبنانية، باستثناء تصريحات شفهية من أركانه ووزرائه تحدثت عن لبنانية المزارع لكن بعد تحريرها، عِلماً بأن النظام السوري السابق لم يقبل ترسيم الحدود. ولم تترجَم التصريحات العلنية السورية بلبنانية المزارع إلى اعتراف رسمي، وهو ما نقله فريدريك هوف الذي تولى منصب سفير ومستشار خاص للمرحلة الانتقالية في سورية خلال عهد الرئيس باراك أوباما في مقال نُشر في مجلة "نيو لاينز"، بعنوان "الأسد: مزارع شبعا سورية مهما يدّعِ حزب الله"، بشأن مضمون اللقاء الذي جمعه بالرئيس بشار الأسد في قصر تشرين في 28 شباط/فبراير 2011، ويقول: "من الأشياء التي لا تُنسى والتي مررت بها خلال محاولتي للتوسط في عملية السلام بين سورية وإسرائيل قبل عقد من الزمن، كان الاستماع إلى الرئيس السوري بشار الأسد وهو يشرح لي مبرر حزب الله بعد أيار [مايو] 2000 للاحتفاظ بسلاحه بادعاء القول إن إسرائيل لا تزال تحتل الأراضي اللبنانية في ’مزارع شبعا‘ و’تلال كفرشوبا‘، وهو أمر كاذب. وكان تفسيره واضحاً ومباشراً: الأرض سورية."[6] وأضاف هوف: "في الواقع كان توضيح الأسد بشأن ملكية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا جزءاً صغيراً من محادثة بدت، في ذلك الوقت، كإضافة الأوكتان الذي تشتد الحاجة إليه عندما بدأت وساطة السلام تتلاشى، إذ أبدى الأسد استعداده لحل علاقة سورية العسكرية بإيران، وإلزام لبنان التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل وإخراج حزب الله من نشاطات المقاومة برمته، في مقابل معاهدة سلام بين سورية وإسرائيل تستعيد سورية بموجبها جميع الأراضي التي خسرتها في حرب 1967." ويبدو أن مزارع شبعا ضِمن هذه الأراضي.

وعلى الرغم من تشديد لبنان على حقه في مزارع شبعا، فإن ذلك لم يحدث إلاّ بعد 33 عاماً من احتلالها، أي سنة 2000 عند تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، وحتى حزب الله الذي لم يذكر المزارع في مقاومته عاد بعد التحرير للمطالبة بها كأرض لبنانية تشرّع مقاومة الاحتلال. لكن لبنان لم يؤكد رسمياً سنة 1967 أن إسرائيل احتلت جزءاً من أراضيه المتاخمة لمرتفعات الجولان، ولم يقدم الوثائق المطلوبة، فالمزارع كانت تحت سيطرة سورية قبل أن تحتلها إسرائيل سنة 1967، وهو ما أكده هوف في مقالته بالقول إن جميع الخرائط تقريباً، بما في ذلك واحدة مصورة بالعملة اللبنانية، أظهرت أن مزارع شبعا ومنحدرات جبل الشيخ خارج نطاق السيادة اللبنانية. وحين سأل الأسد عن المخاوف من تمسُك حزب الله بمزارع شبعا وسعيه لنقلها رسمياً إلى لبنان، أكد أنها أراضٍ سورية، وأنه بمجرد استعادة سورية أراضيها من إسرائيل، فإنها ستدخل في محادثات مع لبنان بشأن التعديلات الممكنة على الحدود، بالإضافة إلى صكوك ملكية الأراضي.

وفي أيلول/سبتمبر 2007، أعلنت إسرائيل رفضها بدء المداولات للانسحاب من مزارع شبعا المحتلة، مشيرة إلى أن انسحاباً كهذا سيكون على حسابها، وسيكون جائزة لحزب الله. وعلّق رئيس الحكومة الإسرائيلية وقتها إيهود أولمرت على أنباء تحدثت عن قبول سوري بنقل السلطة على المزارع إلى الأمم المتحدة بالقول إنه "لا تغيير في موقف إسرائيل في هذا الموضوع"، مشدداً على أنه "يجب أولاً إنهاء ترسيم الحدود" بين لبنان وسورية.[7]

ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس السابق أنه بعث برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تفيد بأن دمشق وافقت على نقل مزارع شبعا إلى سلطة الأمم المتحدة، حتى قبل ترسيم الحدود اللبنانية السورية، كجزء من ترتيبات السيادة على هذه المنطقة التي تحتلها إسرائيل. ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى قولهم لمكتب موراتينوس إنه "لا يجب البدء بالمداولات حول مزارع شبعا على حسابنا" وتأكيدهم أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من هذه المنطقة الآن سيضر بالمصالح الإسرائيلية، وسيكون جائزة لحزب الله.[8]

لكن ما ورد بشأن قضية مزارع شبعا في وثيقة العمل الأميركية السورية الإسرائيلية، والتي نُشرت في "هآرتس" وترجمت جريدة "النهار" نصها،[9] يشير إلى التفاوض بشأن المزارع وموقعها الاستراتيجي، ضمن ملفات منها: الإنذار المبكر، والحدود، والترتيبات الأمنية، وقضايا المياه.

خاتمة

يؤكد تاريخ المنطقة لبنانية المزارع التي كان يعيش فيها لبنانيون، وهي لا تتعدى بمجملها مساحة 40 كيلومتراً مربعاً، وهو ما يفترض تحركاً لبنانياً على غير مستوى، واتفاقاً مع سورية يعيد تثبيت لبنانية المزارع بوثيقة تُرفع إلى الأمم المتحدة تعترف بلبنانية المزارع، وتدفع الأولى إلى إعادة النظر في خرائطها وإعادة ترسيم حدود المنطقة في الوقت المناسب، وربما يستدعي ذلك طلباً من الأمم المتحدة لاستصدار قرار يساهم في إخراج إسرائيل من المنطقة، بالتوازي مع العمل الدبلوماسي وكل الوسائل التي حددها البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام الذي حصر السلاح في يد الدولة، واتخاذ كل الوسائل التي تراها مناسبة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وخصوصاً مع استمرار إسرائيل احتلال أراضٍ ونقاط على طول الحدود، مع استمرار خروقاتها الحربية ضد لبنان.

تبقي قضية الحدود المرتبطة بالخط الأزرق، وما أضيفَ إليها من الاحتلال بعد 18 شباط/فبراير 2025، وهو تاريخ انتهاء المهلة المحددة لوقف النار والانسحاب، ملف الحدود مفتوحاً باعتبار أن هناك أراضي لبنانية لا تزال وراءه، وبينها أراضٍ في قاطع كفرشوبا، لكن يوجد للحديث عن مزارع شبعا معنى مختلف، وهو ما يقتضي مصارحة من مختلف الأطراف والاتجاهات اللبنانية تعترف بضعف الحجة التي يملكها لبنان في مواجهة هذه القضية من أجل التحضير لإجراءات قانونية ودبلوماسية بالتنسيق مع سورية تقوي الموقف اللبناني، وتشرعن مطالبه تحت قبة المجتمع الدولي وهيئة الأمم، وتحمي سيادته، وتصون قضيته الوطنية.

في المحصلة، يحق للبنان تأكيد لبنانية مزارع شبعا، واعتبار أن القرار 425 الذي صدر في آذار/مارس 1978 نص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة كافة، كما يحق له أن ينظر إلى أي قطعة أرضٍ محتلة مهما يصغر حجمها من منطلق سيادي، وقد التزم رسمياً بتطبيق القرار 1701، وخصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية التي استمرت 66 يوماً على لبنان، لكن منطقة المزارع التي لها وضع خاص منذ سنة 1967، بالإضافة إلى التطورات التي حدثت فيها، تفرض على لبنان إعادة النظر في طريقة تعاطيه مع هذه المسألة نحو تصويب الخلل القانوني المرتبط بملفها. والأمر أيضاً مرتبط بمدى القدرة اليوم على الضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس التي بقيت قواتها تحتلها على الحدود من الناقورة إلى الخيام، بالإضافة إلى تلال كفرشوبا. 

 

[1] محمد الشيخ، "إسرائيل كشفت دمشق عسكرياً.. احتلال مناطق استراتيجية داخل سوريا"، "المدن"، 17/12/2024.

[2] إبراهيم حيدر، "في الجدل حول مزارع شبعا وهويتها: وحده الاتفاق مع سورية يشرع المطالبة باستعادتها"، مقال نُشر في جريدة "الحياة"، مأخوذ من محرك بحث "سعورس"، 1/3/2006.

[3] محاضر جلسات مجلس النواب: 1968- 1974، مجلس النواب اللبناني.

[4] إبراهيم حيدر، مرجع سبق ذكره.

[5] إبراهيم حيدر، "الغجر المحتلة في مهب المواجهة: شمالها لبناني اقتطعته إسرائيل والسوريون رفضوا مغادرته!"، "النهار"، 7/7/2023.

[6] Frederic Hof, “Are Syrian, whatever Hezbollah Claims”, New Lines Magazine, 7/4/2021.

[7] علي حيدر، "إسرائيل ترفض ’بدء المداولات‘ حول مزارع شبعا"، "الأخبار"، 27/9/2007.

[8] المصدر نفسه.

[9] "وثيقة العمل الأميركية السورية الإسرائيلية"، "النهار"، 14/1/2000.

1
Author Bio: 

إبراهيم حيدر: صحافي في جريدة "النهار" اللبنانية، وأستاذ جامعي، وكاتب في مجالات متعددة منذ أواخر الثمانينيات في عدد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية. حائز على درجة الدكتوراه في الفلسفة، وأستاذ مساعد في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، وله كتابات وأبحاث تتراوح بين السياسة والتربية والفكر النقدي العربي.