"حضرت إلى منزلي الكائن في شرق المغازي وسط القطاع بعد الانسحاب، ورأيت الدمار الذي فعله الاحتلال، ولفتني في منزلي المدمر جزئياً وجود مجموعة من المعلبات كان جنود الاحتلال قد تركوها وراءهم، وفي ذلك الوقت، وكانت المجاعة مستشرية في القطاع، فاضطررنا إلى أخذها، وكانت بين المعلبات علبة أكبر حجماً، وعليها ملصق عليه صورة سمكة التونا، وما إن فتحتُها حتى انفجرت، فأُصبت أنا واثنين من أبنائي، وكانت إصابتي خطِرة؛ إذ خسرت كف يدي اليمنى، و3 أصابع من الكف الأُخرى، وملأت الشظايا جسدي، كما تضررت عيناي، بينما كانت إصابات أبنائي أقل خطورة نظراً إلى بعدهم عن الانفجار. وقد تبيّن أن هذا كان كميناً استخدمه الاحتلال في كل المناطق قبل الانسحاب، وكان يقتل به سكان المنازل العائدين."
(تصوير محمد النعامي) قذائف هاون ألقتها دبابات الاحتلال تجاه المناطق السكنية ولم تنفجر
هكذا روى حازم السعيدات (42 عاماً) تفاصيل إصابته مع أبنائه حينما عادوا ليطمئنوا على منزلهم في شرق المنطقة الوسطى، ليتفاجأوا بكمين يستخدم فيه الاحتلال الطعام كفخ قاتل، وكانت هذه حالة من مئات أو ربما آلاف الحالات التي انفجرت فيها مخلفات الاحتلال، وقتلت وأصابت وبترت أطراف مدنيين فلسطينيين وصلوا إلى المناطق التي كان الاحتلال قد توغل فيها.
وهناك جزء من الشهداء ارتقوا بعد سريان وقف إطلاق النار في 19 كانون الثاني/يناير 2025، وعودتهم إلى مناطقهم، وخصوصاً في شمال القطاع ومدينة رفح جنوباً والمناطق التي كانت ضمن محور نيتساريم وسط القطاع، وغيرها من المناطق، إذ وُجدت الآلاف من الألغام التي كان يستخدمها الاحتلال في نسف المنازل، وأعداد كبيرة من الصواريخ غير المنفجرة، والقذائف المدفعية، والقنابل اليدوية، ومعدات عسكرية، كما تعمّد الاحتلال، بحسب شهود عيان، تفخيخ منازل بحيث تنفجر فور وصول سكانها إليها بمجرد فتح باب المنازل، وتكررت هذه الحادثة مرات عديدة، وحصدت أرواح عدد كبير من الفلسطينيين.
وكشفت الجهات الحكومية في غزة أن 18% من صواريخ وقنابل الاحتلال التي ألقاها على المناطق السكنية في القطاع لم تنفجر، وهو ما يعني وجود آلاف الذخائر كقنابل موقوتة في مناطق القطاع المكتظة بالمدنيين.
قنبلة متشظية تركها الاحتلال في رمال منطقة نيتساريم (تصوير محمد النعامي)
كما وجّه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في 22 كانون الثاني/يناير 2025، تحذيراً عاجلاً وعالي الخطورة بشأن انفجار مخلفات الاحتلال التي تهدد حياة المواطنين، كما حذّر المكتب المواطنين في قطاع غزة من خطورة مخلفات الاحتلال الإسرائيلي الحربية، من قنابل وصواريخ وقذائف لم تنفجر بعد، والتي تشكّل تهديداً مباشراً على سلامة المواطنين .
وأعلنت وزارة الصحة أنها تستقبل يومياً إصابات وشهداء بسبب انفجار أجسام مشبوهة من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي.
وقد تجولنا في المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال في نيتساريم ومدينة رفح وحي الزيتون جنوبي غزة، ومدينة الزهراء وقرية المغراقة وجحر الديك وسط القطاع، حيث كان التركز الأكبر لجنود الاحتلال، ورصدنا أعداداً كبيرة من المخلفات الحربية التي خلفتها قوات الاحتلال الواضحة فوق الأرض، بين صواريخ وقذائف مدفعية وهاون وألغام لم تنفجر، وتتوسط المناطق السكنية والطرقات والأراضي الزراعية، الأمر الذي يعرّض حياة آلاف السكان للخطر.
وقابلنا أحد المختصين بتفكيك المتفجرات ضمن القوى الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في غزة، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، في أثناء عمله في التعامل مع مخلفات الاحتلال في جحر الديك، وهي منطقة كانت ضمن محور نيتساريم.
وقال المختص في حديث معنا إنه من الواضح أن الاحتلال نشر عدداً كبيراً من الألغام قبيل انسحابه من محور نيتساريم، وخصوصاً في المناطق المحيطة بشارعَي الرشيد وصلاح الدين، حيث الطرق الأساسية لعودة النازحين، وذلك بهدف تعريض العدد الأكبر منهم للخطر، لكن الطواقم الحكومية فحصت الطرق قبل بدء حركة النازحين، لمحاولة تفادي انفجار هذه المخلفات فيهم، كما وجّهتهم إلى السير المباشر في الطريق، وعدم الانحراف والسير في الطرق المختصرة أو الرملية على جانب الطرق.
مخلفات الاحتلال (تصوير محمد نعامي)
وأضاف :"نكتشف باستمرار العديد من مخلفات الاحتلال القابلة للانفجار في المناطق التي كان يتوغل الاحتلال فيها، وعَمَلُنَا هو فَحْصُها وتحديد نوعها وتقييم درجة خطرها ثم تحييد خطر انفجارها، وبعد ذلك إبعادها عن المناطق السكنية. وعلى الرغم من تحذيراتنا المتكررة للسكان بعدم الاقتراب من الأجسام المشبوهة، فإن العديد من المجازر قد جرت بسبب انفجار ما تركه الجيش الإسرائيلي وراءه من ذخائر ومعدات، وجزء منها أُعد خصيصا لينفجر في السكان، إذ وثّقنا تفخيخ الاحتلال مناظير وكشافات وأجهزة اتصال، وما إن يتم استخدامها حتى تنفجر."
وشدد الخبير على أن أكثر المهام صعوبة تحييد خطر الصواريخ الحربية الكبيرة الحجم، والتي تكون عالقة بين المنازل، وتشكّل تهديداً على حياة السكان في أي لحظة، إذ يتحتم على الطواقم الأمنية المختصة أن تتعامل مع هذه الذخائر مباشرة في مكان تواجدها نفسه، فتنتزع الصاعق المخصص لتفجير الصاروخ، وهي المهمة الأخطر، إذ من الممكن خلالها أن يتم تفعيله، وبالتالي يحدث الانفجار. لذلك، يتم إخلاء المنطقة من المدنيين قبل بدء العناصر في تحييد خطر الصاروخ.
وتابع: "هذه المهمة خطِرة للغاية، وكثير من زملائنا استشهدوا في أثناء محاولاتهم تحييد مخلفات الاحتلال، وكذلك الاحتلال يعتبرنا هدفاً عسكرياً، وقد جرى استهدافنا بصورة مباشرة مرات كثيرة، لكن هذا لا يدفعنا أبداً إلى مجرد التفكير في عدم مواصلة عملنا الذي نراه واجباً مقدساً لحماية أرواح أبناء شعبنا."
وفي شمال القطاع، حيث الدمار الشامل، والركام المملوء بمخلفات الاحتلال التي تسببت بارتقاء أعداد من الشهداء جرّاء انفجارها بالسكان العائدين إلى مناطقهم، قابلنا الشاب محمود عزمي، الذي فقد اثنين من أقربائه أمام عينيه في أثناء عودتهم إلى مخيم جباليا لتفقّد الدمار الهائل الجاري في منطقتهم، ومحاولة الحصول على ما يمكن الحصول عليه من مقتنيات منازلهم المدمرة، بهدف إعانة عائلاتهم على تحمّل أوضاع النزوح والإقامة في الخيام.
وقال محمود عزمي في حديث معنا إنه عاد مع أقارب له، وَهُم 3 أشقاء، مباشرة مع انسحاب قوات الاحتلال من شمال القطاع، قبل ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، في 19 كانون الثاني/يناير 2025، ومع الوصول إلى المنطقة، وجد منزله قدر دُمر تماماً، بينما صعد الشبان الثلاثة إلى منزلهم الذي كان قد دُمر جزئياً، وكان عدم تدميره بالكامل فخاً لقتلهم بحسب قوله.
وأضاف: "كانوا يقولون لي إن المنزل ربما يصلح للسكن مع الكثير من الإصلاحات. وفجأة، صاح أحدهم بأنه وجد جرة غاز، وما إن اقتربوا منها وسحبوها، حتى حدث انفجار كبير في المنزل، تسبب باستشهاد 2، وإصابة الثالث بإصابة خطِرة، كما بُترت ساقه. وكان الاحتلال قد ربط جرة الغاز بلغم، وما إن سحبوها حتى تم تفعيله، وانفجر."
وأوضح الشاب أن ركام المنازل في الشمال مملوء بألغام لم تنفجر، ولا تزال مزودة بأسلاك، ويمكن أن تؤدي أصغر حركة فوق الركام إلى تفجيرها.
المصادر
"بيان صحفي رقم (735) صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي: تحذير عاجل وعالي الخطورة بخصوص انفجار مخلفات الاحتلال التي تهدد حياة المواطنين". "الرأي". 22/1/2025.