في الفكر الإنساني، شكَّل الجسد مركزاً للتأمل الفلسفي بصفته حاملاً لهوية الإنسان، وشرطاً لوجوده في العالم. ويذهب الفيلسوف الفرنسي ميرلو - بونتي إلى أن الجسد ليس مجرد وعاء منفصل عن الذات، إنما هو وسيلة الإنسان للتفاعل مع الواقع وصوغ وجوده.[1]
وفي خضم أتون الحروب والمعارك، وتحديداً تحت وطأة حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة لأكثر من عام ونيف، تتجلى المأساة الفلسطينية في أقسى صورها حينما تتحول الأجساد إلى أشلاء مبعثرة، تغيب بين ذرات الرمل وتُدفن تحت ركام الأنقاض. وفي هذا المشهد العبثي القاسي، تصبح عملية جمع تلك الأشلاء وتركيبها مجدداً أكثر من مجرد فعل إنساني؛ إنها مقاومة رمزية للإبادة، ومحاولة لإعادة تشكيل الكينونة المسلوبة، وإحياء الوجود في وجه محاولات المحو الاستعماري الإسرائيلي.
وتفترض هذه المقالة أن عملية إعادة جمع أشلاء جثامين الشهداء ليست مجرد فعل مادي، بل هي أيضاً رمز لمقاومة محاولات الإبادة والمحو الاستعماري. فترْك الجثث في حالة غياب مجهول يؤدي إلى طمسها في الوعي الجمعي، بينما التعرف إلى الشهيد واستعادة هويته يعيدان تأكيد وجوده في مواجهة محاولات المحو، ويصبح هذا الفعل استعادة رمزية ومادية للهوية الفلسطينية، وهو ما يضمن بقاء الشهيد في ذاكرة عائلته ومجتمعه، ويحافظ على حقيقة استشهاده من التلاشي.
ووفق رؤية عبد الرحيم الشيخ، تتجلى الشواهد على النكبة في ممارسات التهجير والتغييب والقتل، إذ تصبح المخيمات والسجون والمقابر التي تؤسس لصور الوجود الفلسطيني في الحياة والموت،[2] إلى جانب اعتقال جثامين الشهداء في ثلاجات الأسْر ومقابر الأرقام كما تشير سهاد الناشف،[3] رموزاً صارخة لهذه الكارثة، فهذه الشواهد ليست مجرد وقائع مادية، بل أيضاً أدوات في مشروع منهجي للإبادة الرمزية والمحو التاريخي. وفي غزة، يتضح هذا المشروع عبر هدم المخيمات، واغتيال الأسْرى، وتفجير المقابر، وتشتيت أشلاء الشهداء، في محاولة لإعادة صوغ المشهد على نحو يلغي الوجود الفلسطيني، ويعيد تعريفه وفق منطق المحو النهائي الذي يهدف إلى تقويض الذات الفردية والجماعية على حد سواء.
إن الجسد، كما يشير محمد الحامدي، هو نص اجتماعي ممتد عبر الزمان والمكان، يتأثر بما يدور حوله، ويؤثر فيه، وينتَج عن طريقه نص ثقافي يدمج الأبعاد الفردية في الأبعاد الجماعية للهوية، فتصبح الذات الفردية متشابكة مع الآخر، في تداخُل ينتج صراعات وتوترات، ويكشف تضارب الخطابات.[4]
وفي السياق الفلسطيني، يتجاوز الجسد معناه المادي ليصبح حاملاً للهوية والذاكرة والتاريخ. فعندما تقطَّع أوصاله بفعل القصف، أو تُمحى معالمه بفعل الانفجارات التي تهدف إلى محو أثر الإنسان، تظهر الحاجة إلى إعادة تركيب جسد الشهيد، وهذا الجهد المادي ليس مجرد استجابة عملية، بل أيضاً هو فعل مقاومة ضد محاولات الطمس، ويثير تساؤلات بشأن طبيعة الهوية الإنسانية والعلاقة بين الجسد والذاكرة في مواجهة الإبادة.
ومن منظور ميشال فوكو، يتحول الجسد إلى ساحة صراع بين السلطة والخطاب؛ فالسلطة، كما يوضح فوكو، لا تمارَس فقط عبر القوانين، بل أيضاً تتجسد عبر أنظمة خطاب تضبط الأفعال الجسدية. وفي هذا السياق، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تدمير الجسد الفلسطيني عبر القتل المباشر والتشويه، لكنه لا يكتفي بذلك، بل أيضاً يسعى لضبط الأجساد الحية عبر أنظمة تفرض السيطرة والتبعية، في محاولة لجعل حياة الفلسطينيين مشروطة بخطابات السلطة الاستعمارية.[5]
إذاً، فإن الجسد الفلسطيني ليس فقط ضحية العنف المباشر، بل أيضاً هو هدف لمنظومة سلطوية تهدف إلى عزله وتقييد حركته. وكل فعل من أفعال الاحتلال، سواء أكان قصفاً أم حصاراً أم تدميراً، هو جزء من خطاب سلطوي يسعى لتفكيك الجسد الفلسطيني وهويته، ويصبح الجسد هنا مجالاً لإنتاج الهيمنة الاستعمارية، فيتم دفع الفلسطيني نحو الموت أو العزلة ضمن حدود تُفرض عليه.
ومن هذا المنظور، يسعى الاستعمار الإسرائيلي لتحقيق هدفين رئيسيَين: أولاً، تحويل الجسد الفلسطيني إلى وسيلة لتطبيق سلطته. ثانياً، إخضاع الجسد الناجي لرقابة مشددة تضمن استمرارية تبعيته. وفي ظل هذا النظام، يتحول جسد الشهيد إلى رمز مزدوج يحمل الهوية الفردية والجماعية في آن واحد، إذ تتجسد فيه معاناة شعب بأكمله.
وفي هذا السياق، فإنه يمكن ربط مفهوم "ימח שמו" في التوراة، والذي يعني حرفياً "لِيُمْحَ اسمه" أو "لِيُمْحَ ذِكره"، بهذه العملية الاستعمارية؛ إذ تُستخدم هذه العبارة للإشارة إلى الرغبة في محو شخص معين أو إزالة اسمه من الذاكرة أو التاريخ، وغالباً ما ترتبط بالأشخاص الذين يُعتبرون مذنبين أو أشراراً بصورة بالغة، وتعبّر عن رغبة عميقة في محو كل أثر أو ذكرى لهذا الشخص.[6]
ويمكن ربط هذه العبارة بعملية قتْل الفلسطينيين وتقطيع أجسادهم إلى أشلاء بواسطة آليات القتل الإسرائيلية، وهو ما يؤدي إلى تحويلهم إلى كائنات مجهولة الهوية ودفْنهم من دون التعرف إليهم، وهي عملية تمثل نوعاً من محو الذِكر، إذ يتم القضاء على أي صلة بالشخص أو تاريخه. ومن جهة أُخرى، فإن عملية إعادة تركيب هذه الأشلاء والتعرف عليها تمثل عملية إعادة إحياء الاسم والهوية، إذ يُعاد الاعتراف بالوجود الفلسطيني، ويتم تخليد ذكرى الشهداء عبر استعادة هويتهم ورفض محوهم.
وفي حرب الإبادة على قطاع غزة، يصبح جسد الشهيد رمزاً مزدوجاً؛ فمن جهة، يحمل هوية فردية تتجسد في ملامح الوجه، والأسماء، والصفات الشخصية، ومن جهة أُخرى، يكتسب هوية جماعية تعكس معاناة شعب بأكمله. وفي غزة، حيث يتحول الجسد بفعل القصف إلى شظايا، يصبح الجسد الممزق مساحة للصراع بين الهوية الفردية والفناء الجماعي.
ووفقاً لإسماعيل ناشف، يُعتبر الموت الفلسطيني نتيجة تفاعُل مع نظام اجتماعي استعماري يتحكم في مصائر الأفراد والجماعات، وهذا النظام لا يكتفي بفرض قيود على حياة الفلسطينيين، بل أيضاً يحدد كيف يموتون. وفي سياق حرب الإبادة على غزة، يتحول القصف العنيف وتمزيق الأجساد إلى استراتيجيا ممنهجة تهدف إلى محو الفلسطينيين جسدياً ونفسياً.[7]
إن طريقة موت الفلسطينيين تصبح محكومة تماماً بالنظام الاستعماري الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي؛ فالقصف العنيف الذي يؤدي إلى تمزيق الأجساد إلى أشلاء ليس مجرد جريمة قتل، بل أيضاً هو جزء من استراتيجيا منهجية تهدف إلى محو الفلسطينيين جسدياً ووجدانياً. فالاحتلال لا يكتفي بالقتل المباشر، بل أيضاً يسعى لتدمير هوية الفلسطينيين، إذ يتحول الجسد الفلسطيني إلى مجرد وسيلة لفرض الهيمنة الاستعمارية.
ولا يقتصر الاحتلال على القتل الفوري، بل أيضاً يسعى لتدمير الهوية الفلسطينية عبر تفكيك الجسد وتحويله إلى شخص مجهول ضمن "مجموعة الشهداء". فيؤدي تمزيق الأجساد إلى إلغاء الهوية الفردية، الأمر الذي يجعل الموت الفلسطيني جزءاً من مشروع استعماري أوسع يسعى لطمس وجودهم المادي والرمزي؛ أي عندما يتم تمزيق الجسد إلى قطع صغيرة، يصبح من المستحيل تمييز فرد عن آخر، وهو ما يؤدي إلى إلغاء الهوية الشخصية للفلسطيني.
وهكذا، يصبح الفلسطيني ضحية نظام إبادة يستهدف محو وجوده بصورة شاملة، عبر ممارسات القتل المباشر والموت البطيء الناجم عن الحصار، وتدمير البنية التحتية، وانقطاع الخدمات الأساسية. وهكذا، يصبح الفلسطيني ضحية لموت ممنهج يُقصد به إلغاء وجوده المادي والنفسي، لتحويله إلى جسد مجهول الهوية بين أعداد لا حصر لها من الشهداء.
وبين الأنقاض، تعمل الطواقم الطبية بجهد خارق لجمْع أشلاء الشهداء ومحاولة إعادة ترتيبها، وكأنهم يسعون جاهدين لإعادة منْح هؤلاء الشهداء هويتهم المفقودة، وهذه المهمة ليست مجرد عمل طبي، بل أيضاً هي فعل أخلاقي وإنساني في مواجهة وحشية الحرب.
وفي كثير من الأحيان، تواجه الطواقم الطبية صعوبة بالغة في التعرف على هوية الشهداء، إذ تُجمع الأشلاء في أكياس وتُدفن بلا اسم أو ملامح، وهو ما يعكس عجز الإمكانات التقنية أمام فظاعة الجرائم المرتكَبة. وغياب فحوصات الـ "DNA" يزيد من تعقيد المهمة، وهو ما يجعل التعرف إلى الشهداء تحدياً كبيراً، وخصوصاً مع الأعداد الكبيرة وضيق الأماكن المخصصة للمحافظة على الأجساد.
وفي هذا السياق، يشير محمود بصل، الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، في إحدى المقابلات الصحافية، إلى الجهود المضنية التي تبذلها الطواقم الطبية لتجميع أشلاء الشهداء وتكوين جثث كاملة، كما حدث عند استهداف الطائرات الإسرائيلية لمجموعة من النازحين في مدرسة تابعة لوكالة الغوث في أثناء تأديتهم صلاة الفجر.[8]
وتصل إلى المستشفيات كميات هائلة من الأشلاء، تشمل أطفالاً ورجالاً ونساءً، تُنقل أحياناً في أكياس أو تكون مجرد قِطَعٍ صغيرة كيد أو قدم، ومع مرور الوقت، يجلب المسعفون أو المتطوعون بقايا أُخرى غير معروفة الهوية تُضاف إلى ما سبق وتُدفن معها. وتشير الشهادات إلى أن بعض الجثث تصل في حالة تفحُّم حتى العظام، أو بتشوهات تجعل التعرف على ملامحها مستحيلاً.[9]
ويروي أحد العاملين في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح أن أكثر المشاهد إيلاماً هو وصول جثامين أطفال ممزقة من دون وجود أي شخص يسأل عنهم، إذ غالباً ما يكون ذووهم قد استشهدوا معهم. وفي حالات أُخرى، يبقى الشهداء في المستشفيات لأيام إلى أن يتم التعرف إليهم من جانب أقارب أو شهود، وغالباً ما تكون بطاقة الهوية، التي يحملونها في جيوبهم، الوسيلة الوحيدة للتعرف إليهم.
كذلك، لا تقتصر مهمة جمْع أشلاء الشهداء على الفِرَق الطبية فقط، بل أيضاً تتجاوز ذلك لتصبح مسؤولية جماعية تقع على عاتق الفلسطينيين جميعاً؛ ففي 17 كانون الأول/ديسمبر 2024، تداولت منصات التواصل الاجتماعية مقاطع فيديو توثق لحظات مأساوية تُظهر جهوداً مضنية يبذلها الأهالي لجمع أشلاء الشهداء الذين تمزقت أجسادهم بفعل القصف الإسرائيلي العنيف على غزة، وفي تلك المشاهد المؤلمة تُستخدم أقفاص وحافظات طعام كوسائل مبدئية لجمْع الأشلاء المتناثرة.[10]
وفي مشهد مؤلم ومؤرَخ في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2024، ظهر والد الصحافي حسن حمد يحمل بين يديه أشلاء نجله الشهيد داخل صندوق كرتوني، عقب استهدافه من جانب طائرة إسرائيلية في مخيم جباليا.[11] وفي واقعة مشابهة في 10 آب/أغسطس 2024، تداولت وسائل الإعلام مقطع فيديو يُظهر مجموعة من الفلسطينيين وهم يجمعون أشلاء ضحايا مجزرة مروعة في إحدى مدارس مخيم جباليا، وقد اختلطت الأشلاء ببعضها داخل ساحة المدرسة، فاحتسبوا كل 70 كيلوغراماً من الأشلاء شهيداً واحداً.[12]
وهنا يَبْرُزُ تساؤُل مشروع: كيف يتمكّن سكان القطاع من التعرف على أشلاء الشهداء وسط هذا الدمار؟ في تقرير صحافي أعدّه موقع "العربي الجديد"، استُعرضت شهادات مؤلمة لسكان غزة تسلط الضوء على هذه التجربة المروعة، وأشار التقرير إلى أن التعرف إلى الشهداء يتم غالباً عن طريق أملاكهم الشخصية، كمفاتيح السيارة، أو الخواتم، أو أي شيء كان في حيازتهم في لحظة استشهادهم. وفي حالات أُخرى، يعتمد الأهالي على ملامح مميزة في أجساد الشهداء، كالأسنان، أو العلامات الفارقة، إذا ما بقيت ظاهرة بعد القصف. كما يؤدي وجود أجزاء صناعية، كألواح البلاتين المزروعة في أجساد البعض، دوراً حاسماً في عملية التعرف.[13]
وغياب الإمكانات التقنية لا يطمس حضور الشهيد في الوعي الجمعي، فحتى عندما تُدفن الأشلاء في قبور جماعية بلا أسماء، يعامَل هؤلاء الشهداء باعتبارهم جزءاً من العائلة الفلسطينية الكبرى، وهذا الفعل يعبّر عن مقاومة ثقافية ضد محاولات محو التاريخ والهوية.
وتجعل هذه الأوضاع من كل شهيد مجهول شاهداً على حرب الإبادة التي لا تكتفي بقتل الإنسان، بل أيضاً تسعى لمحو أي أثر لهويته. ومع ذلك، فإن دفْن هؤلاء الشهداء بروح التضامن المجتمعي يحافظ على مكانتهم كجزء من الذاكرة الجمعية الفلسطينية.
والمآسي الفردية للشهداء المجهولين تتداخل مع المأساة الكبرى لشعب بأكمله؛ ففي غزة، حيث تكتظ المقابر بجثامين الشهداء، يتحول الشهيد المجهول إلى رمز للهوية الوطنية المفقودة، وهذا التحول لا ينتقص من مكانة الفرد، إنما يوسعها لتشمل الجماعة بأكملها.
وتتجاوز حرب الإبادة في غزة فكرة القتل الجسدي إلى استهداف الإنسان في جوهره؛ فالشهيد هنا ليس مجرد ضحية، بل أيضاً أيقونة للصمود والتحدي. وعبر تفكيك أجسادهم، يسعى الاحتلال لإلغاء وجودهم الرمزي، لكن محاولات الطواقم الطبية لإعادة تركيبهم تعيد تأكيد مكانتهم الإنسانية.
ويطرح دفْن الشهداء الذين لم يتم التعرف إليهم تساؤلات فلسفية عميقة بشأن علاقة الجسد بالروح: هل ينتهي الإنسان عندما يتفكك جسده، أم إن هويته تتجدد في الذاكرة والرمزية؟
في مواجهة حرب الإبادة، يتحول الشهيد إلى نقطة التقاء بين الحياة والموت، وبين الفردية والجماعية، ويصبح شاهداً على الوحشية ومقاوِماً لها في الوقت ذاته، إذ تجسد بصمته الرمزية هوية أكبر من ذاته.
وحرب الإبادة في غزة ليست مجرد حرب عسكرية، بل أيضاً هي مشروع منهجي لمحو الإنسان الفلسطيني وجوداً وهوية، والشهيد الذي تتناثر أشلاؤه يصبح تعبيراً عن هذه الحرب في أقسى صورها.
ومع ذلك، فإن هذا المحو المادي يواجه مقاومة مستمرة من جانب المجتمع الفلسطيني؛ فإعادة تركيب الشهداء ليست مجرد محاولة للتعرف على هوياتهم، بل أيضاً فعل مقاومة ضد مشاريع الطمس، وفي كل مرة يُعاد فيها دفْن الشهيد المجهول، يُعاد ترميم الذاكرة الجماعية التي يحاول الاحتلال تدميرها.
إن إعادة تركيب الشهداء تتجاوز كونها عملية طبية لتصبح فعلاً فلسفياً وإنسانياً بامتياز. وفي غزة، حيث تتكدس جثث الشهداء وتتحول ثلاجات الموتى إلى شواهد على الإبادة، يُعاد تعريف علاقة الجسد بالهوية، فالشهيد الفلسطيني، سواء أتمّ التعرف على هويته أم بقي مجهولاً، هو رمز للصمود في وجه محاولات المحو، وهذه المحاولات التي تهدف إلى إبادة الفلسطينيين جسدياً وإنسانياً تُفشلها كل قطعة لحم تُجمع، وكل شهيد يُدفن كجزء من هوية لا يمكن القضاء عليها.
وتظل حرب الإبادة على غزة تجسد نموذجاً صارخاً للعنف الاستعماري الذي لم يُعرف له مثيل في التاريخ الحديث، إذ لا يبقى الجسد الفلسطيني مجرد ضحية، بل أيضاً ساحة مفتوحة للمقاومة، تتراوح بين الفناء والبقاء. وفي كل شهيد يُعاد تركيبه، يولد معنى جديد للحياة والمقاومة، ليظل الشعب الفلسطيني حياً على الرغم من كل محاولات الإبادة المتواصلة التي تهدف إلى محو تاريخه وهويته.
[1] مجدي عز الدين حسن، "فينومينولوجيا الجسد عند ميرلوبونتي"، "مجلة لوغوس مخبر الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا - جامعة تلمسان"، المجلد 6، العدد 7، 1/12/2018، ص 28-44.
[2] عبد الرحيم الشيخ، "المقبرة الفلسطينية الحية 1: التاريخ المفاهيمي"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 134 (ربيع 2023).
[3] سهاد الناشف، "الاعتقال الإداري للجثامين الفلسطينية: تعميق الموت وتجميده"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 107 (صيف 2016).
[4] محمد الحامدي، "مقدّمة في سوسيولوجيا الجسد: تقاطُع الثّقافات وتنازُع الهُـويـات"، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 16/1/2020.
[5] يحياوي عبد القادر، "الجسد كسلطة عند ميشال فوكو"، مجلة "الكلمة"، العدد 796، 6/6/2019.
[6] الحاخام باروخ أفراتي، "تعبير يمحَ اسمه" (بالعبرية)، موقع "كيباه"، 6/6/2013.
[7] إسماعيل ناشف، "صور موت الفلسطيني" (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015).
[8] "’انتشلناهم أشلاء‘... شاهد ومسؤول يرويان تفاصيل ’مجزرة الفجر‘ في غزة"، "الشرق الأوسط"، 10/8/2024.
[9] سامي أبو سالم، "مغسل الموتى... أشلاء ونقص الأكفان"، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، 2/6/2024.
[10] "نقل أشلاء شهداء في قطاع غزة في أوعية طعام"، صفحة "الجزيرة" على "فيسبوك"، 16/12/2024.
[11] "مشاهد قاسية لوالد الصحفي حسن حمد بعدما جمع أشلاء نجله في صندوق من الكرتون جراء استهدافه من قبل طائرات الاحتلال في مخيم جباليا #حرب_غزة #فيديو"، صفحة "الجزيرة" على "فيسبوك"، 6/10/2024.
[12] "محاولة جمع أشلاء ضحايا مجرزة مدرسة التابعين"، صفحة "الجزيرة" على "فيسبوك"، 10/8/2024.
[13] "كيف يتعرف أهالي الشهداء في غزة على جثث وأشلاء أحبائهم"، "العربي الجديد"، 5/6/2024.