Rafida and Al-Mufti Schools... Where a Child Is Killed on His Mother’s Lap, and Another Is Buried Where He Was Born
Date: 
October 17 2024
blog Series: 

"أول ما شاهدته عيني عندما بدأ دخان القصف ينقشع، كان طفلاً بعمر 10 أشهر في حضن أمه، وقد اخترقت شظية رأسه، وأكملت طريقها إلى صدر والدته، فحملته وانطلقت به إلى مقر الهلال الأحمر، قرب المدرسة من الناحية الجنوبية، ثم نقلت والدته مباشرة إلى المكان نفسه، وكانت قد فارقت الحياة أيضاً، حيث جرى القصف الإسرائيلي، في أثناء انتظار دورها في تسليم المكمل الغذائي لطفلها الرضيع أمام الصفوف التي قُصفت. شهدتُ وضع الأم ورضيعها في كيس واحد للموتى، من دون أن أعرف هويتهم، وعدت لمساعدة المصابين في الداخل."

كان هذا شيئاً من معالم الموت التي شهدها الشاب إسماعيل المصري (27 عاماً)، أحد النازحين في مدرسة رفيدة غربي مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، والتي تؤوي مئات العائلات النازحة التي قصفها جيش الاحتلال بصاروخ شديد الانفجار صباح 10 تشرين أول/أكتوبر 2024، وذلك في وقت الذروة، حين تكون المدرسة في أعلى درجات الاكتظاظ.

 

الصورة (مجزرة مدرسة الرفيدة/دير البلح، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024، المصور محمد النعامي)

 

وبلغت حصيلة الاستهداف 26 شهيداً، وأكثر من 92 جريحاً، أغلبهم من الأطفال والنساء، كما فُقد عدد آخر من النازحين بحسب المصادر الطبية.

ونوثق هنا شهادات لنازحين من داخل المدرسة، أكدوا أن القصف استهدف الصفوف المخصصة لتوزيع مكمل غذائي للأطفال، والمعروف تجارياً في غزة باسم "السريلاك"، في الوقت الذي كان فيه العديد من الأمهات والأطفال أمام مكان القصف، بينما استشهد في القصف مدير مركز الإيواء، وأفراد من طاقم توزيع المساعدات، وإعداد الطعام.

ويكمل النازح إسماعيل المصري رواية شهادته في حديثه معنا: "مع العودة لإسعاف مصابين آخرين، كان الدخان قد انجلى نوعا ما، وتبيّن أن الغارة خلّفت بحراً من الدماء، وأكواماً من الأشلاء والمصابين في كل مكان، والجميع كان ينزف، وسيطر على المكان الرعب والشعور بالفاجعة، وأكثر الإصابات كانت بحالات البتر، وكنت أحاول تجنب الدوس على الأطراف المتناثرة."

وضِمن إسعافه للمصابين، رافق إسماعيل رجلاً مصاباً في منتصف الثلاثين من عمره، وكان يسير على قدميه، ولا تبدو حالته خطِرة حين اصطحبه إلى مستشفى شهداء الأقصى، ومع اكتظاظ المستشفى بالمصابين، اضطر إلى الانتظار، وبعد وقت قصير، هوى على الأرض مفارقاً الحياة، ليتبين أنه كان مصاباً بنزيف داخلي، ولم يكن هناك مكان شاغر لحالته مع اكتظاظ المستشفى بمئات الإصابات.

وعجز مستشفى شهداء الأقصى، وهو المستشفى الأساسي في المنطقة الوسطى، عن تقديم الخدمات الطبية إلى هذا العدد الهائل من المصابين، إذ وصل أكثر من 100 حالة بين شهداء ومصابين بحالات خطِرة أو حالات بتر في دقائق معدودة جرّاء استهداف المدرسة، بينما كانت أسرّة المستشفى ممتلئة، والطواقم الطبية منهمكة في التعامل مع حالات مصابة في إثر استهدافات أُخرى، وهو ما جعل الأطباء يفاضلون في تقديم العلاج بين المصابين بحسب خطورة الإصابة، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد الشهداء بين مَن تدهورت حالتهم الصحية.

وفي موقع الغارة، كانت الطفلة مريم أبو ستة تقف وترتجف، ولا تزال في حالة الصدمة، إذ أصيبت جرّاء الغارة بجروح وكسر في يدها، وعاشت لحظات مرعبة، فقد كان القصف ملاصقاً للصف التي نزحت فيه عائلتها.

وعند سؤال الطفلة مريم عما حدث، زاد ارتجافها وعجزت عن الكلام، وبدأت في الكباء، فاحتضنها والدها رمزي أبو ستة وروى أحداث ما جرى لعائلته.

قال رمزي والذين كانوا بين عائلته في أثناء القصف إن كل أفراد أسرته أصيبوا، ومنهم والدته التي تعاني جرّاء أمراض مزمنة، وهو ما جعلها في وضع حرج، فضلاً عن إصابة أطفاله، وشقيقاته، وجيرانه في النزوح، كما علق بعض أفراد أسرته تحت الركام، وبصعوبة تم انتشالهم.

وأضاف: "لم يكن التأثير الأكبر في طفلتي مريم بسبب إصابتها، إنما دخلت حالة الهلع الشديد بعد مشاهدتها إصابة عمتها مرام في الوجه، إذ مزقت شظية وجهها، وتسببت لها بتشوه ونزيف شديد، كما شاهدت الأطفال مقطعين، والأعضاء البشرية متناثرة، والمصابين مبتوري الأطراف، وإن مشاهدات كهذه لن يتحملها الرجال البالغون، فكيف بالأطفال."

وتابع رمزي: "وضعت أطفالي في سيارات الإسعاف وقلبي يتقطع عليهم، وأتحرق لمرافقتهم والاطمئنان على مصيرهم، لكن كنت أعود إلى موقع القصف لأنقل باقي أسرتي، وأحاول التماسك، حتى عندما أشاهد الإصابات الخطِرة التي أصابت عائلتي، وبعد الانتهاء من نقلهم، توجهت إلى المستشفى، وهناك علمت بتحويل أمي إلى المستشفى الأوروبي نظراً إلى صعوبة حالتها، وأيضاً تم تحويل بعض أفراد أسرتي إلى مشافٍ أُخرى، وعانيت لأصل إليهم."

أمّا نعيم أبو ستة (9 أعوام) شقيق مريم، فقد كان أمام بسطته الصغيرة المخصصة لبيع البسكويت داخل المدرسة، وقد دفعه الانفجار عدة أمتار، وأُصيب في إثره بجروح، ويعاني جرّاء آثار نفسية صعبة بسبب القصف، وخصوصاً أنه عندما استعاد وعيه، وجد نفسه ملتصقاً بجثمان شهيد، والدماء تحيط به.

وبحسب شهود العيان، فقد نتج من القصف الإسرائيلي لهب كبير، تسبب بإحراق أجساد عشرات المصابين بحروق تصل إلى الدرجة الثالثة، وتسبب لهم بحالات بتر للأطراف، وتشوهات مزمنة.

وكانت الطفلة أسماء حمد (عامين) من الأطفال الذين أصابهم الاحتلال بقصفه للمدرسة، وتعرضت لحروق في الجزء العلوي من جسدها وصولاً إلى رقبتها وشعرها وجزء من وجهها، كما يتوقع الأطباء أن قدرتها على الرؤية ستتضرر، ولا تزال الطفلة تحت العناية الطبية نظراً إلى خطورة حالتها.

وقالت والدة الطفلة أسماء إن طفلتها أصيبت بحروق ستلازمها لكامل حياتها، ولا تزال الطفلة فاقدة للوعي وفي حالة الخطر. وباتت مشتتة بين ملازمة طفلتها في المستشفى، والعناية بأطفالها المتبقين، والذين ارتقى والدهم في ثاني أشهر الحرب، ولا يزالون مقيمين بالمدرسة بلا معيل.

 

 

الصورة (مجزرة مدرسة الرفيدة/دير البلح، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024، المصور محمد النعامي)

 

وأضافت: "ما ذنب طفلتي؟ عاشت عاماً من حياتها في بيتها وبين أهلها في حب وسلام، والعام الآخر عاشته في نزوح ومعاناة ومرض وفقر وجوع، والآن ترقد في المستشفى بين الحياة والموت. لا أدري لماذا ندفع كل هذه الأثمان، ومتى سيتوقف هذا الجحيم."

وأوضحت الأم أنها نزحت بعائلتها من الشمال تجاه مستشفى المعمداني في غزة، ثم انتقلت إلى الجنوب تجاه مخيم النصيرات في المنطقة الوسطى، ومنه نزحت إلى خان يونس، ثم رفح، ثم شاطئ دير البلح، وأخيراً انتهى بها المطاف في مدرسة رفيدة، لتبحث عن الأمان لأطفالها الثلاثة، ولم تجده.

ولم تُشبع مجزرة مدرسة رفيدة شهية الاحتلال الدموية، فاستهدف بعد ثلاثة أيام منها مدرسة المفتي التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2024 ليلاً، والتي تضم آلاف النازحين، وتقع شمال مخيم النصيرات وسط القطاع، بالقذائف المدفعية.

وأسفر القصف الإسرائيلي على المدرسة عن ارتقاء 22 شهيداً، بينهم 15 طفلاً وامرأة، وأصيب نحو 80 آخرين، معظمهم من الأطفال، وبينهم حالات خطِرة، وإصابات بالبتر.

ومن ضحايا الجريمة الإسرائيلية الطفل الرضيع رضوان كشكو، وهو الذي وُلد في المدرسة واستشهد فيها بفعل القصف الإسرائيلي، وينضم إلى آلاف الأطفال الذين قتلهم الاحتلال داخل المدارس ومراكز الإيواء.

وما يفسر هذا العدد الكبير من الشهداء في صفوف الأطفال والنساء هو أن الاحتلال وجّه قذائفه المدفعية مباشرة تجاه الصفوف المخصصة لإيواء النساء والأطفال، بينما يقيم الرجال بالصفوف السفلى.

والجدير بالذكر أن جيش الاحتلال لا يستخدم المدفعية في عمليات الاغتيال، نظراً إلى انعدام دقتها في إصابة الأهداف، إنما في حالات القتل العشوائي، وهو ما يقطع الطريق على الاحتلال لتكرار مزاعمه التي اعتاد إطلاقها، في محاولات لتبرير مجازره بوجود مسلحين.

ورفعت الجريمة الإسرائيلية بحق النازحين في مدرستَي رفيدة والمفتي عدد مراكز الإيواء والنزوح التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي إلى 191 مركزاً للنزوح والإيواء، وتضم هذه المراكز مئات آلاف النازحين المشرَدين بفعل حرب الإبادة الجماعية.

 

المصادر

 

Read more