عادةً ما يُعرف المناضل والسياسي والمثقف ويُعرَّف بنتاجه ومواقفه العامة، لكن قلّما يتم الانتباه إلى جوانب في حياته، كعلاقته بعائلته، ومحيطه، وزملائه، وأمّه وأبيه. وفي هذه المقالة التي تنشرها مدونة "فلسطين الميدان"، في ذكرى استشهاد ماجد أبو شرار (1936 - 1981) على جزأين، سنجد إضاءة على جانب مهم في حياته، بقلم ابنته سماء، وهو علاقته بالنساء وموقفه منهن، بشهادة بعض اللواتي عملن معه، ورافقنه في دروب عديدة من حياته ونضاله خلال مسيرة عمل تنوعت بين الإعلام المركزي لحركة "فتح"، ورئاسة الإعلام الموحد، ورئاسة تحرير صحيفة "فتح" اليومية، ومسؤولية المفوض السياسي العام لـ "فتح" في الفترة 1973 - 1978، وكذلك أمانة سر المجلس الثوري بعد المؤتمر الثالث للحركة، وعضويته في اللجنة المركزية في انتخابات المؤتمر الرابع (1980).
سماء أبو شرار
لم تأتِ الفكرة من فراغ، وأقصد هنا فكرة الكتابة عن علاقة ماجد بنساء كثيرات، عرفهن خلال العمل النضالي والاجتماعي والمهني، فلم يصدف أن التقيت امرأة عرفها ماجد إلاّ وبادرت لتحدثني عن "نصير المرأة الدائم" كما يحلو لها الوصف. عادةً ما يوصف الرجال في منطقتنا بالازدواجية، أي أنهم يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر عندما يتعلق الأمر بالمرأة، لكن ماجد ظل استثناء، كما وصفته المناضلات اللواتي عرفنه عن قُرب، فهو الرجل الذي لا يدعي التقدمية والديمقراطية، إنما يمارسها بحذافيرها. أعود قليلاً بالذاكرة إلى علاقة ماجد بالنساء داخل عائلته، ابتداءً بوالدته وأخواته، مروراً بزوجته وبناته، وانتهاءً بالمرأة بصورة عامة.
-٢-
نينا جدع صويص[1]
كانت تربط ماجد بغطاس صويص (نزيه أبو نضال)[2] وزوجته نينا جدع علاقة عائلية وطيدة، فبالإضافة إلى كونهما من أصدقاء ماجد المقربين، فقد شكّلا أحد الملاذات الآمنة لماجد وأبنائه بعد وفاة زوجته الأولى ووالدة أبنائه فاطمة العزة، فلم يتردد ماجد عند وفاة زوجته في لندن، حيث كانت تتلقى العلاج من مرض العضال، في اللجوء إلى صديقه نزيه أبو نضال، متمنياً عليه مرافقته إلى عاصمة الضباب لإحضار الجثمان، وهذا ما حدث. لقد جعل عمق العلاقة التي كانت قائمة بيت نزيه ونينا وعائلتهما بيتاً ثانياً لسماء وسلام بعد وفاة والدتهما، واستمرت هذه العلاقة حتى بعد استشهاد ماجد. وتقول نينا: "بعد وفاة الغالية فاطمة العزة، كنا نزور ماجد ونطمئن على سماء وسلام، وكان ماجد قد رتّب لعودة الطفلين من المدرسة إلى بيت جارة صديقه، حيث يتناولان الغداء ويبقيان هناك حتى يعود. لكنه في المساء، كان يحضر إليهما وجبة خاصة، ليتأكد من أنهما أكلا طعاماً مغذياً في ذلك اليوم."
ولم تقتصر العلاقة على الأتراح، فقد كان ماجد موجوداً في حياة نينا ونزيه أبو نضال منذ البدايات، وفي هذا الصدد، تستذكر نينا: "في يوم زواجنا، كان ماجد على رأس الجاهة التي أنزلتني من بيت أهلي، وكان محتاراً كيف سيطلب يدي من والدي لصديقه، وأخيراً، قال ضاحكاً: ’نحن نرغب في إراحة نينا من درجات هذا السلّم القاسي إلى بناية فيها مصعد‘." وكان ماجد معروفاً بكرمه وطيبة قلبه وحبه للأطفال، و"كان يسافر كثيراً بحكم موقعه في قيادة الثورة، وحين يعود، يكون لابنتنا مها الحصة الكبرى، كأبنائه، من الفساتين والهدايا الجميلة التي يحملها معه."
أحبَّ الحياة بكل حذافيرها، ولم يمنعه برنامجه الحافل يوماً من جمعات الأصدقاء في بيته وبيوتهم، وكان دائماً ينظم سهرات العشاء الرسمية وغير الرسمية في بيته، ويستمتع بدعوات الغداء، وتحديداً لتناول السمك، وكان مطعم "السلطان إبراهيم" في منطقة الأوزاعي، حينها، من مطاعمه المفضلة، سواء أكان مع العائلة أم مع الأصدقاء. وتشرح نينا: "في إحدى سهرات رأس السنة في بيتنا - وكنا نسهر معاً كل سنة - أوقف مها على الطاولة في وسط البيت، وكانت في الخامسة أو السادسة من عمرها، وصار يلقنها ما يرغب في قوله عن الثورة والثوار، وهي تردد من دون أن تفهم اللعبة."
ولا تقتصر شهادة نينا على الخاص فقط، بل أيضاً تتناول العامّ، فتستذكر اللحظات العصيبة خلال جنازات شهداء عملية شارع فردان الثلاثة في بيروت؛ كمال ناصر، وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار،[3] وتقول: "كنت مع المشيّعين أمام الكنيسة التي يصلى فيها على جثمان الشهيد كمال ناصر، وهناك رأيت معركة بالأيدي، في وسطها امرأة أجنبية شقراء، تخيلتها أميركية، رمز كل الشرور، وتخيلت أن أخي عماد، أحد المسؤولين الأمنيين عن المسيرة، أحد ضحايا هذه المعركة، فهرعت لإنقاذه، وكانت هذه الشقراء مشحونة بكل الحقد الذي أختزنه ضد العدو الصهيوني وأميركا، ورحت أضربها بكل ما أملك من قوة وحقد، فأحسست بأيد قوية ترفعني عنها، وكانت يد نزيه أبو نضال وماجد أبو شرار يبعدانني، فعلمت فيما بعد أنها كانت مصورة صحافية أجنبية أصرت على التقاط صور للمسيرة، على الرغم من أن المقاومة منعت ذلك لأسباب أمنية، حفاظاً على هوية المشيّعين، فأخذ ماجد الفيلم من كاميرتها وأتلفه، وعوّض عليها ثمنه."
مصدر الصورة: سماء أبو شرار
جانيت (هند) جوهرية[4]
كانت تربط ماجد بجانيت (هند) جوهرية، زوجة الشهيد هاني جوهرية،[5] وطفليها هبة وفخري، علاقة مميزة فيها كثير من الرعاية والحنان. وكانت جانيت وهبة وفخري جزءاً من عائلتنا. أذكر مغامرتنا عندما لجأنا يوماً إلى بيت جانيت في ساقية الجنزير للاحتماء؛ إذ استعنّا بالعديد من الأصدقاء، أو بشققهم، للاختفاء عن الأنظار لبعض الوقت كلما كان ماجد يتلقى تهديداً، أو تحذيراً أمنياً.
طلبت من جانيت أن تكتب لي عن ماجد، فتمنت عليّ الاستعانة بما كتبته لدى استشهاده ونُشر في مجلد[6] تم إصداره في ذكرى أربعينه، وتحمل هذه الشهادة عنوان "عمو ماجد.. حكاية لا تنتهي"، وتركز فيها على طبيعة العلاقة التي كانت تربطها وهبة وفخري بماجد بصورة خاصة، وبالأطفال بصورة عامة. وتبدأ جوهرية شهادتها باقتباس لمقولة ماجد يوم رحيل هاني جوهرية "مَن يريد منكم أن يتحمل أثقل الأشياء وأصعبها... ويستمر فلينظر في عيون الأطفال. أي طاقة للحب والحياة والتحمل.. تولد فينا.. حين تلامس شفاهنا المشققة من المرارة والألم.. خصلات شعرهم الجميل، وينساب إلى داخلنا صوتهم الدافئ.. يحرضنا على الحياة والتجدد والاستمرار.. من أجلهم، فهم أولاً وأخيراً الوطن." وتقول جوهرية إنه بهذه الكلمات، نسج بداية حكايته الدافئة مع هبة وفخري، مشددةً على أن الأطفال يرون فيه شيئاً من أبيهم، وحديقة من الذكريات الجميلة والأحلام الطفولية الساحرة.
كما كتبتْ: "عمو ماجد لم يكن مجرد رجل يزورنا ويذهب، ولم نكن بين الزيارة والأُخرى نتعرف إلى تفاصيل حياتنا وننساه، وكان حضوره يحيطنا حين يكون بيننا، أو بعيداً عنا، ولم تكن هداياه الجميلة تسرق اهتمام أطفالنا، فأي هدية أحلى وأغلى من أن ينفرج باب البيت ليطل منه، وتسبقه ابتسامته الساحرة، فيتسلقه الأطفال، ويلتصقون به كما تلتصق الفراشات البرّية بشجر الورد، فتتغير الأشياء كلها، ويصبح البيت وعيون الأطفال أجمل."
وتصف جوهرية علاقة ماجد بالأطفال بالاستثنائية، لأنه دائم الصلة بهم، وتتذكر أنه عندما تم إغلاق شارع وفا خوفاً من السيارات المفخخة، كلّف ماجد مدير مكتبه أن يحوّل الشارع إلى حديقة للأطفال كي تسنح له رؤيتهم كل الوقت، "ويشرب من عيونهم ماء القوة والتجدد والحياة".
وتنهي جوهرية شهادتها بقصة صورة لعشرات الأشبال من مخيم البقعة كانت تتصدر مكتبه، وكان يرويها بفخر، وصادف أن أحد ضباط العاصفة زار المكتب، وتعرّف إلى نفسه بين الأشبال في الصورة قائلاً: "انظر يا أخ ماجد، هذا أنا قبل عشرة أعوام. ألا ترى أنني كنت جميلاً؟" فأجابه ماجد بخفة ظله النادرة، كما تقول جوهرية: "وأنت الآن أجمل."
نوال حلاوة[7]
ضم كتاب "حوارات صحفية" للكاتبة نوال حلاوة عدداً من اللقاءات الصحافية مع شخصيات فلسطينية وعربية وعالمية، منها لقاء أجرته مع ماجد أبو شرار لدى ترؤسه جهاز الإعلام الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية. ولدى تواصُلي مع حلاوة، طامحةً إلى الحصول على شهادتها، أخبرتني أن لديها شهادتين؛ الأولى كتبتها لدى استشهاده، وحملت عنوان "ماجد أبو الفقراء"، والثانية بعنوان "من هنا... وهناك كان وما زال نجم ماجد في كبد السماء"، وكتبتها بطلب من عمتي الروائية بشرى أبو شرار لضمها إلى كتابها "من هنا.. وهناك". وتحوي الشهادتان الكثير من الوجدانيات، تستذكر فيهما حلاوة ماجد الإنسان والقائد والقاص والصحافي. وبحكم عملها كصحافية، فقد ربطت حلاوة بأبو شرار علاقة وثيقة، كان يشكل فيها ماجد، ليس فقط مصدراً للمعلومات وشبكة علاقات واسعة التقت في ظلها كثيراً من الشخصيات في مكتبه الذي تصفه بأنه "نار ونور ووهج وعمل لا يكلّ"، بل أيضاً صداقة تطورت مع الأيام.
وتتحدث في شهادتها عن تجميع كل ما كُتب عن ماجد في مجلد ضخم جلدته باللون الأرجواني: "جلّدتهم بمخمل بلون شقائق النعمان التي عشقتها لأنها تنبت في براري فلسطين، والمدهش أنه عندما قرأها القائد الشهيد صلاح خلف، قال لي بالحرف الواحد، عندما قابلته في الكويت في بيته: ’صرت أتمنى الاستشهاد كي ترثيني يا نوال‘، فسددت فمه بيدي، وقلت له: ’لا مزيدَ من الرثاء رجاءً. لن أستطيع أن أرثي أحداً بعد ماجد‘."
وتشدد حلاوة على اهتمام ماجد الكبير بالإعلاميين الفلسطينيين، وحرصه على تأمين كل ما يلزمهم لإيصال الصوت إلى العالم: "كنتَ تهتم بكل إعلامي فلسطيني، وخصوصاً الإعلاميات. وكنت مؤمناً بدورنا في العطاء وقلبنا المتربص بحب فلسطيننا. كنا في عهدك كاللبؤات اللواتي يدافعن بشراسة عن أطفالهن، وكنت أنا واحدة منهن، أدافع بالكلمة عن فلسطين التي عشقناها، فعشقتنا. كنت معلمنا، تقودنا بهدوء وحكمة واندفاع الفارس المغوار إلى تطوير إعلامنا وتعبئتنا بوعي متوهج ومتأجج وصلب، متمسكاً بمبادئ الثورة واسترجاع حقنا المغتصب، من بحرها إلى برها. أبهرتني قوة شخصيتك وجرأتك في العمل الإعلامي لأنك تفهمه وتعرف قوته الهائلة."
وتتحدث حلاوة باستفاضة عن دور ماجد الوطني في الثورة الفلسطينية، مؤكدةً أنه كان البوصلة وضمير الثورة وصاحب القرار الجريء فيها: "كنتَ الخط الأحمر الذي يهابه كل مَن حولك، من أعلى الهرم إلى قواعدك الثابتة، شعبك وأطفالك ونساؤك. كنت لا تلين ولا تهادن، وتناضل من أجل مكاسب الثورة، بالإقناع والنقاش والحوار، حتى الاحتدام إذا لزم الأمر. كنت بوصلتنا التي نتطلع إليها بفخر، والأمان والسلام يا أبا سلام."
وتنهي الكاتبة الفلسطينية شهادتها بسؤال طرحه كثيرون بعد استشهاد ماجد، "ماجد يا أبا الفقراء، يا صاحب الخبز الحاف... لأول مرة أسألك؛ لماذا لم تحصّن نفسك منهم وأنت تعي أنهم يلاحقونك لأنك قائد مفكر، وصاحب قلم شريف؟ أصبحت رجل الإعلام الأول، وتقلدت مسؤولية تحرير مجلة الثورة، لهذا اغتالوك في عزّ عطائك يا ماجد بوسائلهم القذرة. اغتالوا الفكر النيّر والقلم الواعي المحرض والمقاتل، لأن الكلمة أقوى من السلاح. خافوك لأن أكثر ما يرعبهم فكرك الفذ وتوعيتك لأشبالك وفرسانك، وأرادوا أن يُخرسوا أقوى سلاح نملكه. لماذا لم تحمِ نفسك يا ماجد؟!"
فتحية طه[8]
ننهي الشهادات النسائية بشهادة فتحية طه التي كانت تربطها وبناتها الأربع علاقة وثيقة بماجد وزوجته إنعام، وقد جمعهما الكثير من المناسبات العائلية والاجتماعية. وجاءت شهادة فتحية على شكل تسجيل صوتي عبر الواتساب بواسطة ابنتها الكاتبة والممثلة رائدة طه، فسألت رائدة والدتها عمّا تذكره عن ماجد أبو شرار، فجاءت شهادتها تحمل الكثير من الحس الإنساني الرفيع.
وتستذكر فتحية أنه عندما جاء ماجد في إحدى المرات لاصطحاب زوجته إنعام التي كانت تزورها، ووجد لدى فتحية ورشة، سأل إنعام عن هذه الورشة، فأجابته أن فتحية في صدد تغيير ألومينيوم الشبابيك في بيتها: "بَعَتْ مبلغ من المال مساعدة، فتفاجأت، وانبسطت لأنني لم أكن قادرة على الدفع مرة وحدة، وكانت أول مرة في حدا هيك بيفقدني، فانبسطت كتير وتشكرته كتير." ولم تكن لفتات كهذه غريبة على ماجد الذي كان يُعرف بكرمه، ولا أنسى ما قالته لي زوجته إنعام في أكثر من مناسبة بعد استشهاده بأنه غالباً ما كان يعود "يوم القبض" والجزء الأكبر من معاشه تم توزيعه على مَن يحتاج قبل وصوله إلى البيت. وتؤكد طه هذا الأمر، وتشدد على أن مكتب ماجد كان مفتوحاً للجميع: "ماجد في المكتب مختلف عن البيت، هوه بالمكتب بيكون حامل كل الشعب، دايماً مستني حدا بيسأل، أو عنده طلب بمشيلو إياه، أو عنده حوار بيقعد معه. عرفت أن هذا الإنسان وطني جداً وصادق، واحترمته جداً." كما تقول إن إعجابها بماجد كان الهدف منه الاطمئنان على أن دم زوجها الشهيد لم يذهب هدراً: "أنا كنت معجبة بماجد لإنسانيته ووطنيته، لأن هدفي كان التأكد من أن دم علي ما راح، وهو كان الإنسان يلي دايماً دغري، وكأني حطيت الآمال عليه."
فتحية، كالكثيرين من أصدقاء العائلة، جمعها بماجد الكثير من المناسبات والسهرات، وتستذكرها بحميمية كبيرة: "سهراتنا كانت لطيفة وحلوة وفيها نكت ومزح، لكن فيها كتير سياسة، وخصوصاً لما كان يجتمع بالشاعرين معين بسيسو ومحمود درويش، وكان ماجد دائماً يفصل بين محمود درويش ومعين بسيسو اللذين كانا ’يتخانقان‘ بالشعر، فيقول لهما ماجد: ’حاجة تخمدولنا السهرة بالشعر، الشعر بنشوفه بالكتب، خلينا نسهر ونشوفكم‘."
وكزائرة دائمة مع بناتها إلى بيت ماجد، تؤكد طه أن علاقته بأبنائه كانت مميزة: "علاقته بأولاده كتير كانت حلوة، وكان يحب أولاده وأي إشي بدهم إياه يعملوه، وكان يعطيهم وقت، مش إنه ناسيهم. سلام كان شوي مشاغب ومغلّب أبوه، وسماء كانت أعقل، وما كنت كتير أعرف عنها إشي، ودايماً بتكتب وبعيدة عن الجو يلي إحنا فيه."
وتنهي شهادتها بالقول: "لو ماجد موجود هلق، ما كان ضاين مع هالشلة هاي، ما بيقبل على حاله إنه يكون معهم أبداً، أو يمكن كان حواليه شلة أكتر وطنية زيه، ممكن كانوا أقوى لأنه هو شخص دغري ما عنده دقن ممشطة، يعني بتحسّي أنه قلبه من جوا فلسطيني."
ربما تكون ذاكرتنا حجر الأساس للصور والمشاهدات التي نحتفظ بها، لكن ذاكرتنا المنتقاة هي التي تحدد ما نحتفظ به وما نتناساه. إن المشاهدات والشهادات كثيرة، لكنني حاولت في هذا النص أن أضيء على أهمها، أو لنقُل ما يمكن أن يشكل منها إضافة إلى إرث ماجد، سواء على الصعيد النضالي، أو الإنساني. وقد عُرف ماجد في حياته، وبعد استشهاده، بإنسانيته ولطفه اللامتناهيَين تجاه الجميع، صغاراً وكباراً، وتأتي هاتان الصفتان لاعتراض الصورة النمطية السائدة والمغلوط فيها عن القائد الذي يجب أن يكون قاسياً وناشفاً. وما ميّز ماجد عن غيره أنه كان قادراً على التحول في ثوانٍ قليلة من قائد عنيد له مواقف صارمة وحازمة إلى طفل قادر على أن ينسى نفسه ويعود إلى براءته مع كل طفل يلتقيه. وربما أهم ما في إضاءتنا هذه بشأن علاقة ماجد بالنساء أنه كان من قلة ممن استطاعوا الانسلاخ عن الكثير من العادات البالية التي تتعلق بالمرأة في مجتمعنا بصورة عامة، وفي العمل الثوري بصورة خاصة، فتعامل معها كندٍّ وشريك ورفيقة في مسيرة الحياة هذه.
[1] نينا جدع صويص، مدرّسة سابقة في الجامعة الأميركية في بيروت، وناشطة في الهلال الأحمر الفلسطيني.
[2] غطاس صويص (نزيه أبو نضال)، التحق بالثورة الفلسطينية سنة 1967، وشغل عدة مناصب داخل حركة "فتح"، وعلى الساحة الفلسطينية، إلى جانب الشهيدين كمال عدوان وماجد أبو شرار، وهو أيضاً كاتب وناقد، وله عشرات الكتب.
[3] كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، القادة الثلاثة الذين اغتالهم الموساد الإسرائيلي في عملية فردان، كما استشهدت في العملية زوجة أبو يوسف النجار.
[4] جانيت (هند) جوهرية، زوجة الشهيد هاني جوهرية، وهي ناشطة نسوية في صفوف الثورة الفلسطينية.
[5] هاني جوهرية، سينمائي فلسطيني، أسس وحدة أفلام فلسطين في حركة "فتح"، وهو أحد مؤسسي وحدة السينما التابعة لقسم التصوير الفوتوغرافي في "فتح"، كما عمل في الإعلام الموحد. وله العديد من الأفلام عن الثورة الفلسطينية. استشهد في تلال عينطورة في جبل لبنان في أثناء مهمة تصوير.
[6] حمل المجلد عنوان "على طريق التحرير والنصر، الشهيد القائد ماجد أبو شرار في ذاكرة شعبنا إلى الأبد"، وأشرف عليه الأستاذ جابر سليمان، مسؤول قسم التوثيق في الإعلام الموحد.
[7] نوال حلاوة، صحافية وروائية فلسطينية مقيمة بكندا، لها العديد من المقالات الصحافية والكتب، آخرها كتاب باللغة الإنكليزية بعنوان “A Girl’s Paradise Lost”.
[8] فتحية طه، زوجة الشهيد علي طه، منفّذ عملية "سابينا"، والتي أسفرت عن استشهاده ورفيقه عبد الرؤوف الأطرش، وأسْر تيريز هلسة وريما طنوس. لفتحية وعلي 4 بنات: رائدة، وشيرين، وسهير، وميس.