Memorials to Palestinian Martyrs, as Sites of Memory for the Ongoing Struggle for Liberation
Full text: 

المقدمة

طرحت الهجمات الإسرائيلية على النُّصُب التذكارية الفلسطينية ضمن عدة فترات زمنية، تساؤلات غائية من وراء استهدافها، ولا سيما أن هدمها ارتبط تاريخياً بأحداث تاريخية أو تقلبات أيديولوجيات معينة، فإمّا يتم هدمه، وإمّا يُبقى عليها، وإمّا يُعاد تشكيل معناها وفقاً للظروف والحاجات السياسية والاجتماعية الجديدة التي تنذر بتشكل إطار مرجعي يعمل على إعادة إنتاج الأفكار الاجتماعية عن الماضي وتذكُّره.

وقد حاول الفلسطينيون تكثيف إنشاء هذه النُّصُب كأماكن للذاكرة (sites of memory) على حد وصف المنظّر الفرنسي بيير نورا (Pierre Nora)، من أجل الاستعادة الحسية والاستحضار الموقت لأسماء وتجارب الشهداء الذين "ضحوا من أجلنا".[1]

قد يُنظر إلى استهداف النَّصْب التذكاري على أنه فعل هامشي أو فرعي يأتي متضمناً لعمليات عسكرية واسعة أُخرى، الأمر الذي يُفقده قيمته كفضاء عام تتصارع عليه القوى المهيمنة. ولذلك تبرز أهمية دراسة النُّصُب التذكارية، باعتبارها من الأدوات لنقل صورة الموت من خلال الشكل المادي المعماري، ونقلها إلى الفاعلين من خلال مأسسة صور الفضاء العام في إعادة إعمار الأسمنت المرمّز بالموت، والذي يضفي الشرعية الماضوية والحاضرية على المكان.

تهدف الدراسة إلى محاولة فهم ماهية النُّصُب التذكارية ليس كبُنية مفاهيمية شاملة لجميع الأشكال التي أنشأها الناس لإحياء ذكرى أفراد أو أماكن أو أحداث، بل لتلك المرتبطة بالحروب احتفالاً بها أو بالنصر من أجل إحياء ذكرى مَن ماتوا أو أصيبوا في الحرب (وهو الأمر السائد في العصر الحديث)، كما تهدف إلى محاولة فهم شكلها ووظيفتها وتطورها في فلسطين ضمن النظام الاستعماري الإسرائيلي بدءاً بنكبة 1948 حتى نهاية الانتفاضة الثانية في سنة 2005، كونها من أكثر الفترات التي تكثّفت فيها ما سمّاه بيير نورا التطهير البصري للنُّصُب، أي إزالتها كجزء من الهيمنة على الفضاء العام وفرض الشرعية. وفي المقابل ما هي الاستراتيجيات والممارسات التي اتّبعها الفلسطينيون لمواجهة تلك الهيمنة وفرض صيرورة التضحية والاستشهاد كتعبير عنفي عن الانتماء، والمعاناة الجماعية الناتجة من الاحتلال، واستعادة العلاقة بالجماعة من أجل تجميع أكبر قدر من المعاني والمدلولات المرتبطة بالموت من أجل الوطن؟ 

النُّصُب التذكارية من تخليد الملوك إلى تمجيد الشعوب

تُعدّ النُّصُب التذكارية جزءاً من التدوين التاريخي الذي يتمتع بالقوة الحيوية التي تعكس الأفكار الاجتماعية عن الماضي وتعيد إنتاجها، الأمر الذي يجعلها ممارسة ثقافية راسخة ومعترفاً بها على نطاق واسع، وفقاً لأشكال عدة وظائف واستخدامات تغيّرت عبر مراحل زمنية متنوعة، وجرى إعادة صوغها وتفسيرها لتتلاءم مع الظروف والحاجات الاجتماعية المتغيرة.

تتميز نُصُب الحروب التذكارية من النُّصُب الأُخرى، بأنها غالباً ما تتخذ شكل تمثال، أو تحتل مباني كاملة، أو متاحف، أو توضع كلوحات بسيطة على مقربة من وسط المدينة بالقرب من الحدائق العامة والملاعب والساحات العامة والبوابات والنوافير وغيرها، وذلك لسهولة الوصول إليها. ويحمل العديد من نُصُب الحرب التذكارية لوحات تتضمن أسماء مَن ماتوا في المعركة، وبعضها يكون مخصصاً لمعركة معينة، في حين أن بعضها الآخر أكثر عامّاً بطبيعته، إذ يحمل نقوشاً تسرد مجريات حرب مغايرة، كما يحتوي بعضها على مرثيات تتعلق بالمعركة أو الحرب التي تحيي ذكراها.[2]

تنوعت الاستخدامات والوظائف المرتبطة بالنُّصُب التذكارية، ففي بداية نشأتها لبّت حاجات طبقة الملوك والأباطرة في التعظيم والتفخيم، إذ كانوا يحتفلون من خلالها ببراعتهم، وإنجازاتهم العسكرية، أو انتصارهم على الأعداء، كعمود تراجان (Trajan) الأثري الروماني الذي يقع في روما، وقد بُني في سنة 113م، للاحتفال بانتصار الإمبراطور الروماني تراجان في الحروب التراجانية الداقية (Trajan's Dacian Wars).[3] وبالتالي، مثلت النُّصُب التذكارية الأفراد أكثر من الجماعات، وخصوصاً الأحياء منهم، إذ حاولت الدولة من خلالها إضفاء مشاعر الانتماء لدى المواطنين، ولا سيما مع ظهور الدولة القومية في القرن التاسع عشر، والحاجة إلى الشرعية المستمدة من الشعوب.[4]

تغيرت وظيفة النُّصُب التذكارية وبُنيتها بعد الحرب العالمية الأولى، فلم تعد حكراً على النخبة، وإنما ارتبطت بالجنود العسكريين الذين قُتلوا في الحرب، وباتت تتعامل معهم كأفراد ذوي قيمة جماعية مع كتابة أسمائهم وروايات عن قصص موتهم وتضحيتهم في المواقع التي قُتلوا فيها. أمّا ما قبل الحرب العالمية الأولى، فقد أقيمت النُّصُب كمقابر جماعية فقط من دون ذكر أي تفصيلات، مثل مقبرة العسكريين الذين قُتلوا في حرب القرم في سنة 1856.[5]

وساهمت الحربان العالميتان الأولى والثانية، في عالمية انتشار النُّصُب التذكارية، إذ تجاوزت المَواطِن الأصلية للجنود، وأضحت تقام في الأراضي التي لقوا حتفهم فيها، فعلى سبيل المثال يلاحَظ وجود نُصُب تذكارية في فلسطين تعود إلى جنود ألمانيين أو بريطانيين، مثل التذكار الألماني في مدينة جنين، والذي بُني تخليداً للطيارين الألمان من كتيبة الطيارين 303، وسرب المقاتلين 1 الذين سقطوا في فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى. فقد تمركز الطيارون الألمان في مدينة جنين بين سنتَي 1917 و1918، وأقاموا معسكراً ومطاراً فيها، من أجل مساعدة حلفائهم الأتراك في المعارك الجوية ضد القوات الفرنسية والإنجليزية.[6]

 

التذكار الألماني، أو الصومعة بحسب تسمية أهالي المنطقة، وقد أقيم على قطعة مساحتها 80م2 على الجانب الغربي لجسر المُقَطّع.

المصدر: من تصوير المؤلفة في 10 / 12 / 2023.

 

وشكّلت الحروب العالمية مرحلة مفصلية في وظيفة النُّصُب التذكارية، بحيث شملت جميع طبقات المجتمع - النخب وعامة الشعب - كجزء من تصحيح صورة علاقة الدولة بمواطنيها، والاهتمام بالفرد كوحدة منفصلة، والرغبة بالاعتراف بالخسارة والتضحية، أي أنه يساعد على توفير المعنى فيما يتعلق بالاهتمامات والذكريات الجماعية، وهو ما يجعلها ماضياً صالحاً للاستخدام.[7] 

فلسطين وسيطرة الموتى على الأحياء

ارتبط تشكل النُّصُب التذكارية في فلسطين بذكريات الحروب التي توالت عليها وأثّرت فيها شكلياً ووظيفياً، الأمر الذي جعلها تتصف بالحيوية، أي أنها ليست ماضياً يقوم على تقنية المشاهدة والتذكر فقط، بل مكاناً ديناميكياً متغيراً أيضاً، يؤثر ويتأثر باختلاف القوى المهيمنة، حتى يصبح ذلك الماضي هو المستقبل. يقول حسين البرغوثي في روايته "الضوء الأزرق" في وصفه كيف يصبح للموت سلطة على المستقبل: "كثيرون من الفلسطينيين ماتوا شنقاً أو ذبحاً أو سُمّاً أو بقصف أو طرق أُخرى، ومَن ظل منّا حياً تزوره الأجسام الذهنية لموتاه، وتشاركه في عشائه، وتقعد له بالمقلاة. أنا يزورني شبح أبي، وأخي، وصديق استحم قبل سنين وتعطر ومشط شعره، ليلاً، وفي الصباح ذهب إلى مظاهرة ضد الاحتلال الإسرائيلي وقُتل، ارتعبتُ، ليس من موته، بل بكونه كان يحضّر نفسه للموت. تزورني أرواحهم، وقد صارت عظامهم مكاحل، في بلد يسيطر فيه الموتى على الأحياء، والماضي على المستقبل، هذه هي 'سلطة الذاكرة'."[8]

إن الفقدان الذي شهدته مرحلة نكبة 1948، فتح الباب على مصراعيه لفهمٍ مختلف لصور الموت، إذ سعى الفلسطينيون للاعتراف بالجريمة التي ارتُكبت في حقّهم، والاعتراف بهم كضحايا، ذلك بأن الفلسطيني لم يعد يمتلك إلّا جسده حياً أو ميتاً، وهو يحاول تثبيته عبر عدة تجسّدات، منها تكثيف وجود النُّصُب التذكارية، وجَعْل فلسطين مكاناً مليئاً بذكرى الموت. يقول المفكر إسماعيل الناشف واصفاً حالة الفلسطيني بعد النكبة بأنه بات يموت ليحيا، فهو لن يحيا إلّا بموته. وبما أن فترة النكبة هي الأكثر تمثلاً لصور الموت، فكيف أثّر ذلك في بُنية النُّصُب التذكارية ووظيفتها؟

تأثرت فلسطين قبل النكبة بالموجة الحداثية للنُّصُب التذكارية في الحربَين العالميتين الأولى والثانية، وبدأت نُصُب الجنود القتلى في الحروب تنتشر بشكل واسع في أراضيها كافة. ومن أهم النُّصُب التذكارية مقبرة طولكرم التي أُنشئت في سنة 1930، وضمّت أسماء أكثر من 80 عسكرياً من عدة دول منها، تركيا والهند وألمانيا ومصر، وكل مَن سقطوا خلال معركة طولكرم.[9] 

لذا فإن النُّصُب التذكارية في فلسطين اتسمت بالأُممية الواسعة النطاق، وكانت تُشرف عليها وتُنشئها مؤسسات وشركات عالمية، وكان من السهل آنذاك فهم ملامحها ووظائفها، كونها جزءاً من النمط الحديث العالمي من جهة، وجزءاً من العالم العربي الإسلامي من جهة أُخرى.

أمّا بعد النكبة، وعقب تعرّض فلسطين لممارسات في التفكيك والتهجير والتشتت، ما عاد ممكناً استخدام المفاهيم ذاتها، وأصبح الفلسطينيون يعيدون إنتاج ذواتهم بعد تفتّتهم في الشتات ومناطق 48، والضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي جعلهم يعيدون رسم ملامح وتجسُّدات موتهم خارج التبعية للأنظمة السائدة، وحتى الأنظمة العربية والإسلامية.[10]

ويمكن تفسير الانتشار الهائل للنُّصُب التذكارية في فلسطين بعد النكبة، كجزء من إعادة إنتاج الذات الحية أو الميتة في وجه البناء الاستعماري، ولا سيما أن لحظة النكبة قتلت جسد الفلسطيني مادياً واجتماعياً، وحتّمت موت الجماعية الفلسطينية في مقابل وجود المستعمِر ذاته، وبالتالي أصبح التحدي الأكبر هو مَن يدير موت مَن؟ وهنا تساءل إسماعيل الناشف تساؤلاً مهماً هو: كيف سيعمل الفلسطيني على تحرير موته من قبضة الاحتكار الصهيوني؟

تُعدّ النُّصُب التذكارية في هذا السياق، أحد تمظهرات تحرير الفلسطيني من موته، كما أن انتشارها في مراكز المدن والأماكن العامة هو محاولة لإعادة سيطرة الفلسطيني على موته، وتذكير له بأن يستثمر موته بشكل جماعي ليتمكن من تحرير أرضه وتاريخه وحاضره، أي تحقيق العودة التامة لنفسه. وجرّاء ارتكاب العديد من المجازر في حقّ الفلسطينيين، برزت الحاجة إلى توثيق جماعي لها من خلال النُّصُب، فنرى بشكل واضح كيف أن النُّصُب التذكارية حملت أغلبية أسماء مَن ارتُكبت في حقّهم المجازر بشكل جماعي، كالنَّصْب التذكاري لمجزرة الجليل الذي يحمل ذكرى ثلاث مجازر ارتُكبت في حقّ أهالي عيلوط حينها.

 

نَصْب تذكاري لمجزرة في حقّ الفلسطينيين في قرية عيلوط - قضاء الناصرة داخل أراضي 48، شملت أسماء شهداء البلدة الذين استشهدوا خلال نكبة 1948، وهم 39 رجلاً وسيدة واحدة، يضاف إليهم خمسة شهداء في الثورة الفلسطينية الكبرى في سنة 1936.

المصدر: من تصوير المؤلفة بتاريخ 12/9/2024.

 

شكلّت نكسة 1967 ذروة ثانية في تشكل النُّصُب التذكارية، وخصوصاً فيما يتعلق بامتداداتها العربية والإسلامية، إذ عمّقت الفقدان أكثر فأكثر. وقد اتخذت النُّصُب التذكارية شكلياً، بُعدها القومي نتيجة مشاركة الجيوش العربية في المعارك، وبات بعض النُّصُب التذكارية يحتوي معارك النكبة وما بعدها، وكذلك أسماء مجموعة قتالية مشتركة، على سبيل المثال صرح الشهداء العراقيين في الدوار في وسط مدينة جنين، والذي أُنشىء في سنة 1949 تخليداً للجنود العراقيين والفلسطينيين الذين استشهدوا في معركة جنين بعد مقاومة مع الاحتلال، وهو نَصْب تذكاري مستطيل نُحتت فيه أسماؤهم؛ وقد تكون النُّصُب أيضاً لجنسيات غير فلسطينية بشكل كامل، مثل نَصْب شهداء مصر المقام في منطقة بيت نوبا في القدس.

 

 النصب التذكاري للشهداء المصريين بعد تشويهه من الاحتلال الإسرائيلي، وكان أقيم في سنة 1967 بمبادرة من اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في تجمّع بيت نوبا، ودُشّن بوجود السفير المصري لدى السلطة الفلسطينية ياسر عثمان، ومسؤولين فلسطينيين.

المصدر: من تصوير المؤلفة في 4/9/2024.

 

بعد انتهاء النكسة، تكرست البُنى الانفصالية عن القومية العربية، وتفتّتت إلى وطنيات متفرقة حاولت فلسطين من خلالها إعادة صوغ الموت وتشكلاته، وبرز في هذا الميدان دور الأحزاب التي حاولت بشكل أو بآخر استقطاب موت الفلسطيني بما يتوافق مع مصالحها. وبلغت ذروة هذا التنافس في إبان الانتفاضة الأولى (1987) والثانية (2000)، إذ شرعت أسماء الأحزاب وشعاراتها تطغى على النُّصُب التذكارية شاملة اسم الشهيد ولقبه واسم الحزب الذي ينتمي إليه، مع شعارات خاصة بالحزب. هكذا، حاولت الأحزاب بشكل أو بآخر، ومن خلال النُّصُب، فرض شرعيتها في الفضاء العام، فعلى سبيل المثال، نستطيع أن نلاحظ أن النُّصُب التذكارية الخاصة بقادة حركة التحرير الوطني "فتح" هي الغالبة في مراكز مدن الضفة الغربية مثل ميدان الرئيس ياسر عرفات، والشهيد القائد الفتحاوي ثابت ثابت في مدينة طوكرم، بينما النُّصُب التذكارية الخاصة بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" تنتشر في مراكز المدن في قطاع غزة، مثل النَّصْب التذكاري لمهندس الطيران التونسي محمد الزواري.

 

صرح لمجموعة من شهداء حركة التحرير الوطني ("فتح") إقليم نابلس، تأسس في سنة 1969 في نابلس البلدة القديمة.

المصدر: من تصوير المؤلفة في 12 / 12 / 2023.

 

لم ينأَ التنافس على النُّصُب التذكارية كفضاء عام بين مختلف القوى الوطنية، عن كونه محاولات انتزاع سيطرة الاحتلال على حياة الفلسطيني وموته، وسنقوم فيما يلي بعرض بعض الممارسات الإسرائيلية ضد النُّصُب التذكارية الفلسطينية كجزء من محاولاتها إدارة شؤون الموت وسلبها من الذاكرة الممتدة، كما سنتناول في المقابل الممارسات والأنشطة التي يتّبعها الفلسطينيون في مواجهة السلب، والدعوة إلى التضحية والفداء. 

الممارسات الإسرائيلية 

أطلق المفكر الفرنسي بيير نورا مصطلح "التطهير البصري" على محاولات هدم وحرق النُّصُب التذكارية، وتزييف الحقائق، من أجل السيطرة عليها، كعملية إزالة أو حرق النُّصُب المقامة في مواقع المعارك. وهذا الاستهداف يتم من خلال عدة استراتيجيات تدل على التطهير البصري، وأهمها: الإزالة والهدم، أو السرقة والتزييف.[11] 

1 - الهدم في مقابل إعادة البناء

مرّت فلسطين بعمليات تحضّر وتمدّن ضمن فترة الحكم العثماني، لكنها تراجعت بعد الهدم والتشريد الذي شهدته في إبان فترة النكبة وما بعدها، وهو ما تسبب بتكثيف لوجود النُّصُب التذكارية إحياء لذكرى ضحايا المجازر. غير أن هذه النُّصُب سرعان ما باتت عرضة للإزالة أو للهجمات، ومنها النَّصْب التذكاري في مقبرة قرية اللجون المهجرة، والذي تعرّض لهجوم ونبش للقبور بعد تهجير سكانها، كما تعرضت لهجوم آخر بعد ساعات قليلة من قيام ناشطي لجنة تخليد شهداء اللجّون وأم الفحم بوضع شواهد على المقبرة. وبالمثل، أزال الاحتلال في سنة 2005، النَّصْب التذكاري الخاص بمجزرة كفر قاسم، وحينها أصدرت الجبهة الديمقراطية – كفر قاسم، بياناً قالت فيه: "إننا نرى في عملية هدم هذا النَّصْب عملاً خطيراً وغير مسؤول، وهو مسّ خطير بمشاعر أهالي القرية، وخاصة أولئك الذين قدّموا التضحيات. ونطالب إدارة المجلس بإعادة ما تم هدمه من جديد، خصوصاً وأن الحديث [هو] عن أهم المعالم التاريخية لهذه البلدة." ووصف أحد المشرفين أثر هدم النَّصْب عليه قائلاً: "في هذا اليوم وتحت جنح الظلام فوجئنا بإزالة النَّصْب التذكاري للشهداء، هذا المعلم الذي يجسد فترة التحدي للحكم العسكري والملاحقات، فلا يعقل أن يُلقى به في المتاحف للغبرة، بل إن هذا النَّصْب يجب أن يعاد إلى مكانه الطبيعي هناك حيث تكومت جثث الشهداء في يوم المجزرة!"[12]

 

النَّصْب التذكاري الخاص بشهداء كفر قاسم الذي أقيم في الذكرى العشرين للمجزرة في سنة 1976، والتي راح ضحيتها 49 شهيداً.

المصدر: من تصوير المؤلفة في 11/9/2024.

 

أسماء شهداء مجزرة كفر قاسم التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في 29/10/1956.

المصدر: من تصوير المؤلفة في 11/9/2024.

 

وامتدت لفترات متلاحقة عمليات هدم النُّصُب التذكارية المرتبطة بالانتفاضة الأولى والثانية، ومنها تدمير نَصْب "الجندي المجهول" الذي أقيم تخليداً للشهداء المصريين الذين استبسلوا في الدفاع عن غزة، فقد دُمر أول مرة في سنة 1967، ثم أعادت بلدية بيت لاهيا بناءه في سنة 2005، ليُدمَّر ثاني مرة في سنة 2007. 

وقد قوبل التدمير بإعادة البناء تحدياً لإعادة انتزاع صور الموت، وخصوصاً أن الاحتلال هدم النَّصْب التذكاري نفسه عدة مرات، فتكرار عملية الهدم والبناء يحمل دلالات عديدة على الاستمرارية والإصرار على النقل الثقافي لأماكن الذاكرة، فكلما زاد تهديد الهوية والذاكرة الجماعية، زادت تجسيدات الموت وتمثلاته على حد تعبير بيير نورا.[13] فعلى سبيل المثال، استهدف الاحتلال نَصْب الشهيد خالد نزال مراراً بعد حملة تحريضية واسعة ضده، نتيجة تخطيطه ومشاركته في عمليات استشهادية نُفذت في أراضي 48،[14] وفي هذا السياق نشر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو صورة الصرح مرفقاً إياه بالجملة التالية: "يقول الرئيس الفلسطيني عباس إنه يعلم الأطفال السلام، لكن هذا كذب." وقد قام الإسرائيليون بهدمه في العام ذاته، ثم أعيد بناؤه، وتكررت العملية ثلاث مرات. 

وفعلاً، انساقت السلطة الوطنية للضغوطات الإسرائيلية وقامت بهدمه في العام نفسه، وقد نشر الدكتور محمد أبو غالي الذي كان يترأس بلدية جنين آنذاك، معقباً على الضغط الذي مورس عليهم من أجل إزالته: "إن ما حدث، جاء بعد أن وصل الأمر إلى 'المستويات السياسية' في مكتب نتنياهو وترامب، [....] إلى حد (إرسال رسالة واضحة إلى السلطة الوطنية إمّا بإزالة الحجر المكتوب عليه اسم الشهيد)، أو إن قوات الاحتلال (ستقوم هي فوراً بإزالة الميدان كاملاً بجرافاتها+." وقد لاقى الهدم استياء من الأهالي، فقاموا بإعادة بنائه بعد أيام قليلة.[15]

 

نصب الشهيد خالد نزال قبل هدمه بفعل الضغوطات الإسرائيلية.

المصدر: من تصوير المؤلفة 14/9/2024.

 

كما يُعتبر نَصْب الحصان أو "دوار الحصان" بحسب تسمية الأهالي، نموذجاً آخر لاستهداف النُّصُب التذكارية التي لم يُعَد بناؤها، فقد تأسس في سنة 2003 كصرح تذكاري لشهداء اجتياح مخيم جنين في سنة 2002، على يد المصمم الفنان الألماني توماس كيلبر (Thomas Kilpper). ويتكون الحصان من بقايا المركبات المدنية وقطع الحديد من المنازل المدمرة التي فجرها الاحتلال، وإحدى المركبات كانت سيارة إسعاف كان يستقلّها مدير مستشفى جنين الحكومي د. خليل سليمان، الذي استشهد مع زملاء له بعد استهداف سيارته بقنبلة إسرائيلية.[16] ونشر توماس كيلبر عبر موقعه معلومات عن بناء الحصان قائلاً: "قمنا معاً ببناء حصان يبلغ طوله 5 أمتار من المعدن المنحوت المأخوذ من المنازل والسيارات المدمرة. وفي وقت لاحق، تم سحب الحصان في شوارع جنين، لمسافة 200 كيلومتر تقريباً عبر الأراضي المحتلة في الضفة الغربية."[17] وكان الاحتلال يستهدف مجسّم الحصان كلما اقتحم مخيم جنين عبر تجريف محيطه وإطلاق النار عليه، لكن في 30 تشرين الأول / أكتوبر 2023، أزال الجيش الإسرائيلي نصب الحصان بجرافة الـ D9 التي طافت به في شوارع جنين، قبل أن تنقله إلى مكان مجهول، ولم يتم إعادة بناء النَّصْب حتى كتابة هذه المقالة.[18] 

2 - منع الإنشاء والتزييف

حاول الاحتلال الهيمنة على الفضاء العام الفلسطيني بعد نكبة 1948، فلا تكاد تخلو الأماكن العامة تقريباً من وجود نَصْب تذكاري لأسماء جنود أو قادة إسرائيليين، كمحاولة لإثبات الشرعية فيها للأجيال المقبلة. وفي سبيل تحقيق ذلك، استخدموا وسائل التزييف والتضليل من أجل التخلص من النُّصُب التذكارية والمقابر الجماعية، وخصوصاً في أراضي 48، ومنها مقبرة القسّاميين التي أقيم عليها الصرح التذكاري للشهيد عز الدين القسّام وشهداء آخرين، إذ صودرت الوثائق التي تثبت ملكية الفلسطينيين للمقبرة، كما شهدت عدة اعتداءات إسرائيلية عليها، وآخرها اعتداء جماعة "تدفيع الثمن" على الصرح، ورشّه بشكل نجمة داود.[19]

 

 ضريح الشهيد عز الدين القسّام في حيفا.

المصدر: من تصوير المؤلفة بتاريخ 11/9/2024.

 

ولم يقتصر الأمر على تزييف ملكية أراضي النُّصُب التذكارية، بل استخدم الإسرائيليون أيضاً رموزا فلسطينية في نُصُبهم التذكارية، فمثلاً استخدموا زهرة "دم المسيح" التي تنمو في أراضي بلاد الشام، ولا سيما الجبال الفلسطينية، كرمز في صروحهم التذكارية والطقوس الخاصة بها، كما غيروا تسميتها إلى "دم المكابيين" تيمناً بما يسمونه "ثورة المكابيين". فوفقاً لأسطورتهم، أينما تَسِلْ دماء أحد محاربي مكابي، تظهر زهرة صغيرة تزهر على الفور، ويكون لونها لون الدم. وظهر أول استخدام للزهرة في سنة 1947، في قصيدة حاييم غوري الشهيرة “هنا ترقد أجسادنا”، والتي يقول فيها: “سنعود، سنلتقي مرة أُخرى، سنعود كزهور حمراء."[20] 

لم تزوّر إسرائيل الحقائق فقط، بل أصدرت أيضا قرارات بمنع إقامة النُّصُب التذكارية، ففي مدينة القدس ألغت الاتفاق الكلامي بالسماح للأوقاف الإسلامية ببناء ثلاثة نُصُب تذكارية شرقي القدس للشهداء الأردنيين الذين سقطوا في معركة القدس خلال النكسة.[21]

 

الصورة رقم 12: صورة عن تقرير بخط اليد بعنوان "تجميد موضوع النُّصُب التذكارية في القدس"، صدر في 22 كانون الأول / ديسمبر 1968.

المصدر: "أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي"، في الرابط الإلكتروني.

 

الممارسات الفلسطينية

ثمة عدة نماذج تبيّن استراتيجيا الاستعمار في الهيمنة على النُّصُب التذكارية كجزء من الفضاء العام، لكن في المقابل لم ينفكّ الفلسطيني عن إثبات هويته عن طريق تبجيل الاستشهاد وتحمّل المعاناة الجماعية، كضرورة وصيرورة للتحرر، إذ عملت النُّصُب التذكارية والأنشطة المرتبطة بها كقوى خفية تحت الأرض وفوقها، على إعادة سيطرة الفلسطيني على موته، وأهمها: الدعوة إلى التضحية كصيرورة، والتعبئة والتنظيم. 

1 - الدعوة إلى التضحية

من المثير للاهتمام أن بعض النُّصُب التذكارية يفقد صداه ولا صلة له بالحاضر، بينما بعضها الآخر قادر على لمسنا عبر الزمن، وأن يُشعرنا بمجازات عاطفية وتفسيرية أساسية، من ضمنها معنى التضحية كصيرورة، وهو ما يعني أن المتلقي لها مدين للشهداء بحياته، وعليه واجب الحفاظ على استمرارية الحالة واستحضارها، استثارة للماضي، والتمرد على الحاضر. ويجادل موريس هالبواكس (Maurice Halbwachs) في هذا السياق بأن استحضار الماضي يعمل على إعادة بنائه بصورة تكيف صورة الوقائع القديمة مع المعتقدات والحاجات الروحية للزمن الراهن.[22]

كما أن فعل التضحية وإن كان قراراً فردياً، إلّا إنه يصبّ في خانة الانتماء إلى الجماعة، الأمر الذي يجعل فعل التضحية بحدّ ذاته ينتقل ويورّث للمجموعات. ويمكننا قراءة ما كُتب على صرح تذكاري للشهيد نضال سعيد الواوي: 

يا أسد الليل نم واهنى منار

لم ينم التأثر إن نام النهار

ما عرفنا النوم بعدك يشتهى

إنما النيران بعدك تستثار

 

هذه الصورة تبيّن صرح الشهيد نضال الواوي في البلدة القديمة – نابلس، والذي استشهد في سنة 2004، وهو من كبار المطاردين بحسب ما وصفته صحيفة "يديعوت أحرونوت".

المصدر: من تصوير المؤلفة في 12 / 11 / 2023.

 

إن النُّصُب التذكارية لا تُذكّر الأحياء بفعل التضحية كقيمة عالية فقط، بل بالتضحية أيضاً من أجل التحرر، فأشيل مبيمبي (Achille Mbembe)، وعبر قراءته عن سياسات الموت في فلسطين،[23] يقول "إن فعل الاستشهاد يتجاوز منطق التضحية، ذلك بأن الجسد يبلغ حريته من خلال الموت. ففي حال وجود نزال بين جسد الفلسطيني والآلة العسكرية الإسرائيلية، فإن الفلسطيني يحوّل جسده إلى أداة قناع خفي غير مرئي كجزء من أجزاء الجسم، ويسير بها نحو الآلية العسكرية ليقضي على جسد مَن في داخلها، مدمراً ذاته، وكذلك العدو. بعبارة أُخرى، يحاول الفلسطيني إغلاق الباب أمام إمكان الحياة للجميع، بحيث يصبح جسده المحاصر قطعة معدنية وظيفتها من خلال التضحية جلب الحياة الأبدية إلى الوجود، أي يهرب بالمعنى الحرفي والمجازي من حالة الحصار والاحتلال ليعطي الاستمرارية لمَن بقي في قيد الحياة، وبالتالي تصبح التضحية صيرورة، فالإنسان حر بأن يعيش حياته الخاصة فقط لأنه حر في أن يموت"، وهكذا، من خلال حرية الموت وفناء الجسد تكمن الحياة الحرة. وهنا لا بد من أن نذكر نَصْب "الجندي المجهول" التذكاري الذي بُني تذكيرا بثماني شهداء استبسلوا في الدفاع عن قطاع غزة وجهاً لوجه أمام آليات العدو، وقد كُتبت عليه الجملة التالية:"للأوطان في دم كل حر، يد سلّفتْ ودين مستحق."

ومن خلال النُّصُب التذكارية، يمارس الفلسطينيون أنشطة يدعون من خلالها إلى التضحية، ومنها: مسيرات مواكب التشييع؛ إلقاء أو كتابة الأدب والشعر على النُّصُب؛ مناسبات إحياء الذكرى. 

أ - مواكب التشييع

مواكب التشييع هي عادة مواكب دينية لتكريم شهداء استشهدوا في سبيل الدفاع عن القضايا الدينية، أو في سبيل الوطن، وتختلف تفصيلات التشييع من ثقافة إلى أُخرى، ومن سياق إلى آخر. وعادة ما يكون المسار الذي يتّبعه موكب التشييع مرتبطاً بالمراكز الأساسية في المدن، وهنا تبرز أهمية النُّصُب التذكارية في كونها مكاناً محورياً يكثر التردد عليه في أثناء التشييع. فمثلاً، تقام أغلبية فاعليات تكريم الشهداء حول النَّصْب التذكاري للشهداء العراقيين في جنين، والنَّصْب التذكاري للرئيس الراحل ياسر عرفات في طولكرم، وغيرهما. كما لا تخلو مواكب التشييع من دعوة المشاركين إلى التزام العمل المقاوم، وهذه المواكب غالباً ما تنتهي في مناطق التماس مع الاحتلال. 

ب _ كتابة وإلقاء الأدب والشعر

يزخر الأدب الفلسطيني بقصائد الرثاء التي ألقاها الشعراء تمجيداً بمّن ضحّوا بحياتهم، وقد انعكس ذلك في الصروح التذكارية التي يحتوي كثير منها على قصائد كُتبت إمّا على شواهد أضرحة الشهداء، وإمّا على صروحهم التذكارية.

فعلى سبيل المثال، كُتب على أحد النُّصُب التذكارية في مدينة نابلس: 

دمعي على خدي جرى

فابتل ثوبي فلترى

 

النار تكوي مهجتي

والعين تبكي على ما ترى

 

ما كنت يوميا خائفاً

بل في جسدي حزني سرى

 

أماه ابكي حسرة

وفي لوعة ممّا جرى

 

وعلى ضريح الشهيد محمود زكاري كُتب: 

بين القبور تجلت الأسطورة

فارس الليل والقوى المقهورة

 

محمود قد أضاء الصورة

فلتسمع الآفاق والمعمورة

 

هبّت عليه عواصف معصورة

وهو الجريد وذراعه مبتورة

 

حمل الزكاري الراية المنصورة

فتفوقت على أجنادهم مذعورة

 

فتدفقت دماؤه المنثورة

فوق التراب على العلا منشورة

 

محمود اغضب جيشهم وغروره

فتحمل الفوارس معركة البطولة

 

اسم الفوارس في السماء مشهورة

راياتهم فوق العدى محفورة

 

ج _ مناسبات إحياء الذكرى

جاءت النُّصُب التذكارية لتكثف ذكريات أحداث مضت، إذ يُحيي الفلسطينيون في أراضي 48 ذكرى هبّة القدس والأقصى بتظاهرة تبدأ بزيارة النُّصُب والأضرحة التذكارية لشهداء الهبّة الثلاثة عشر، يلقي خلالها الزائرون خطابات سياسية تدعو إلى الوحدة الوطنية من أجل التصدي للاحتلال، ويشدد المشاركون على وحدة الصف الوطني.[24] 

2 - التعبئة والتنظيم

إن مركزية النُّصُب التذكارية ساهمت في كونها مكاناً استراتيجياً للفلسطينيين من أجل تعبئة الجماهير وحشدهم تنظيمياً وعسكرياً. يقول جمال حويل عضو المجلس الثوري لحركة "فتح": 

كثيراً ما استخدمت الأحزاب النُّصُب التذكارية لشهدائها من أجل التحشيد المجتمعي للانضمام إليها، وإثبات شرعيتها. فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنشأت نَصْب الشهيدة دلال المغربي، وشيدت حركة التحرير الوطني - "فتح" نَصْب الشهيد ثابت ثابت، وشيدت حركة المقاومة الإسلامية / "حماس" نَصْب الشهيد يحيى عياش، من أجل تعبئة الأجيال المقبلة وفرض شرعيتها على المكان. كما شكلت مواقع النُّصُب التذكارية أماكن يستخدمها قادة الأحزاب في الدعوات إلى صدّ هجمات الاحتلال المستمرة على المنطقة، وبالتالي لم تعبّر النُّصُب عن مكان مرتبط بالماضوية فقط، بل الحاضرية والممكنات المستقبلية أيضاً.[25] 

الخاتمة

منذ بدء عملية طوفان الأقصى،[26] لا يخفى على أحد مشهد جنود من كتائب القسّام وهم يسلّمون المحتجزين الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر بجانب النَّصْب التذكاري المسمى "قبضة المقاومة" في ميدان الساحة في وسط مدينة غزة وفي قلب أكثر الأسواق شعبية، وذلك خلال الهدنة التي تم التوصل إليها في تشرين الثاني / نوفمبر 2023. وهذا الصرح على شكل قبضة يد تُمسك بثلاث قلائد تعود إلى جنود إسرائيليين أسرتهم المقاومة خلال عدوان 2014، وقد كُتب على إحدى القلائد اسم الجندي الإسرائيلي "شاؤول أرون"، بينما تحمل القلادتان الأُخريان علامات استفهام. إن تسليم المحتجزين بجانب النَّصْب يحمل دلالات مكثفة على أن الفلسطيني يتنزع حياته من مماته، ويعيد سيطرته على موته من أجل بعث الحياة في عظام شهدائه الذين حاول التاريخ إسدال الستار عليهم. وعند قراءة الكلمات المكتوبة على الصروح يمكننا استخراج طريقة للتذكر تخترق الزمان، والدلالات والأفكار، والرغبات والاستيهامات، وتتيح استئصال خطاب الماضي وانتزاعه من قصوره وجموده، وبعث شيء من حيويته الضائعة، وتأجيج الإحساس بالزمان والمكان الماضويَّين من خلال الاستحضار الموقت أو الدائم للمأساة.

 

[1] Peirre Nora, “Between Memory and History: Les lemieux de memoire”, Representation, vol. 26 (April 1989), pp. 14-18.

[2]What are the Different Types of War Memorials”, “Commonwealth War Graves Commission”, 19/11/2021.

[3] Andreas Huyssen, Present Pasts: Urban Palimpsests and the Politics of Memory (California: Stanford University Press, 2003), pp. 94-110.

[4] Marie Louise Stig Sørensen & Dacia Viejo-Rose & Paola Filippucci, eds., Memorials in the Aftermath of Armed Conflict: From History to Heritage (London: Palgrave Macmillan, 2020), pp. 1-31.

[5] Ibid.

[6] مخلص محجوب الحاج حسن، "جنين ماضٍ وحاضر" (عمّان: د. ن.، 2008)، ص 182.

[7] David William Lloyd, Battlefield Tourism: Pilgrimage and Commemoration of the Great War in Britain, Australia and Canada, 1919–1939 (London: Bloomsbury, 1998).

[8] حسين البرغوثي، "الضوء الأزرق" (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004)، ص 54.

[9]Tul Karm War Cemetery”, “Commonwealth War Graves Commission”.

[10] إسماعيل الناشف، "صور موت الفلسطيني" (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2015)، ص 7 - 21.

[11] ناهد درباس، "تظاهرة للتنديد بسرقة النَّصْب التذكاري لمقبرة قرية اللجون المهجرة"، "العربي الجديد"، 17 / 9 / 2022، في الرابط الإلكتروني.

[12] وليد عمر عصفور عامر، "قصة إقامة النَّصْب التذكاري لشهداء مجزرة كفر قاسم عام 1976"، صحيفة "الاتحاد"، 30 / 10 / 2020، في الرابط الإلكتروني.

[13] Nora, op. cit. pp. 14-18.

[14] عاطف دغلس، "خالد نزّال.. الصرح الصامد بوجه التحريض الإسرائيلي"، "الجزيرة نت"، 8 / 7 / 2017، في الرابط الإلكتروني.

[15] يوسف الشايب، "بلدية جنين تزيل نصب الشهيد خالد نزال بعد تهديدات من سلطات الاحتلال"، "الأيام" (رام الله)، 24 / 6 / 2017، في الرابط الإلكتروني.

[16] الحاج حسن، مصدر سبق ذكره، ص 106.

[17]Thomas Kilpper-AL HISSAN-The Jenin Horse”, Joy Forum, 25/8/2021-26/9/2021.

[18] سناء الحكيم، "شُيّد عام 2002 من بقايا السيارات ودمره الاحتلال بعد 'طوفان الأقصى'.. تمثال 'حصان جنين' رمز الصمود والمقاومة"، "عربي بوست"، 13 / 11/ 2023، في الرابط الإلكتروني.

[19] توفيق عبد الفتاح، "مقبرة القسّام في حيفا: تاريخ شعب يواجه الطمس"، موقع "عرب 48"، 2 / 6 / 2015، في الرابط الإلكتروني.

[20]Amit Naor, “Blood of the Maccabees: How a Little Red Flower Became the Symbol of Israel’s Memorial Day”, “The Librarians”, 27/4/2020.

[21] "تجميد موضوع النُّصُب التذكارية في القدس"، "أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي"، 22 / 12 / 1968.

[22] ليلى العرباوي، "الذاكرة الجماعية: الأصل والتفرعات"، "أماراباك، مجلة الأكاديمية الأميركية العربية للعلوم والتكنولوجيا"، المجلد الخامس، العدد 13 (2014)، ص 150، في الرابط الإلكتروني.

[23] Achille Mbembe, "Nécropolitics”, Raisons politiques, no. 21 (2006), pp. 29-60.

[24] زكريا حسن، "الناصرة: زيارة لأضرحة شهداء هبّة القدس والأقصى"، "عرب 48"، 1 / 10 / 2021، في الرابط الإلكتروني.

[25] مقابلة أجرتها المؤلفة مع جمال حويل في جنين، في 22 / 12 / 2023.

[26] عملية شنّتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على إسرائيل فجر يوم السبت الموافق فيه 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، وشملت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً وتسللاً للمقاومين إلى عدة مستعمرات في غلاف غزة، وتُعتبر أكبر هجوم على الإسرائيليين منذ عقود.

Author biography: 

مجد جواد أحمد حثناوي: كاتبة فلسطينية.