في ملفها المخصص للذكرى السنوية للسابع من تشرين الأول/ أكتوبر، نقلت أسبوعية "كورييه أنترناسيونال" الباريسية عن يومية "الحياة الجديدة" الفلسطينية، أن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ عام كامل، أسفرت حتى الآن عن مقتل نحو 42000 فلسطيني وفلسطينية، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين، وحوّلت القطاع إلى حقل أنقاض، وأغرقت الغزيين والغزيات في كارثة إنسانية وجعلتهم يعيشون على وقع عمليات النزوح المتواصل التي يفرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي عليهم، ويتكدسون في خيام مصنوعة من البلاستيك أو من القماش الخفيف، مع قليل من الغذاء والمياه ومساعدات إنسانية تصلهم بالقطارة[1].
ويرى بعض المحللين، ومنهم المؤرخ الإسرائيلي غادي الغازي، أن لهذه الحرب على قطاع غزة، التي امتدت إلى لبنان، وربما يتوسع نطاقها أكثر، أهدافاً عديدة، أولها "يتعلق بوضع بنيامين نتنياهو نفسه في مواجهة المخاطر المتعلقة بالإجراءات القانونية التي تستهدفه بشأن الفساد وغيره من المخالفات"، ولذلك فهو "في حالة اندفاع شديد ورغبة في إطالة أمد الحرب، التي تهدف أيضاً إلى إعادة بناء قاعدته السياسية وتجنب المحاكمة"[2]. ويقدّر الكاتب أنشل فيفر، في الاتجاه نفسه، أن بنيامين نتنياهو لا يرغب في إيقاف هذه الحرب، لأن مستقبله السياسي مرتبط باستمرارها، وذلك إلى أن تتبيّن مآلات ثلاثة أحداث مستقبلية وهي: في 5 تشرين الثاني/نوفمبر ستجري الانتخابات الرئاسية الأميركية وهو يأمل في أن يفوز فيها دونالد ترامب؛ في 2 كانون الأول/ديسمبر من المفترض أن يمثل أمام المحكمة بتهم الفساد، وهو يأمل في أن يعفيه استمرار الحرب من ذلك؛ في 31 آذار/مارس يتوجب التصويت، في آخر فرصة، على الميزانية في الكنيست، وفي حال لم يتم ذلك فإن هذا سيتسبب في حل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات المقررة في تشرين الأول/أكتوبر 2026، لكن يبدو أن ائتلافه الحكومي بات في وضع أفضل الآن بعد انضمام كتلة جدعون ساعر المكوّنة من أربعة نواب إليه، بحيث صار ائتلافه يضم 68 نائباً من أصل 120[3].
بنيامين نتنياهو ومستقبل قطاع غزة بعد الحرب
ما دام هدف بنيامين نتنياهو هو مواصلة الحرب، فقد كان من الطبيعي أن يتهرب من تحديد موقفه إزاء مستقبل قطاع غزة لأشهر طويلة، ذلك إنه لم يطرح تصوّراً أولياً لهذا المستقبل سوى في 23 شباط/فبراير 2024، عندما قدم إلى حكومته وثيقة من صفحتين، ذكر فيها أن إسرائيل ستقيم "منطقة أمنية عازلة على الجانب الفلسطيني من الحدود مع قطاع غزة، والتي ستبقى طالما كان ذلك ضرورياً لأسباب أمنية"، كما إنها ستفرض "إغلاقاً" على الحدود الجنوبية مع مصر "لمنع التهريب من مصر – سواء تحت الأرض أو على السطح، بما في ذلك عند معبر رفح"، وهي لن تسمح بإعادة إعمار قطاع غزة "إلا بعد تجريد القطاع من السلاح وبدء عملية نزع التطرف"، وسيُعهد بإدارة الشؤون المدنية إلى "مسؤولين محليين يتمتعون بخبرة إدارية، وليس لهم علاقات مع دول أو كيانات تدعم الإرهاب"، وستعمل إسرائيل على "إغلاق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، وستتخذ خطوات لاستبدال هذه الوكالة بـمنظمات مساعدات دولية مسؤولة"[4].
بعد أشهر طويلة من تجنب التطرق إلى المخططات الإسرائيلية المتعلقة بمستقبل قطاع غزة بعد الحرب، عاد بنيامين نتنياهو، الذي نجح جيشه في أيار/مايو الفائت في السيطرة على الحدود الجنوبية للقطاع مع مصر، إلى تناول هذا الموضوع، وذلك عندما صرّح، في 22 أيلول/سبتمبر الفائت، بأنه يدرس "خطة الجنرالات" لمحاصرة شمال قطاع غزة، مشيراً، في حديثه في اجتماع مغلق للجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست، إلى أن هذه الخطة "هي واحدة من عدة خطط قيد الدراسة وسيتم تقديمها إلى مجلس الوزراء لمزيد من المناقشة في الأيام المقبلة"[5]. وكان قد أوصى، في 4 من الشهر نفسه، جيش الاحتلال بإعداد خطة يقوم هذا الجيش بموجبها بتنظيم توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، بدلاً من وكالة "الأونروا" والمنظمات الإنسانية الأخرى، معلناً "علينا أن نجد بديلاً لتوزيع المساعدات الغذائية، ونحن نعمل على ذلك، وسوف نحققه، وهو جزء من اليوم التالي"، وبذلك يكون قد "اتخذ خطوة أخرى نحو إدخال نظام الإدارة العسكرية الإسرائيلية لقطاع غزة بصورة تدريجية بعد الحرب"[6].
ما هي "خطة الجنرالات"؟
ارتبطت هذه الخطة باسم الجنرال احتياط غيورا آيلاند، الذي كان رئيساً سابقاً لـ "مجلس الأمن القومي" الإسرائيلي، وكان قد اقترح منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تدمير القطاع، وكتب في مقال رأي: "ليس أمام دولة إسرائيل سوى خيار أن تجعل من غزة مكاناً لا يصلح للحياة بصورة مؤقتة أو دائمة". ثم أضاف بعد بضعة أسابيع في مقال آخر: "يجب أن يُقال لسكان غزة أن عليهم أن يختاروا ما بين البقاء والموت جوعاً، أو الرحيل". وهذا الموقف جعله واحداً من المستهدفين في قرار محكمة العدل الدولية في كانون الثاني/يناير 2024 الذي أشار إلى أن من المحتمل أن تكون دولة اسرائيل قد ارتكبت أفعالاً مخالفة لمعاهدة الإبادة الجماعية[7].
في 4 أيلول/سبتمبر الفائت، نشر "منتدى قادة ومقاتلي الاحتياط" في جيش الاحتلال الإسرائيلي خطة تهدف إلى "إجبار حماس على الاستسلام وعلى إعادة الرهائن"، أُطلق عليها اسم "خطة الجنرالات"، كان غيورا آيلاند قد بلورها، ووافق عليها عشرات الجنرالات السابقين، بمن فيهم الجنرال احتياط غيرشون هكوهين. وتتمثل هذه الخطة في تحويل شمال قطاع غزة بالكامل حتى ممر نتساريم، الذي يفصل القطاع من الشرق إلى الغرب إلى نصفين، إلى منطقة عسكرية مغلقة، ويُطلب من جميع سكان هذه المنطقة، أي نحو 300 ألف من الغزيين، القيام بإخلائها من خلال ممرات عبور يحددها جيش الاحتلال؛ وبعد منح المدنيين مهلة أسبوع للإخلاء، سيتم فرض حصار كامل على هذه المنطقة، ولن يترك هذا الحصار لمقاتلي حركة "حماس" سوى خيار واحد: "الاستسلام أو الموت". وتوضح الخطة "أن هذه الطريقة تتوافق مع القانون الدولي لأنه سيتم تحذير السكان مسبقاً وستتاح لهم الفرصة للفرار، وأولئك الذين يصرون على البقاء يعتبرون إرهابيين".
وفي شرحه هذه الخطة، اعتبر غيورا آيلاند "أن الاتفاق الذي وقعناه في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 للإفراج عن بعض الرهائن كان اتفاقاً جيداً"، لأنه في ذلك الوقت "كانت شاحنتان من المساعدات الإنسانية تدخلان كل يوم، وبدأت "حماس" تدرك أنه من دون توفير المساعدات الإنسانية فإن مدينة غزة ستكون في حالة حصار من شأنها أن تؤثر على قدرتها على القتال، كما أن ذلك سيخلق استياءً بين السكان الجائعين والغاضبين، وهذا هو أكثر ما أزعج حماس، ولهذا وافقت على هذه الصفقة بحيث تزيد إسرائيل عدد الشاحنات من 2 إلى 200"، وتساءل: "أليس علينا أن نعود إلى إدخال شاحنتين فقط؟ لقد استسلمنا في تلك المرحلة". وتابع قائلاً إن حركة "حماس" تسيطر بصورة كاملة على شاحنات المساعدات الإنسانية، وبالتالي "يُنظر إليها على أنها الجهة التي تقوم بتوزيع هذه المساعدات. وإذا خسرت الشمال بأكمله، فسيشكّل هذا ضغطاً حقيقياً على [يحيى] السنوار الذي سيفهم أيضاً أن ما يحدث في شمال قطاع غزة يمكن أن يحدث في رفح وسيزداد الضغط عليه؛ إذا لم ننفذ هذه الخطة، فلن نرى أياً من أهداف الحرب الثلاثة يتحقق: لا عودة الرهائن، ولا القضاء على "حماس"، ولا نهاية الواقع في غزة الذي يهدد إسرائيل"[8].
الخطوة الثانية بعد السيطرة على شمال القطاع: إعادة الاستيطان
هذا ما يتوقعه ألوف بن رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، في مقال نشره في عددها الصادر في 9 أيلول/سبتمبر الفائت ونقلته أسبوعية "كورييه أنترناسيونال"، مقدّراً أن يُعاد إقامة مستوطنات في شمال قطاع غزة، بعد السيطرة عليه، ثم تقوم إسرائيل بضم هذه المنطقة في نهاية الأمر؛ وفي هذه الحالة "سيتم طرد الفلسطينيين الذين بقوا في شمال فلسطين، كما اقترح الجنرال غيورا آيلاند، بينما يلاحق الجيش الإسرائيلي مقاتلي "حماس" في هذه المنطقة"، ولعل بنيامين نتنياهو "يحلم بتحقيق ذلك، بينما سيشيد أنصاره بهذا الانتصار التاريخي المتمثل في توسيع مساحة إسرائيل لأول مرة منذ خمسين عاماً". ويتابع ألوف بن معتبراً أن هذه المرحلة من الحرب بدأت لدى صدور تصريح رسمي، في 28 آب/أغسطس الفائت يعلن تعيين الجنرال إلعاد غورين "رئيساً للجهد الإنساني والمدني" لدى منسق النشاطات الحكومية في المناطق [الفلسطينية المحتلة]؛ وهذا المنصب "يماثل منصب رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، بحيث يكون حاكماً لغزة". ثم طلب نتنياهو من الجيش "أن يتحضر لتوزيع المساعدات الإنسانية والحلول محل المنظمات الدولية؛ والباعث إلى ذلك واضح: فمن يوزع الغذاء والدواء يمتلك وسيلة ضغط ممتازة؛ ولدى قيام الجيش بذلك، سيتخلص بصورة كلية من الأونروا في غزة، التي اعتبرت منظمة إرهابية". ويخلص رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" إلى أنه "إذا كان نتنياهو قد اختار التخلي عن الرهائن الإسرائيليين لدى "حماس" خلافاً لموقف قطاع واسع من الرأي العام الإسرائيلي، وتركهم لاحتمال الموت، فذلك كي يكون في موقع أفضل إزاء يحيى السنوار"[9].
ما فرص نجاح هذه الخطة؟
ما زالت حكومة الحرب الإسرائيلية ترفض السماح لمئات الآلاف من الغزيين والغزيات الذين نزحوا في الماضي نحو الجنوب بالعودة إلى منازلهم في شمال القطاع، كما ما زال جيش الاحتلال يقوم، بين الحين والآخر، بحملات عسكرية متواترة ضد التجمعات السكانية في شمال القطاع، كالحملة التي أطلقها، في 6 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، على مخيم جباليا للاجئين، بذريعة تلقيه تقارير تفيد بأن حركة "حماس" تحاول "إعادة بناء بنية تحتية" في المخيم، وهي الحملة التي تسببت حتى الآن في سقوط عشرات الشهداء. فهل رفض عودة النازحين إلى هذه المنطقة، والحملات العسكرية التي تستهدفها والتي من أهدافها فرض النزوح على سكانها هما تمهيد لتطبيق "خطة الجنرالات"، علماً بأن من ارتبطت باسمه هذه الخطة يبدو أنه قد تخلى عنها، كما ظهر في مقال نشرته "نشرة مختارات من الصحف العبرية"، التي تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بعنوان: "نتنياهو قدّم لهم مخرجاً"، نقلاً عن قناة (N12)، قدّر فيه غيورا آيلاند أنه "في إطار القتال الحالي، لن تحقق إسرائيل "النصر المطلق" في غزة، وكذلك في لبنان"، وأن "استمرار القتال على الجبهتين لا يخدم مصلحة إسرائيل، لذلك، من الصائب أن نفتح الباب أمام ترتيبات سياسية على الجبهتين". أما هذه الترتيبات بخصوص قطاع غزة، فهي في منظوره "أن نقول ببساطة: إسرائيل مستعدة للاتفاق التالي مع "حماس": إطلاق كل المخطوفين في عملية واحدة في مقابل إنهاء الحرب وخروج قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع؛ بالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك شرط إضافي لا يوجّه إلى "حماس"، بل إلى دول العالم، بحيث تكون أيّ خطة لإعادة إعمار غزة مشروطة بالنزع الكامل للسلاح منها". وتابع غيورا آيلاند أن من واجب بنيامين نتنياهو أن يقول: "في اليوم التالي، يجب ألّا يكون هناك سلطة لـ"حماس"، ولا حُكم عسكري إسرائيلي؛ وإسرائيل مستعدة الآن للدخول في حوار مع الدول العربية والغربية بشأن "اليوم التالي"، وهي تؤيد أيّ اقتراح يضمن نزع السلاح من غزة في اليوم التالي للحرب"[10].
فما هي فرص نجاح تطبيق "خطة الجنرالات" بعد كل ذلك؛ إن الأيام والأسابيع القادمة ستجيبنا عن هذا السؤال.
[1] “Un an de guerre a Gaza”, “Courrier international”, n. 1770, du 3 au 9 octobre 2024, p.43.
[2] https://www.politis.fr/articles/2024/10/entretien-israel-palestine-gadi-algazi-la-securite-ne-peut-etre-garantie-que-par-la-paix-et-legalite
[3] Nathalie Hamou, “Ou va Israel?”, “Challenges”, n. 845, du 3 au 9 octobre, p.36-38.
[4] https://fr.timesofisrael.com/dans-son-projet-pour-lapres-guerre-netanyahu-veut-des-autorites-locales-a-gaza
[5] https://fr.timesofisrael.com/netanyahu-jenvisage-un-plan-des-generaux-pour-assieger-le-nord-de-gaza
[6] https://www.lesechos.fr/monde/afrique-moyen-orient/netanyahou-pose-les-jalons-dune-occupation-militaire-permanente-a-gaza-2116864
[7] Meron Rapoport, “Un an de douleur et de divisions”, “Courrier international”, n. 1770, du 3 au 9 octobre 2024, p. 38
[8] https://lphinfo.com/le-plan-des-generaux-pour-contraindre-sinouar-a-rendre-les-otages
[9] Aluf Ben, “Gaza, une recolonization”, “Courrier international”, n. 1770, du 3 au 9 octobre 2024, p. 39.