في ليلة مرعبة من ليالي الحرب العاصفة بقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات على شمال قطاع غزة، تفاجأ أهالي الشجاعية (شرقي مدينة غزة) بحصارها بواسطة دبابات الاحتلال، بعد ساعات من إطلاق منشورات تدعو سكان المنطقة إلى المغادرة والتوجه إلى غربي مدينة غزة؛ عائلة محمد من العائلات التي لم يسعفها الوقت للرحيل، بسبب وصول دبابات جيش الاحتلال قبل رحيلهم إلى الحارة التي يسكنون فيها، والكائنة في شارع النزاز على حدود الشجاعية.
محمد ذو الـ 24 عاماً، شاب مصاب بمتلازمة داون والتوحد، كان متعلقاً بأمه نبيلة البالغة من العمر 70 عاماً، وكان لا يعرف أن يأكل أو يشرب أو يغير ملابسه وحده، ولا أن يفعل أي شيء بنفسه، إذ كانت أمه نبيلة هي مَن تساعده في كل شيء.
إصابة محمد بالتوحد جعلت أمر الفهم والمعرفة عنده صعب للغاية، لذلك لم يكن يعرف مدى قسوة الحرب وآثارها الكارثية، فكان لدى سماعه أصوات القصف العالية العنيفة القريبة منه يُصاب بالخوف والذعر، وكان أفراد عائلته يلتفون حوله ليهدئوا من روعه ويطمئنوه.
في 3 تموز/ يوليو اقتحم عشرات من جنود الاحتلال الإسرائيلي بيت عائلة محمد ومعهم كلب قتالي شرس يُستخدم للعثور على أفراد المقاومة، وللتحقق من وجود قنابل أو متفجرات.
تجمعت العائلة في غرفة واحدة، لكن جيش الاحتلال داهم تلك الغرفة وهجم الكلب على محمد، فأشارت الأم نبيلة إلى محمد وقالت للجنود: "أبعدوا عنه الكلب، إنه معاق، ارحموه"، لكن لم يكترث الجنود لكلامها، واستمر الكلب في مهاجمة محمد بوحشية بالغة؛ في البداية أخذ يعض صدره، ثم يده، ومحمد كان صامتاً، ويتمتم بصوت منخفض: "لا، لا". ولم تستطع العائلة إنقاذه أو الوصول إليه، بسبب منعهم من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي. واستمر الكلب في عض ذراع محمد، الذي ربّت على رأس الكلب وقال له: "سيبني يا حبيبي، خلص". صارت يد محمد تنزف، ثم رخا يده للكلب، الذي استمر في نهش يد محمد وتمزيق جسده.
بعد ساعة أخذ الجنود محمد من بين أنياب الكلب إلى غرفة أُخرى، وحاولوا وقف نزيفه ومعالجة جروحه باستخدام ضماد جروح!
ثم أخرجوا أفراد العائلة إلى خارج المنزل تحت تهديد السلاح، وبقي معهم محمد الذي لا يستطيع أن يخدم نفسه بأي شكل من الأشكال ويحتاج إلى رعاية خاصة، وأصبح أسيراً لديهم في البيت الذي جعله الاحتلال ثكنة عسكرية على الرغم من أصحابه. وكانت العائلة تناشد الهلال الأحمر لإنقاذ محمد، وكانوا يأملون أن يكون لدى الجيش القليل من الرحمة ليرأف بحال محمد ذي الاحتياجات الخاصة، ويعالج جروحه التي سببها له الكلب، أو أن يسمح للعائلة باصطحاب محمد لمعالجته. لكن جيش الاحتلال المحب للقتل والمتعطش لدماء الأبرياء ترك محمد ينزف حتى الموت، وبعد انتهاء عمليته العسكرية بعد سبعة أيام، عادت عائلة محمد إلى البيت لتجده ملقى على الأرض جثة هامدة غارقاً بدمائه، وذراعه ملفوفة بضماد جروح لوقف النزيف من دون غرز أو أي تدخل علاجي!
تعددت الجرائم والمنفذ واحد، إذ لم تكن هذه الجريمة الأولى من نوعها لجيش الاحتلال؛ ففي أواخر حزيران/ يونيو، قبل هذا الحدث بأيام، أطلق جيش الاحتلال كلباً بوليسياً شرساً على مسنة في بيتها في مخيم جباليا (شمالي مدينة غزة)، وهي نائمة على فراشها؛ هذه المرة لم تستيقظ هذه المسنة على أصوات القصف ككل يوم، وإنما أيقظها هجوم كلب بوليسي شرس عليها على رأسه كاميرا وضعها جنود الاحتلال كي تصور لحظة الهجوم وهو ينهش ذراعها، غارزاً أنيابه في عظامها، وسط سخرية الجنود منها.
هذه المسنة رفضت مغادرة بيتها بعد تهديدات الاحتلال لمخيم جباليا أكثر من مرة حتى لو أدى ذلك إلى موتها، لأنها لا تريد تكرار تجربة أهلها السابقة في اللجوء خلال النكبة. وبعد هجوم الكلب على ذراعها سحبها وهو متشبث بيدها إلى الخارج حتى اصطدمت بباب الغرفة، فدفعته بالباب على أنفه واستطاعت الإفلات منه، بعد أن سبب لها جروحاً بليغة، ودخلت الغرفة وأغلقت على نفسها، وصارت تحاول أن تعالج جروحها بأي قطعة قماش متوفرة لديها لوقف النزيف، وكان الكلب ينتظرها خلف الباب، وظلت تنزف لمدة أربعة أيام من دون علاج، بسب منع جيش الاحتلال وصول أي طواقم طبية إليها، حتى هدأ الوضع قليلاً في منطقة سكنها وتمكنت الطواقم الطبية من الوصول إليها، ومعالجتها علاجاً غير كافٍ، لعدم كفاية الأدوية في مستشفيات مدينة غزة، وتم تحويلها إلى أكثر من مستشفى أملاً بإيجاد مادة علاجية تطهّر الجروح الملتهبة، وهي الآن معرضة للإصابة بالغرغرينا لعدم توفر الأدوات الطبية اللازمة لمعالجة جروحها، ولقلة وجود الضمادات اللازمة للتغيير على الجرح.
تمادى جيش الاحتلال المتجرد من صفات الإنسانية في ارتكاب الجرائم، وبالغ بالانتهاكات الحقوقية، وأصبح يتفنن في تنفيذ جرائمه، غير مبالٍ بنشرها أمام أعين العالم المتفرج الذي لم يحرك ساكناً، كأنه يتحدى المجتمع الدولي بإظهار مدى عدم اكتراثه بالقوانين الإنسانية.