Implications of Sinwar’s Election as "Hamas" Leader
Publication Year: 
Language: 
Arabic
Number of Pages: 
11

أعلنت حركة المقاومة الإسلامية- "حماس" في السادس من آب/ أغسطس، انتخاب يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي، في أعقاب اغتيال إسماعيل هنية في طهران.

شغل السنوار رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة، ومنحه هذا المنصب مكانة وتأثيراً سياسياً كبيراً في الحركة؛ فقطاع غزة هو معقل حركة "حماس"، وتتمحور فيه قوتها، عسكرياً وشعبياً وسياسياً، وبالطبع مؤسساتياً. واعتُبر السنوار الرجل المحوري في الحركة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فيما يتعلق بإدارة معركة طوفان الأقصى ومواجهة العدوان، وشخصية مؤثرة في إدارة المباحثات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. ويمكن القول إن اختيار السنوار كان طبيعياً في ظل هذه المرحلة بعد اغتيال كل من إسماعيل هنية في طهران، وصالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 كانون الثاني/ يناير 2024. والحقيقة أن إسرائيل كانت تعتبر العاروري والسنوار أخطر شخصيتين في حركة "حماس"؛ فالأول كان مسؤولاً عن الضفة الغربية، ونسبت إليه إسرائيل تنظيم العمل المسلح لحركة "حماس" في الضفة، والذي تصاعد في السنوات الأخيرة، والثاني تعتبره إسرائيل المسؤول الأول عن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.

فسّرت حركة "حماس" اختيار السنوار رئيساً للحركة، في بيان نشرته في هذا الشأن، جاء فيه:

"بعد مشاورات ومداولات مُعمقة وموسعة في مؤسسات الحركة القيادية، قررت حركة المقاومة الإسلامية حماس اختيار الأخ القائد المجاهد يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة، خلفاً للقائد الشهيد إسماعيل هنية، وإن حركة حماس إذ تعبّر عن ثقتها بالأخ أبي إبراهيم قائداً لها في مرحلة حساسة، وظرف محلي وإقليمي ودولي معقد، فإنها تسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقه ويسدد خطاه، وأن يكتب النصر المؤزر المبين لشعبنا وقضيتنا."[1]

وأكد أسامة حمدان، القيادي في "حماس"، أن اختيار السنوار "جاء ليؤكد وحدة الحركة وإدراكها للمخاطر التي تواجهها، وليؤكد أن سياسة الاغتيالات التي يمارسها العدو ضد قيادتنا ومقاومتنا لن تنجح في كسر شوكة المقاومة ولا في إضعافها."[2]

يعتبر انتخاب السنوار تأكيداً لمركزية حركة "حماس" في غزة، والتي تمثلت سابقاً في انتخاب هنية من غزة رئيساً لمكتبها السياسي، وإعطاء الأولوية للقرار السياسي ومسار الحركة في المرحلة القادمة لاعتبارات ومصالح الحركة في قطاع غزة. فقد أشارت مصادر إلى أنه تم طرح عدة أسماء لتولي منصب رئيس المكتب السياسي، منهم خالد مشعل وأبو حسن عمر، رئيس مكتب الشورى، وتم التوافق نهائياً على اختيار السنوار ضمن دوائر اتخاذ القرار في حركة "حماس"، والتي شملت الداخل والخارج. إذن، جاء اختيار السنوار ضمن سياق العدوان على غزة، فالرجل هو من أشرف على عملية طوفان الأقصى، وهذا يُضاف إلى مركزية قطاع غزة في القيادة السياسية بصورة عامة، والحاجة إلى شخصية تمسك الخيوط السياسية والعسكرية بشكل مباشر وعن قرب في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الحركة، والتي شهدت مراحل مفصلية كثيرة، لا شك في أن هذه المرحلة هي أهمها.[3]

يحيى السنوار- قراءة في السيرة الذاتية

بعد انتخاب السنوار، نشرت حركة "حماس" نبذة عن سيرته الذاتية،[4] وسنحاول تحليل شخصيته من خلال المعلومات الواردة عنه في موقع الحركة ومصادر أُخرى، إذ توضح السيرة الذاتية أنه نشأ منذ صغره في الحركة الإسلامية، وتشرب فكرها، وخَبِر تنظيمها، وكان مشاركاً في تطورها السياسي والتنظيمي والأمني. ولد السنوار عام 1962 في مخيم خان يونس للاجئين في قطاع غزة، وقد هُجّر أهله عام 1948 من مدينة عسقلان، وهو يمثل الجيل الثاني من اللاجئين الذين ولدوا في المخيمات، وعايش الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 يافعاً مثل كل الشباب الفلسطينيين في المخيمات الذي نشأوا على حلم التحرير والعودة.

دمج السنوار بين النشاط الطلابي والسياسي والنضالي والدعوي، فكان رئيساً للكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في غزة التي تخرج منها من قسم الدراسات العربية، وكان نائباً لرئيس مجلس طلبة الجامعة، وبعدها رئيساً للمجلس لسنوات طويلة. وحفلت الساحة الطلابية الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات بنقاشات فكرية بين مختلف التيارات، وكان السنوار جزءاً من هذه النقاشات، وكان يعتبر واحداً من منظري التيار الإسلامي في الجامعة. وكانت سنوات الثمانينيات ذروة صعود التيار الإسلامي في المنطقة العربية، وبداية دخول الفكر الجهادي إلى التيار الإسلامي بصورة عامة، وإلى فلسطين بصورة خاصة.

كان السنوار مقرباً من الشيخ أحمد ياسين، الذي كان مسؤولاً عن المجمع الإسلامي، وكان نشاطه يتمحور حول العمل الدعوي والاجتماعي والتنظيمي، قبل تأسيس حركة "حماس" عام 1987. وشارك مع الشيخ ياسين في تأسيس أول جهاز أمني أطلق عليه جهاز الأمن الحركي الأول، ولاحقاً تم تكليفه وآخرين من طرف الشيخ ياسين بتأسيس منظمة الجهاد والدعوة (مجد) عام 1986، وكان من أبرز قادتها. وكانت مهمة الجهاز رصد وملاحقة جواسيس وعملاء الاحتلال الإسرائيلي، ومن هنا نشأت النزعة الأمنية الحادة لدى السنوار، وقدرته لاحقاً على تطوير تنظيم عسكري مغلق، واستطاع خداع إسرائيل أمنياً في معركة طوفان الأقصى، وليس صدفة أن جزءاً من التهم التي وُجهت إليه لاحقاً من جانب الاحتلال الإسرائيلي هي تصفية عملاء للاحتلال.

اعتُقل السنوار مرتين، المرة الأولى عام 1984، والمرة الثانية عام 1988، وحُكم عليه أربعة مؤبدات بتهمة خطف وقتل جنديين وأربعة متعاونين مع الاحتلال. وكانت تجربة السجن مرحلة مهمة في حياة السنوار؛ فقد عاش السنوار الحياة نفسها تقريباً في السجن، حيث برزت قيادته، وترأس الهيئة القيادية العليا لأسرى "حماس"، وقاد مجموعة من النضالات لتحسين ظروف الأسرى الفلسطينيين. وخلال سجنه درس السنوار وتعلم اللغة العبرية، واطلع على الأدبيات الإسرائيلية، الأمنية منها تحديداً، وكانت له مجموعة من الترجمات والمؤلفات في هذا الصدد، أهمها، ترجمة كتاب "الشاباك بين الأشلاء"، وكتاب "الأحزاب السياسية الإسرائيلية"، كما ألّف كتاباً عن حركة "حماس" بعنوان "حماس التجربة والخطأ"، وكتاب "المجد" الذي يرصد عمل جهاز الشاباك، والعديد من الأدبيات الأمنية التي أثرت في النظرية الأمنية لحركة "حماس"، ورواية بعنوان "شوك القرنفل"، التي تحكي تجربة النضال الفلسطيني منذ الاحتلال عام 1967 وحتى الانتفاضة الأولى.

حاول السنوار الهروب من السجن مرتين، مرة من سجن المجدل ومرة من سجن الرملة.[5] وحُرم خلال فترة سجنه من الزيارات العائلية، وصرّح شقيقه غداة الإفراج عنه أن الاحتلال منعه من زيارة شقيقه 18 عاماً، كما أن والده زاره مرتين فقط خلال 13 عاماً.[6] وكان السنوار ضمن قائمة "الإرهابيين الدوليين"، حسب تصنيف الولايات المتحدة الأميركية.

مثلت تجربة السجن تطويراً لشخصية السنوار على المستوى السياسي والنضالي والعسكري، وعمّقت من فهمه للواقع الإسرائيلي، الأمني منه تحديداً، وهو ما ظهر في دوره في حركة "حماس" بعد الإفراج عنه عام 2011 ضمن "صفقة الأحرار" ("صفقة شاليط" بالمسمى الإسرائيلي)،[7] إذ كان للسنوار دور مؤثر في تفاصيل الصفقة لصفته القيادية البارزة في الحركة الأسيرة بصورة عامة، وفي قيادة "حماس" في السجون بصورة خاصة. وبعد خروجه من السجن رسّخ السنوار مكانته في الحركة كإحدى أكثر الشخصيات تأثيراً ونفوذاً وخلال وقت قصير نسبياً.[8]

انتُخب السنوار عضواً في المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، وتولى الملف الأمني في الحركة عام 2012، ثم تم انتخابه عضواً في مكتبها السياسي العام، وتولى مسؤولية الملف العسكري فيها عام 2013، وخصوصاً بعد اغتيال أحمد الجعبري، وهو ما أعطاه قوة وتأثيراً كبيرين في الحركة، وساهم، بناء على ذلك، في تطوير قدرات الحركة عسكرياً، والتي ظهرت في سلسلة المواجهات العسكرية مع إسرائيل، وتحديداً منذ عام 2014. وتابع السنوار تقدمه، ومثّل الجهاز العسكري للحركة في اللجنة التنفيذية فيها، إذ انتُخب رئيساً للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة لدورتين، 2017 و2021. ولا شك في أن دوره العسكري، وخصوصاً في معركة "سيف القدس"، والتمازج بين العسكري والسياسي، دفعاه إلى الأمام بقوة كبيرة في صفوف النخبة القيادية للحركة، إذ شهدت مرحلة ما بعد الصفقة عام 2011 صعوداً عاماً للقيادات الأسيرة في حركة "حماس".[9] لقد كان انتخاب السنوار رئيساً للحركة في غزة، بمثابة صعود جديد للرجل؛ فبعد انتخاب هنية رئيساً للمكتب السياسي للحركة، مارس عمله في الخارج، في حين بقيت الساحة شبه خالية لقيادة السنوار وتعزيز مكانته التنظيمية والعسكرية والسياسية في الحركة.

يشير المستشرق الإسرائيلي مايكل ميلشتين إلى أن السنوار يطمح إلى أن يؤدي دوراً مركزياً في الحركة الوطنية الفلسطينية بصورة عامة، وليس فقط داخل حركة "حماس". وقد يتمحور طموحه حول رئاسة النظام السياسي الفلسطيني، بعد تمكنه من رئاسة حركة "حماس".[10] وفي هذا الصدد نشط السنوار، بصورة خاصة، في السنوات السابقة في تحقيق المصالحة، وجزء من اعتباراته كان أن على "حماس" تقليل العبء الحكومي-المدني عنها، والتركيز على بناء قوتها التنظيمية والشعبية والعسكرية.[11]

وضع السنوار موضوع القدس والأقصى في مركز خطابه السياسي، واعتبر أن معركة "سيف القدس" عام 2021 منعت تقسيم المسجد الأقصى، زمانياً ومكانياً، كما حدث في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل. وفي أحد خطاباته في عام 2020، قال السنوار إن استمرار المساس بالأقصى كما يحدث في السنوات الأخيرة سوف يفجر حرباً إقليمية، وإن "حماس" لن تسمح بتكرار سيناريو الحرم الإبراهيمي في الأقصى.[12] وفي خطاب له في كانون الأول/ ديسمبر 2022، هدّد السنوار إسرائيل "بطوفان هادر وصواريخ دون رعد"، ويستدل من خطابات السنوار أن قضية القدس وتحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية ورفع الحصار عن قطاع غزة، هي مرتكزات عمله ورؤيته السياسية.

تقول الباحثة بيفرلي ميلتون-إدواردز، التي ألفت كتاباً عن "حماس" بعنوان "Hamas: The Quest for Power"، الصادر عام 2024، عن استراتيجية السنوار ما يلي:

"تتركز رؤيته واستراتيجيته على هدف حماس المتمثل في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل المتاحة. بالنسبة إلى السنوار، ليس مسموحاً أن يبرز أي مؤشر عن الضعف، فهو أكثر تشدداً من هنية وغيره من قادة حماس. وفي هذا الصدد، هو أقرب إلى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، أحد مؤسّسي حركة حماس، الذي اغتالته إسرائيل في غزة في العام 2004، أسوة بمؤسسها الشيخ أحمد ياسين. لقد ولد السنوار ونشأ في غزة، ونادراً ما سافر إلى الخارج وانخرط بالطريقة نفسها التي ينخرط بها نظراؤه في الوقت الحاضر. وهذا يعني أن نظرته للعالم تركّز على غزة أولاً، وعلى معاناة سكانها البالغ عددهم 2,3 مليون نسمة، والمقاومة التي يقودها من أجل حريتهم."[13]

دلالات انتخاب السنوار إسرائيلياً

نُشرت الكثير من التحليلات الإسرائيلية حول اختيار السنوار رئيساً لـ "حماس"، وتتسم هذه التحليلات بالتناقض الحاد فيما بينها، وغياب الفهم العميق لحركة "حماس" والديناميكيات الداخلية فيها، وذلك على الرغم من المتابعة الحثيثة لتطور الحركة. فقد اعتبر كوبي ميخائيلي، الباحث في الشؤون الفلسطينية في معهد دراسات الأمن القومي، أن انتخاب السنوار كان مفاجأة لكل المهتمين والمتخصصين الإسرائيليين بالشأن الفلسطيني بصورة عامة، وبحركة "حماس" بصورة خاصة.[14] ويشير ميخائيلي إلى أن انتخاب السنوار قد يدفع بالذات نحو توقيع اتفاق لوقف الحرب وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، وذلك رغبة منه في تعزيز موقعه القيادي الجديد في حركة "حماس" وفي المنطقة، وينطلق ميخائيلي من أن هنالك تقارباً بين السنوار ومصر (آخرون يعتقدون أنه تقارب مع إيران)، ما قد يُسهل عمل الوسيط المصري في التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب يكون مقبولاً لدى إسرائيل. في المقابل، ظهرت مقاربات إسرائيلية ذات طابع تقليدي، فقد كتب آفي ييسخاروف، الصحافي في الشؤون الإسرائيلية (ومؤلف مسلسل "فوضى" الإسرائيلي)، أن انتخاب السنوار يشير إلى أن "حماس" تحولت إلى حركة الرجل الواحد، مع توجه واحد متطرف، وأنه إذا كان في السابق نوع من التمييز بين قيادة الخارج وقيادة الداخل (غزة)، فبعد انتخاب السنوار تحولت حركة "حماس" كلها إلى قيادة يحكمها رجل واحد، يفرض مواقفه على الجميع.[15]

على المستويين السياسي والعسكري الرسميين، جاء التوعد الإسرائيلي بملاحقة السنوار، إذ اعتبر هرتسي هليفي، رئيس هيئة الأركان، أن منصب السنوار الجديد كرئيس المكتب السياسي لن يحميه من استهداف إسرائيل، وذلك على الرغم من أن إسرائيل بعد السابع من أكتوبر تستهدف كل قيادات "حماس" السياسية والعسكرية، فلا أحد لديه حصانة ضد محاولات الاغتيال بسبب منصبه السياسي في الحركة، وهنية كان خير دليل على ذلك. وأعاد الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هغاري، توجيه الرسالة نفسها، وهي أن "مكان السنوار سيكون إلى جانب محمد ضيف" (في إشارة إلى كونه هدف للاغتيال)، لأنه مسؤول، برأي هغاري، "عن أكبر عمل إرهابي في التاريخ."[16] أمّا وزير الخارجية الإسرائيلية، يسرائيل كاتس، فاعتبر أن انتخاب السنوار يبعث برسالة إلى العالم أن القضية الفلسطينية وقعت تحت سيطرة حركة "حماس" وإيران، وأن على العالم تأييد إسرائيل في أعقاب ذلك.[17]

يحمل انتخاب السنوار تحدياً لإسرائيل، ذلك بأن "حماس" اختارت الرجل المسؤول، بنظر إسرائيل، عن هجمات السابع من أكتوبر، وفي الوقت نفسه يعتبر اختيار السنوار تحدياً شخصياً لنتنياهو، لأن الأخير هو من أقر كرئيس للحكومة صفقة تبادل الأسرى عام 2011، والتي أُطلق فيها سراح السنوار، وهو الذي سمح، من وجهة النظر الإسرائيلية التي باتت محل إجماع، في تنامي قوة حركة "حماس" في قطاع غزة بسبب سياسته المتمثلة في تكريس الانقسام لمنع إقامة دولة فلسطينية، والسنوار الذي أطلق نتنياهو سراحه هو الذي نظم عملية طوفان الأقصى. بهذا المعنى سيكون انتخاب السنوار عبئاً جديداً على كاهل نتنياهو، وعاملاً في تكريس سياسته تجاه العدوان على غزة، وخصوصاً أن تقارير إسرائيلية أشارت إلى أن نتنياهو عارض في السابق مقترحات للأجهزة الأمنية باغتيال السنوار وقيادات أُخرى من حركة "حماس"، معتبرين ذلك جزءاً من منظومته السياسية لتكريس الانقسام.[18]

الموقف الفلسطيني من انتخاب السنوار

باركت أغلبية الفصائل الفلسطينية اختيار السنوار رئيساً لحركة "حماس"، واعتبرت أن اختياره يدل على تماسك الحركة الداخلي، وحيويتها التنظيمية، ووحدة موقفها؛ فاعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن اختيار السنوار، "هو رسالة قوية للعدو الصهيوني بأن حركة حماس لا تزال قوية ومتماسكة، وبأن العدو لم ينل من هيكليتها شيئاً رغم حرب الإبادة." أمّا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فاعتبرت أن اختيار السنوار دليل على قدرة "حماس" على تجاوز المحنة وإكمال مسيرتها النضالية. واعتبرت الجبهة الشعبية - القيادة العامة – أن "اختيار السنوار رسالة قوة تعبر عن تماسك الحركة ووحدة موقفها ومناعة مؤسساتها، وهي رسالة حارقة في وجه العدو الصهيوني لها دلالاتها التي تؤكد أن خيار المقاومة هو أبلغ رد على همجية العدو الصهيوني ونازيته وحرب الإبادة التي يشنها ضد شعبنا."

وأصدرت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بياناً جاء فيه: "إن انتخابكم رئيساً لحركة حماس يشكل تأكيداً جديداً على وحدة الحركة وتماسكها وصلابتها وقدرتها على تجاوز المحنة التي أصابتها باستشهاد الأخ القائد الكبير أبو العبد، كما يؤكد على صلابة خيارها الوطني في متابعة مسارها النضالي في المقاومة دفاعاً عن شعبنا وأرضنا وحقوقنا الوطنية المشروعة، دون مساومة...."

وهنأت حركة المبادرة الفلسطينية قرار "حماس"، وأشارت إلى أنها "تثق بقدرة الحركة وكوادرها على مواجهة التحديات والتمسك بنهج الكفاح والوحدة الوطنية بما يخدم أهداف شعبنا". واعتبرت لجان المقاومة في فلسطين، أن "اختيار مجلس شورى حركة حماس للقائد أبو إبراهيم السنوار صفعة كبيرة للمخططات الخبيثة للعدو الصهيوني وهي جزء من العقاب والرد على اغتيال القائد أبو العبد هنية."

ولم تصدر حركة "فتح" بياناً رسمياً بشأن انتخاب السنوار، في المقابل عقّب جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"، على الاختيار قائلاً: "السنوار شخصية براغماتية وهو رجل واقعي ومنطقي وهكذا عرفته في الأسر وخارج الأسر."[19]

جاء ترحيب التنظيمات الفلسطينية بالسنوار لعدة اعتبارات، أهمها أنهم خبروه في المباحثات التي جرت في السنوات الأخيرة لتحقيق المصالحة والوحدة الفلسطينية، ويبدو أن السنوار كان مرناً في هذه المباحثات نظراً إلى قناعته بأن على "حماس" تخفيف انشغالها بأمور الحكم، والتركيز على تطوير قدرات المقاومة، وظهر أنه مستعد للذهاب بعيداً في هذا الصدد. علاوة على ذلك، تدرك التنظيمات الفلسطينية محورية السنوار في الحرب الحالية وقوة وصلابة شخصيته، كما أشارت إلى ذلك التنظيمات في بياناتها. لكن يبدو أن حركة "فتح" امتنعت عن إصدار بيان رسمي بهذا الصدد لأسباب ربما تتعلق بعدم رغبتها في تولي السنوار قيادة "حماس" في المرحلة المقبلة؛ فالسنوار هو نقيض مسار التسوية، وستجعله الحرب قائداً عاماً للحركة الوطنية الفلسطينية التي خاضت في هذه الحرب أشرس مواجهة مع الاحتلال، وربما يعود أيضاً إلى اعتبارات دولية تتعلق بمكانة السنوار في نظر الدول التي للسلطة الفلسطينية علاقة بها، ونظرتها إلى السنوار أنه "إرهابي دولي"، ومسؤول عن أحداث السابع من أكتوبر.

الدلالات الإقليمية

رحبت إيران وحزب الله بقرار حركة "حماس" اختيار السنوار، واعتبرت مصادر أن اختيار السنوار يدل على حالة التقارب الكبير بين "حماس" وإيران، وعلى خفض مستوى الارتباط بين قيادة "حماس" الخارجية ودول إقليمية أُخرى، مثل قطر وتركيا.[20] فالسنوار نفسه كان مقرباً من المحور الإيراني في المنطقة، وشكل انشغاله في السنوات الأخيرة ببناء قدرات "حماس" العسكرية عاملاً دفعه إلى أن يكون مقرباً أكثر من "محور المقاومة"، فهو يرى في المقاومة السبيل لتحقيق الأهداف السياسية الوطنية، ومصالح حركة "حماس" في الساحة الفلسطينية، لذلك ستعتبر الكثير من الدول الإقليمية أن السنوار يمثل حسم النقاش داخل "حماس" بالنسبة إلى موقع الحركة من المحور الإيراني.

لن يغير انتخاب السنوار من موقف الدول الإقليمية من حركة "حماس"، والتي تفضل، في معظمها، قيادة السلطة الفلسطينية للمشهد الفلسطيني، وتعتبر "حماس" منافساً لهذه القيادة وتشكل تحدياً لها. وعلى الرغم من أن السنوار شارك في السنوات الأخيرة في جهود المصالحة الفلسطينية، فإن هذا الموقف لن يغير من اعتباره، في نظر دول إقليمية، شخصية تمثل التيار الإيراني في حركة "حماس"، الأمر الذي سيعزز فكرة هذه الدول في أن حركة "حماس" أصبحت أكثر تبعية للمحور الإيراني في المنطقة، وخصوصاً بعد الترحيب الكبير الصادر من إيران باختيار السنوار قائداً للحركة.[21]

نقاش وخاتمة

يحمل اختيار السنوار دلالات مهمة، أهمها تعزيز مركزية القرار السياسي للقيادة الموجودة في ميدان المعركة في قطاع غزة، وخصوصاً في هذه المرحلة من الحرب التي تشارف على عامها الأول، وهذا يضع المسؤولية الأولى للقرار على عاتق قائد معركة طوفان الأقصى، السنوار نفسه. وعلى عكس الادعاءات الإسرائيلية، فربما يساهم هذا الاختيار في زيادة التزام حركة "حماس" بالتوصل إلى هدنة لوقف القتال، لكن ضمن إحاطة بأدق الأوضاع في قطاع غزة، وقد يسهّل عملية التواصل والالتحام بين القرار السياسي والعمل العسكري. في المقابل، فإن اختيار السنوار سيضيّق على "حماس" العمل الدبلوماسي الإقليمي تحديداً، وذلك بسبب محاصرته في قطاع غزة، على عكس الرئيس السابق إسماعيل هنية، الذي مثّل أيضاً مركزية غزة في القيادة، لكنه تمتع بحرية الحركة السياسية والدبلوماسية، وحتى اضطراره إلى الخروج من غزة لممارسة عمله كرئيس المكتب السياسي للحركة. كما أن الانطباع بشأن تقاطع القيادة العسكرية والسياسية للسنوار، وكونه المسؤول الأول عن عملية طوفان الأقصى، سيقيدان أكثر من قبوله الإقليمي والدولي، على عكس هنية الذي كان الانطباع بأنه رجل سياسي أساساً، بغض النظر عن دقة هذا التوصيف أم لا.

ويحمل اختيار السنوار تحدياً لإسرائيل ونتنياهو على وجه التحديد، الذي سيربط بين نصره في هذه الحرب وبين اغتيال السنوار، وهو أمر لم يكن ليحدث في حال اغتيال هنية، بسبب وجود الرجل خارج غزة، واغتياله في طهران، وهو ما منع إسرائيل من إعلان اغتياله رسمياً. في حالة السنوار الموجود في غزة، فإن إسرائيل ستسعى للوصول إليه ومحاولة اغتياله والإعلان رسمياً عن ذلك.

 

[1] "حماس تختار القائد يحيى السنوار رئيساً لها"، موقع حركة "حماس" الإلكتروني، 6/8/2024.

[2] "أسامة حمدان: 3 عناوين وراء اختيار السنوار رئيساً لحماس"، "الجزيرة نت"، 6/8/2024.

[3] عن تاريخ حركة "حماس"، انظر: خالد الحروب، "حماس: الفكر والممارسة السياسية" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1997).

[4] "السيرة الذاتية لرئيس المكتب السياسي القائد المجاهد يحيى السنوار ʾأبو إبراهيمʿ"، موقع حركة "حماس" الإلكتروني، 7/8/2024.

[5] "يحيى السنوار، أسير محرر يقود حركة حماس"، "الجزيرة نت"، 11/8/2024.

[6] المصدر نفسه.

[7] ساري عرابي، "يحيى السنوار: رحلة رجل حماس القوي"، "إضاءات"، 3/4/2019.

[8] مايكل ميلشتين، "ʾحماسʿ وخيار يحيى السنوار الصعب"، منتدى فكرة - معهد واشنطن، 24/1/2020.

[9] المصدر نفسه.

[10] مايكل ميلشتين، مصدر سبق ذكره.

[11] ساري عرابي، مصدر سبق ذكره.

[12] انظر خطابه في الذكرى السنوية الأولى لمعركة "سيف القدس"، 30/4/2022.

[13] بيفرلي ميلتون-إدواردز، "مستقبل حماس تحت قيادة السنوار"، "أفكار"، 13/8/2024.

[14] كوبي ميخائيلي، "بين صفقة المخطوفين ونهاية الحرب: دلالات انتخاب السنوار كرئيس المكتب السياسي لحماس"، معهد دراسات الأمن القومي، 7/8/2024 (بالعبرية).

[15] آفي ييسخاروف، "من يقف في وجه السنوار، مصيره واحد- الموت"، موقع ynet، 6/8/2024 (بالعبرية).

[16] عيناب حلبي، "حماس أعلنت انتخاب السنوار لقيادة التنظيم مكان هنية: ʾرسالة قوية لإسرائيلʿ"، موقع ynet، 6/8/2024 (بالعبرية).

[17] إلياهو لوكسمبرغ ويسرائيل كاتس، "هذا الأمر سينفجر بوجه العالم"، موقع "سروغيم"، 7/8/2024 (بالعبرية).

[18] بن كسبيت، "عارض كل اقتراح، هكذا امتنع نتنياهو عن اغتيال يحيى السنوار"، "معاريف"، 27/11/2023 (بالعبرية).

[19] جميع الاقتباسات والبيانات مأخوذة من: "فصائل فلسطينية ترحب باختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحماس"، "دنيا الوطن"، 7/8/2024.

[20] كفاح زبون، "كواليس اختيار السنوار: اعتبارات داخلية وإقليمية ومع إسرائيل"، "الشرق الأوسط"، 7/8/2024.

[21] جلال سلمي، "دلالات ومآلات اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتب حماس السياسي"، أبعاد للدراسات الاستراتيجية، 12/8/2024.

1
Author Bio: 

مهند مصطفى: باحث في مركز مدى الكرمل - المركزي العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية.