A Tent Is Not a Homeland: Testimonies on the Suffering of Displaced Palestinians in Gaza
Date: 
July 16 2024
Author: 
blog Series: 

تروي هذه المادة قصة صديقتي دارين التي استطاعت، في خضم الدمار والقصف وانقطاع سبل التواصل، أن تبعثَ برسائلها الصوتية المتقطعة لأسمع منها تفاصيل حياتها في الخيمة. وهذه الشهادة ليست فردية، إنما شهادة حية تكشف واقعاً قاسياً ومؤلماً يعيشه مئات الآلاف من النازحين داخل مخيمات النزوح في قطاع غزة، وهذه المعاناة لم تعد تخفى على أحد، لكنها في حاجة إلى من يرويها وينقلها بصدقٍ وإنسانية، لذا فأنا أنقلُ في هذه المادة شهادتها، ساعيةً لإيصال صوتها وتسليط الضوء على معاناتها، ومعاناةِ شعبٍ بأكمله تُمارَس ضدّه إبادة جماعية، ومحروم من أبسط مقومات الحياة الكريمة على مرأى العالمِ أجمع.

 

 

"الخيمة مش بيوتنا، ولا رح نقدر نعيش فيها، لا صيف ولا شتاء، ولا رح نقدر نتأقلم فيها، ولا مع جوّها، ولا مع نومة الأرض." هكذا بدأت دارين (27 عاماً) حديثها عن تجربتها المريرة مع النزوح والحياة في أوضاع قاسية فُرضت عليها وعلى عائلتها، ولم تكن تتخيلها يوماً. وهذه الكلمات تحمل في طياتها ألماً كبيراً، وتختصر مأساة شعب بأكمله أصبحت الخيمة مأوى له. إنها ليست مجرّد مكان، بل أيضاً أصبحت رمزاً يجسّد حالة التهجير القسري لمئات الآلاف من المواطنين الذين اضطروا إلى تركِ منازلهم مراتٍ عديدة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هرباً من الموت والدمار.

يبدأ يوم دارين وعائلتها باكراً؛ فعند الساعة الخامسة صباحاً، تستيقظ العائلة على وقع ارتفاع درجات الحرارة التي تتضاعف داخل الخيمة، وضجيج المخيم، إذ إن تكدُّس خيم النازحين ينشئ بيئة مزدحمة، وبالكاد تستطيع النوم وسط حركة الناس وأصواتهم المرتفعة. وتبدأ بعد ذلك معركة يومية جديدة للحصول على الحاجات الأساسية. تقول دارين: "بيضطر أخوي كل يوم من أول الصبح يروح على طوابير المية الطويلة، حتى يُحضر غالونات للشرب والاستعمال."

 

 

تتلاشى الخصوصية داخل الخيمة، ولذلك، فإن حجاب دارين لا يُفارقها للحظة واحدة. وفي ظل نقص الغاز، فقد تحولت النار إلى بديل حتمي للطهي خارج الخيمة أمام أعين المئات. وتقول: "فجأة لقينا حالنا منطبخ على النار قدام كل الناس، ومجبورين ناكل أكل بريحة النار." وتضيف: "حتى الحطب والكرتون صاروا غاليين، يمكن مندفع ثمنهم أكثر من سعر جرة الغاز ثلاثين مرة بالشهر."

منذ بداية النزوح، حملت دارين وعائلتها حقائب صغيرة تحوي حاجاتهم الأساسية ووثائقهم الرسمية، معتقدين أن رحلة النزوح ستكون قصيرة الأمد، لكن الواقع كان مغايراً تماماً، إذ استمرت لأكثر من تسعة أشهر، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

مع مرور الوقت، تفاقمت معاناة النازحين في الخيام، وتتذكر دارين بمرارة الأيام الأولى للنزوح والإقامة داخل الخيمة: "أول أسبوع ما قدرت أدخل الحمام أبداً، كنت أروح لبيت صاحبتي مرة باليوم، وهالوضع سببلي كثير مشاكل صحية." هذا الواقع المرير جعل أيضاً الاستحمام مرة واحدة أسبوعياً من الرفاهيات النادرة.

 

 

ومع شح مستلزمات الرعاية الصحية، تكشف دارين معاناة خاصة تواجهها النساء في أثناء فترة الدورة الشهرية، الأمر الذي يجعل التعامل مع هذه الفترة الحساسة أكثر صعوبة. وتقول: "وقت الدورة الشهرية بنحتاج لراحة ونوم واستحمام ومسكنات ومشروبات ساخنة، وهاد الشي صعب يتحقق في الخيمة." وتضيف كاشفةً اضطرارها إلى تناول حبوب تأخير الدورة الشهرية في ظل افتقارها إلى أبسط المستلزمات الصحية: "كنت أستحم بعد الدورة الشهرية مباشرة، هلأ بستنى أسبوع أو أكثر، وفي أوقات كثيرة كنت أخزن مية قبل موعد دورتي حتى أقدر أستخدمها وقت الحاجة، وبضطر أدخل حمام استخدموا قبلي أكثر من سبعين شخص، وإن كان غير نظيف، بنظفه قبل ما أستخدمه."

قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت دارين معروفة باهتمامها البالغ بمظهرها الخارجي وحِرصها الشديد على أدق التفاصيل، أمّا اليوم، فتجد نفسها في عالم مختلف تماماً، وفي هذا الصدد تقول: "اشتقت لنفسي كثير، اشتقت لدارين قبل العدوان"، وتقول بحسرة وتضيف: "يمكن يكون الأمر تافه بالنسبة للبعض، بس أنا تغير لون بشرتي بأربع درجات، شكل جسمي ووجهي وإيدي كله تغير، كبرت سنوات كثيرة بأشهر قليلة."

 

 

تُعاني عائلة دارين، المكونة من 5 أفراد، جرّاء أوضاع قاسية في مخيمات النزوح، إذ يُضطرون إلى العيش في خيمة ضيقة تفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة الكريمة، فمساحتها لا تتسع للنوم إلاّ إذا تم وضع الفرشات أفقياً، وهو ما يُسبب لهم ضيقاً شديداً ويُعيق حركتهم. كما يفتقرون إلى الملابس الصيفية، ويضطرون في كثيرٍ من الأحيان إلى استخدام الملابس الشتوية التي خرجوا بها عند النزوح، وهو ما يُفاقم معاناتهم في ظلّ درجات الحرارة المرتفعة. وتزداد معاناتهم بسبب صعوبة إعداد الطعام لافتقارهم إلى المستلزمات الأساسية، هذا إلى جانب الاكتظاظ الشديد في المخيم الذي يُساهم في انتشار الأمراض بصورة مُقلقة. وتقول دارين: "لما كنا نطلع نقعد برا الخيمة كان يقعد جنبنا تقريباً أكثر من عشرين شخص، ما في مكان تقعد لحالك، أخوي من الناس إللي انصابت بمرض الكبد الوبائي بسبب التقارب من بعض."

كما تصف نادين صعوبة الحياة في الخيمة، إذ باتت تتحمّل مسؤوليات لم تعتد عليها من قبل، ولم تستطع التأقلم مع الأوضاع الجديدة التي فُرضت عليها، كما أنها تنتقد كل محاولات تجميل صورة الحياة في الخيم: "فش حاجة اسمها روتين الخيمة، هاي كلها أشياء لجذب المتابعين والشهرة، أنا بستغرب من الناس اللي بتنزل أجواء الخيمة وبتعمل أكل بصحون وكاسات ما في شي حلو في الخيمة، فكرة إنك تضلك قاعد طوال اليوم بملابس الصلاة، وتنام بثوب الصلاة لأنه الخيمة ممكن تكشفك، أو ممكن حدا يفتح عليك باب الخيمة لأنه تاه فيها، غير النمل والحشرات اللي ممكن تمشي عليك وإنت نايم، حتى ما منقدر ناكل جوا الخيمة، صرنا نقتصر على وجبة وحدة باليوم عشان نقدر نكمل يومنا."

 

 

في النهاية، لم تحتمل دارين وعائلتها المكوث داخل الخيمة لفترةٍ طويلة، فقرروا العودة إلى ركام منزلهم في بلدة بني سهيلا شرقي خان يونس بعد محاولاتٍ لإصلاحه قدر المستطاع. ولاحقاً، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إخلاء أحياء في منطقتَي خان يونس ورفح، بما فيها بلدة بني سهيلا، فاضطرت دارين وعائلتها إلى النزوح مجدداً، لكن هذه المرة إلى المجهول، لتجد العائلة نفسها تائهة، تبحث عن مأوى آمن، وتنتظر بفارغ الصبر وقف الإبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

Read more