Arab Palestinian Communists between Palestine’s 1936 Revolt and the Spanish Civil War
Full text: 

ملخص

أشعل الانقلاب العسكري الفاشل ذو النزعة الفاشية، والذي شهدته إسبانيا في تموز / يوليو 1936 ضد الجمهورية الثانية، حرباً أهلية امتدت حتى سنة 1939، وذلك بالتزامن مع الثورة العربية الكبرى التي شهدتها فلسطين. وعلى الرغم من كونها فترة عاصفة، فإن الحركات السياسية الفلسطينية المتعددة واصلت معاركها، بمنظور غالباً ما اتسم بالمحلية.

تتناول هذه الدراسة بالتحليل، تأثير الحرب الأهلية الإسبانية في المشهد الفلسطيني، ولا سيما في أوساط الحزب الشيوعي، وكيفية تجاوب هذا الأخير مع نداء التضامن الأُممي مع الجبهة الإسبانية المناهضة للفاشية. كما تقتفي آثار بعض الشيوعيين العرب الذين قصدوا إسبانيا مثل نجاتي صدقي الذي توجّه إلى هناك بتكليف مباشر من منظمة الأُممية الشيوعية ("الكومنتيرن")، وعلي عبد الخالق الذي انضم إلى جبهة القتال في إثر فراره من القمع البريطاني، مُبيّنة الصدى الأُممي الكبير للحرب الأهلية الإسبانية وتشابك بعض المسارات النضالية مع القضية العربية الفلسطينية وسيرورة الشيوعية. 

مقدمة

تحتل الفترة 1936 – 1939 مكانة بارزة جداً في التاريخ والذاكرة الجمعية الخاصّين ببلدين متوسطيين متمايزين للغاية، وهما: فلسطين وإسبانيا. فالأول كان ساحة لثورة كبرى، أمّا الثاني فكان ساحة للحرب الأهلية التي اندلعت في إثر انقلاب عسكري فاشل على الجمهورية الثانية، وهي من أكبر النزاعات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وشكلت ملامح ما تلاها من مواجهات وقفت فيها الديمقراطيات الليبرالية والتيارات اليسارية ضد الفاشية الأوروبية.

ارتكز، منذ أعوام، اهتمام قسم من الكتابات التأريخية، فيما يتعلق بالحرب الأهلية الإسبانية، على البعد الأُممي كمفتاح رئيسي لفهم صيرورة تلك الحرب، فتعددت الدراسات المتصلة بمواقف مختلف الدول داخل أوروبا وخارجها، أو باستجابات مختلف الجهات الاجتماعية والسياسية على الصعيد العالمي. كما أسهبت الأبحاث في موضوع مشاركة الأجانب في صفوف الفريقين المتناحرين، سواء الـ 115,000 أجنبي الذين انضموا إلى الجيش الانقلابي - نحو 70,000 منهم كانوا مجندين مغاربة، أو الـ 35,000 متطوع في صفوف الجبهة المناهضة للفاشية، والذين كانت أغلبيتهم مدونة في الألوية الأُممية.

تركز هذه الدراسة على آثار الحرب الأهلية الإسبانية على الوضع الفلسطيني،[1] وخصوصاً في أوساط الحزب الشيوعي. فعلى الرغم من انغماسه في ثورة 1936، فإن الحزب لبّى نداء الأُممية الشيوعية لتجريد حملات وجمع أموال لمصلحة الجمهورية الإسبانية، كما سافر بعض أعضائه إلى إسبانيا، وكانوا في الغالب يهوداً، لكن كان هناك عرب بينهم أيضاً. وتبيّن مسيرة كل من نجاتي صدقي وعلي عبد الخالق، البعد الأُممي الكبير للحرب الأهلية الإسبانية، والحالات النضالية المعقدة التي تتشابك فيها القضية العربية الفلسطينية بسيرورة الشيوعية. 

الحرب الأهلية الإسبانية في المنظور الفلسطيني

في 17 تموز / يوليو 1936 أُعلنت "الهبّة الوطنية"، وهو الاسم الذي أُطلق على الانقلاب العسكري الذي بدأ في الجهات التي تسيطر عليها إسبانيا في المغرب قبل أن تتسع رقعته في الأيام التالية إلى بضعة مواضع في شبه الجزيرة الأيبيرية. وكانت فلسطين آنذاك في غمرة الثورة العربية الكبرى التي اندلعت قبل ثلاثة أشهر، ووصلتها أنباء التمرد في أواخر ذلك الشهر، ومع ذلك راحت الصحافة اليهودية والعربية على حد سواء، تتابع منذئذ تطورات الحرب الإسبانية باهتمام نسبي.

وقدّمت الجرائد العربية الرئيسية التي هيمن عليها الطابع المحافظ - مثل جريدة "فلسطين"[2] المملوكة لعائلة العيسى المسيحية، أو "الدفاع"[3] المرتبطة بمفتي القدس - تأويلات انحصرت في قالب أيديولوجي قومي فلسطيني. ففي بادىء الأمر اعتبرت الجزء المتمرد من الجيش الإسباني بمثابة جيش تحرير وطني، وأن الجمهورية الثانية هي دولة استعمارية تدور في الفلك الفرنسي البريطاني ويسيطر عليها الشيوعيون الذين يوجد بينهم اليهود بشكل كبير. غير أن هذه النظرة شرعت تتغير مع مجريات الحرب.

وانخرط الحزب الشيوعي الفلسطيني في الحرب من خلال هيئاته الدعائية باللغة العربية، وإن كانت مطبوعاتها أقل جودة وتوزيعها أكثر تواضعاً. وتم ذلك عبر صحيفة "الجبهة الشعبية"، لسان حال اللجنة المركزية للحزب، والتي تأسست في 5 حزيران / يونيو 1936، وكانت أداة الدعاية للحزب في إثر اندلاع الثورة العربية الكبرى التي كانت – بطبيعة الحال - تستأثر بالمحتوى كله، علاوة على أن إشاراتها الشحيحة إلى القضايا الدولية كانت تتركز بصورة شبه حصرية على الحرب الأهلية في إسبانيا، والتي كانت حاضرة عملياً بشكل أسبوعي منذ أواخر صيف سنة 1936.[4] أمّا تفسيرها للأحداث فلم يختلف عمّا جاءت به الأُممية الشيوعية، أي أن إسبانيا كانت تشهد معركة فاصلة بين الفاشية، ربيبة الرأسمالية الممثلة في "القوات القومية"، وبين الديمقراطية الممثلة في تحالف "الجبهة الشعبية" اليساري، وهي نظرة تستند إلى دليل على أن نظامَي موسوليني وهتلر قدّما منذ بداية الحرب الدعم بالمعدات والأموال للعسكريين العُصاة، على الرغم من وجود "ميثاق عدم تدخّل" الذي أُبرم بمبادرة من البريطانيين والفرنسيين، والذي تلتزم بموجبه القوى الموقِّعة بعدم الخوض في الحرب الإسبانية.

كما نقلت مقالاتها وجهة نظر تقيم صلة بين السياق الإسباني والوضع في فلسطين نفسها، إذ كانت تحذر من الخطر الذي تشكله الفاشية على السلم العالمي، بما في ذلك فلسطين، وتربط بين الفاشية والصهيونية. وقد أكدت في إحدى مقالاتها أن: "عرب فلسطين الذين يناضلون منذ أكثر من خمسة أشهر ضد الاستعمار البريطاني وضد الصهيونية الفاشستية"، لا يسعهم إلّا أن يؤيدوا الشعب الإسباني.[5]

وعلاوة على نشر الحزب الشيوعي وجهة نظره عن الحرب، فإنه نظّم بعض الفاعليات الجماهيرية لجمع التبرعات لمصلحة الجبهة المناهضة للفاشية، وهي مبادرات تتماشى مع السياسة التي وضعها "الكومنتيرن" للأحزاب الشيوعية في العالم استجابة للحرب الإسبانية، والتي تعمل على استثارة الرأي العام وجمع الأموال والأغذية والأدوية. وإذا كان دعم الحزب الشيوعي الفلسطيني لقضية الجمهورية الإسبانية علنياً وبارزاً، فإن ربط "الكومنتيرن" تلك القضية بالثورة في فلسطين كان يشكل تحدياً بالنسبة إلى الحزب، نظراً إلى الأوضاع السائدة حينذاك. وفي الواقع، كان بعض التقارير الداخلية يأسف لانخفاض مستوى الاهتمام العالمي بالثورة في فلسطين وبالقضايا العربية عامة بسبب الحرب الأهلية في إسبانيا، ويؤكد أن ذلك سيلقي بظلاله على سيرورتها.[6] 

الحزب الشيوعي الفلسطيني: الثورة والحرب

وجد الحزب الشيوعي الفلسطيني نفسه غارقاً في خلافات داخلية بسبب موقفه الداعم للثورة العربية. فقد نشأ الحزب في سنة 1924 في وسط يهودي بالكامل، وذلك بعد جدال بشأن الموقف الذي يتعين على اليسار اتخاذه حيال المشروع الصهيوني. أمّا "الكومنتيرن" السوفياتي فحسم موقفه بعد عقود، معتبراً أن الشيوعية والصهيونية لا يلتقيان بالمطلق، وأوعز إلى عناصره بقطع جميع الصلات مع الصهيونية والتوجه نحو تعريب الحزب في فلسطين، وقطع العلاقات مع حزب "بوعالي تسيون" الذي كان حتى ذلك الحين الحزب الشيوعي الرئيسي بين اليهود. ونتيجة تلك القطيعة، تأسس الحزب الشيوعي الفلسطيني في سنة 1924. ومنذئذ، بذل هذا الحزب، وكانت أغلبيته الساحقة من اليهود، جهده لضمّ أعضاء عرب إلى صفوفه وتنفيذ البرنامج السوفياتي الداعي إلى النضال ضد الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين. لكن هذه العملية لم تكن سهلة قط على كثير من المناضلين اليهود الذين تعيّن عليهم الصدام مع دوائرهم الاجتماعية المباشرة، فضلاً عن الاحتكاكات المستمرة مع موسكو بشأن التقدم المُحرَز في هذا الأمر.

عندما اندلعت الثورة العربية الكبرى في سنة 1936، كان الحزب الشيوعي قد قطع شوطاً كبيراً في عملية التعريب، وحسم أمره باتّباع الاستراتيجيا المسماة "الجبهة الشعبية" التي وضعها السوفيات، وهو ما ينطوي على التقارب مع حركة التحرر الوطني الفلسطينية التي سارع الحزب إلى الاصطفاف معها بُعيد مصرع عز الدين القسّام. ففي 10 كانون الأول / ديسمبر 1935، أي بالكاد بعد مرور بضعة أسابيع على اغتيال القسام، نظّم الحزب في يافا لقاءً سياسياً جبهوياً شعبياً حضره 2000 شخص، رُفعت خلاله صورة ضخمة للقسّام، وشارك فيه المفتي أمين الحسيني وآخرون. كما أيّد الحزب الإضراب العام عند إعلانه، واعتبره دفاعاً مشروعاً عن الذات. وعلى الرغم من محدودية وزنه السياسي، فإن الحزب حاول القيام بدور نشط، فانتقد كَسْر الهستدروت للإضراب، وتصدى لذلك، بل إن بعض أعضائه شارك في عمليات مباشرة وأعمال تخريب للقطارات وأعمدة البرق، وحتى للمزارع التابعة لمستعمرات يهودية. ووفق بعض التقارير الداخلية، فإن الحزب ساعد على تجنيد الفلاحين، وخصوصاً في قضاءَي نابلس وطولكرم، ودرّب تشكيلات في الخليل وحيفا.[7]

أوجد ذلك الموقف الحازم توترات داخل الحزب، حتى إن بعض القطاعات الحزبية اليهودية التي كانت لا تزال تشكل الأغلبية، حذّر من أن الحزب منحاز على نحو مفرط، بل خاضع للحركة الوطنية الفلسطينية. وعلى الرغم من التوجيه السوفياتي باعتماد استراتيجيا الجبهة الشعبية، فإنه كان صعباً على كثيرين غضّ الطرف عن رجعية بعض مكونات "اللجنة العربية العليا" التي ترأسها مفتي القدس أمين الحسيني الذي لم يكن لديه معضلة في الإعراب عن تعاطفه مع الفاشية الأوروبية، ولا سيما النازية الألمانية. وكانت تلك القطاعات تنتقد المشروع الصهيوني والهجرات الحاشدة لليهود الأوروبيين إلى البلد، لكنها كانت في الوقت ذاته تدعو إلى النظر إلى حركة القسّام كحركة إرهابية، وتعتبر أن الانقياد وراء حالة الغليان سيُقوّي الشوفينية بين اليهود، وسيوثق الأواصر بين الحركة الصهيونية والسلطة الاستعمارية البريطانية.[8] وكان الصدام شاملاً مع خلية تل أبيب التي كانت عضويتها من اليهود حصراً.

وفي هذا السياق، رأت موسكو في حملات التضامن التي أطلقها الحزب الشيوعي الفلسطيني مع الجمهورية الإسبانية أداة أُخرى لتوجيه سياسة الثورة العربية الكبرى والمشاحنات التي دارت داخل الحزب. ففي رسالة مؤرخة في شباط / فبراير 1937، هنّأ "الكومنتيرن" الحزب الشيوعي الفلسطيني على "أدائه الرائع" بشأن نشاطه الداعم للجمهوريين الإسبان.[9] وجاء في الرسالة أن ذلك "أفضل طريقة للتخلص من الأحكام العرقية والقومية المسبقة"، وأنه لا بد من إنقاذ إسبانيا ودعمها كنقطة انطلاق تمكّن من تشكيل لجان مشتركة عربية يهودية، وتحويلها إلى "قوة دفع من أجل تطوير الحركة التضامنية."[10]

غير أن الحرب الأهلية الإسبانية فتحت ساحة نضال جديدة غير قائمة على التناقضات التي أثقلت كاهل العديد من المناضلين الشيوعيين في فلسطين. فبدءاً من تشرين الأول / أكتوبر 1936، بعدما تأكد انتهاك الأنظمة الفاشية لـ "ميثاق عدم التدخل"، وأن أمد الحرب سيطول، قرر الاتحاد السوفياتي تشكيل "الألوية الأُممية" بهدف حشد جُل المتطوعين المعادين للفاشية القادمين من جميع أنحاء العالم للدفاع عن الجمهورية الإسبانية في تشكيل عسكري سياسي واحد داخل الجيش الجمهوري الإسباني. وهكذا بلغ مجموع أفراد الألوية الأُممية طوال فترة الصراع نحو 35,000 مقاتل، بينهم بضع مئات من المتطوعين الذين جاؤوا من العالم العربي.

وفي فلسطين، شكلت الألوية الأُممية خياراً طيباً لكثيرين من المناضلين اليهود الفلسطينيين الممتعضين من الأوضاع في البلد، كي ينأوا بأنفسهم عن المشكلات الدائرة من دون معارضة الحزب. وتناولت الكتابات التأريخية باستفاضة موضوع المشاركة اليهودية عامة، والمشاركة اليهودية الفلسطينية خاصة، كما أُجريت دراسات ونُشرت مذكرات لمتطوعين بغرض رسم معالم تلك السِّيَر.[11] ومع أن أولئك المقاتلين لم يحملوا في معظمهم لواء الصهيونية )بحسب رعنان رين، فإنه من أصل 145 متطوعاً، كان 12 فقط صهيونيين)،[12] إلّا إنهم، في أغلبيتهم، جرى تجاهلهم لدى عودتهم إلى فلسطين بعد الحرب. وحاولت دولة إسرائيل منذ السبعينيات الاستفادة سياسياً من تلك النضالات اليهودية المناهضة للفاشية، والتقى ذلك مع المحاكمة الشهيرة لأدولف آيخمان في القدس وسط نقاش عام عن سلبية اليهود وخنوعهم أمام المد الفاشي الأوروبي. واسترعى هذا الموضوع الاهتمام آنذاك داخل إسرائيل الفتية التي راحت تُنتج مفردات ذاكراتية تصوغ بها سردية عن المقاومة اليهودية ضد الفاشية.[13]

لقد كانت دوافع الذهاب إلى إسبانيا واضحة نوعاً ما لدى المناضلين اليهود، لكنها لم تكن كذلك عند نظرائهم العرب الذين كان مجتمعهم يخوض في تلك الفترة معركة ضارية ضد السلطة الاستعمارية البريطانية والمشروع الصهيوني. 

نجاتي صدقي رجل الدعاية الفلسطيني في مدريد

ربما يكون نجاتي صدقي أكثر متطوع عربي معروف، وذلك بعد نشر مؤسسة الدراسات الفلسطينية في سنة 2001 مذكراته التي عرضت مسيرته في إسبانيا.[14] ويَعتبر كثيرون صدقي أول شيوعي عربي في الحزب، ففي العشرينيات أُرسل إلى الدراسة في موسكو، وأصبح برفقة محمود الأطرش في سنة 1930 من أوائل الأعضاء العرب في اللجنة المركزية للحزب، وقد أرسله الكومنتيرن السوفياتي إلى إسبانيا للقيام بمهمات دعائية، علماً بأنه لم يكن له أي علاقة بمشروع الألوية الأُممية، لكن كان لديه قناة اتصال مباشرة بالحزب الشيوعي الإسباني. غير أن السبب الملموس وراء إرساله غير واضح، فنحن ليس لدينا سوى ما ترويه مذكراته التي حررها لاحقاً حنا أبو حنا، وفيها يقول صدقي إن ديميتري مانولسكي - وهو بلغاري وشخصية بارزة في الكومنتيرن السوفياتي - كلّفه بتنظيم الدعاية العربية في الأوساط المغربية، على أساس فكرة أن قيام حركة استقلالية لدى أهل الريف "يزعزع الأرض التي يقف عليها الجنرال فرانكو."[15]

وكان لدى صدقي خبرة في العمل الدعائي بعد أن عمل في باريس محرراً لـ "الشرق العربي"، وهي مجلة شهرية مناهضة للاستعمار في العالم العربي،[16] وقد جذب صدورها أنظار دوائر الأمن الفرنسية التي اعتبرت أنه لا بد من "التحقيق في أمرها عن كثب نظراً لتحريضها على كراهية الأجانب من العرب، ولا سيما أتباع الديانة الإسلامية."[17] وظلت الصحيفة تحت المراقبة لعامَين حتى إغلاقها بمرسوم في 12 كانون الأول / ديسمبر 1935، كما أن الشرطة الفرنسية فشلت في تعقّب نجاتي صدقي الذي استعمل أكثر من ستة أسماء مستعارة، ولم تفلح في اعتقاله، على الرغم من توزيع صورته على عشرة من مراكزها، على الأقل. وبعد إغلاق الصحيفة عاد صدقي إلى موسكو حيث كان له بعض الصدامات مع قادة شيوعيين اتهموه بالنزعة البرجوازية الصغيرة بسبب تعاطفه مع القومية العربية. وفي سياق حملات التطهير ضد التروتسكيين لم تكن تلك تهمة بسيطة، وهو ما شكل في الواقع بداية أفول نجمه داخل الحزب.[18]

بعد ذلك أُرسل صدقي إلى إسبانيا، وزوده الحزب بجواز سفر مزور سافر به إلى باريس، ومن هناك إلى إسبانيا التي دخلها من قرية "بورت بو" (Portbou) الحدودية بعد عبوره جبال البرانس (Pyrenees). لكن صدقي لم يجد هناك أجواء أُممية ولا اهتماماً بالقضية المغربية مثلما توقع؛ إذ اصطدم الفلسطيني بريبة شديدة في العرب، مستحكمة لدى رفاقه الإسبان، فحتى بِيسينته أوريبِه (Vicente Oribe) مسؤول شؤون "المحمية الإسبانية في المغرب" في الحزب الشيوعي الإسباني برهن على قلة تفهّمه للريفيين. وقد أصيب صدقي باليأس ممّا وصفه بالموقف "النظري الأكثر منه عملياً" من المغاربة.

وهكذا انكبّ الشيوعي الفلسطيني بمجرد وصوله إلى إسبانيا على نشر الدعاية الموجهة إلى الجنود المغاربة، وذلك لزعزعة الجبهة المعادية، ونزل في قلب مدريد في مكتب قرب مقر الحزب في شارع سيرَّانو (Serrano). ولإقناع أفراد القوات الاستعمارية بخطأ انضمامهم إلى العُصاة، اتخذ صدقي لنفسه اسماً مستعاراً هو "مصطفى بن جلا" ليبدو مغربياً، ثم عمل على كتابة نشرات باللغة العربية موجهة إلى الجبهة وإلى المغرب، ونشر مقالات في الصحف الإسبانية بهدف دحض الخطاب الاستعماري المعادي للأجانب الذي كان منتشراً بين الجمهوريين، ولإقناعهم بأن المغاربة ليسوا جميعاً فاشيين. وشارك صدقي أيضاً عدة مرات في البرنامج الإذاعي "مذياع الجبهة" (Altavoz del Frente) الذي كان يُبَث إلى جبهات القتال، وكان يوجه من خلاله الدعوات إلى الريفيين لترك صفوف العُصاة،[19] كما كان يروي كيف كان العُصاة يسيئون معاملة المجندين الريفيين كي يتفهمهم الجمهوريون الإسبان. وكان صدقي يروي على الهواء مباشرة كيف كان المغاربة يتضورون جوعاً ولا يتناولون سوى معلبات السردين، ويُضربون بالسياط، بينما كان القادة يعِدُونهم بأنهم لن يتقاضوا أُعطياتهم إلّا عندما تنتهي الحرب بانتصار القوميين.[20] وبحسب مذكراته، ألقى نجاتي صدقي في جبهة قرطبة على المحاربين الريفيين نشرات بالدارجة المغربية عبر مكبرات الصوت.[21]

وفي إطار تلك الحملة الدعائية، وسعياً لخلق انطباع بأن الفرار من صفوف الأعداء يتخذ منحى تصاعدياً، أعلن صدقي في عدة وسائل إعلام عن تشكيل كتيبة ضد الفاشيين مكونة من المحاربين المغاربة وتابعة للفوج الخامس وذلك "للقتال مع القوات الجمهورية ضد الخونة الفاشيين المتمردين."[22] وعرضت مجلة "إستامبا" (Estampa) المدريدية في الشهر نفسه تقريراً مطولاً عن ذلك الطابور. وتجدر الإشارة إلى أن Estampa، رائدة الصحافة المصورة الإسبانية، حوّلها العاملون فيها إلى تعاونية تبنّوا فيها مبادىء الجبهة الشعبية، وظهرت فيها مقابلة مع صورة لصدقي الذي قُدِّم كمغربي من فاس، تحدث فيها عن تشكيل الكتيبة، مؤكداً استمرار تقاطر الفارين من صفوف العُصاة.

وعلى ضوء تلك التحركات انضم صدقي إلى بعض المستعربين الإسبان، وبعض المغاربة المقيمين في إسبانيا مثل الطالب الشاب عمر الوزّاني، واللاسلطوي )الأناركي( اليهودي السفاردي ليون آزِرَّات كوهين المعروف بـ "بن كْريمو"، وأسسوا في أواخر تشرين الأول / أكتوبر 1936 "الجمعية الإسبانية - المغربية المناهضة للفاشية"،[23] والتي اتخذت لها مكتباً في رقم 10 في جادة لا كاستييانا (La Castellana) في مدريد.[24] وَسَعَت الجمعية لتعزيز الأنشطة الدعائية التي كان صدقي يقوم بها آنذاك، لكن يبدو أنها لم تحظَ بحماسة كبيرة لدى رفاق صدقي الذين استهجنوا تأسيس منظمة كتلك.

وكان بين أولى قرارات المنظمة تجنيد أعضائها الذين تزيد أعمارهم على 35 عاماً لإرسالهم إلى الجبهات لمواصلة العمل الدعائي في صفوف العدو،[25] وعمل نحو 40 عنصراً في إطار تلك الميليشيا التي حملت اسم "كتيبة قرطبة"، وقدّموا الدعم الدعائي على مختلف جبهات القتال، كما قدموا خدمات "الترجمة للأسرى المُوْرِيين"[26] بحسب ما ذكر بعض التقارير.[27] وكانوا يطلقون من المواقع المتقدمة قذائف محشوة بالمنشورات مثلما كانت تفعل القوات المعادية، بل إنهم ابتاعوا أسطوانات موسيقى شعبية عربية كانوا يشغّلونها على الجبهة قبل النشرات وبعدها. غير أن احتمالات نجاح المطويات الورقية المكتوبة بعربية فصحى رفيعة كانت محدودة فعلاً، لأن الجنود الريفيين كانوا في الغالب أميين ولسانهم مختلف تماماً عمّا كُتبت به تلك المناشير التي كانت، على الرغم من كل شيء، تؤكد أن الجمهورية تحب المغرب، وأنها ستعطي كل جندي 100 بيسيتّا - وهو مبلغ ليس زهيداً أبداً - في حال انتقل إلى صفوف الجمهورية ومعه السلاح الذي قدمه له العُصاة.[28]

ملأت الجمعية مدريد ورقاً، فألصقت لافتات ضخمة تصور فلاحين من الريف وقد هاجمهم مسلحون، أو مسدسات مصوبة نحو مجندين مغاربة يعتمرون الطربوش ومعصوبي الأعين، وكُتب عليها: "جاء المُوْرِيُّون ليقاتلونا وهم عميٌ ومُكرَهون على القتال. لنعرِّفهم إلى الحقيقة." واستمرت الجمعية في نشاطها طوال الحرب تقريباً، فنشرت بعض الكتب والمقالات، وعقدت ندوات في الجانب الجمهوري، بل إن بعض التقارير ذهب إلى حد القول إنها كانت تنشط دعائياً في المغرب. ومع ذلك، أُرسل نجاتي صدقي في أواخر سنة 1936 - أي بالكاد بعد ثلاثة أشهر على وصوله إلى إسبانيا - إلى الجزائر مكلَّفاً بإنشاء إذاعة مخصصة لشمال أفريقيا تبثّ رسائلها باللغة العربية الفصحى، وباللهجة المغربية العربية، وباللهجة القبائلية الأمازيغية. وتمثلت غاية الإذاعة في مجابهة الدعاية التي تبثّها إذاعات مثل راديو تطوان التي أعلن العُصاة عبرها الحربَ في تموز / يوليو 1936، والتي كانت تَبثّ آنذاك بالدارجة المغربية رسائل لمصلحة الجبهة القومية. ونشر صدقي بعض البيانات والمقالات في صحيفة الحزب، كما اجتمع في وهران بممثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين محمد الزاهري، وتداول معه فكرة إصدار جريدة باللغة العربية تناضل ضد الفاشية في المنطقة.[29] غير أن المهمة فشلت، وصُرف النظر عنها بعد أسابيع قليلة. وعزا صدقي في مذكراته ذلك الفشل مرة أُخرى إلى قلة الاهتمام في أوساط الشيوعيين.

دفعت حالة اللامبالاة العامة والمواجهة مع بعض عناصر الحزب الشيوعي الإسباني، نجاتي صدقي إلى التفكير في موضوع بقائه في إسبانيا. وقد أكد صدقي أنه عاد إلى باريس بعد إقامة قصيرة اعتراها الإخفاق في الجزائر، بأمر مكتوب من الحزب الشيوعي الإسباني. وفي باريس ازدادت عزلته عن الحزب الذي أغلق في وجهه الأبواب حرفياً، ورفض استضافته متذرعاً بانتظار إقرار من موسكو،[30] ومنعه من دخول مقره، ورفض أن يصرف له نفقة معيشته، الأمر الذي تركه من دون مورد مادي، ودفعه إلى الاستدانة من رفاقه القدامى في هيئة تحرير "المشرق العربي" ليُعيل نفسه.[31]

ومع استمرار النزاع لأشهر، انتهى الحزب الشيوعي الفرنسي إلى اقتراح بأن يعود صدقي إلى إسبانيا، لكن كمقاتل هذه المرة. غير أن هذا الأخير كان يشك في أنهم يريدون التخلص منه، فعارض المقترح وألحّ على موسكو أن توفده مجدداً إلى الجزائر ليكمل المهمة. وأصرّ عليه قادة مثل محمود المغربي الذي لامه على عدم اتخاذ ما يكفي من الحيطة، وخالد بكداش من سورية، على أن يعود إلى إسبانيا لكنه تشبث بموقفه،[32] فاستسلم بكداش لرفض صدقي، ودعاه إلى العودة إلى دمشق ليكون تحت تصرف الشيوعيين السوريين. ويبدو أن الفكرة لم تكن مغرية له، لكن لم يكن لديه بديل. وعندما وصل صدقي إلى سورية استمر في نشر بعض المقالات عن الحرب الأهلية الإسبانية في صحف لبنانية مثل "الطليعة" و"صوت الشعب" لسان حال الحزب الشيوعي السوري. وفي سنة 1937، نُشر كتاب بعنوان: "العرب والحرب الأهلية الإسبانية"، ويبدو أنه كان بوحي من تلك المقالات، وطُبع في بيروت وكان ثمنه 10 قروش سورية، وصدر باسم خالد بكداش كمؤلف؛ غير أن نجاتي صدقي يقول في مذكراته إن بكداش ليس المؤلف الحقيقي، وإن معلومات الكتاب من عنده، لكن ليس لدينا سبيل للتحقق من هذه الرواية. وفي كل الأحوال يبدو أنه كان هناك مواجهة بين الرجلين، فنظراً إلى أن بكداش كان الرجل القوي في المنطقة، فإن صدقي لم يحتمل البقاء معه طويلاً.[33] وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بقليل، لم يعد "الشيوعي العربي الفلسطيني الأول" عضواً حزبياً، وانتهى به المطاف في فلسطين حيث عمل لمصلحة السلطات البريطانية في "إذاعة الشرق الأدنى / صوت بريطانيا"، إلى أن رحل إلى المنفى في قبرص بعد النكبة. 

علي عبد الخالق، المناضل المعطاء

تُظهر ملفات دور المحفوظات السوفياتية وروايات المتطوعين الأُمميين أسماء ثلاثة متطوعين عرب فلسطينيين آخرين،[34] أحدهم هو نجيب يوسف العضو في جماعة "أنتيفا" المعادية للفاشية في يافا، والذي عرّف فرانكو كعدو للأمة العربية، وانتقد انضمام الريفيين إلى قوات فرانكو.[35] وقضى يوسف آخر أيامه منفياً في البيرو، ولا نكاد نعلم عنه شيئاً. أمّا الآخران فهما: فوزي صبري وعلي عبد الخالق، ومسيرتاهما في إسبانيا متشابهتان للغاية. وبصورة عامة، فإن الوثائق المتعلقة بالأول وبنضالاته السابقة في صفوف الحزب في فلسطين أو عن تجربته في إسبانيا، قليلة جداً، والمعروف عنه أنه من نابلس وأنه، بحسب ما قيل، قضى أيامه الأخيرة في باريس في سنة 1948 بعد أن قاتل في صفوف المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية. أمّا الثاني فالمعلومات عنه أكثر كثيراً، ولو أنها في الغالب متضاربة وملتبسة.

من غير المعروف كيف ومتى وصل علي عبد الخالق (المعروف أيضاً بـ "الجِبّاوي" نسبة إلى قريته الأصلية)، [وهي قرية الجيب قرب القدس]، لكنه كان من المجموعة العربية الفلسطينية التي أُرسلت إلى موسكو للدراسة في أواخر العشرينيات، بعد أن كان له على ما يبدو دور نشط في إضراب الخبازين العرب في القدس في سنة 1927.[36] ويمكن منذ ذلك التاريخ تتبّع أثره وأخبار توقيفاته المستمرة، واعتقالاته، واحتجاجاته في السجن.[37]

اعتُقل علي عبد الخالق في نيسان / أبريل 1930 لتوزيعه "أدبيات تحريضية" في بيت سوريك، فالمهمات كانت تتركز على الفلاحين، وكان الحزبيون يتظاهرون بأنهم مأمورون حكوميون، وكانوا يستخدمون الأطفال لتوزيع المنشورات خفية في مسجد القرية.[38] وفي إثر هذا الاعتقال، وبعد نقله إلى السخرة في معسكر اعتقال نور شمس في طولكرم، اشتعلت النضالات المطالبة بأن تمنح السلطات البريطانية نزلاء سجون فلسطين صفة السجناء السياسيين، وكانت الشرارة إضراب 29 سجيناً شيوعياً عن الطعام.[39] وتبع ذلك احتجاج آخر عندما رفض علي وأربعة رفاق آخرون ارتداء زي السجون مطالبين بمعاملتهم كسجناء سياسيين،[40] فعُزل علي لعدة أسابيع في زنزانة باردة عارياً، ويقول البعض إن عزله استمر ستة أشهر.[41] وفي سنة 1935، وبعد ستة اعتقالات، اشترك علي مرة أُخرى في إضراب عن الطعام خاضه 59 سجيناً شيوعياً احتجاجاً على اعتقال القائد الشيوعي محمود المغربي، مطالبين مجدداً بنظام اعتقالي خاص بالسجناء السياسيين، ليُرسَل علي مجدداً إلى معسكر نور شمس للسُّخرة حيث نكّلت به السلطات البريطانية.

بعد اندلاع الثورة العربية الكبرى، اعتُقل علي مرة أُخرى وزُجّ به في السجن،[42] وفي حزيران / يونيو 1936 كان بين أوائل السجناء الذين وُضعوا في معسكر الصرفند حيث خاض نحو 70 معتقلاً إضراباً عن الطعام،[43] قبل أن تأمر السلطات البريطانية بإفراغ المعتقل والإفراج عن البعض فيه. ولم يطل الوقت حتى وضعت الشرطة اسم علي في آذار / مارس 1937 على قائمة المطلوبين،[44] ليُودَع السجن في القدس إلى أن عرضت عليه السلطات في تشرين الأول / أكتوبر 1937 الإبعاد النهائي. وكان طرد الشيوعيين ممارسة شائعة في زمن الانتداب البريطاني منذ سنة 1921، وقد رُسّمت قانونياً في سنة 1923 في المادة 8 ج من قانون الهجرة. وبحلول سنة 1936 اندلعت الثورة في فلسطين والحرب الأهلية في إسبانيا، ومع ذلك أضيفت في تقارير إبعاد الشيوعيين عبارة "بمحض إرادته".[45] وقد أُبعد طوال فترة الانتداب نحو 700 شيوعي بينهم 10 أرمن وعربيان أحدهما علي، ومن المحتمل أن يكون فوزي صبري هو الشيوعي الآخر.

ووفقاً لما صدر في جريدة "دافار" في 15 تشرين الأول / أكتوبر 1937، فقد أُفرج عن علي من سجنه في القدس بعد تحديد وجهته، أي إسبانيا.[46] وبعد ذلك بشهر ونصف شهر سُجّل مروره بمفوضية الألوية الأُممية في مدينة فيغيريس (Figueres)، وذلك بحسب ما أفاد به تقرير تحدث عن وصول عربيَّين اثنَين فلسطينيَّين إلى القاعدة في 2 كانون الأول / ديسمبر 1937. ويُبرز التقرير أن علي عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني، وأنه يعرف جميع المتطوعين الفلسطينيين، أمّا صبري فأقل معرفة سياسياً، والاثنان قالا أنهما قدما بإيعاز من الحزب، ويطلبان الانضمام إلى الوحدة اليهودية أي "سَرِية بوتوين" (Botwin) التي كانت في قيد التشكيل في قرية تارديينتا (Tardienta). وذيّل المسؤول عن التجنيد، وهو بولندي، التقرير بهذه العبارة: "من جهتي أظن أنه لو تحقق مرادهما فإنه سيعني كثيراً سياسياً، وخصوصاً بالنسبة إلى الحركة العمالية اليهودية"،[47] وقد أدرجهما المسؤول كيهوديَّين في القائمة التي أعدّها.

ومن فيغيريس أُرسل علي وفوزي إلى بلدة كاساس - إيبانييث (Casas-Ibáñez) بالقرب من مدينة البسيط (Albacete) حيث كانت السَّرِيَّة ستتلقى إعدادها العسكري، ويُفترض أنهما التقيا هناك بكثير من رفاقهما من الحزب في فلسطين. وبعد تدريب موجز لبضعة أسابيع، انضما إلى أحد الألوية وتوجها إلى الجبهة.[48] وفي إقليم إكستريمادورا (Extremadura)، في جبال الزَّبُّوج[49] على بعد 300 كم جنوبي غربي مدريد، كانت معمودية النار خليطاً من استراتيجيا انتحارية ونقص في السلاح ومعرفة سيئة بالمكان، الأمر الذي أسفر عن كارثة حقيقية.

كانت تلك معركة علي الأولى التي سقط في أول لحظاتها، وورد ذكر مصرعه في تقارير السَّرِيَّة،[50] وفي اليوميات المكتوبة التي تركها المناضل البولندي ماريان برونشتاين المفوض السياسي للسَّرِيَّة[51] الذي قال إن علي قُتل برصاصة طائشة في بطنه، وأن بنيامين إكشتاين، وهو شاب يهودي مُبعد من فلسطين، التقط سلاح علي لكنه سقط في ميدان المعركة أيضاً. وليس واضحاً على وجه الدقة حجم الخسائر البشرية في تلك المعركة، فالبعض يؤكد أن عدد أفراد السَّرِيَّة انخفض في ذلك اليوم من 120 إلى 20،[52] لكن السجلات الرسمية تُقدِّر عدد القتلى الذين ورد اسم علي بينهم بـ 60 بين قتيل ومفقود من الكتيبة الرابعة التي كانت السَّرِيَّة تابعة لها.[53]

ومع أن الوثائق تشهد بأن موت علي كان في ميدان المعركة، إلّا إن نصوصاً مجهولة كُتبت لاحقاً أوردت قصصاً متعددة تروي مشهداً آخر؛ فبحسب نص كتبه متطوعون رومانيون[54] يهود بعد مرور أشهر في معسكر آرجولاس (Argelès) الفرنسي، فإن علي أصيب ثم نُقل إلى المستشفى في قرية بيراليدا دِل ثاوثيخو (Peraleda del Zaucejo) المجاورة، ومن هناك أُخذ لاحقاً إلى البسيط حيث فارق الحياة. وقد أُعيد إنتاج الرواية نفسها لاحقاً من طرف متطوعين يهود مثل يسرائيل تْسِنْتْنَر[55] وزالمان زالْتْسْمَن (Zalman Zaltsmann)،[56] وفيما بعد من طرف بعض المؤرخين أيضاً.

والحقيقة هي أن لا أحد من هؤلاء التقى علياً في إسبانيا، وأن مراجعة تْسِنْتْنَر بشأن المشاركة اليهودية في الحرب الأهلية الإسبانية كانت موضع شك من طرف مؤرخين مثل رعنان رين. إن المسار المرسوم، وقصة نَقْل علي إلى البسيط على بعد 400 كيلومتر من مكان المعركة، يستعصيان على الفهم، كما أننا لم نجد له ذكراً في أي مستشفى في المنطقة.[57] أمّا المقبرة الجماعية في البسيط، فيبدو فعلاً أنها تضم شخصاً يُدعى "Ali Abet Kader"،[58] لكن ليس لدينا سجلات تفسر هذا المسار الذي لا يمكن فهمه بشكل ملموس في سياق حرب كتلك. وأياً يكن الأمر، فإن تلك المقبرة تضم اليوم لوحة وضعها الروائي حسين ياسين في تلك المقبرة تذكيراً بذلك المقاتل الفلسطيني.[59]

في 28 أيار / مايو 1938، أي بعد مرور شهر تقريباً على موت علي، نشرت جريدة "فلسطين" خبر وفاته باقتضاب كما يلي: "نعي شيوعي عربي. وَرَدَ عائلةَ الشيوعي العربي علي عبد الخالق كتابٌ من الحكومة الإسبانية تنعي فيه هذا الشاب الذي تطوع في صفوفها لمحاربة الثوار."[60]

 

* النص خاص بـ "مجلة الدراسات الفلسطينية" وقد كُتب بالإسبانية، وهو من وحي كتاب سيصدره المؤلفان قريباً عن الحرب الأهلية في إسبانيا، وكيفية تفاعل العالم العربي معها.

ترجمة: مصعب بشير.

 

المصادر:

[1] للمزيد، انظر:

Raanan Rein, “Echoes of the Spanish Civil War in Palestine: Zionists, Communists and the Contemporary Press, Journal of Contemporary History, vol. 43, issue 1 (January 2008), pp. 9–23.

[2] وصفت جريدة "فلسطين" الانقلاب العسكري بـ "الثورة"، وهو المصطلح نفسه الذي وُصفت به حالة الغليان في فلسطين، وسلطت الضوء على تجاوزات الجمهوريين مُبرزة الحضور الكثيف لليهود في أوساطهم. كما وسمت الجمهوريين بالشيوعيين الملحدين الحُمْر، وذلك تأويل يتّسم بمعاداة واضحة للشيوعية، وبنظرة تربط الجمهورية الإسبانية بالحكومات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية. وكانت الجريدة تعبّر أيضاً عن تعاطفها مع العسكريين الانقلابيين ولو بشيء من الخَفَر.

[3] وصل الأمر بجريدة "الدفاع" إلى الجزم بأن العسكريين الذين قادهم فرانسيسكو فرانكو لم يتسببوا بالانقلاب ولم يرغبوا فيه، وإنما اضطروا إليه، وفق ما جاء في مقالة بعنوان: "تصريح جديد للجنرال فرانكو" في عددها الصادر في 19 كانون الثاني / يناير 1937، ص 5. كما نشرت بعد بضعة أشهر من الانقلاب مقالة بعنوان: "الجنرال فرانكو منقذ إسبانيا من الشيوعية"، العدد 18 تشرين الأول / أكتوبر 1936، ص 3.

[4] جاءت أول إشارة في العدد 12 الذي صدر في 21 آب / أغسطس 1936 في مقالة بعنوان: "الثورة الفاشستية في إسبانيا" حذرت فيه من التحالف الإيطالي - الألماني الرامي إلى مساندة العُصاة فيما سمّته "ثورة رجعية تعمل من أجل إيجاد حكم دكتاتوري إرهابي." وفي 17 أيلول / سبتمبر 1936 نشرت مقالة تنتقد فيها انحياز بعض الصحف الفلسطينية إلى "انتصارها للفاشستية في إسبانيا وألمانيا"، وتشيد بالنساء الإسبانيات اللواتي حملن السلاح ضد الفاشية، مضيفة أن: "للشعب الإسباني ملء الحق في محو كل متآمر على سلامته وكيانه مهما كان مركزه." وفي عددها التالي رقم 17 الصادر في 25 أيلول / سبتمبر 1936 كررت دفاعها عن الجبهة الشعبية الإسبانية، مؤكدة أن محاولات القضاء على "حالة إسبانيا الإقطاعية التي ترجع إلى عهد العصور الوسطى المظلمة" اصطدمت بـ "الرأسماليين" الذي تحالفوا مع الفاشية الإيطالية والألمانية ليقوموا بما سمّته "أعظم خيانة وطنية".

[5] "الحرب الأهلية في إسبانيا"، "الجبهة الشعبية"، العدد 17 (25 أيلول / سبتمبر 1936).

[6] ورد ذلك في أرشيف الدولة الروسية للتاريخ الاجتماعي - السياسي RGASPI 495.14.366، وقد تم الوصول إليه بفضل الباحثة مارغريت ليتفِن (Margaret Letvin). وانظر أيضاً: ماهر الشريف، "فلسطين في الأرشيف السري للكومنتيرن" (بغداد: دار المدى للثقافة والنشر، 2004).

[7] انظر: "تقرير من الحزب الشيوعي الفلسطيني، في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 1937"، في: الشريف، مصدر سبق ذكره، ص 450.

[8] المصدر نفسه، ص 455.

[9] أرشيف الدولة الروسية للتاريخ الاجتماعي - السياسي RGASPI 495.14.367.

[10] المصدر نفسه.

[11] تناولت أعمال كثيرة هذا الموضوع من عدة منظورات، منها ما ركز على المشاركة اليهودية في صفوف القوات الجمهورية بصورة عامة، مثل أعمال: دافيد ديامانت (David Diamant) في سنة 1979؛ أرنو لوستيغر (Arno Lustiger) في سنة 2011؛ جيربِن زاغسما (Gerben Zaagsma) في سنة 2017؛ كولِن شيندلر (Colin Shindler) في سنة 1986. ومنها ما ركز تحديداً على اليهود الذين جاؤوا من فلسطين مثل أعمال: رعنان رين (Raanan Rein) في سنوات 2008 و2011 و2012؛ روث لِيفِن (Ruth Levin) في سنة 1987؛ نيل أريئيللي (Nil Arielli) في سنة 2011. أو أعمال مَن جمعوا مذكرات أولئك اليهود الفلسطينيين الذين تطوعوا في إسبانيا، مثل: يسرائيل تْسِنْتْنَر (Yesrael Centner) في سنة 1966؛ موردخاي آفي شاؤول (Mordechai Avi Shaul) في سنة 1945؛ أو الفيلم الوثائقي "مدريد قبل حانيتا" لِعيران توربينر (Eran Torbiner) في سنة 2006؛ وآخرين.

[12] صدر لرعنان رين بحثاً باللغة الكتالونية بعنوان "استحواذ المؤسسة الصهيونية على تاريخ المتطوعين اليهود في الحرب الأهلية الإسبانية"، في "مجلة التاريخ الكتالونية" العدد 4 (2011). انظر:

Raanan Rein, “L’apropiació de la memòria dels voluntaris jueus de la Guerra Civil espanyola per l’establishment sionista”, Segle XX, Revista catalana d’historia, no. 4, (2011), pp. 13-34.

[13] Ibid.

[14] حنّا أبو حنّا (تقديم وإعداد)، "مذكرات نجاتي صدقي" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001).

[15] المصدر نفسه، ص 122. وكانت إسبانيا تدير ما كان يُعرف آنذاك بـ "المحمية الإسبانية في المغرب"، وهي منطقة عانت الأمرّين اقتصادياً وسياسياً. وقد بدأ الانقلاب العسكري في تلك المنطقة بواسطة القوات الاستعمارية، إذ جنّد عُصاة الجيش أبناء منطقة الريف على نطاق واسع لتشكيل قوة صدامية ثم نقلوهم إلى إسبانيا. ويُحصى عدد المجندين المغاربة بنحو 70,000 كان لهم دور رئيسي في انتصار الجبهة الفاشية. وكانت الجمهورية في عدة مناسبات حاولت تحريض قبائل الريف على الثورة ضد العسكريين العُصاة، لكن من دون نجاح يُذكر.

[16] المصدر نفسه. وقد كتب صدقي في العدد الافتتاحي: "أسمى غايات أي عربي أن يرى الشعوب العربية وقد نزعت عنها القيود التي تكبل تحضُّرها، وتخلصت من الاستغلال وفظائعه"، وأضاف: "تتمثل فكرتنا الناظمة في خلق قطب عامل يشكل العمود الفقري لحركةٍ تحقق الحرية للشعوب العربية." لكنه ينفي وجود أي أفكار قومية خلف اسم "الشرق العربي" الذي يعتبره تعبيراً عن وحدة الشعوب المضطهدة. أمّا أعداد المجلة فمؤرشفة في دار المحفوظات الوطنية الفرنسية (Archives Nationales 20010216/38).

[17] المصدر نفسه.

[18] المصدر نفسه.

وفي مقابلات لاحقة، أكد صدقي أن الحزب حذره من مغبة دفاعه عن أطروحات تروتسكية. وفي هذا الشأن، انظر: موسى البديري، "شيوعيون في فلسطين: شظايا تاريخ منسي" (رام الله: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية / مواطن، 2013).

[19] نشرت جريدة "الحرية" (El Libertad) الإسبانية، في العدد 18 أيلول / سبتمبر (1936)، خطاباً لصدقي بعنوان: "كلمات من صديق لإسبانيا"، ونُقل خبر خطاب صدقي في الجبهة في صحيفة "ليبيرال" (El Liberal) في خبر بعنوان: "كلمة مدوية للشعب المغربي". انظر:

“Vibrante alocución al pueblo marroquí”, El Liberal (Madrid), 18/9/1936.

[20] ورد ذلك في مقالة بعنوان: "لقلة الطعام، أمست الماورائيات جواداً هزيلاً"، في صحيفة El Cantábrico. انظر:

 “Nostradamus, “Por no comer bastante, metafísico estaba Rocinante”, El Cantábrico (Santander), 20/12/1936.

[21] أبو حنّا، مصدر سبق ذكره، ص 137.

[22] ورد ذلك في مقالة بعنوان "كتيبة المسلحين المغاربة" في صحيفة El Sol، تبعها عنوان آخر: "مغاربةٌ اقتُلعوا من أرضهم عنوةً ليقاتلوا ضد الجمهورية". وهذه المقالة لا تحمل توقيع أحد، ومن الوارد أن تكون بتفويض من صدقي نفسه. وتلا ذلك عنوان فرعي: "لم يؤتَ بهم إلى إسبانيا كبشر، بل كبضائع". وقد نشرت صحيفة La Voz خبر الكتيبة في اليوم نفسه. انظر:

Batallón de Milicias marroquíes, El Sol (Madrid), 7/10/1936.

[23] ورد خبر "تأسيس تجمّع إسباني - مغربي مناهض للفاشية" في صحيفة El Sol. انظر:

 “Se constituye la Agrupación Antifascista Hispanomarroquí”, El Sol (Madrid), 24/10/1936.

[24] دُعي صدقي إلى حضور بعض اجتماعاتها في 12 شارع كولوميلا (Columela)، بالقرب من بوابة القلعة (Puerta de Alcalá) في مدريد.

[25] نُشر الخبر بعنوان: "التجمع الإسباني - المغربي المناهض للفاشية يتخذ بعض القرارات"، في صحيفة La Voz. انظر:

“Unos acuerdos de la Agrupación Antifascista Hispano-marroquí”, La Voz (Madrid), 24/10/1936.

[26] المُوْرِيِّين، أو المُوْرُس (Los Moros)، جمع مُورو (Moro)، ويُقصد بها سكان شمال غرب أفريقيا: ليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصحراء الغربية وموريتانيا، من عرب وأمازيغ، أو المسلمين الأندلسيين. وأصل الكلمة يوناني بمعنى "داكن"، وقد استخدمه الرومان كصفة لسكان مقاطعتَي "ماوريتانيا الطَّنْجِية" و"ماوريتانيا السْطايْفِية" التابعتين لروما والواقعتين على التوالي في كل من المغرب والجزائر الحاليتين، وهي صفة مشتقة من لون بشرة السكان. وللكلمة عدة دلالات، بعضها محايد، وأكثرها يتراوح بين المعنى المغلوط فيه سياسياً، أو الانتقاص من الشخص، وصولاً إلى الرؤية العنصرية إليه. (المترجم)

[27] تلك التقارير محفوظة في دار المحفوظات العسكرية العامة في آبِلَة (Avila)، تحت الرمز: AGMAV,C.1166,18.

[28] كان يُفترض أن يحصل كل مجند مغربي من جيش العُصاة على خمس بيسيتّات يومياً، علاوة على نفقة لطعامه، ويرد ذلك في سجلات القضية العامة (Causa General 1581-43). و"القضية العامة" هي حملة قضائية عامة شنّها نظام فرانكو بُعيد انتهاء الحرب الأهلية، وتم في سياقها إجراء تحقيقات في كل قرية وبلدة ومدينة إسبانية بشأن جميع ما قام به الجمهوريون ضد الانقلابيين من أجل تجريم اليسار وتبرير الانقلاب قانونياً. (المترجم(

[29] أرشيف الدولة الروسية للتاريخ الاجتماعي - السياسي RGASPI 49-212-284، وقد تم الوصول إليه بفضل الباحثة مارغريت ليتفِن.

[30] المصدر نفسه.

[31] هؤلاء الرفاق هم:المحامي حجي؛ ليو فانر (Leo Wanner)؛ رفيق رضا؛ سوزان ديانكوف (Suzanne Diankoff)؛ مناضلة يهودية أُخرى من الحزب الشيوعي.

[32] يرد ذلك في أرشيف الدولة الروسية للتاريخ الاجتماعي – السياسي 49-212-28//RGASPI وذلك بحسب أبو حنّا، مصدر سبق ذكره.

[33] لا يحتفظ كثير من المناضلين الشيوعيين القدامى بآراء إيجابية جداً عن نجاتي صدقي، وهو ما يتجلى إلى حد كبير في مذكرات محمود الأطرش المغربي. انظر: ماهر الشريف (إعداد وتحرير)، "طريق الكفاح في فلسطين والمشرق العربي: مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش المغربي (1903 - 1939)" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2015).

[34] فضلاً عنهم وعن المناضلين اليهود المذكورين، ثمة سبعة أرمن فلسطينيون، منهم الحداد ذو الأصل التركي آرتور ماناديان، وقد جاؤوا متطوعين من فلسطين. وهناك حالة أُخرى تثير الفضول هي حالة الطبيب الجرّاح جورج الجاروف الذي كان متميزاً جداً في الخدمات الطبية التابعة للجمهورية، وهو من مواليد كوسكو في البيرو، وكان والداه ضمن أول موجة مهاجرين فلسطينيين إلى أميركا اللاتينية في أواخر القرن التاسع عشر.

[35] ورد ذلك في مقالة لرعنان رين بعنوان "انعكاسات الحرب الأهلية الإسبانية على فلسطين: صهيونيون وشيوعيون، يهود وعرب"، وقد صدرت بالإسبانية في مجلة "التاريخ المعاصر" الإسبانية. انظر:

Raanan Rein, “Las repercusiones de la Guerra Civil Española en Palestina: Sinonistas y comunistas, Judíos y Árabes”, Historia Contemporánea, no. 38 (2009), pp. 89-112.

[36] أرشيف الدولة الروسية الاجتماعي – السياسي RGASPI 495.4.52.

[37] قال عنه رفاقه إنه رجل الأفعال، ووصفه نجاتي صدقي بـ "الأُممي الممتلىء حماسة"، وبأنه كان مصدراً للمشكلات في فلسطين "بسبب ما أبداه من شجاعة وإقدام." انظر: البديري، مصدر سبق ذكره.

[38] “Russian machinations in Palestine”, Palestine Bulletin (Jerusalem), 29/4/1930.

[39] انظر: "مطالب الشيوعيين من حكومة فلسطين"، جريدة "فلسطين" (يافا)، 11 أيار / مايو 1930؛ الشريف، "فلسطين في الأرشيف السري للكومنتيرن"، مصدر سبق ذكره.

[40] "الشيوعيون في السجون"، جريدة "فلسطين" (يافا)، 1 تموز / يوليو 1930.

[41] بحسب ما أشارت إليه وثيقةRGASPI 495.4.52  في أرشيف الدولة الروسية للتاريخ الاجتماعي - السياسي، ووفقاً للشريف، فلسطين في الأرشيف السري للكومنتيرن"، مصدر سبق ذكره، فإن من الوارد أن علي عُزل في عكا.

[42] ورد ذلك في سياق خبر بعنوان: "تلميذ موسكو" في جريدة "دُوأر هَيوم" (بريد اليوم(، القدس، 18 حزيران / يونيو 1936 (بالعبرية)، كما ورد في خبر آخر في جريدة "هآرتس"، 14 حزيران / يونيو 1936 (بالعبرية) بعنوان: "إقامة معسكر اعتقال للشيوعيين".

[43] ماثيو هيوز، "الاستعمار البريطاني وإجهاض الثورة العربية الكبرى في فلسطين 1936 - 1939"، ترجمة مصعب بشير (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2021).

[44] وفقاً للأرشيف المركزي الصهيوني (CZA S 25/7531)، فإن اسمه ورد مع 22 آخرين في قائمة الأشخاص المطلوب اعتقالهم فوراً.

[45] Nir Arielli, “Induced to Volunteer? The Predicament of Jewish Communists in Palestine and the Spanish Civil War”, Journal of Contemporary History, vol. 46, no. 4 (October 2011), pp. 854-870.

[46] انظر: "الشيوعيون"، "دافار" (تل أبيب)، 15 تشرين الأول / أكتوبر 1937 (بالعبرية)، (من عمود أخبار خاص عن الشرطة، تحت عنوان أساسي هو: "قضية").

[47] أرشيف الدولة الروسية الاجتماعي – السياسي RGASPI 545-2-302.

[48] أرشيف دار المحفوظات التاريخية الوطنية الإسبانية (Archivo Histórico Nacional, FC-CAUSA_GENERAL,1562,Exp.9).

Sierra de Acebuche [49]، وأصل كلمة Acebuche عربي مأخوذ من كلمة "الزَّبُّوج" أي الزيتون البري. والزَّبُّوج تحريف لفظي لكلمة "زَعْبَج" التي وردت في لسان العرب بمعنى الزيتون. (المترجم)

[50] أرشيف الدولة الروسية الاجتماعي – السياسيRGASPI 545-3-255 ، و545-3 -266.

[51] دار المحفوظات الجديدة في وارسو، بولندا. انظر:

“Archiwum Akt Nowych w Warszawie: Wojna Domowa w Hiszpanii”, signatura VII-1, ficha 72-7.

[52] Gerben Zaagsma, Jewish Volunteers: The International Brigades and the Spanish Civil War (London: Bloomsbury Academic, 2017).

[53] أرشيف الدولة الروسية الاجتماعي – السياسي RGASPI 545-3-255.

[54] أرشيف الدولة الروسية الاجتماعي – السياسي RGASPI 545.4.52.

[55] كان يسرائيل تْسِنْتْنَر متميزاً في جهاز الخدمات الطبية، لكنه لم يلتقِ بعلي في إسبانيا. وفي منتصف الستينيات كُلّف بتوثيق تاريخ اليهود المتطوعين الذين قَدِموا من فلسطين، كما عمل بنشاط لإضفاء معنى جديد إلى ذلك التاريخ في سياق البُنية الإسرائيلية، وعمله مليء بقصص قداسة مثالية لا صحة لها، وقد فنّد مؤرخون مثل رعنان رين المعلومات التي أوردها. فمن أجل صناعة أسطورة عن اليهود الـ 400 الذين جاؤوا إلى إسبانيا كتب يسرائيل تْسِنْتْنَر في سنة 1966 كتاباً بالعبرية بعنوان: "من مدريد إلى برلين: مقاتلون من أرض إسرائيل في سبيل حريتهم وحريتنا".

[56] سلمان سالْتْسْمَن متطوع يهودي صهيوني في اللواء الخامس عشر، نَشِط بشكل كبير جداً في كتابة تاريخ المتطوعين الأُمميين في إسرائيل، وقد أقام حفل تأبين صغيراً لعلي في مقبرة البسيط قال فيه إن علي كان من أعز أصدقائه. لكن سلمان لم يكن مناضلاً شيوعياً (كان عضواً في تنظيم بيتار اليميني المتطرف)، ولم يحدث أن التقى بعلي في إسبانيا، الأمر الذي يجعل العلاقة التي يمكنها أن تجمع بينهما أمراً عصياً على الفهم.

[57] أرشيف الدولة الروسية الاجتماعي – السياسي RGASPI 545-3-721 و545-3-672.

[58] ورد في سجل المدفونين في تلك المقبرة الجماعية اسم رُسِم كالتالي: Ali Abet Kader، وأنه فلسطيني الجنسية. ويؤدي شيوع الأخطاء في تدوين الأسماء والجنسيات في السجلات إلى اعتقاد البعض أن اسم "علي عبد القادر" كُتب خطأ، وأن المقصود قد يكون علي عبد الخالق، لكن هذا ليس دليلاً دامغاً بالنسبة إلينا.

[59] حسين ياسين كاتب فلسطيني كتب في سنة 2017 رواية عن شخصية الشيوعي الفلسطيني، ووضع لوحة على شرف هذا الأخير في مقبرة مدينة البسيط في إقليم قشتالة - لامانتشا (Castilla La Mancha) حيث لا تزال موجودة. وفي روايته التي نُشرت بالعربية أولاً، ثم تُرجمت إلى الإسبانية في سنة 2021، يختلط الواقع بالخيال اختلاطاً يصل إلى الغرابة في بعض الأحيان؛ فالشخصية الأدبية المسماة "علي" تموت في منطقة في مدينة مدريد اسمها إكستريمادورا.

[60] "نعي شيوعي عربي"، جريدة "فلسطين" (يافا)، 28 أيار / مايو 1938.

Author biography: 

مارك ألمودوفار (Marc Almodóvar) مخرج أفلام وثائقية، وصحافي ومستعرب إسباني، حاصل على إجازة في الصحافة. 

أندريو روسيس (Andreu Rosés) مؤرخ إسباني، حاصل على إجازة في التاريخ المعاصر.