افتَتَح غاليري باب الدير في رام الله معرضاً بعنوان "من غرفتنا في المخيم" للفنان الفلسطيني وديع خالد، يستمر لغاية 30 تموز/يوليو القادم. وُلد وديع سنة 1986، وتعود أصوله إلى عراق المنشية، وكما هو حال غيره، هُجرت عائلته من القرية سنة 1948، لتحط بهم الرحال في مخيم العروب شمالي مدينة الخليل. وقد درس وديع فـي جامعـة البوليتكنيك وتخصص في الغرافيك والوسائط المتعددة، وحصل على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة القدس، ثم انتقل ليسكن في رام الله، حيث أسس مرسمه. معظم أعماله الفنية عبارة عن لوحات زيتية ومائية، يستحضر فيها ذاكرة الفلسطيني المحملة بمعاني الوطن والهوية، كما ترتكز مسمياته لأعماله الفنية على عناوين لها رمزيتها؛ إذ ارتبطت بالعديد من الكتابات الأدبية لغسان كنفاني، ومحمود درويش، وغيرهما.
وقد ضم المعرض 33 عملاً فنياً استُخدمتْ فيها تقنية الزيت على القماش وأحبار على الورق، وأستعرض هنا بعضاً منها: كلوحة "الميلاد" التي تشير إلى فعل الاستمرارية والبقاء، وهو نفسه التجدد المرتبط بأسطورة العنقاء والفلسطيني، والذي كان وما زال ينهض من رماده على الرغم من محاولات المحو والإبادة التي يتعرض لها بفعل المستعمِر الإسرائيلي. وفي عملٍ آخر، تظهر "عين العروب" التي كانت محورية في حياة سكان المخيم، ذكوراً وإناثاً. أمّا لوحة "البحر في غرفتنا"، فهي تمثّل الحلم الحاضر في مخيلة وديع (البحر)، حتى لو كان بين جدران الغرفة في المخيم. وفي عمله المُعَنْوَنِ بـ "الخيمة"، تظهر الأجساد المتكدسة الملتفة على ذاتها مع الكوفية. أمّا لوحة "الأرض"، فهي امتداد لما سبقها من ناحية فعل الاحتواء والتجذر.
كما شهدت أعمال وديع خالد حضوراً لرموز الهوية الفلسطينية بجميع دلالتها، سواء بصورة مبتكرة أم تقليدية، بالإضافة إلى التنوع الذي يُظهر بساطة الطرح وعُمْقَ المعنى المحمل بمزيج من مشاعر الحب والحنين والاحتواء المفعم بالموسيقى والأمل على الرغم من كل ما يجري.
وثمة نسيج مترابط في أعماله بين الماضي والحاضر، وبين الحب والسياسة، وبين الموسيقى والأرض، وبين الشمس والموت؛ إذ نجد في عمل معنون "7 أكتوبر" دلالةً إلى طوفان الأقصى. فضلاً عن عمل آخر بعنوان "م. ت. ف" يُظهر الرمز قائداً. ومن العناوين أيضاً، "يوسف"، و"صفية"، و"العلم"، و"استراحة محارب"، و"المعبد"، و"أم ثائر"، و"مريم"، و"إكليل الشوك"، و"آدم الكنعاني"، و"سعد في الشمس" الذي يعكس رواية رجال في الشمس، فيذوب الابن والأم داخل برميل تحت شمس ساطعة، بالإضافة إلى مسميات أُخرى تحمل دلالات وتأويلات متعددة مرتبطة بالذاكرة الفلسطينية.
وفي حوار مع وديع خالد، أجاب عن بعض الأسئلة المتعلقة بهويته الفلسطينية، وأثرها في مسيرته الفنية ككل، وفيما طرحه في معرض "من غرفتنا في المخيم" بصورة خاصة.
هل أثرت الحرب في أعمالك الفنية؟
نعم، لها أثر واضح؛ إذ انتقلتُ من الأعمال المتعددة الألوان إلى الأسود والأبيض، في تعبير عن الموقف السياسي العام والدمار الأسود، إذ أصبح كل يوم لدي مشهد.
هل هناك خيط ممتد من أعمالك الفنية السابقة إلى الحاضر؟
منذ أن بدأتُ لوحاتي الفنية في غرفتي داخل مخيم العروب، كانت ولا تزال يداي تأخذان تلك الألوان ذاتها والمحفورة في الذاكرة، إذ هناك خط متشابك ممتد يساعد في تكوين الوحدات أو العناصر.
ما أثر نشأتك في المخيم في أعمالك الفنية؟
لا شك في أن الحياة في المخيم كانت بداية تشكُّل تكويناتي وألواني الخاصة، إذ إن المخيم هو بئر المشاعر الدافئة وهواجس الخوف بالنسبة إليّ، كما أن المخيم منذ نشأته يؤمن بحق العودة، وذلك ممتد من جيل إلى آخر، ويسيطر هذا الانتماء على أفكار وقلوب ساكني المخيم، والفنان يؤكد هذه الفكرة بلغته البصرية، سواء باللون أم بخطوط التكوين، كما أُظهر أنا ذلك في ألواني الترابية الشبيهة بألوان الزيتون والزعتر، ودفء لون البرتقال والرمان، وجميعها تقود إلى هويتي الفلسطينية.
منذ متى وأنت تمارس الفن؟ ومن أين كانت بدايتك؟
بدأ مشواري الفني منذ طفولتي، وقد زادت ممارستي للفن في فترات عزلتي عندما كنتُ أعاني جرّاء مرض السحايا، ومن ذلك الوقت إلى اليوم لم أنقطع عن الرسم.
ما هي أكثر المفاصل التي عبّرتَ أو تعبّر عنها في أعمالك الفنية؟ ولماذا؟
لا أزال متعلقاً بتلك الغرفة في المخيم، ولا يزال المخيم هو جسر العبور إلى المستقبل نحو الأرض كاملةً نحو فلسطين، لأن الغرفة تعني لي العائلة والوطن الأصغر، كما أنها تعني وادي المغارة؛ مغارة مولد سيدنا المسيح عليه السلام وحصن الثائر.
ما هو دورك كفنان تجاه ما يحدث من إبادة وتطهير عرقي للفلسطينيين؟
يجب أن يكون دور الفنان ظاهراً ومؤكداً في هذه المرحلة؛ فهو أحد أبناء هذه الأرض، ووجوده ودوره مهمان في إيصال الرسالة إلى العالم أجمع، كما يحمل الفنان في رسالته البصرية محاربةَ الظلم بنور أعماله المستمدة عبر الزمان القديم من جدنا الكنعاني الأول "آدم" الذي خُلق على هذه الأرض، لغاية اليوم، وهذا المسار ممتد.
لماذا اخترتَ "من غرفتنا في المخيم" عنواناً لمعرضك الفني؟
"من" في اللغة تفيد الابتداء، وكما قيل في فلسفة اليونان؛ فإن المعرفة والوصول إلى الكون تبدأ من الداخل، وأنا من هذه الغرفة بدأتُ أربط وأحلل مفهوم العالم، حتى اكتمل مشهده وصورته.
ما هي الرسالة التي توجهها إلى المتلقي عبر هذا المعرض؟
عِظَمُ أهمية العائلة والأرض التي يسعى المستعمِر لمحوهما؛ فلم ينطلق خزان كنفاني في الشمس كي يموت أبطاله في منتصف الطريق إلاّ لتأكيد قرار التمسك بالأرض والعائلة، وإعطاء جواب أو حل مستقبلي ووجودي لأبو الخيزران.
ما دلالة الأسماء والعناوين لأعمالك الفنية؟
هناك أسماء عديدة منها: صفية "عائد إلى حيفا"، وأم سعد، والمسيح والعشاء الأخير، ومريم، وكذلك وبعض الاقتباسات من شِعر درويش، ومن بعض الآيات القرآنية، جميعها إيمانيات ورموز تعطي القوة والصبر.
هل هناك جمهور محدد تريد أن تصل إليه، وما هي أدواتك للوصول إليه؟
لا أملك أدوات غير الواتساب والفيس بوك، فأنا رجل عفوي ليست لدي الخبرة في التعامل مع طُرُق التواصل والوصول إلى العالم، لكنني مؤمن بأن رسالتي يجب تصل إلى الجميع.
ما دلالة حضور أدوات الموسيقى في أعمالك الفنية، كاللوحة المُعَنْوَنَة: "لحن وجرح"؟
أنا أعزف العود، وتعلَّمته أيضاً في غرفتنا في أيام البرد، وله حضور عميق في ذاكرتي منذ الطفولة، فكثيراً ما شاهدتُ مارسيل خليفة وهو يغنّي جواز السفر، ومنذ ذلك الوقت وتلك الألحان تدق قلبي، كما هو سميح شقير، وهو ما كنتُ أعجز عن وصفه في أعمالي الفنية، فأصفه عبر الألحان التي أعزفها على العود، والعكس صحيح.
ما دلالة الرجل الذي يضم المرأة والسلاح كذلك؟
دلالات الحاضن المتعب "آدم الكنعاني" والمرأة القوية "فلسطين".
وما دلالة فعل التكور والاحتواء تحت البطانية كالجبل، الحاضر في العديد من الأعمال الفنية بالنسبة إليك؟
هذا الفعل جاء من ذكريات الصغر، إذ كنتُ أتكور تحت البطانية، تحتويني وأحتويها، وبعد ذلك، وجدتُ خزاناً متلفاً وَضَعْتُهُ على سطح غرفتنا ليُصبح هو ملاذي.
هل هناك هدف محدد تريد أن تصل إليه عبر معرضك الحالي؟
الهدف هو أن أعود بالزمن مع جمهوري إلى تلك الأيام الواسعة؛ أيام الحب والتكاثف، وأيام من احْتَضَنَتْهُم تلك الغرفة، من أب وأم وأخت وأخ وعم وجار وصديق وعابر طريق، بالإضافة إلى رغبتي في العودة في أعمالي القادمة إلى الزمن الأول الكنعاني.
كيف ترى مستقبل فلسطين في أعمالك الفنية؟
من يقرأ أعمالي، يرى الأمل قريباً لا محال.