On the Deadliest Settlers’ Attack in the West Bank
Date: 
April 24 2024
Author: 

شن المستوطنون هجومهم الأعنف على قرية المغير، بداية من 12 نيسان/أبريل، عقب إعلان اختفاء أحد فتيان التلال بينما كان يرعى قطيعه في أراضي المغير. وقبل أن تعلن سلطات الاحتلال أنها عثرت على جثة المستوطن مقتولاً، كان المستوطنون قد وسعوا هجومهم جغرافياً وزمنياً وحدّةً، وتضاعف أيضاً بعد الإعلان، ليشمل قرى دوما وقصرة وبتين وأبو فلاح والشوارع الالتفافية وغيرها من القرى التي تفاوتت حدّة الهجوم عليها.

ولم يكن هجوم المستوطنين الحالي جديداً في نوعه؛ إذ سبقته هجمات مماثلة على قرى حوارة وترمسعيا، لكن الجديد فيه هو مدى العنف الذي خلف 5 شهداء وعشرات الإصابات برصاص المستوطنين، فضلاً عن إحراق وتخريب عشرات المنازل والمنشآت والسيارات على مدى أيام مستمرة ضِمن نطاق جغرافي يبدأ من قرى شرق رام الله وشمالها حتى أقصى جنوب نابلس.

وما يسترعي الانتباه في هذا الهجوم هو جغرافيته وترافقه مع تطورات استيطانية أُخرى تجري على قدم وساق في ظل الحرب وحكومة المستوطنين، وهو ما سنحاول أن نسلط الضوء عليه في هذا المقال. 

المغير بين فكَي الكماشة

تقع قرية المغير شمال شرقي محافظة رام الله والبيرة، وهي تشكل مع عدد من القرى، كترمسعيا وأبو فلاح، امتداداً جغرافياً متصلاً مع قرى جنوب محافظة نابلس، بداية من قريتَي قريوت وجالود، ومن الشرق تربط هذه القرية محافظة رام الله بمنطقة الأغوار. لكن هذا الامتداد هو امتداد نظري فقط، فعملياً، لا يوجد أي تواصل جغرافي بين هذه القرى التي يفصل بينها تجمُّع شيلو، أو ما يسميه الصهيونيون "غوش شيلو" الاستيطاني، وهو تجمُّع أشبه بغدة سرطانية تفرخ باستمرار خلايا سرطانية استيطانية في كل المنطقة؛ فهو يضم أساساً مستوطنة شيلو، التي أُقيمت سنة 1978 بأيدي مستوطنين من جماعة "غوش إيمونيم" الكهّانية، ومستوطنة عيلي التي أُقيمت سنة 1984، وهي أكبر مستوطنات التجمع، وتقع إلى جهة الشمال منه، على الجانب الشرقي لشارع 60 الالتفافي، في مقابل قريتَي اللّبن الشرقي والساوية. هذا بالإضافة إلى مستوطنتَين أصغر: شبفوت راحيل (أصبحت أحد أحياء مستوطنة شيلو)، ومعاليه لفونا التي تقع على خط متوازٍ مع مستوطنة شيلو غربي شارع 60. وفي سنة 2018، أُقيمت مستوطنة جديدة باسم عميحاي، وهي أول مستوطنة جديدة تُقام بمبادرة من حكومة الاحتلال بعد اتفاق أوسلو سنة 1993، وجاء إنشاء هذه المستوطنة ليستوطنها مستوطنو بؤرة عمونا التي اضطرت سلطات الاحتلال إلى إخلائها سنة 2017.

وبالإضافة إلى المستوطنات التي تعترف بها حكومة الاحتلال، فإن هذا التجمع يضم 11 بؤرة استيطانية، يعود إنشاؤها إلى أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة، وبعضها أُقيم حديثاً، ومن أبرز هذه البؤر: عادي عاد، وإيش كودش، وكيداه، وغفات هروئيه، وأحياه، وغيرها.

أي أن تجمُّع شيلو ليس تجمُّعاً عشوائياً، إنما هو وجود استعماري استيطاني محاصر وفاصل للوجود الفلسطيني بعضه عن البعض الآخر، ويمتد من غرب شارع 60، وحتى شارع ألون شرقي المغير. وبحسب جمعية كرم نبوت الإسرائيلية المناهضة للاستيطان، فإن التوسُع الاستيطاني لمستوطنة شيلو عبر إنشاء بؤر استيطانية حولها، وإلى الشرق منها بصورة خاصة، ثم شرعنة هذه البؤر وضمّها إليها هدفه ربْط شيلو بشارع ألون، ومن هناك إلى الأغوار.[1]  إذ أعلنت الإدارة المدنية، في شهر آذار/مارس، أنها في صدد توسيع النطاق الإداري لمستوطنة شيلو، لتشمل بؤرة أحياه، الواقعة إلى الشرق، واعتبارها حياً من أحيائها، وهذه الخطوة هي مقدمة لشرعنة تلك البؤرة.[2]  ومن المتوقَع أن يوسع النطاق الإداري ليشمل بؤرة إيش كودش لإكمال تواصُل المستوطنة نحو شارع أيلون، لذلك، يمكن استنتاج أن ما يجري عملياً هو إنشاء تواصل بين أجزاء هذا التجمع الاستيطاني، وهذا التواصل يستلزم ويستتبع السيطرة على كل الأراضي الواصلة والمحيطة بالبؤر الاستيطانية، إذ إن هذا التجمع ينتشر على مساحة تُقدَّر بآلاف الدونمات، وتفريغها من أهلها الفلسطينيين.

 ومن ناحية أُخرى، فهذا التجمُّع هو فعلياً يشكّل مساحة فاصلة بين محافظة رام الله والبيرة ومحافظة نابلس، إذ إنه يقوم على كل المساحة العرضية الواقعة بين قرى شمال رام الله وجنوب نابلس، غير أن هذا المشهد ليس كل الحكاية، فقرية المغير تقع بين فكَّي كماشة، من الشمال غوش شيلو، كما أشرنا، ومن الجنوب مستوطنة كوخاف هشاحر وبؤرها الاستيطانية التي تتكاثر يوماً بعد يوم، ومنها بؤرة ملاخي هشلوم التي يستوطنها ذلك المستوطن الذي اختفت آثاره قبل وقوع الهجوم على قرية المغير وغيرها. وهذه الوضعية فاعلة في الهجوم على قرية المغير، إذ يكثر المستوطنون من تحريضهم عليها تحديداً، ففي مقال منشور على موقع "عولام كتان" التابع لفتيان التلال، من كتابة هيئة تحرير الموقع بعنوان "المغير هي كحوارة بالنسبة إلينا"، نجد تحريضات وتبريرات للاعتداءات المستمرة على القرية، وادعاء بأن جيش الاحتلال لا يفعل ما فيه الكفاية لفرْض القانون في القرية. وغني عن القول، أن الحقائق مقلوبة لدى المنظومة الاستعمارية، فالمستوطنون الذين يسرقون أراضي قرية المغير ويتخذونها مراعي لقطعانهم وحقولاً لمزروعاتهم ويطردون أصحابها منها، يعدّون دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم وعن أراضيهم "تعدياً على القانون."

وعبارة "فكَّي الكماشة" ليست مجازية، إذ إن مستوطني غوش شيلو وكوخاف هشاحر فعلياً ينسقون فيما بينهم، ويشنون هجمات منظمة على قرية المغير، إذ يَرِدُ في هذا المقال أنه في شهر أيار/مايو 2023، قرر مستوطنو المستوطنات المحيطة بالمغير تأسيس "هيئة نضال" هدفها الاعتداء على المغير، من أجل إحداث ضغط على المنظومة الأمنية للاحتلال لفرض "القانون" على القرية. ومن أعمال هذه الهيئة التظاهر والاحتجاح أمام القرية وعلى مداخلها لاستدعاء قوات الاحتلال إلى المكان، وفي أحد الأيام، فرضوا حصاراً لعدة ساعات عليها، فأغلق مستوطنو تجمُّع شيلو مدخلها الغربي، وتولى مستوطنو كوخاف هشاحر إغلاق مدخلها الشرقي.[3]  

مثلث الاستيطان والتهجير

ما تعاني جرّاءه قرية المغير، من اعتداءات مستمرة ومصادرة أراضٍ وبناء بؤر استيطانية، هو مجرد نموذج لما تعاني جرّاءه منطقة كاملة يمكن أن يُطلق عليها "مثلث" وسط الضفة الغربية تقع بين جنوب نابلس وشمال رام الله، لتأخذ في الانحدار نحو الأغوار. ومن ناحيةٍ نظريةٍ في أقل تقدير، يمكن قول إن هذا المثلث يبدأ برأس زواية من قريتَي برقة ومخماس شرقي رام الله، وينحدر أيضاً شرقاً تجاه منطقة المعرجات، ثم يستمر في الصعود شمالاً إلى حوارة، جنوبي نابلس، ومن هناك يتجه شرقاً نحو بلدتَي بيت فوريك وعقربا بأراضيها الممتدة في الأغوار شرقاً.

هذه المنطقة من أكثر المناطق التي تواجه أخطار المشروع الاستيطاني المحدقة، والتي تتكامل فيها ثلاث أدوات استيطانية، على الأقل:

  • إنشاء بؤر استيطانية جديدة باستمرار.
  • عنف المستوطنين المتصاعد كماًّ ونوعاًّ.
  • استيلاء سلطات الاحتلال على الأراضي بطرق متعددة، كإعلانها أراضي دولة، أو إعلانها منطقة عسكرية مغلقة، أو منطقة تدريب أو محمية طبيعية، وكل هذه الوسائل تؤدي إلى الهدف نفسه.

ويكفي أن نأخذ بعض المؤشرات بشأن هذه الأدوات كي ندرك حجم الاستهداف المقصود لهذه المنطقة؛ فمن ناحية عنف المستوطنين، وثّقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان زهاء 550 حالة اعتداء للمستوطنين منذ بداية سنة 2024 حتى شهر آذار/مارس، وكانت حصة محافظة نابلس منها 158 اعتداءً، ومحافظة رام الله 82 اعتداءً. وفي سنة 2023، وثّقت الهيئة زهاء 2400 اعتداء، كانت حصة نابلس منها 842 اعتداءً، ورام الله 419 اعتداءً.[4]  وفي طبيعة الاحتلال، تتركز هذه الاعتداءات في المناطق القريبة من البؤر الاستيطانية، التي يتركز معظمها، في هذه الحالة، بين جنوب نابلس وشمال رام الله.

كما أن هذه المنطقة من أكثر المناطق التي تنتشر فيها البؤر الاستيطانية، بحسب ما تُظهر خرائط منظمة السلام الآن الإسرائيلية،[5]  مع ملاحظة أن إحصاء عدد البؤر الاستيطانية، الذي يبلغ 151 بؤرة، بحسب منظمة السلام الآن، يغدو مسألة متعذرة على أرض الواقع، فتفريخ البؤر الاستيطانية شهد تزايداً سريعاً في السنوات الأخيرة، وبعض البؤر هي في الحقيقة مزارع، سواء حيوانية أم زراعية، بحسب اصطلاح المستوطنين، وربما لا يستوطنها إلاّ مستوطن واحد أو ثلاثة، لكنها تسيطر على مئات الدونمات، كما أنها تكون غير مستقرة؛ إذ يمكن أن يتغير مكانها إلى الأمام أو الخلف، أو ربما تهدمها سلطات الاحتلال ويُعاد بناؤها مراراً وتكراراً، وبين عشية وضحاها، ربما يخرج 3 مستوطنين ليستوطنوا تلة بمبادرة ذاتية منهم، كما حدث عندما قرر 3 مستوطنين من فتية التلال، أعمارهم بين 16 و17 عاماً، أن يقيموا بؤرة استيطانية على تلة مقابلة لكسارات الطريفي على الطريق بين نابلس ورام الله، مطلقين عليها اسم أور مئير تيمنا، على اسم أحد المستوطنين الذين قُتلوا في عملية فدائية، فعيون المستوطنين مفتوحة دائمة، ولا يفكرون إلاّ في استيطان "أرض إسرائيل"، وحِفْظ أراضيها لليهود، عبر طرْد الفلسطينيين ومنع أي تواصُل جغرافي بين القرى الفلسطينية، وإنشاء تواصُل جغرافي استيطاني.

وإلى ذلك، فإن جزءاً كبيراً من عملية شرعنة البؤر الاستيطانية يتركز في هذا المثلث، إذ إن 4 من مجموع 9 بؤر أعلنت سلطات الاحتلال شرعنتها في شهر شباط/فبراير 2023، وهي ملاخي شلوم، وغفعات هرئيل، وغفعات هروئيه، وغفعات أرنون، هي بؤر تمتد من تخوم المغير حتى عقربا شمالاً، بالإضافة إلى ضم بؤرة أحياه إلى شيلو كما مرّ سابقاً.

ويترافق مع هذه الأدوات الاستيطانية ما يمكن أن يُعدّ مرحلة "جني الثمار"، وهي عملية تهجير التجمعات البدوية الفلسطينية، إذ أدى عنف المستوطنين وسياسات السلطات الاستعمارية إلى تهجير 28 تجمُّعاً بدوياً، كلياً أو جزئياً، منها 12 تجمُّعاً كانت موجودة في المنطقة الممتدة من شرق رام الله إلى شمالها وجنوب نابلس، ومنها 6 تجمعات هُجر أهلها تهجيراً كلياً بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.[6]  وهذا التهجير ليس عشوائياً، إذ إن عدداً من التجمعات المهجرة تنتشر بخط شبه مستقيم من شرق دير دبوان حتى شرق المغير، وهي: تجمُّع وادي السيق، وعين سامية، ورأس التين، وعين الرشاش، والقبون. والملاحَظ أن عملية تهجير أهلها تزامنت أو جاءت عقب إقامة بؤرة استيطانية بالقرب منها، إذ أصبحت الآن بؤر حفات همخوخ وحفات ناريه وكول ديفيدي ومعليه أهوفياه ومعوز استر وميخا وروش تاناه وملاخي هشلوم وحفات هرشاش تنتشر بصورة متواصلة في مكان تلك التجمعات البدوية المهجرة. بمختصر العبارة، ليست عملية تهجير التجمُّعات البدوية عشوائيةً، ولا إقامة البؤر الاستيطانية عشوائيةً أيضاً، إذ إنهما تسيران في خط مستقيم، والهدف الأساسي المعلَن لدى المستوطنين من فتيان التلال هو منع وجود أي تواصُل جغرافي فلسطيني، وإنشاء تواصُل جغرافي إقليمي استيطاني.

الإسراع نحو الحسم

إذا عدنا إلى هجوم المستوطنين على القرى المنتشرة في المثلث المشار إليه، فإننا سنجد أنه يترافق مع تطوُرات أُخرى لا تقل خطورة عنه، ولعل أبرزها إعلان الإدارة المدنية، في 20 آذار/مارس، أكثر من 8000 دونم من أراضي قرية عقربا، الواقعة على الشطر الشرقي منها، والممتد نحو الأغوار، أراضي دولة، وهذه المساحة تقع ضمن مساحة أكبر كانت سلطات الاحتلال قد أعلنتها منذ سنوات طويلة كمحميات طبيعية ومنطقة إطلاق نار، وهو ما يعني فعلياً حرمان الفلسطينيين منها.[7]  

ومع أن هذا العدد من الدونمات ربما يبدو للوهلة الأولى متواضعاً، فالحديث يدور بشأن 8 كيلومترات مربعة، فإنه، بالمقارنة مع حجم الأراضي التي أُعلنت كأراضي دولة منذ اتفاق أوسلو سنة 1993، هو الأضخم مطلقاً، ففي سنة 1999، وهي السنة التي سُجّل فيها أعلى عدد من الدونمات المعلَنة كأراضي دولة، كان عددها 5200 دونم خلال السنة كلها، بينما بعض السنوات، كـ 2023، لم تسجل أي حالة إعلان تصنيف أراضٍ كأراضي دولة. ونحن هنا نتحدث عن 8000 دونم أُعلنت بضربة واحدة كأراضي دولة، بينما أعلنت سلطات الاحتلال، منذ بداية سنة 2024، ما مجموعه نحو 11,000 دونم كأراضي دولة، وهذا فقط في الثلث الأول من السنة، ولنا أن نتخيل كم سيكون العدد مع نهايتها!

في أي حال، يكمن الهدف الاستيطاني في إعلان هذه الـ 8000 دونم كأراضي دولة في أنها ستؤمّن تواصلاً استيطانياً بين مستوطني مسؤاه ويافيت المعزولتَين في الأغوار، عبر إنشاء مستوطنات وبؤر استيطانية جديدة في هذه المنطقة من جهة، ومن جهة أُخرى، تسهيل التواصل الجغرافي الاستيطاني مع مستوطنة معاليه أفرايم، الواقعة إلى الجنوب من هذه المنطقة، ومن هناك إكمال الربط الاستيطاني بتجمُّع شيلو ومستوطنة كوخاف هشاحر وبؤرها الاستيطانية.

في شهر كانون الثاني/يناير، أُقيمت بؤرة استيطانية جديدة، في جوار مستوطنة مغداليم، التي تتوسط قريتَي قصرة ومجدل جنوبي نابلس، وهذه البؤرة أُقيمت على أراضٍ خاصة بأهالي قرية قصرة، وشقت لها طرقاً جديدة على أراضي أهالي قصرة الخاصة.[8]  وهذه البؤرة فعلياً هي استمرار وامتداد لبؤر تجمُّع شيلو الاستيطاني التي لا تَبْعُدُ عنه سوى بعض الكيلومترات.

وأتى هجوم المستوطنين في صبيحة 12 نيسان/أبريل ليكون امتداداً لهذه الخطوات المتسارعة التي تتخذها سلطات الاحتلال، فالقرى المستهدَفة بالاستيطان ومصادرة الأراضي هي ذاتها القرى المستهدَفة بعنف المستوطنين. ويكفي أن نقارن بين حالة الاستيلاء على 8000 دونم من أراضي عقربا، وحالة استشهاد شابَين من خربة طانا المقامة على أراضي عقربا كمثال لذلك.

ويتصاعد عُنْفُ الأدوات الاستيطانية الاستعمارية في هذه الفترة نظراً إلى عاملَين اثنَين لا يتورع قادة المستوطنين عن التصريح بهما: استغلال وجود حكومة المستوطنين الحالية، وحالة الحرب منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. ففي حوار أجراه موقع "غلوي داعت"، المقرب من فتيان التلال، مع عضو الكنيست، من حزب بن غفير، "عوتسماه يهوديت"، ومنسقة الائتلاف الحاكم، ليمور سون هار ميلخ، عقب احتجاجها على هدْم قوات الاحتلال بؤرة استيطانية، يَرِدُ بوضوح لا لبس فيه العامل الأول، إذ تقول: "إن التغييرات الكبيرة، كما هو معروف، لا تحدث في يوم واحد، لكننا نعمل بلا توقُف، ليل نهار، كي نغير السياسيات المعادية للصهيونية التي انتشرت هنا في السنوات الأخيرة. إن حكومة اليمين الحالية هي فرصة لمرة واحدة فقط لتغيير حقيقي في كل ما يتعلق بالاستيطان في يهودا والسامرة، وممنوع علينا أن نفوتها."[9]  ومن ناحية أُخرى، يستغل موظفو الإدارة المدنية حالة الحرب ووجود حكومة المستوطنين في تسريع عمليات مصادرة الأراضي والهدم وإنشاء البؤر الاستيطانية، لأنهم يدركون أن الحرب لن تستمر إلى الأبد، وأن الحكومة ستذهب عاجلاً أم آجلاً، ولذلك، يستغلون هذه الفرصة في فرْض مزيد من الوقائع على الأرض.[10]

وأخيراً...

يسير المشروع الاستيطاني في هذه المرحلة، ليس تحت ستار الحرب فحسب، بل أيضاً بالتوزاي معها ومع أهدافها. فمسألة استيطان الضفة الغربية وضمّها وتهجير سكانها هي أهداف راسخة لدى المستوطنين، وَهُم يعملون على تحقيقها بصورة تكتيكية منذ سنوات طويلة. وما نشهده خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة هو أن المستوطنين مالوا إلى فكرة "حرق المراحل" الاستيطانية، ولذلك يتصاعد العنف الاستيطاني في كل أشكاله وأدواته؛ من مصادرة أراضٍ إلى إقامة بؤر استيطانية وتهجير سكان وغير ذلك، لرسم واقع على الأرض لا عودة فيه.

وعند الحديث عن المنطقة الجغرافية التي تناولها المقال، فهي إحدى المناطق العديدة في الضفة الغربية، والتي تتعرض للعنف نفسه، ومن أهمها، جنوب جبل الخليل ومحيط القدس ومنطقة الأغوار، ففضلاً عن أن التجمعات البدوية يتركز انتشارها في هذه المناطق لطبيعتها الموائمة لنمط الحياة البدوية، فهي مناطق تحظى بأهمية استراتيجية لمستقبل المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، ولا سيما منطقة شمال رام الله وجنوب نابلس، إذ إنها ستؤمّن الفصل الكامل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، وهذا ما يعيد إلى الأذهان فكرة الإدارات أو الإمارات الفلسطينية المعزولة التي نادى بها عدد غير قليل من قادة الاحتلال وباحثوه، كبتسلئيل سموتريتش، ومردخاي كيدار، وغيرهم. ونظراً إلى تكثيف هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية في هذه المنطقة، يمكن قول إن مساعي التهجير انتقلت من التجمعات البدوية إلى القرى، أي من مناطق "ج" إلى مناطق "ب".

 

[1]كرم نبوت, مرحبا بكم في البؤرة المعزولة العنيفة أحياه, (عبري) 2024-3-14.

[2] السلام الآن, إسرائيل توسع النطاق الإداري لشيلو حتى تشرعن بؤرة أحياه، (عبري)  2024-3-26. 

[3] عولام كتان, "المغير هي مثل حوارة بالنسبة لنا"، (عبري), 2023-5-4. 

[4] "اعتداءات المستوطنين: تحديثات اعتداءات المستعمرين"، هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، 2024.

[5] انظر: السلام الآن, خارطة المستوطنات2023. 

[6] "تهجير قسريّ لتجمعّات وعائلات معزولة في مناطق C تحت ستار الحرب"، بتسيلم، 17/4/2024. 

[7] السلام الآن, الإدارة المدنية أعلنت عن 8000 دونم في غور الأردن كأراضي دولة، (عبري), 2024-3-22.       

[8] السلام الآن، مستوطنون سيطروا على مناطق وأقاموا بؤرة جديدة على أرض خاصة بجوار مستوطنة مغداليم، (عبري) 2024-1-17. 

[9] غلوي داعت, ״التغييرات الكيرة لا تحدث في يوم واحد״, (عبري) 2023 -1 -24.

[10] كرم نبوت, ها نحن نعلن عن ذلك...، (عبري) 2024-2-9.

Read more