ICJ: A Witness Who Seems Like Didn’t See Anything
Date: 
February 02 2024
blog Series: 

قبل أربعة أيام، وبالتحديد فجر 27 كانون الثاني/يناير 2024 نشرتُ على حسابي على فيسبوك تعليقاً سريعاً على قرار محكمة العدل الدولية في اليوم السابق، قلت فيه: "هو قرار سيئ. وهو أفضل ما كانت إسرائيل تستطيع الحصول عليه في ظل ما جرى وما يجري أمام سمع وبصر الجميع من حرب إبادة وتدمير شامل للمجتمع الفلسطيني. هذا لا يعني أنه لم تكن هناك إيجابيات للذهاب للمحكمة. لكن هذا موضوع آخر. القضاة تصرفوا كمن لا يسمع ولا يرى. محزن موقف وزير خارجيتنا وكذلك الناطق باسم حركة حماس، واللذين ثمّنا قرار المحكمة وأشادا به." كان المنشور محاولة استباقية وسريعة لتخفيف حدة الإعجاب والثناء اللذين كيلا بلا حسبان، واليوم أحاول بهدوء قراءة وتقييم القرار وشرح خلفية موقفي، وبصفتي مؤرخاً وأستاذاً للعلوم السياسية ولستُ ضليعاً بالقانون الدولي أو القانون الدولي الجنائي، أنوّه بكون هذا المقال لا يركز على التفاصيل الفنية القانونية الخاصة بالقضية بمقدار ما يركز على الجانب السياسي.

سبق لي في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أن نشرتُ مقالة[1]  قلت فيها وبدون أي مبالغة، كيف أن الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة هي الأفظع على مر التاريخ؛ لماذا هي الأفظع؟ ليس بسبب عدد الضحايا، فهناك الكثير الكثير من الإبادات الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي يفوق عدد ضحاياها بكثير عدد ضحايا غزة، وإنما هي الأفظع كونها أول مذبحة في التاريخ تنفَّذ منذ ما يقارب الأربعة أشهر، يوماً بعد يوم، وعلى مدار الساعة والدقيقة والثانية، في بث حي مباشر مجبول بالدم وغير مسبوق. وهي الأفظع، لأن الجاني لم يخفِ نية الإبادة، وإنما كان، ويا للغرابة، يتفاخر بذلك علناً (وإن سمّاها غير ذلك بالطبع).

كما أنها هي الأفظع، لأن قادة الدول الذين يتنكرون بزي وشعارات حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، وعلى رأسهم قادة الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية، لم يكتفوا بالصمت، كما حدث على سبيل المثال في رواندا وميانمار وسيربرينتشا، بل كانوا مشاركين فيها بشكل مباشر، إذ زودوا القاتل بسكاكين الذبح بعدما شحذوها وأردفوها بتبني سردية الجلاد.

وهي الأفظع بسبب كون معظم الضحايا من النساء والأطفال، من دون أي حجة أو مبرر، من قبيل أنهم دروع بشرية، أو أن ذلك استجابة لضرورات عسكرية، فمقاتلو غزة هم من أوائل المقاتلين في التاريخ الذين يخوضون المعركة من تحت الأرض.

وهي الأفظع لأن الحكام لم يرتقوا إلى مرتبة الجواميس التي تخفُّ لنجدة ضعيفها الذي سقط فريسة الضباع والأسود.

وهي الأفظع، لأن القتل تزاوج مع التجويع والتعطيش والحرمان من الطاقة والحاجات الضرورية والأساسية، وعلى رأسها الخدمات الطبية.

وهي الأفظع لأنهم دمروا، بشكل كلي أو شبه كلي، الجامعات والأحياء والمدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات وبيوت الناس والحدائق والمقابر ومحطات الكهرباء. لا يوجد في التاريخ بلد تم تدميره على هذا النحو بالأسلحة التقليدية.

وهي الأفظع لأنهم أبادوا عائلات بأكملها وطواقم طبية وصحافية وأكاديمية.

كل ما سبق شاهده وعاينه، بالصوت والصورة وعلى مدار الساعة، قضاة محكمة العدل الدولية، ومع ذلك فإنهم لم يتوصلوا إلى حكم قاطع بحدوث جرم الإبادة الجماعية، ولم يطلبوا وقف إطلاق النار الذي هو وقف لهذه الإبادة، على الرغم من كل الأدلة. تخيلوا لو أن الهولوكوست كانت تُبث بالطريقة نفسها فهل كانت النتائج مماثلة؟ وهل يمكن أن نفترض أنهم سيطلبون أخذ تدابير موقتة والعودة إلى المحكمة لاحقاً بعد شهر؟! بالتأكيد لا.

حديثي وتحليلي هذا لا يعني التقليل من أهمية القرار الإيجابي والذي نثمنه عالياً بذهاب جنوب أفريقيا إلى المحكمة، ولا من أهمية الوثيقة التي قدمتها خلال المرافعة، ولا من الأصداء الإيجابية العالمية التي ارتبطت بالقضية، فلا يمكن إهمال النتائج الإيجابية التي حازها الخطاب المناصر للفلسطينيين دولياً منذ إعلان الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. جهد جنوب أفريقيا منذ البداية مشكور، وهذه المبادرة التاريخية ستُسجَّل كسابقة مهمة في تاريخ دعم الشعب الفلسطيني ونضاله، فما فعلته جنوب أفريقيا في الحقيقة أحرج النظام العربي الرسمي برمته؛ فكيف تسبق دولة أفريقية بعيدة الدول العربية القريبة في مبادرة كهذه؟!

ختاماً أظهر التاريخ أن إسرائيل لا تلتزم بالقواعد المنظمة للحرب بحسب القانون الدولي، وأنها تنفذ ما تريد طبقاً لحساباتها ومصالحها وأهدافها، لأنها تشعر، بفضل الدعم الأميركي غير المشروط، بأنها حالة استثناء عصية على المساءلة والعقاب في المنظومة الدولية.

 

[1]  نُشر المقال بالعربية في 8/11/2023 بعنوان "مذبحة غزة من منظور عالمي مقارن: هي الأفظع"، في جريدة الأخبار اللبنانية وفي مدونات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، كما نُشر بالإنكليزية في 10/11/2023 على موقع Mondoweiss .

 

Read more