The Assassination of the Palestinian Leader Saleh al-Arouri in Beirut
Date: 
January 03 2024
blog Series: 

بعد أن عجزت قوات الاحتلال الإسرائيلي  حتى الآن، أمام المقاومة الباسلة التي تواجهها، عن تحقيق أهدافها السياسية في الحرب التدميرية التي تشنها على قطاع غزة، لجأت، في مسعى منها للحصول على "صورة نصر"، إلى تنفيذ سياسة الاغتيالات التي هددت بها قادة حركة "حماس، فاغتالت مسيّرة إسرائيلية، مساء يوم الثلاثاء في 2 كانون الثاني/يناير 2024 في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" ومسؤول تنظيمها في الضفة الغربية المحتلة،  صالح العاروري، مع اثنين من قادة "كتائب القسام"، هما سمير فندي وعزام الأقرع، وأربعة كوادر آخرين هم أحمد حمّود، ومحمود شاهين، ومحمد الريّس ومحمد بشاشة. وفتحت إسرائيل بذلك، كما ورد في جريدة "الأخبار" البيروتية، "الأبواب على مسارات تبدو مختلفة عن السائد الآن، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، وخصوصاً أن حزب الله أعلن في بيان نعيه العاروري أن الجريمة لن تمر من دون رد وعقاب"[1].

صالح العاروري أحد أوائل المطلوبين لحكومة الحرب الإسرائيلية

كان الشهيد صالح العاروري أحد أوائل المطلوبين، والمهددين بالاغتيال، من جانب حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وكان قد صرّح في حوار سابق أجرته معه قناة "الميادين" بأن المناضلين الفلسطينيين كلهم "مشاريع شهادة"، من "القائد ياسر عرفات، والشيح أحمد ياسين، وكل قيادات حماس، وأبو علي مصطفى وآلاف الشهداء"، وتابع قائلاً: "دماؤنا وأرواحنا ليست أغلى ولا أعز من أي شهيد، وأن الشهيد الذي سبقنا بيوم أفضل منا"، وأضاف: "أنا أشعر أني أعيش عمراً زائداً وتجاوزت العمر الافتراضي؛ ويا مرحباً بالشهادة"[2].

وكان رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو،  قد هدد، في نهاية آب/أغسطس الماضي، أي قبل أسابيع قليلة من عملية "طوفان الأقصى"، باغتيال صالح العاروري، وذلك في ظل موجة تحريض واسعة عليه في إسرائيل، بصفته، كما زُعم، المسؤول عن بنية حركة "حماس" التحتية في الضفة الغربية، وعن تصاعد المقاومة في مخيماتها، وعن تشكيل خلايا مسلحة للحركة في لبنان. وكان العاروري قد تلقى تهديدات طويلة بدأت تقريباً منذ سنة 2014، وتصاعدت، بعد عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2022، إذ صارت وسائل الإعلام الإسرائيلية تركّز عليه، وقال اللواء احتياط إيتان دانغوت، الذي شغل منصب السكرتير العسكري لـ ثلاثة وزراء جيش سابقين: "أعتقد أنه الشخصية الأكثر خطراً داخل (حماس) اليوم، وأرى أن دمه مهدور، فهو الشخصية الأكثر تطرفاً، والذي يسعى لقتل أكبر عدد من الإسرائيليين". وقالت صحيفة "يو إس إيه توداي" الأميركية إن إسرائيل أطلقت عملية مطاردة دولية لاستهداف صالح  العاروري، الذي يعتقد أنه "كان على علم مسبق بتفاصيل الهجوم الذي شنته الحركة، وكذلك لأنه حلقة وصل بين الحركة من جهة، وإيران وحزب الله اللبناني من جهة ثانية". وكانت واشنطن قد وضعته، منذ سنوات طويلة، على قائمة العقوبات الأميركية المرتبطة بـ "الإرهاب"، ورصدت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار من وزارة الخارجية الأميركية لمن يدلي بمعلومات عنه. وفي اواخر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزله في قرية عارورة، وحوّلته إلى ثكنة عسكرية ومقر للتحقيق تابع لـجهاز "الشاباك"، في خطوة بدت انتقامية. ويُشار إلى أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري رفض التعليق على الغارة التي استهدفت مكتب حركة "حماس" في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي أسفرت عن استشهاد صالح العاروري وأخوانه. بينما قال مستشار رئيس وزراء الاحتلال لشبكة إم إن بي سي، إن "إسرائيل لم تعلن تحملّها المسؤولية عن هجوم بيروت لكننا تعاملنا سابقا مع إرهابيين في دول أخرى"، مضيفاً أن قادة إسرائيل أكدوا من قبل "أن المتورطين في هجوم 7 أكتوبر أهداف مشروعة"، وأن "ما حدث في بيروت ليس هجوما على لبنان أو حزب الله وإنما على قيادات حماس"[3].

من هو الشهيد صالح العاروري؟

هو صالح محمد سليمان خصيب، وحمل اسم صالح العاروري نسبة إلى  قرية عارورة الواقعة شمال غربي مدينة رام الله التي ينحدر منها. ولد في 19 آب/أغسطس 1966، ودرس الابتدائية والإعدادية في مدارس القرية، وأنهى دراسته الثانوية في رام الله، ثم التحق بقسم العلوم الشرعية في جامعة الخليل، التي تخرّج فيه بدرجة البكالوريوس. وكان قد انتسب بعمر مبكر إلى جماعة الأخوان المسلمين، ثم انضم إلى حركة "حماس" لدى انطلاقتها في أواخر سنة 1987، وشارك في تأسيس جناحها العسكري، المعروف باسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، في الضفة الغربية بين سنتَي 1991-1992.

اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة في سنة 1990، ثم اعتقلته ثانية في سنة 1994، وأُفرج عنه في سنة 2007، ثم أعيد اعتقاله، وبقي في سجون الاحتلال حتى سنة 2010، عندما أُفرج عنه وقضت المحكمة العليا الاسرائيلية بإبعاده عن الضفة الغربية المحتلة. فانتقل إلى سوريا، وانتُخب عضواً في المكتب السياسي لحركة "حماس"، وشارك، في سنة 2011، في قيادة مفاوضات تبادل الأسير جلعاد شاليط، التي أفرج بموجبها عن 1027 معتقلاً فلسطيناً من بينهم رئيس حركة "حماس" الحالي في قطاع غزة، يحيى السنوار. وبعد اندلاع الأحداث في سوريا، انتقل صالح العاروري إلى تركيا ومنها إلى الضاحية الجنوبية في بيروت. وانتخب، في سنة 2017، نائباً لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، وأعيد انتخابه لهذا الموقع في سنة 2021، فضلاً عن ترؤسه تنظيم الحركة في الضفة الغربية[4].

رجل الوحدة الوطنية

ترك اغتيال القائد الشيخ صالح العاروري أصداء واسعة في الساحة السياسية الفلسطينية، إذ دعت "القوى الوطنية والإسلامية"، بعيد استشهاده، إلى الإضراب العام الشامل، والحداد الوطني العام، وخرجت الليلة الماضية وفجر اليوم مسيرات في العديد من مدن الضفة الغربية ومخيماتها للتنديد باستهداف هذا القيادي الفلسطيني الكبير، الذي تميّز بسعيه الحازم إلى المصالحة بين حركتَي "فتح" و"حماس" وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

ففي المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده، في 3 تموز/يوليو 2020، مع أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب، دعا صالح العاروري إلى "تجميد جميع المسائل التي فيها خلافات داخلية بين الحركتين، من أجل التوصل إلى اتفاق استراتيجي وجوهري، لمواجهة الخطر الوجودي الذي تتعرض له القضية الفلسطينية"، وتابع "لم نكن نحن وحركة فتح، مختلفين على مواجهة الاحتلال والتصدي لمخططاته، ويجب أن نقف وقفة حقيقية وصادقة للتصدي لهذا المشروع [صفقة القرن] وإفشاله"، مجدّداً تأكيد حركته "على جهوزيتها للعمل الموحد والوطني، وتقديم التضحيات لمواجهة الاحتلال وتحقيق الانتصار"، ومعرباً عن تأييد حركته "جميع الخطوات السياسية والدبلوماسية والقانونية، التي تقوم بها القيادة الفلسطينية كونها الأقدر على مخاطبة المجتمع الدولي"[5].

وقد نعى أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب الشيخ صالح العاروري، وقال  لتلفزيون العربي: "ننعي القائد الوطني الذي شكل صمام أمان لضبط إيقاع العمل الوطني في مواجهة الاحتلال"، وأضاف بأن اغتيال العاروري "وصية لنا لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وخصوصاً أنه كان شريكا مؤسساً للوحدة الفلسطينية وإنهاء معاناة الشعب"، وكان "ذا فهم استراتيجي لإدارة الصراع مع الاحتلال منسجماً مع طموحات شعبنا، والاحتلال حاول أن يوجه صفعة للوطنية الفلسطينية بضرب قامة بمثل وزن صالح العاروري القائد المتميز سياسياً، مضيفاً أن هذا الاغتيال "يجب أن يكون محزاً للجميع للصمود أمام الاحتلال ومطامحه، ما حصل في 7 أكتوبر جزء من حرب دفاعية في تاريخ القضية الفلسطينية، ونحن منفتحون على تطوير مقاربة سياسية ذات علاقة بالدولة الفلسطينية مع حركة حماس"[6].

ولعل استشهاد هذا القائد الفلسطيني الكبير يكون بالفعل فاتحة لإنجاز المصالحة بين حركتَي "فتح" و"حماس"، تمهيداً لمشاركة "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي في هيئات منظمة التحرير الفلسطينية، وتحقيق وحدة وطنية حقيقية يجد الشعب الفلسطيني نفسه اليوم في أمس الحاجة إليها لمواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة وإحباط أهدافها، ومتابعة نضاله من أجل نيل حقوقه الوطنية. 

 

[1] https://al-akhbar.com/Palestine/374811/اغتيال-صالح-العاروري-حزب-الله-يعد-بالرد-والعقا

[2] https://www.watanserb.com/2024/01/02/صالح-العاروري-في-حوار-سابق-الشهيد-الذ

[3] https://www.bbc.com/arabic/articles/c51zqvy3preo                                          

[4] https://aawsat.com/العالم-العربي/المشرق-العربي/4765591-العاروري-10-سنوات-من-التهديد-والمطارد.;

https://www.aljazeera.net/news/liveblog/2024/1/2/اغتيال-العاروري-مباشر-حماس-تندد

[5] https://qii.media/news/34485

[6] https://www.youtube.com/watch?v=uhzWhI8AL3I

انظر

From the same blog series: Genocide In Gaza

Read more