مقدمة: الحالة الكُمونية
يشنّ النظام الإسرائيلي حرباً على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، تحت اسم "سيوف حديدية"، رداً على عملية "طوفان الأقصى" التي استهدفت فيها حركة المقاومة الإسلامية / "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية، ما يُعرف إسرائيلياً بمنطقة "غلاف غزة"، وبُنية الحصار التحتية المركزية عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً.[1] وقد تكبَّد النظام الإسرائيلي خلالها خسائر غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي - الصهيوني، على الأقل منذ حرب 1973.[2]
خلال ما يقارب ثلاثة أشهر ها هي إسرائيل تقوم بعمليات عسكرية إبادية وممارسات قمعية في قطاع غزة[3] وغيره من الجغرافيات الفلسطينية وتخومها، والتي راح ضحيتها حتى 10 كانون الأول / ديسمبر، أكثر من 19,500 شهيد و52,000 جريح، ومئات آلاف المُهجّرين قسراً، تمهيداً لتنفيذ مخططات التهجير إلى صحراء سيناء المصرية، فضلاً عن التدمير الكلي أو الجزئي لعشرات آلاف المباني والمنشآت، وآلاف المعتقلين والمنكّل بهم والملاحقين لمواقفهم، والأضرار الاقتصادية والنفسية.[4] لكن بالعودة إلى فترة 1947 – 1949 نلاحظ أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لم يقوموا في تلك الفترة بأي مظاهر احتجاجية وانتفاضية ملموسة، بل سادت حالة عامة من الكُمون.[5]
ولفهم هذه الحالة الكُمونية، ثمة ضرورة لتتبّع محطات ومراحل سابقة في مسيرة هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، وفي علاقته مع النظام الإسرائيلي، وهو الجزء المجنّس بجنسية إسرائيل، الدولة التي أعلنت إنشاءها الحركة الصهيونية في سنة 1948، وهو المصنف وفق منظومتها القانونية بـ "المواطنة" منذ ذلك الحين. ومن المحطات الاحتجاجية الأشهر في مسيرة فلسطينيي 48: "يوم الأرض" (1976)؛ "انتفاضة الحجارة" (1987 - 1993)؛ "هبّة الروحة" (1998)؛ "هبّة العملاء" في باقة الغربية (1998)؛ "هبّة أكتوبر" خلال "انتفاضة القدس والأقصى" (2000 - 2005)؛ "هبّة يوم الغفران" في عكا (2008)؛ أيام غضب "حراك برافر" (2013)؛ "هبّة محمد أبو خضير" (2014)؛ "هبّة التقسيم الزمني" تغييراً للوضع القائم في المسجد الأقصى (2015)؛ "هبّة الدوابشة" (2015)؛ "هبّة باب الأسباط" المعروفة أيضاً بـ "هبّة البوابات الإلكترونية" (2017)؛ حراك "من حيفا إلى غزة" (2018)؛ "هبّة الكرامة" المعروفة أيضاً بـ "هبّة أيار" (2021)؛ الاحتجاجات الواسعة ضد الجريمة المنظمة وارتباط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بها (2020 - 2022)؛ وغيرها كثير من الاحتجاجات الغاضبة والرافضة لممارسات النظام الإسرائيلي على مستوى مناطق، أو بلدات، أو قضايا تخص شرائح وفئات مجتمعية معينة، مثل "هبّة البقيعة" (2007)، واحتجاجات المدارس الأهلية المسيحية في أراضي 48 ضد مساعي تحويلها إلى مؤسسات تعليمية حكومية (2015)، وتظاهرات "كنيسة مار إلياس" في حيفا (2023)، وغيرها العشرات، إن لم يكن المئات، من الاحتجاجات، والإضرابات، وأيام الغضب، والهبّات، والحملات الشعبية. وفي هذا السياق، يُذكر أن أكبر تظاهرة شهدتها أراضي 48 كانت ضد العدوان على قطاع غزة في سخنين (2008 - 2009)، والتي يُقدّر أنه شارك فيها نحو 100,000 شخص، تلتها تظاهرة في باقة الغربية التي شارك فيها عشرات الآلاف.
تلك المحطات الاحتجاجية والانتفاضية رافقتها ممارسات إسرائيلية تسببت في كثير من الأحيان بسقوط ضحايا من الشهداء، والجرحى، والملاحقين والمعتقلين سياسياً، والمفصولين من التعليم أو العمل، والمحرَّض عليهم والمشهَّر بهم، علاوة على حظر حركات وأحزاب، ونفي وسجن قيادات سياسية محلية وقُطرية.
1) العسكرة
من ملامح الفعل الاحتجاجي الجماهيري لدى فلسطينيي 48، أنه نادراً ما كان ملتحقاً بفعل عسكري أو رديفاً له، تبدأ به أو تبادر إليه جهة فلسطينية أو عربية. لقد راكم هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، على مدار عقود، تجربة احتجاجية شعبية لا عسكرية، على الرغم من تسجيل بعض أعمال الشغب في عدد من الهبّات والمناسبات، مثل إغلاق الشوارع بالمعوقات الفيزيائية، وإلقاء الحجارة، واستهداف القوات الإسرائيلية، أفراداً وآليات، وكذلك استهداف مؤسسات وأملاك عامة، وبُنى تحتية، تمثّل في نظر المحتجين النظام الإسرائيلي (الدولة). كما شملت بعض الحالات استهدافاً لأملاك خاصة تابعة ليهود، مثل استهداف سيارات خلال عبورها في شوارع بالقرب من قرى وبلدات فلسطينية أو داخلها، أو مصالح تجارية، وتحديداً فيما يُعرف بـ "المدن المختلطة".[6]
لم يطور فلسطينيو 48، وربما غيرهم من الفلسطينيين كذلك، أكانوا نخباً وجماهير، مقولاتٍ أو أدوات تمنحهم قدرة على التعامل مع شيء يشبه ما حدث خلال عملية "طوفان الأقصى" التي هاجم فيها الفلسطيني عسكرياً، وعَبَرَ وقاتل على أرضه التي هُجّر منها خلال النكبة وبعدها، وحررها وعاد إليها لساعات أو أيام، وكبّد المحتل خسائر غير مسبوقة مادياً ومعنوياً. إن عسكرية هذا الحدث الذي كان فيه الفلسطيني هو المبادر إلى الفعل لا الرد عليه، تضعه في منطقة اللامألوف في التجربة النضالية المتراكمة لدى فلسطينيي 48. وحيث اللامألوف، تكون اللادراية، ومنها وبسببها يكون الكُمون.[7]
لقد حدث شيء قريب من هذا خلال "هبّة الكرامة" (2021) في العلاقة بين الفعل الاحتجاجي الشعبي مع الفعل العسكري؛ فقد نتج من التحاق فصائل المقاومة في قطاع غزة بالشارع عسكرياً، في 10 أيار / مايو 2023، بإعلان القائد العام لـ "كتائب عز الدين القسّام"، محمد الضيف، عن معركة "سيف القدس"، ما يمكن أن نصفه بانتقال المواجهة، عبر صواريخ "القسّام"، من الأرض إلى السماء، وقد راح المحتجون ينسحبون بالتدريج من الشارع، مع أن الأفعال الاحتجاجية لم تتوقف منذ 15 نيسان / أبريل حتى 23 أيار / مايو 2021، وتحديداً في القدس وأراضي 48.[8]
وكي لا نتسرّع في الاستنتاج، يبدو أن الجماهير الفلسطينية لا تبادر إلى الاحتجاج الشعبي خلال العمليات العسكرية بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، إلّا إذا كان الاحتجاج الشعبي بعيداً نسبياً عن مناطق القتال. أمّا في الجزء المحتل خلال النكبة والناجي من التهجير، أي أراضي 48، فإن فحص مجموعة كبيرة من الأحداث الاحتجاجية يمكّن من الذهاب إلى أنه حيث تكون العسكرة، يكون الكُمون.[9] والكُمون، في دلالاته المتعددة، مربك للنظام الإسرائيلي، حتى إن هناك حالات تحقيق واعتقال لأشخاص في سياق الحرب لأنهم لم يكتبوا شيئاً، ولم يتفاعلوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو لأن شخصاً حذف زملاء له في العمل من اليهود، والاشتباه بالتالي في أن هناك محاولة من طرفه لإخفاء شيء ما.
2) الضعف المؤسساتي
جاءت عملية "طوفان الأقصى"، والحرب بعدها، في سياق من الضعف والتخبط المؤسساتي والتنظيمي في أراضي 48، سياسياً ومدنياً وشعبياً، وهي حالة ناتجة من أعوام من الملاحقة الإسرائيلية الكثيفة، والخلاف المحتدم بين أطياف المجال السياسي وتشكيلاته، وإنهاك الأحزاب بانتخابات برلمانية متقاربة، بترتيباتها وأزماتها داخل الأحزاب وفيما بينها، وهو وضع ناجم عن الأزمات الحكومية الإسرائيلية كذلك.
وقد حُظرت "الحركة الإسلامية الشمالية" في تشرين الثاني / نوفمبر 2015، ومعها 17 مؤسسة مجتمع مدني وهيئة مرتبطة بها،[10] ووجّه النظام الإسرائيلي ضربة إلى "التجمع الوطني الديمقراطي" من خلال حملة ملاحقة انطلقت في أيلول / سبتمبر 2016، واستهدفت العشرات من قياداته وكوادره، اعتقالاً ومصادرة لأملاك وأموال، من خلال تلفيقه ملفاً جنائياً مالياً، وذلك في محاولة لحظر الحزب وضرب شعبيته.[11] كما تفككت "القائمة المشتركة" في سنة 2021، والتي كانت قد ضمت أربعة أحزاب شاركت في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، بعد أعوام من الخلافات المحتدمة بشأن عدة ملفات، بينها رئاسة "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية" (2015)، والتعزية بشمعون بيريس (2016)، والمواقف من اعتقال النائب باسل غطاس (2016 - 2017)، و"أزمة التناوب" بعد ذلك (2017)، والتوصية بأن يكون رئيس حزب "كاحول لافان"، بيني غانتس، رئيساً للحكومة (2019)، وغيرها من قضايا سياسية واجتماعية. ومن القضايا الاجتماعية ما يُعْرَف بقضية "طحينة الأرز"، المرتبطة بحقوق "مجتمع الميم" وبمواقف الأحزاب والمؤسسات والحركات منها،[12] علماً بأن احتدام النقاش على القضايا الاجتماعية راح يتصاعد في ظل توجّه "القائمة العربية الموحدة"، برئاسة منصور عباس، إلى تفكيك "القائمة المشتركة" وطرح "النهج الجديد" الذي سنتناوله لاحقاً، والتشديد بالتالي على مبدأ "المجتمع المحافظ"، والتمسك بالقيم الإسلامية للمجتمع الفلسطيني، فيما بدا أنه استثمار للديني في تشكيل وترسيم السياسي، مصالح وأهدافاً.[13]
وإلى جانب ذلك، فإن "لجنة المتابعة"، وهي المظلّة الجامعة لأطياف وتشكيلات المجال السياسي والتمثيلي الوطني في أراضي 48، لم تتطور تنظيمياً وسياسياً ومالياً في ظل رئاسة محمد بركة لها، الذي يشغل هذا المنصب منذ تشرين الأول / أكتوبر 2015، بل إن أداءها الجماعي شهد تراجعاً في ظل خلافات أطياف المجال السياسي من أحزاب ورؤساء بلديات، وعدم مأسستها بُنيوياً، فضلاً عن الملاحقة السياسية لمكونات مركزية فيها.
وجاءت عملية "طوفان الأقصى"، والحرب بعدها، في ظل ضعف وتراجع الفعل الشبابي والطلابي الحراكي في أراضي 48، والذي كان قد بلغ ذروتين خلال العقد الأخير: الأولى، خلال "هبّة برافر" (2013)، والثانية خلال "هبّة الكرامة" (2021)، كـ "حراك طالعات" النسوي مثلاً، والذي أدى دوراً مركزيا في الاحتجاج والتسييس قبل أن يبدأ بالتفكك في سنة 2022 على خلفية قضية اجتماعية أدت إلى خلافات بين عضوات مركزيات مؤسسات فيه. كما أن "الحراك الفحماوي الموحد" الذي نشأ في سنة 2021 لمناهضة الجريمة المنظمة وتورُّط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فيها أساساً، مثلما يرى هو ومكونات متنوعة من المجال السياسي والأهلي، فتراجع نشاطه تحت وطأة الملاحقة السياسية والتحريض، لكنه مع ذلك استمر في العمل حتى في سياق الحرب، إذ نظّم ثلاث فاعليات احتجاجية في أم الفحم. أمّا الحركات والهيئات الطلابية في الجامعات، فإن وضعها يشكل انعكاساً للوضع التنظيمي والمؤسساتي العام.[14]
لقد ساهمت هذه الحالة المؤسساتية في غياب متانة جماعية تمنح ظهيراً للجماهير، وتكون عنواناً احتجاجياً كما في محطات سابقة، وهو ما ساهم في تشكيل حالة الكُمون الراهنة. ويمكن وصف الأمر بأنه فقدان لمركز أو ثقل سياسي يمكن للناس أن يستندوا إليه ويروا فيه مرجعية تصنع لهم أملاً، وتُشعرهم ولو بالحد الأدنى بالحماية والأمان النسبيين،[15] وخصوصاً بعد اختبار مجتمع احتجاج "هبّة الكرامة" (2021) لحالة فقدان المرجعية إلى حدّ اليتم، ذلك بأن مئات المعتقلين الموجهة إليهم لوائح اتهام، وجدوا أنفسهم، ومعهم عائلاتهم، وحيدين في مواجهة الممارسات والسياسات العقابية لأجهزة ومؤسسات النظام، ومن ضمنها الجهاز القضائي (المحاكم).[16]
3) الثمن الباهظ لمواجهة النظام
عمل النظام الإسرائيلي، عبر مختلف أجهزة الدولة وآلياتها، على تدفيع فلسطينيي 48 ثمناً باهظاً لانخراطهم في الهبّات والانتفاضات الفلسطينية. وفيما يلي نركز النظر على "الجريمة المنظمة" و"هبّة الكرامة" للإشارة إلى هذا الثمن الباهظ.
أولاً: الجريمة المنظمة
لقد مأسس النظام الإسرائيلي الجريمة المنظمة في صفوف فلسطينيي 48 الذين يسكنون في قرى وبلدات باتت في عمرانيتها المعاقة بمثابة أحياء فقر، إلى درجة أن وسطاءه استطاعوا عبر شبكاتهم أن يراكموا رأس مال مادياً ورمزياً يحل محل، أو ينافس، بُنى مجتمعية وسياسية وثقافية تقليدية في تنظيم المجتمع وترسيم حدوده، مثل العائلة، والسلطات المحلية،[17] والأحزاب، والمؤسسات الدينية ووسطائها، والنخب الثقافية، وغيرها. وتشكَّل ذلك تراكمياً من خلال لقاء سياسات الإفقار التي تعاني جرّاءها بالدرجة الأولى شريحة الشباب، والعمل الحثيث على ضرب منظومات القيم والانتماء الهوياتي لدى الناس، المرتبطة بفلسطينيتهم، الطبقة الأحدث من العروبة - الإسلام لدى سكان فلسطين المعاصرين، وذلك من خلال جهاز التربية والتعليم، والإعلام، ومنظومات العمل والتوظيف، الأمر الذي دفع الشباب المهمّشين إلى البحث عن أواصر وأُطر انتماء توفر لهم مكانة اعتبارية في المجتمع في ظل إعاقة التقدم الفردي والجماعي للفلسطينيين ضمن أحياز النظام غير المتاحة لهم.[18]
وأدت الضغوط الشعبية والسياسية خلال الأعوام الأخيرة، وتحديداً منذ سنة 2020 فصاعداً، إلى فرض هذه القضية على طاولة حكومات النظام وأجهزته. وخلال السجال المتولد عن ذلك، تكشَّف أن كثيراً من وسطاء الجريمة المنظمة لهم صلة بـ "جهاز الأمن العام الإسرائيلي / الشاباك"، وهو ما يمنحهم حصانة وحرية عمل، وذلك وفق تصريحات رسمية من جهاز الشرطة الذي ادّعى أن هذا يعوق قدرته على مكافحة الظاهرة، علماً بأن سياسات الشرطة المتّسمة بالإهمال وعدم الاكتراث بالحدّ من الجريمة عامة، والجريمة المنظمة خاصة، وغياب الخطط ذات النتائج الملموسة في محاربة هذه الظاهرة على مدار أعوام طويلة، دفعت، ولا تزال، المجال السياسي الفلسطيني، وكذلك الشعبي والأهلي، إلى اتهام هذا الجهاز بالتورط في صناعة الظاهرة وتكريسها، حتى إن أبرز شعار في الحراك الشعبي ضد الجريمة المنظمة بات: "يا جماهيري ثوري... عَ الشرطة الخنزيرة"، في تكثيف بلاغي يجمع المتهم والغضب منه والحل وصنّاعه معاً.[19]
وتشير عدة تقارير إلى أن قسماً كبيراً من السلاح مصدره "السرقة" من معسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي وقواعده، من دون أن تسعى أجهزة النظام لوقف هذه الظاهرة، مع أن تقديرات الأجهزة الأمنية تقول إن هناك نصف مليون قطعة سلاح في السوق السوداء. كما أن هناك آراء وتقارير تذهب إلى أن الجريمة المنظمة، بوسطائها وشبكاتها المعروفة للأجهزة الأمنية، تمثّل أداة في يد النظام الإسرائيلي من أجل إنهاك المجتمع الفلسطيني وتفتيته وإفقاده حصانته، وشغله بالتالي عن صناعة جماعيته الوطنية وتمتينها، وذلك عبر بثّ العداوات بين مكوناته الاجتماعية، وإشاعة الإحساس بفقدان الأمان لدى أفراده وشرائحه، وبثّ الإحباط وفقدان الأمل.[20] لقد ارتفع معدل ضحايا الجريمة من 72 ضحية في سنة 2017 إلى 126 ضحية في سنة 2021.[21] بل هناك مَن يذهب إلى أن الجريمة المنظمة استغلالاً للمجهولية، أو المجهولية استغلالاً للجريمة المنظمة، قد تكون أداة للترهيب السياسي والاغتيال على هذا الأساس. فقد استُهدف عدد من أعضاء لجان "إفشاء السلام" مثلاً، التي اضطلعت بدور الإصلاح والحدّ من الجريمة، بمبادرة من رئيس "الحركة الإسلامية الشمالية" المحظورة، رائد صلاح،[22] كما أُطلقت النيران في سياق الحرب على قطاع غزة على بيتَي المعتقلَين أحمد خليفة ومحمد طاهر جبارين، الموجهة إليهما تهمة "التحريض على الإرهاب"، و"التماثل مع تنظيم إرهابي"، بسبب مشاركتهما في تظاهرة ضد الحرب.[23]
ثانياً: "هبّة الكرامة"
يُرجّح أن لـ "هبّة الكرامة" (2021) أثراً كبيراً في تشكيل حالة الكُمون لدى فلسطينيي 48 في سياق الحرب على قطاع غزة، ذلك بأن أثمانها خلال أحداثها الممتدة من 13 نيسان / أبريل 2021 حتى 23 أيار / مايو 2021، وبعدها، كانت كبيرة جداً على هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، وغير معهودة منذ "هبّة أكتوبر" (2000).
فقد اندلعت الهبّة آنذاك على خلفية مجموعة من الأحداث المباشرة والمتزامنة والمتراكمة، ولا سيما في القدس حيث محاولات التهجير القسري لعائلات فلسطينية في حي الشيخ جرّاح، وقمع المصلّين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، واقتحامات المستوطنين للمسجد بحماية من قوات "حرس الحدود" والجيش، ونصب حواجز حديدية في باب العمود، ومنع الحافلات التي تقلّ المصلّين من شمال فلسطين من الوصول إلى القدس لإحياء ليلة القدر، وتنظيم مسيرة استيطانية في البلدة القديمة في المدينة خلال ما يسمّى "يوم توحيد القدس". وامتدت الهبّة لتشمل مختلف أنحاء فلسطين الانتدابية، وتكثّفت حدثاً وزمناً في القدس وفي أراضي 48 تحديداً.[24]
شهدت الهبّة 250 موقع مواجهة في أراضي 48 أدت إلى 322 إصابة في صفوف الشرطة الإسرائيلية، وإلحاق الضرر بـ 297 سيارة تابعة لها، بينها 11 أُحرقت، كما هوجِم 23 مركزاً للشرطة. واستشهد خلال الهبّة: موسى حسونة (اللد)، ومحمد كيوان (أم الفحم)، فضلاً عن مئات الإصابات وآلاف حالات الملاحقة بمختلف أشكالها، من الاستجوابات في العمل أو التعليم، وصولاً إلى الاعتقال.[25]
وتشاركت في قمع أفعال فلسطينيي 48 الاحتجاجية خلال الهبّة مجموعة من مكونات وأجهزة النظام الأمنية، والعسكرية، والاستخباراتية، والإلكترونية، والمدنية المسلحة. فعلاوة على القمع العنيف للوقفات والتظاهرات، بأدوات شديدة الخطورة ومميتة، من قنابل الصوت والغاز والرصاص الإسفنجي والحي، وعلى الانتهاكات خلال الاعتقالات، فُرض حظر التجول في مدينة اللد لمدة 8 أيام، وهو إجراء يُتّخذ لأول مرة في تاريخ بلدة أو مدينة في أراضي 48 منذ النكبة. كما استُهدفت بيوت الفلسطينيين وأملاكهم، ومساجدهم ومقابرهم وغيرها من الأوقاف، ولا سيما في "المدن المختلطة"، على يد عصابات ومجموعات يمينية، مثل "لا فاميليا" وغيرها، التي تشير تقارير وأبحاث إلى أنها عملت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وضمن حمايتها.[26]
في إثر انتهاء الأحداث الاحتجاجية خلال الهبّة، أعلنت الشرطة في 23 أيار / مايو 2023، حملة "القانون والنظام" التي شارك فيها الآلاف من رجال الشرطة والوحدات الخاصة ووحدات المستعربين وجهاز "الشاباك"، واعتُقل خلالها مئات الفلسطينيين عقاباً وبهدف ردعهم عن المشاركة مستقبلاً في احتجاجات. ووفق عدة مصادر رسمية، فإنه خلال الهبّة وما بعدها، اعتُقل ما بين 1848 و3200 فلسطيني ويهودي. إن عدم دقة الرقم، وتفاوته بين جهات عديدة، يشيران إلى عشوائية الاعتقالات، وغياب البيّنات لدى جهاز الشرطة على ما يقوم به أعضاؤه. وبحسب الرقم 1848، وهو الرسمي النهائي لدى الشرطة، فإن 91% من المعتقلين فلسطينيون، منهم 15% قاصرون، وقد تمركزت الاعتقالات في "المدن المختلطة".[27]
وخلال الفترة 9 - 28 أيار / مايو 2023، فُتح 232 ملفاً جنائياً ضد مشتبه فيهم على ما يسمّى "خلفية قومية"، 193 منهم كانوا فلسطينيين، أي 83%، كما فُتح 344 ملفاً "أمنياً" ضد 582 مشتبهاً، 504 منهم فلسطينيون، أي 86%، ولوائح الاتهام التي قدمتها النيابة العامة كانت ضد 545 فلسطينياً من أصل 616، أي 89%. ووفقاً لتوصيف الشرطة ولوائح الاتهام، فإن التعامل مع المتهمين كان بصفتهم "عدو من الداخل" فتح جبهة في أثناء خوض الدولة حرباً مع "عدو من الخارج". ووُظّفت بكثافة في لوائح الاتهام بنود من "قانون مكافحة الإرهاب"، وبنود من القانون الجنائي مثل "دوافع عنصرية" و"دوافع إرهابية"، وذلك من أجل تشديد العقوبات ومضاعفتها. وبين المتهمين كان كمال خطيب، أحد قياديي "الحركة الإسلامية الشمالية" المحظورة، ومحمد كناعنة، من قياديي "حركة أبناء البلد". وقد صُنّف كثير من المتهمين "أسرى أمنيين" (أسرى سياسيون وفق المعجم الفلسطيني)، وزادت الأحكام في كثير من الحالات على 10 أعوام، علاوة على فرض غرامات مالية وتعويضات بمبالغ ضخمة، زادت على 150,000 شيكل في بعض الحالات.[28]
واعتبرت مؤسسات سياسية وحقوقية أحكام "هبّة الكرامة" محاولة لترسيخ نظام حكم عسكري جديد، وأن المنظومة القضائية في النظام الإسرائيلي تهرول نحو التطرف، وتتعامل بازدواجية وتنصاع للتوجيهات السياسية والأجواء التحريضية والعنصرية.[29] بل ذهب "المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل / عدالة" إلى أنها تعبّر بوضوح عن سياسات فصل عنصري، إذ ثمة نظامان قانونيان مختلفان في التعامل مع الفلسطينيين واليهود.[30]
أمام هذه الأثمان، وجد محتجو "هبّة الكرامة" أنفسهم وعائلاتهم وحيدين تقريباً في مواجهة ممارسات وسياسات أجهزة النظام العقابية، وعبّروا في أكثر من مناسبة عن أن مبادرات الدعم والمساندة محدودة وقليلة، وأن المشاركة في جلسات المحاكم من المجال السياسي، من أطر وأحزاب وناشطين، وكذلك المؤسسات الأهلية، هي مشاركة خافتة.[31] وعلى الرغم من تجنّد عدد كبير من المحامين المتطوعين للدفاع عن معتقلي الهبّة، فإن هناك في المقابل محامين تخلوا عن ممثليهم في الطريق، وآخرين طالبوا بمبالغ ضخمة في مقابل التمثيل. كما ذهب عدد من صنّاع خطاب الاستيعاب المعيشي إلى دمغ هذه الشريحة الانتفاضية بـ "الزعرنة"، وبأنهم "أصحاب سوابق"، لتبرئة عموم المجتمع الفلسطيني في أراضي 48 أمام النظام ونخبه. ولا شك في أن الممارسات والسياسات العقابية في حقّ معتقلي الهبّة وعائلاتهم، بحجمها وتعقيدها غير المسبوقَين، على الأقل منذ "هبّة أكتوبر" (2000)، وإحساسهم بالتخلي عنهم، سياسياً واجتماعياً، ورؤية هذا كله من طرف جيل الهبّة الشبابي، أحبطت هذا الجيل، وثبّطت من عزيمته، وجعلته يشعر باليأس والخوف والإنهاك، الأمر الذي ساهم في حالة الكمون هذه.
4) خطاب الاستيعاب المعيشي
من مشكّلات حالة الكُمون في أراضي 48، تفشّي خطاب الاستيعاب المعيشي ضمن المنظومة الإسرائيلية بشروطها الاستعمارية، وفي حدود الهامشية الاقتصادية والأدنوية الحقوقية. فهذا الخطاب يعمل على الفصل براغماتياً بين القضايا المعيشية لفلسطينيي 48 من جهة، وقضايا حريتهم السياسية، الفردية والجماعية، المرتبطة بالعدالة الاجتماعية، والمعروفة أيضاً بـالقضايا "الوطنية" من جهة أُخرى. فالخطابات السياسية المركزية الناجمة عن هذا الجزء من الشعب الفلسطيني تؤكد ثنائية القومي والمدني، في إدارة الجماعة لنفسها تحت حكم النظام، وتحديد وترتيب العلاقة معه ضمن تصنيف "المواطنة" المفروض عليها، بحيث تغدو "المواطنة" هنا مسألة وطنية / قومية فلسطينية، نقدية ونقضية، لأنها مسألة جماعة في مواجهة نظام، وحقل سجال وصراع معه. فالنظام يريد تدجين هذه الجماعة التي ترفض يهودية الدولة الحاكمة لفلسطين الآن بالقوة، استيطانياً واستعمارياً، وتريد نزع صهيونية نظامها، لتغدو "دولة مواطنين" ليست ذات انحياز إثني. وبالتالي، يتبدد تناقض هذه الدولة مع فلسطينية الفلسطينيين، ويترتب على ذلك تغيير المنظومة القانونية كلها الحاكمة لفلسطين الآن، ضمن "تسوية" أو "مصالحة تاريخية"، وهو ما يؤدي مثلاً إلى تطبيق قرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين (القرار رقم 194).[32] وقد ردّ النظام في سنة 2018 بحسم على هذا الطرح، من خلال حكومة بنيامين نتنياهو التي سنّت قانون أساس "قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل" الذي يحصر حق تقرير المصير في فلسطين كلها باليهود فقط، وبالتالي حق مَن يمكنه الحصول على جنسيتها قادماً (عائداً) من خارجها.[33]
عبر تكثيف خطاب الاستيعاب المعيشي (من تجلياته المعجمية لفظ "التأثير" ومقابله النقدي "وهم التأثير") تُصنع خصوصية،[34] أو حالة استثناء مخيالية لفلسطينيي 48، من أجل تكريس عملية نزعهم من جماعيتهم الثقافية العربية والمسلمة، أي من فلسطينيتهم، بصفتها الطبقة الأحدث من هذه الجماعية في زمن الوطنية والقومية الحداثيتين، وهي عملية مستمرة منذ نجاتهم من تهجير نكبة 1947 - 1949. واللافت أن وسطاء هذا الخطاب، إذا ما عرّفوا عن أنفسهم بأنهم فلسطينيون، فإن هذا يعني لديهم غالباً الجوانب المعنوية أو الرمزية منها، من دون تجسيدها أفعالاً ومبادرات تنظيمية ومؤسساتية توحد الشعب الفلسطيني وتصنع جماعيته تحت حكم نظام استعماري واحد، مركزي وأخطبوطي معاً، علماً بأن فكّ المعنوي والرمزي عن التنظيمي والمؤسساتي يعني، في نظري، المتحفة، أو شيئاً يشبه نظام المحمية في الشمال الأميركي من حيث التعامل مع أصحاب البلد، الأصلانيين، المبادين.
ويتنوع وسطاء خطاب الاستيعاب المعيشي وصناعته ما بين سياسيين، ورؤساء وموظفي سلطات محلية، وإعلاميين، وأكاديميين، ومثقفين، وتجار وأصحاب رؤوس أموال، وشخصيات وقيادات دينية، ومديري وموظفي مؤسسات مجتمع مدني، وموظفي قطاع عام، ولا سيما في جهاز التربية والتعليم والجهاز الصحي، وصنّاع محتوى في وسائل التواصل الاجتماعي واسعي المتابعة، ومنظمات إجرام، وخادمين في الأجهزة العسكرية والأمنية، وغيرهم.
يمكننا أن نجد هذا الخطاب مكثفاً ومكرراً باطراد منهجي، وضمن مشروع سياسي، لدى وسيط مثل منصور عباس، وهو عضو في البرلمان الإسرائيلي، ورئيس "القائمة العربية الموحدة" التي تُعتبر الجهاز الحزبي "للحركة الإسلامية" الجنوبية في أراضي 48. أيضاً يمكننا أن نجده مكثفاً ومكرراً باطراد منهجي، ضمن مشروع سياسي، وإن على نحو أقل من عباس، لدى أيمن عودة، عضو في البرلمان الإسرائيلي أيضاً، ورئيس "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة". لكن يمكن الاكتفاء بعباس نموذجاً، كونه الأكثر فاعلية في صناعة خطاب الاستيعاب المعيشي خلال الحرب، وإزاحته إلى مناطق جديدة من الأسرلة، ضد جماعيتين فلسطينيتين وطنيتين: الأولى طرح المواطنة أداة لنقض يهودية النظام، والأُخرى الارتباط بالفلسطينيين في الشتات وفي أراضي 1967، حيث يتكرس لديه فكّ هذا الارتباط، سواء على المستوى الكلامي أو الشعاراتي.
تبنّى منصور عباس منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر رواية النظام الإسرائيلي وداعميه الغربيين، وتمسّك بها على الرغم من النقاشات في المجتمع الإسرائيلي نفسه بشأن تفصيلاتها، وكذلك عالمياً. فهو على غرار مختلف وسطاء المجال السياسي في أراضي 48، دان استهداف المدنيين، ودعا إلى تجنيبهم الصراع من الطرفين، إلّا إن المختلف لديه كان نزع الأحداث من سياقها العام، أي الحالة الاستعمارية الاحتلالية، والصيرورات المؤدية إلى الأحداث والحرب من بعدها، فضلاً عن تشدّده في اللهجة، وتكثيفه من الإدانة وتكرارها بصورة اعتبرها البعض، حتى من تيار خطاب الاستيعاب المعيشي، مبالغة وإفراطاً. كما كثّف عباس من دعواته "المواطنين العرب" إلى تحمّل المسؤولية، وضرورة الحفاظ على القانون والالتزام بالنظام العام، وتجنّب أي صدام مع الدولة والنظام، وتفويت الفرصة على مجموعات هامشية متطرفة تسعى لذلك، منعاً لتكرار أحداث "هبّة الكرامة"، و"الحذر ضعفين" ممّا يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب حالة الطوارىء المعلنة من طرف الدولة، وتقليص مساحات الحيّز الديمقراطي، إذ إن الأجهزة الأمنية تملك صلاحيات مطلقة للتعامل الفوري والمباشر مع أي نشر ترى فيه مسّاً أو محاولة للمسّ بأمن الدولة، أو حتى المنشورات التي تشتبه في نيّاتها ومقاصدها.[35] هذه الدعوات التي تخلو من أي نقد لممارسات وسياسات الإسكات، ولقمعيتها وعشوائيتها وعنفها، توحي بأن هناك "اتهاماً ضمنياً" لفلسطينيي 48 بممارسة كل ما هو عكس ذلك، وهي الروح التي تبثّها أجهزة النظام بصورة عامة، أكانت سياسية أم أمنية، في وسم الفلسطينيين بأنهم مصدر خطر وأعداء. وعلى الرغم من شمول بعض بياناته ودعواته على توجيه النداء إلى الفلسطينيين واليهود، فإن وضعهم معاً في الخانة نفسها، يعمي عن أي تفاوت بينهم من حيث موازين القوى والموقعيات: جماعة لها نظام يستعمِر جماعة، وهي معسكرة مسلحة والثانية مدنية، الأمر الذي يوهِم بأنهما جماعتان متكافئتان سوسيولوجياً وأخلاقياً.
5) الإسكات عصاً وجزرة
منذ عملية "طوفان الأقصى" والحرب بعدها، تعرّض فلسطينيو 48 لممارسات وسياسات إسكات كثيفة وعنيفة شارك فيها مختلف أجهزة النظام، عسكرياً ومدنياً، عاماً وخاصاً، رسمياً وشعبياً، فقد وجد مَن يُفترض أنهم مواطنون عاديون ليس لديهم مواقع في أي جهاز رسمي، أدواراً لهم في ملاحقة الفلسطينيين ومعاقبتهم (هذا شبيه بما حدث خلال "هبّة الكرامة")، وفي رصد وسائل تواصلهم الاجتماعي، والتجسس عليهم، والوشاية بهم، والتحريض عليهم، والتشهير بهم، وتهديدهم أو المسّ الفعلي بهم، كلامياً أو جسدياً، وتعريضهم للخطر، وغير ذلك.[36] وهؤلاء الفلسطينيون الملاحَقون ربما يكونون زملاء لأولئك اليهود في التعليم أو العمل، أو جيراناً في الحي نفسه في حالات "المدن المختلطة"، أو أعضاء في نوادٍ رياضية أو أطر ثقافية وترفيهية، أو أصدقاء في الظروف الطبيعية، أو طلابهم في مؤسسات التعليم العالي، أو موظفين أو عمالاً مرؤوسين في مؤسساتهم وشركاتهم ومصالحهم.
تُظهر هذه الحالة فقداناً لسيطرة الإسرائيليين على النفس، إذ تبنّى كثير منهم الوكالة للدفاع عن الدولة وأجهزتها بشكل شخصي، وممّا زاد في كثافة القمع، أن الفلسطيني إذا حاول أن يتقدم بالشكوى إلى الشرطة الإسرائيلية، فإن الشرطة قد تعتقله هو بدلاً من حمايته. كما يمكن وصف هذه الحالة بأن مَن يدّعون أنهم مواطنون في دولة ديمقراطية ذات مؤسسات باتوا يتصرفون كأنهم قبيلة، ليس بمفهومها التقليدي القائم على علاقات الدم، وإنما القبيلة الإثنية حيث حدود المجتمع تتقلص من دولة إلى قبيلة سياسية لا خيار فيها سوى التماهي معها تماماً، واعتبار كل مَن هو خارجها عدواً لها في ظرف المعركة، والأعداء الأقرب لليهودي في هذا الوضع ليس أهل قطاع غزة أو الضفة الغربية مثلاً، وإنما الفلسطينيون في أراضي 48.[37] إذاً، هي قَبْلَنَة للدولة، بغضّ النظر عن مواصفاتها السلطوية ومدى ديمقراطيتها، وهذه القَبْلَنَة تأتي في ظل حالة من الإحساس العام لدى اليهود بعجز دولتهم أو غيابها، وتحديداً متى احتاج منها مجتمعها إلى أفعال وإجابات عن أسئلة يعتبرها وجودية، مثلما حدث في في أول يوم لعملية "طوفان الأقصى" وما بعده.
في ظل هذه المناخات الضاغطة، أصدرت "لجنة المتابعة للجماهير العربية" بياناً حذرت فيه من "حملة الملاحقات السياسية الترهيبية التي تشنّها الأجهزة الإسرائيلية من مخابرات وبوليس، على الناشطين من جماهيرنا العربية، بما في ذلك ملاحقة طلاب الجامعات والكليات، وملاحقة أماكن العمل لكل عامل وعاملة لمجرد تعبير حد أدنى عمّا يواجه شعبنا الفلسطيني من مجازر تحصد آلاف الأرواح، وبموازاة ذلك توزّع الحكومة آلاف الأسلحة على العصابات اليمينية الاستيطانية المتطرفة، تمهيداً لارتكاب جرائم أشد."[38]
لقد كان المجتمع الطلابي الفلسطيني في مؤسسات التعليم الإسرائيلي من أكثر الشرائح تعرضاً لممارسات وسياسات الإسكات، وتحديداً بسبب التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع أحداث 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 وما بعدها. ففي ظل هذا السياق، وصف تقرير موسع لمجلة "سيحاه ميكوميت" ممارسات إدارات تلك المؤسسات بأنها جرت "حتى بالنسبة إلى منشورات بريئة للغاية، فيما يبدو أنه رضوخ للضغوط من أجسام يمينية وطلاب آخرين. والملاحقة لا تقتصر على متابعة المنشورات فحسب، بل تمتد أيضاً إلى الإعجاب، أو حتى متابعة صفحة تنشر منشورات تتعاطف مع القضية الفلسطينية"،[39] وقُدّمت في حقّ المئات من الطلاب شكاوى إلى اللجان التأديبية في مؤسسات التعليم، بدعم وتشجيع من "اتحاد الطالب" وتنظيمات متنوعة توصَف بـ "اليمينية". كما أعلنت إدارات عدة مؤسسات أنها لن تتسامح مع أي "منشورات تحريضية"، وطالب "رئيس مجلس التعليم العالي"، وزير التربية والتعليم يوآف كيش، رؤساء المؤسسات باتخاذ إجراءات تأديبية ضد هؤلاء الطلاب، بل طالبهم حتى بتقديم شكاوى إلى الشرطة في حقّهم.
ويرى مركز "عدالة"، أن اللجان التأديبية تجاوزت صلاحيتها التأديبية وفق قانون حقوق الطالب بإقدمها على تقديم شكاوى والبتّ فيها في وقت واحد، خلافا للقانون الذي يشير إلى أن الإجراءات التأديبية تقتصر فقط على المخالفات التي تُرتكب بموجب دساتير المؤسسات، والتي تتعلق بالدراسة فيها.
وبحسب تقييم ورصد "الهيئة المشتركة للكتل الطلابية في المعاهد العليا"، فإن العدد الإجمالي للطلاب الذين اتُّخذت ضدهم إجراءات تأديبية بلغ نحو 160 طالباً، منهم 113 توجهوا إلى مركز "عدالة" لتمثيلهم قانونياً، مع أنهم ينتمون إلى 33 مؤسسة تعليم عالٍ. وقد فُصل 8 من دراستهم فورياً ونهائياً من دون أي إجراء تأديبي، وفي 47% من الحالات أوقف الطلاب عن التعليم بشكل موقت قبل أي إجراء تأديبي. وبين 42 قراراً لما يسمّى "لجنة الطاعة" في المؤسسات التعليمية، فإن 17 حالة انتهت ببراءة، بينما فُرضت في 5 منها عقوبة ذات طابع تعليمي، وصدرت في 11 منها عقوبة فصل موقت، في حين صدر في 9 منها قرارات فصل تام.[40]
إن الاعتقالات والتحقيقات أساس في سياسات النظام الإسرائيلي لإسكات الفلسطينيين، وقد لجأ هذا النظام منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 إلى ممارسات اعتقالية وُصفت بـ "الهستيرية" التي اختلطت فيها الرغبة في الانتقام تفعيلاً للقوة، مع الترهيب، وذلك من أجل منع أي ممارسات احتجاج ضد الحرب على قطاع غزة. ومن ضمن ما لجأت إليه الأجهزة الأمنية اعتقال شخصيات ذات شهرة ومتابعة واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الفنانة دلال أبو آمنة،[41] والفنانة ميساء عبد الهادي،[42] وصنّاع المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي عبد الرحيم حاج يحيى،[43] وعيسى فايد أبو الرتاج،[44] ومهند طه،[45] وغيرهم، بسبب تفاعلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع الحرب على القطاع. فأبو آمنة مثلاً، اعتُقلت لأن فريقها الإعلامي نشر عبارة "لا غالب إلّا الله" مرفقة بعلم فلسطين، فوصلتها تهديدات جعلتها تتوجه إلى الشرطة لتقدم شكوى، إلّا إن الشرطة اعتقلتها هي بدلاً من مهدديها والمحرضين عليها، لأنها رأت أن هذا المنشور يعبّر عن تأييد لـ "حماس". ومنذ 30 تشرين الأول / أكتوبر، حتى الفراغ من كتابة هذه الدراسة، فإن إسرائيليين ما زالوا يتظاهرون في محيط منزل عائلة أبو آمنة في العفولة يومياً، وهم يرفعون الرايات الإسرائيلية ويهتفون ضدها وينشدون النشيد الإسرائيلي "هتيكفا"، مهددين أمنها الشخصي وعائلتها من دون تدخّل من أي جهة رسمية.[46]
ووفقاً لمركز "عدالة"، فإن أجهزة النظام تتهم كل مَن يعبّر عن رأيه، سواء فعل ذلك في منصات التواصل الاجتماعي أو عن طريق وقفات احتجاجية، بـ "دعم تنظيمات معرّفة بحسب القانون الإسرائيلي، بأنها إرهابية" ، وبـ "التحريض على الإرهاب". ويدخل ضمن التعبير عن الرأي الذي يلاحَق صاحبه بسببه، معارضة استهداف الهجمات الإسرائيلية للمدنيين، والتعاطف مع مواطني غزة، والحديث عن العقوبات الجماعية وجرائم الحرب وتناقل الأخبار بشأن ما يحدث في قطاع غزة وغيره. ووفقاً لمعلومات محدثة حتى تاريخ 13 تشرين الثاني / نوفمبر 2023، فإن مركز "عدالة" رصد 251 حالة اعتقال وتحقيق و"محادثة تحذيرية" تتوزع على: الجليل (129)؛ المثلث والمركز (76)؛ النقب (46). وفي حالات الاعتقال، فإن الخلفيات تتنوع بين: التفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي (121)؛ التظاهر (31)؛ ممارسة نشاط سياسي، أو ديني، أو عرقلة عمل الشرطة (60)؛ حالات لا توجد معلومات عن خلفياتها (39). وبحسب المعطيات الرسمية التي أعلنتها النيابة العامة الإسرائيلية، قُدمَت 76 لائحة اتهام حتى تاريخ 13 تشرين الثاني / نوفمبر 2023 بذريعة الدعم أو التماهي مع منظمة تُعرَّف وفق القانون الإسرائيلي بأنها "منظمة إرهابية"، بموجب المادة 24 (أ) من "قانون مكافحة الإرهاب"، أو "التحريض على الإرهاب" بموجب المادة 24 (ب) من القانون نفسه.[47]
يتلاءم توجّه الشرطة والأجهزة المرتبطة بها، مع تعليمات عمّمها المفوض العام للشرطة، يعقوب شبتاي، بعدم المصادقة على تنظيم تظاهرات ووقفات احتجاجية ضد الحرب على قطاع غزة أو تضامناً مع مواطنيه. وشملت تلك التعليمات، وفق فيديو نشرته منصات رسمية متنوعة لشرطة إسرائيل، التهديد بعقوبات اقتصادية في حقّ المتظاهرين والمحتجين، وكذلك ترحيل المتضامنين مع غزة عبر باصات إلى القطاع.[48] واعتبر مركز "عدالة" في رسالة وجّهها إلى كل من المستشارة القضائية للحكومة، غالي بيرهاف – مياره، والمفوض العام للشرطة، شبتاي، أن تعليمات الأخير إشكالية وغير قانونية، كونها تنتهك حقاً دستورياً في التعبير عن الرأي.[49] كما أرسلت "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" رسالة إلى المستشارة القضائية، وإلى رئيسة قسم التحقيق مع الشرطة، كيرن بار - مناحم، تطالب فيها بفتح تحقيق مع شبتاي، معتبرة تصريحاته تحريضاً جامحاً وتهديدات ضد المجتمع العربي في إسرائيل.[50] وضمن هذا التوجه العدائي نفسه، كانت النيابة العامة قد قررت السماح للشرطة، بشكل استثنائي، بفتح تحقيق من دون الحصول على موافقة مسبقة من النيابة العامة، وأكدت أنه جرى تمديد اعتقال معتقلين ممّن نشروا "كلمات دعم وإشادة بأعمال حركة "حماس".[51]
وشملت ممارسات وسياسات الإسكات أيضاً، التضييقات والانتهاكات في حقّ الصحافيين والطواقم الإعلامية، فقد رصد "المركز العربي للحريات الإعلامية والتنمية والبحوث / إعلام"، حتى تاريخ 23 تشرين الأول / أكتوبر 2023، تضييقات وانتهاكات ارتكبتها قوات الجيش والشرطة في حقّ 13 صحافياً وطاقماً إعلامياً من فلسطينيي 48 في سياق الحرب. وتنوعت التضييقات والانتهاكات ما بين الانتهاك / الضرر الفيزيائي، والكلامي، ومصادرة معدات، وإضرار بمعدات، واحتجاز، واعتقال، وتحقيق، وطرد، وغير ذلك.[52]
وتعرّضت أيضاً شخصيات تمثيلية تتموقع ضمن خطاب الاستيعاب أو الاندماج سياسياً، لممارسات إسكاتٍ، فقد اتخذت "لجنة السلوكيات" في الكنيست، برئاسة ينون أزولاي (من حزب "شاس")، قرارين عقابيين في حقّ البرلمانيتين إيمان خطيب - ياسين ("القائمة العربية الموحدة")، وعايدة توما - سليمان ("الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة")، يقضيان بإبعادهما عن الكنيست، علاوة على حرمانهما من جزء من أجرَيهما الشهري. والقرار في حقّ خطيب - ياسين سببه تصريحاتها خلال مقابلة أجرتها معها "قناة الكنيست" في 5 تشرين الثاني / نوفمبر 2023، تطرقت فيها إلى أحداث عملية "طوفان الأقصى"، إذ قالت: "لم يقوموا بذبح أطفال رضّع [تقصد مقاتلي القسّام]، على الأقل ممّا ظهر في الفيلم، ولم يقوموا باغتصاب نساء"، مؤكدة أن هذا ما رواه لها ثلاثة زملاء لها في كتلتها البرلمانية شاهدوا الفيلم. وقد اتُّخذ القرار في حقّها على الرغم من تراجعها عن تصريحاتها والاعتذار، بضغط من حزبها ورئيسه منصور عباس الذي طالبها بالاستقالة بعدها. واعتبرت اللجنة هذه التصريحات "إنكاراً للمذبحة والاعتداءات".[53] أمّا القرار في حقّ عايدة توما - سليمان، فسببه تغريدة لها عبر منصة "إكس" تنتقد فيه مهاجمة الجيش الإسرائيلي المستشفيات، وتحديداً "مستشفى الشفاء"، والتي اعتبرتها اللجنة "توجيه تهمة ارتكاب جريمة حرب إلى جيش الدفاع الإسرائيلي."[54]
ولم تقتصر ممارسات وسياسات الإسكات على أساليب "العصا"، بل شملت أيضاً أساليب "الجزرة"، ومن ذلك ما جاء في صحيفة "يسرائيل هيوم" من أن حكومة النظام الإسرائيلي خشيت من أفعال احتجاجية بين فلسطينيي 48، ولا سيما فيما يُعرف بـ "المدن المختلطة"، بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023. وانطلاقاً من ذلك، عملت "وزارة الشتات ومكافحة اللاسامية"، وعلى رأسها الوزير عميحاي شيقلي من "الليكود" على "منع الاضطرابات في المجتمع العربي"، ليس فقط عبر "اعتقالات واسعة النطاق وسريعة عقب أنشطة داعمة لـ "حماس" في شبكات التواصل الاجتماعي"، بل أيضاً عبر حملة توعوية رُفع فيها عنوان "المصير المشترك" لمواطني دولة إسرائيل، عرباً ويهوداً، وشملت لافتات إعلانية، وفيديوهات، وتعاوناً مع رؤساء السلطات المحلية، بتكلفة بلغت 1,5 مليون شيكل حتى تاريخ 27 تشرين الثاني / نوفمبر 2023. والهدف من هذه الحملة بحسب الصحيفة هو تهدئة الخطاب العام والتحذير من المخاطر، عبر بثّ مضامين من نوع "نحن معاً في هذه الحرب"، و"هذه الحرب ضدنا جميعاً"، و"معاً سننتصر". ومن المتوقع إنشاء إستوديو بثّ في الوزارة ضمن الحملة، وكذلك موقع إلكتروني بالعربية مرتبط بسياق الحرب. وتزعم الوزارة أن هذه الحملة ساهمت في منع تكرار مشاهد "هبّة الكرامة" (2021)، وهي الأحداث المسماة إسرائيلياً "حارس الأسوار".[55]
إن ممارسات وسياسات الإسكات، وغيرها كثير، ومنها ما هو ليس معروفاً بعد، تأتي في ظل استخلاص نتائج الأجهزة الأمنية للنظام الإسرائيلي من "هبّة الكرامة" (2021) تحديداً، والتي اعتبرت الأفعال الاحتجاجية لفلسطينيي 48 آنذاك، فتحاً لجبهة داخلية خلال الحرب ["سيف القدس" فلسطينياً، و"حارس الأسوار" إسرائيلياً]، الأمر الذي جعلها تطور مفهوم "الحرب الهجينة"، ومن أهدافها تفتيت المجتمع الفلسطيني في أراضي 48، عبر ضرب بُنيته الداخلية واستنزافه وترويعه، بحيث يفقد تماسكه، وبالتالي قدرته على المشاركة في أي أفعال احتجاجية ضد الممارسات والسياسات الاستعمارية.[56]
خاتمة: ليس كُموناً تماماً
إن تحليل حالة الكمون لدى فلسطينيي 48 خلال الحرب، لا يعني أنه كُمون تمام، فقد ظهرت أفعال ومبادرات مؤسساتية وجماعية متنوعة، حتى إن رآها البعض متواضعة قياساً على حجم الحدث، ولا سيما أنها ابتعدت عمّا هو احتجاجي / انتفاضي إلّا في حالات قليلة جرّاء القمع العنيف، واتجهت نحو الجانب الحقوقي، والإغاثي، والتوعوي، والإعلامي، والسياسي التقليدي، وغير ذلك.
ففي سياق الاحتجاجات / التظاهرات، نُظّمت مسيرة سيارات في مدينة أم الفحم، في 12 تشرين الأول / أكتوبر 2023، رفضاً للحرب على قطاع غزة وإسناداً لأهله، وقد اعترضتها قوات الشرطة واعتقلت أربعة من المشاركين فيها[57]. كما نُظمت مسيرة سيارات ثانية بعد منتصف ليل الثلاثاء الموافق فيه 18 تشرين الأول / أكتوبر 2023، افتُتحت بصلاة الغائب على أرواح شهداء غزة.[58] وفي 19 تشرين الأول / أكتوبر 2023، نُظّمت مسيرة جماهيرية في المدينة، بمشاركة المئات، قمعتها الشرطة واعتقلت خلالها 12 شخصاً،[59] وقدمت النيابة العامة في حقّ اثنين منهم لائحتَي اتهام بـ "التحريض على الإرهاب" و"التماثل مع تنظيم إرهابي".[60] ونُظّمت أيضاً تظاهرة في مدينة حيفا، في 18 تشرين الأول / أكتوبر 2023، قمعتها الشرطة واعتقلت خلالها 6 متظاهرين.[61] وعلاوة على ذلك، نُظّمت وقفة دعت إليها "لجنة المتابعة" في مدينة الناصرة، في 9 تشرين الأول / أكتوبر 2023، ليشارك فيها حصراً أعضاء في اللجنة وشخصيات تمثيلية، ووُجّهت إليهم دعوات شخصية، فقمعتها الشرطة واعتقلت خلالها كلاً من رئيس اللجنة محمد بركة، والنواب السابقين عن "التجمع الوطني الديمقراطي": سامي أبو شحادة، وإمطانس شحادة، وحنين زعبي، ونائب الأمين العام لـ "التجمع" يوسف طاطور، وحققت معهم بشبهة "انتهاك النظام العام والتحريض" قبل أن تُفرج عنهم جميعاً.[62]
وكانت "لجنة المتابعة" قد سعت لعقد لقاء بين شخصيات عربية ويهودية، سياسية وثقافية وأدبية، في مدينة حيفا، وذلك لبحث الحرب على قطاع غزة، ولا سيما شؤون فلسطينيي 48 في سياقها، إلّا إن الشرطة منعت عقد اللقاء من خلال تهديد مالكي القاعة حيث كان يجب أن يُعقد اللقاء. وخلال مؤتمر صحافي نظمته "لجنة المتابعة" في الناصرة، رداً على هذا المنع، بحضور رئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورغ،[63] بصفته ممثلاً "للقوى اليسارية والديمقراطية الإسرائيلية"، تبيّن أن الشرطة هددت كذلك مالكي قاعة أُخرى في شمال البلد، كانت "لجنة المتابعة" تخطط لعقد اجتماع شعبي فيه للغرض نفسه.[64]
ومن الأفعال والمبادرات الجماعية أيضاً، العفوية وغير المخططة، أنه في الفترة بين مجزرة "المستشفى المعمداني" في 12 تشرين الأول / أكتوبر 2023،[65] ومجزرة "كنيسة القديس برفيريوس" في 19 تشرين الأول / أكتوبر 2023،[66] بدأت صور حسابات وسائل التواصل الاجتماعي (profile pics)، وتحديداً في موقعَي "فيسبوك" و"إنستغرام"، تتغير إلى اللون الأسود على نحو كبير ولافت جداً، وخصوصاً في صفوف فلسطينيي 48، وغيرهم في فلسطين والمنطقة العربية والعالم، في تعبير عمومي من المشاركين عن الحداد والتضامن ورفض سياسات الإسكات، وإن بأدوات افتراضية تحل محل الانتزاع الشمولي للحيز العام / الشارع، وذلك على الرغم من تعميم الشعور بالرقابة الشديدة على وسائل التواصل الاجتماعي.[67] ومن المبادرات أيضاً، أن مجموعة من الناشطين والناشطات أطلقوا قناة على تطبيق "تيليغرام" تحت عنوان "إزالة محتوى محرّض"، تضم ما يزيد عن 1500 مشارك، من أجل رصد المحتوى التحريضي والتضليلي ضد الفلسطينيين والتبليغ عنه من أجل حذفه. وكُتب في رسالة في قناة المجموعة: "أغلب البلاغات اللي قدمناها جابت أثر ونجحنا نمحي أكثر من 80% من البوستات اللي قدمنا عليها report." كما أدى الضغط والنقد الجماهيريان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إلغاء عدد كبير من حفلات كان يُزمع تنظيمها خلال احتفالات رأس السنة، حداداً على ضحايا الحرب.[68]
تنظيمياً على مستوى قطري، أعلنت "لجنة المتابعة"، في 12 تشرين الأول / أكتوبر 2023، عن تشكيل لجان عمل تحت إطار "الهيئة العربية للطوارىء"، تُعنى بقضايا فلسطينيي 48 في سياق الحرب، وعلى رأسها الملاحقات والاعتقالات السياسية، وملاحقة الطلاب الفلسطينيين في مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية، والتنسيق مع المؤسسات الرسمية الفلسطينية بشأن معتقلي الضفة الغربية وقطاع غزة، وغير ذلك من قضايا.[69] وبين هذه اللجان "الهيئة المشتركة للكتل الطلابية في المعاهد العليا" التي باشرت عملها في منتصف تشرين الأول / أكتوبر، وهي تضم 26 جسماً طلابياً، وهدفها العمل على متابعة قضايا الطلاب الفلسطينيين في سياق الحرب، ولا سيما ما يتعرضون له من ملاحقات، والسعي لإعادة تنظيم الجسم التنسيقي الوحدوي للحركات الطلابية، ووضع رؤيا استراتيجية مستقبلية لإعادة تنظيم العمل الطلابي المشترك، وتوحيد الجهود والطاقات الفاعلة في مختلف الكليات والجامعات في أراضي 48.[70]
وفي سياق الحرب، وتحديداً في 17 تشرين الأول / أكتوبر 2023، أُعلن الانطلاق الرسمي لـ "ائتلاف الطوارىء - ائتلاف المجتمع المدني للطوارىء في المجتمع العربي"، بمبادرة من مؤسسات المجتمع المدني والناشطين الفلسطينيين في أراضي 48. ويصف "الائتلاف" نفسه بأنه "وضع لنفسه هدفاً أن يشكل مرجعية مهنية مستدامة، وأن ينسق التعامل مع حالات الطوارىء بمجتمعنا العربي، من خلال تقديم المساندة والدعم المطلوب لأبناء وبنات مجتمعنا لتخطي الظروف التي تتطور بوضع الأزمات والطوارىء، والتي أصبحت تتكرر في السنوات الأخيرة."[71] وقد أوضح "الائتلاف" في بيان بشأن أنشطته في سياق الحرب أنه سيعمل على: "التنسيق بين الأنشطة، والأطر، والمؤسسات الأهلية والشخصيات الفاعلة في الميدان؛ رصد، ومسح وتوثيق الحالات و / أو الأحداث و / أو الظواهر المتعلقة بحالات الطوارىء كالاعتداءات، والتحريض، والاعتقالات، وإقالات من العمل، وطرد وإبعاد من الجامعات والكليات؛ بناء قاعدة بيانات ومعطيات مهنية متاحة توثق الأحداث المختلفة وتعمل على دراستها؛ رفع منسوب الوعي المجتمعي وتعزيز التكافل الاجتماعي؛ معالجة القضايا المختلفة وتقديم الاستشارة في المجالات التالية: القانونية، والصحية، والإعلامية، والتخطيطية، والصحة النفسية؛ المرافعة لتحصيل الخدمات المستحقة لمجتمعنا."[72] ومن خلال فحص المواد المتاحة عبر منصات "الائتلاف"، نرى أن جهده يبدو قليلاً وضعيفاً، لأنه يقتصر أساساً على التوعية بأدوات إعلامية.
ثمة انتقادات عديدة وُجهَت إلى "الائتلاف" بعد إعلان انطلاقه، منها أنه جاء لينافس "الهيئة العربية للطوارىء" ولجان عملها المنبثقة من "لجنة المتابعة" بصفتها المظلة الجامعة والموحدة للطيف السياسي الوطني، وأيضاً أنه يضم مؤسسات ذات خطاب استيعابي معيشي، وأُخرى إسرائيلية، مع الإبقاء على خصائص النظام الإسرائيلي بصفته "وضعاً قائماً" لدولة. وفي هذا الصدد، كتب رامي منصور، رئيس تحرير موقع "عرب 48": "يحاول جماعة المال الأميركي الصهيوني في 'المجتمع المدني'، تشكيل أطر بديلة للأطر الوطنية الجماعية، مثل لجنة المتابعة والجمعيات الوطنية، ويطلقون مشاريع موازية ذات أجندات خارجية لصرف الميزانيات والتوظيف تحت شعار 'حالة الطوارىء'. هؤلاء طارئون ويحملون أجندات خارجية، تحديداً مَن شبّه حماس بداعش، وعلى لجنة المتابعة اليوم قبل الغد، نبذهم ولفظهم ورفض أي تعاون مع مثل هؤلاء مهما كانت قدراتهم أو حجم أموالهم، فمواقفهم وأجنداتهم الخارجية هي عبء على المتابعة وعلى مسيرتها الوطنية، فمثل هؤلاء يسمسرون بمعاناة الناس في زمن الحرب، ويشرّعون الحرب على غزة بمواقفهم وتبنّيهم للدعاية الإسرائيلية. هؤلاء طارئون على شعبنا، ولا يمكن أن يكونوا منقذين له في الطوارئ."[73]
كما تشكلت تنسيقية غير رسمية بين مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة بين فلسطينيي 48، للتعامل مع سياقات الحرب وقضاياها في ظل حالة الطوارىء المعلنة إسرائيلياً، ضمت ثماني مؤسسات، هي: "المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي / حملة"؛ "جمعية الثقافة العربية"؛ "جمعية الشباب العرب / بلدنا"؛ "المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية / عدالة"؛ "القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني"؛ "تنظيم نسوي / كيان"؛ "حركة نسوية عربية / السوار"، "المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية / مدى الكرمل". وهذه المبادرة جاءت لتوفر إطاراً فلسطيني المرجعية، حقوقياً وأخلاقياً، يحاول التفكير والتصرف جماعياً في سياق الحرب، ومشاركة وتبادل المعرفة والخبرات والمعلومات، فضلاً عن السعي لتنظيم أنشطة مشتركة بين المؤسسات، تلبي حاجاتها وحاجات جمهورها.[74]
إعلامياً، هناك عدة مؤسسات إعلامية فلسطينية استمرت في أداء دورها المعتاد في تناول الحرب وتغطية شؤونها، على الرغم من التقييد الشديد على حرية التعبير عن الرأي، والملاحقات في هذا الصدد. ويمكن الإشارة إلى جهدين بارزين في هذا السياق: الأول للمجلة الإلكترونية "فُسحة - ثقافية فلسطينية" التي خصصت كل ما تنشره منذ بداية الحرب لهذا العدوان، وأطلقت ملفاً مفتوحاً بعنوان: "غزة... حروب إسرائيل والطوفان"، نشرت ضمنه 82 مادة حتى 14 كانون الأول / ديسمبر، تنوعت ما بين الشهادات، والنصوص الأدبية، والمقالات، والحوارات، والمعارض الرقمية.[75]
وبرز أيضاً جهد موقع "عرب 48" الإخباري، الذي يعمل منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 على تغطية مجمل تفصيلات الحرب، من دون أن يتأثر خطابه بحالة الطوارىء المعلنة إسرائيلياً، وحتى 14 كانون الأول / ديسمبر، كان قد نشر 81 مقالة رأي لكتّاب من فلسطينيي 48 أساساً، علاوة على 34 لقاء بودكاست، بعضها بالإنجليزية، وبعضها بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، تناولت طيفاً من القضايا المتعلقة بقطاع غزة والحرب الإسرائيلية عليه، مع تركيز على فلسطينيي 48 والنظام الإسرائيلي داخلياً.
كذلك نظّمت مؤسسات المجتمع المدني ومراكز بحثية وعدة أطر أهلية، عشرات الفاعليات والأنشطة التي تتفاعل مع الحرب وتعالج ظواهرها وقضاياها، بالتركيز على فلسطينيي 48، وانطلق كثير منها من منطق "حالة الطوارىء"، مع تقييدات تعبيرية بارزة، كالابتعاد عن ذكر غزة وقطاعها مباشرة مثلاً، وذلك في ضوء حالة الكُمون وما يرتبط بها من ملامح هلع ناتجة من ممارسات وسياسات الإسكات، بغضّ النظر إن كانت مبررة أو غير مبررة. ولعل أبرز المبادرات في هذا السياق مؤتمر أكاديمي بعنوان "الحرب على قطاع غزة: مقاربات سياسية، اجتماعية، ثقافية"، والذي عُقد في حيفا في 15 كانون الأول / ديسمبر، بالتعاون بين "المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية / مدى الكرمل"، و"جمعية الشباب العرب / بلدنا"، و"جمعية الثقافة العربية"، بمشاركة 18 باحثاً وشاعراً وكاتباً. وتناول المؤتمر الحرب على القطاع، مقارباً إياها من مداخل سياسية، واجتماعية، وثقافية، وتاريخية. وكان عنوان الجلسة الأولى "شهران على الحرب: قراءات سياسية، فكرية، استراتيجية"، والثانية "إسرائيل القبيلة: حدودها الداخلية والخارجية"، والثالثة "تأريخ غزة وإقليمها: قراءات حضرية، ثقافية، سياسية".[76]
المصادر:
[1] علي مواسي، "حصار بلا غلاف"، "عرب 48"، 17 / 10 / 2023.
[2]"عملية 'طوفان الأقصى': انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة"، ورقة تقدير موقف، "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات"، 12 / 10 / 2023.
[3] خلال هذه الحرب استُخدم مصطلح "الإبادة" (genocide) لتوصيف ممارسات قوات الاستعمار الإسرائيلي في قطاع غزة وتحليلها، على نحو غير مسبوق: كثافة واطراداً في الخطاب الذي يستهدف فلسطين، تناولاً وتحليلاً، واستناداً إلى مفاهيم القانون الدولي. وقد بات هذا المصطلح حاضراً بقوة في التداول الإعلامي العام، وفي الحركات الاحتجاجية التي باتت تندد به في تظاهراتها وفي أشكال الاحتجاج الأُخرى. انظر: ربيع إغبارية، "النكبة المستمرة: نحو إطار قانوني لفلسطين / ترجمة"، "فُسْحَة - ثقافية فلسطينية"، 30 / 11 / 2023.
[4] بشأن خسائر الحرب على قطاع غزة، انظر مثلاً: "الأمم المتحدة: الحرب دمرت خُمْس مباني غزة و18 في المئة من البُنية التحتية منذ اندلاع الحرب"، "القدس العربي"، 12 / 12 / 2023.
[5] يُشار إلى أن الأفعال الاحتجاجية في الأراضي الفلسطينية المسيطر عليها صهيونياً منذ النكبة، لا تتوفر عنها دراسات معمقة كافية، الأمر الذي يقف عائقاً أمام تأطيرها معرفياً، وصوغ سرديتها، وفهم خصائصها، وبالتالي يؤدي إلى سقوطها من التداول الخطابي في كثير من الأحيان، إلّا الأكثر شهرة منها، والمرتبط تحديداً بطقوس الاستذكار الجماعي، مثل "يوم الأرض" (1976)، و"هبّة أكتوبر" (2000)، كما أن هذا الواقع يعوق تلك الأفعال الاحتجاجية من أن تكون جزءاً من تاريخ جماعي.
[6] المدن المختلطة هي مجموعة من مدن فلسطين التاريخية، تُعَد ديموغرافيتها اليوم ذات أغلبية يهودية وأقلية عربية بسبب التهجير الكبير خلال سنتَي 1947 و1949، هي: حيفا، ويافا، واللد، والرملة، وعكا، ويمكن أن تُضمّ إليها مستعمرات حديثة مثل "نوف هجليل" (الناصرة العليا سابقاً).
[7] للمزيد عن الكُمون والعبور، انظر: جمال مصطفى، "فتح الباب... والعبور"، "فُسْحَة - ثقافية فلسطينية"، 23 / 11 / 2023.
[8] أحمد أمارة، "الفلسطينيون في إسرائيل"، في: "تقرير مدار الاستراتيجي 2022/المشهد الإسرائيلي 2021"، "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية / مدار"، 2022، ص 182 - 211.
[9] انظر: عوض عبد الفتاح، "هل هي ردّة أم حكمة وتعقل؟"، "عرب 48"، 19 / 11 / 2023.
[10] يحيى جبارين، "حظر الحركة الإسلامية و17 مؤسسة تابعة لها"، "عرب 48"، 17 / 11 / 2015.
[11] محمود الريماوي، "هذه الهبّة الوطنية الفلسطينية ضد استهداف 'التجمع' "، "العربي الجديد"، 24 / 9 / 2016.
[12] انظر: نسرين مزّاوي، " 'طحينة الأرز'... لحظة مركّبة وأربعة أوجه للواقع المثلي"، "فُسْحَة - ثقافية فلسطينية"، 12 / 7 / 2023.
[13] أمارة، مصدر سبق ذكره.
[14] بشأن المجال السياسي الفلسطيني في أراضي 48 والحراكات الشبابية والمستقلة، انظر: هنيدة غانم، "تحولات نضال فلسطينيي 48 ما بين القضايا 'القومية' والمواطنة الإسرائيلية"، "مركز الجزيرة للدراسات"، 19 / 6 / 2022.
[15] انظر: إيناس عودة - حاج، "بين عنفَين: المجتمع الفلسطيني بين الحرب وسياسات الإخراس – قراءة سيكولوجية"، في "أوراق فلسطينية 11، ملف الحرب على قطاع غزة" (2)، "المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية/مدى الكرمل"، تشرين الثاني / نوفمر 2023
[16] بيروت حمود، "معتقلو 'هبّة الكرامة': الجرح المنسي"، الأخبار (بيروت)، 6 / 12 / 2022.
[17] "السلطات المحلية" هو مصطلح بيروقراطي إسرائيلي يُقصد به المجالس المحلية والبلديات.
[18] عن المكانة المجتمعية وارتباطها بالجريمة المنظمة، انظر: وئام بلعوم وآخرون، "العنف والجريمة لدى الشباب في الداخل الفلسطيني: عوامل وسياقات" (حيفا: جمعية الشباب العرب / بلدنا؛ كوفنتري: جامعة كوفنتري، 2022)، ص 57 - 140.
[19] عرين هواري، "الفلسطينيون في إسرائيل: تفكك 'المشتركة' وتفاقم القمع القومي وتصاعد نوعي في الجريمة"، في: هنيدة غانم (محررة)، "تقرير مدار الاستراتيجي 2023: المشهد الإسرائيلي 2022" (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية / مدار، 2023)، ص 154 - 169.
[20] انظر: أمير مخول، "رهان إسرائيل على الجريمة المنظمة"، "عرب 48"، 8 / 9 / 2022.
[21] أمارة، مصدر سبق ذكره.
[22] انظر: ناهد درباس، "الشيخ رائد صلاح: تهديدات تلاحق ناشطي وناشطات لجان 'إفشاء السلام' "، "العربي الجديد"، 13 / 9 / 2023.
[23] "حراك فحماوي: إطلاق النار تجاه منازل ناشطين معتقلين في أم الفحم وسيلة ضغط جديدة"، "الجرمق الإخباري"، 6 / 12 / 2023.
[24] علا طه وآخرون، "عامان على هبّة الكرامة (أيار 2021): سياسات القمع والفصل العنصري" (حيفا: المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل / عدالة، 2023)، ص 21 – 26.
[25] أمارة، مصدر سبق ذكره.
[26] طه، مصدر سبق ذكره، ص 19.
[27] المصدر نفسه، ص 22.
[28] المصدر نفسه، ص 26.
[29] هواري، مصدر سبق ذكره.
[30] طه، مصدر سبق ذكره.
[31] هواري، مصدر سبق ذكره.
[32] هذا الطرح هو لـ "التجمع الوطني الديمقراطي"، وربما يكون له جذور لدى "حركة الأرض" و"التقدمية"، وقد بات اليوم مركزياً لدى جميع أطياف المجال السياسي الفلسطيني في أراضي 48، حتى لدى أصحاب طرح "الدولة الواحدة"، من النهر إلى البحر، وكذلك "دولتين لشعبين". انظر: غانم، "تحولات نضال فلسطينيي 48..."، مصدر سبق ذكره.
[33] بشأن "قانون القومية"، انظر: أمل جمّال، "أهداف ومعاني اقتراح 'قانون أساس: إسرائيل - الدولة القومية للشعب اليهودي' "، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 101 (شتاء 2015)، ص 7 - 13.
[34] للمزيد عن مفهوم "الخصوصية"، انظر: رازي نابلسي، "في 'خصوصية' فلسطين 48: الداخل الفلسطيني بين التفكك وإعادة البناء"، "الآداب"، 5 / 11 / 2017.
[35] يمكن الاستماع إلى تصريحات منصور عباس من خلال الفيديوهات المنشورة في صفحته في موقع "فيسبوك"، في الرابط الإلكتروني.
[36] للمزيد، انظر:
- "الحرب على غزة: سياسة الإخراس والترهيب والملاحقة تجاه الفلسطينيين في إسرائيل"، "المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية / مدى الكرمل"، (تقدير موقف)، تشرين الثاني / نوفمبر 2023.
- مريم فرح، "حملة ملاحقات وتكميم أفواه غير مسبوقة وآخذة بالتصاعد ضد الفلسطينيين في إسرائيل بحجة 'دعم الإرهاب'!"، "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية / مدار"، 2 / 11 / 2023.
- علي مواسي، "منع بث 'شبكة الجزيرة' في إسرائيل: السياق والبيئة الخطابية لاتخاذ أنظمة طوارىء 'سيوف حديدية'، منع ضرر جسم بثّ أجنبي بأمن الدولة، 2023"، "المركز العربي للحريات الإعلامية والتنمية والبحوث / إعلام"، تشرين الأول / أكتوبر 2023 (مخطوطة تقرير بحثي ستُنشر قريباً).
[37] مهند مصطفى، مداخلة في ندوة إلكترونية بعنوان "قراءات تحليلية في الحرب على قطاع غزة"، "المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية / مدى الكرمل"، 8 / 11 / 2023، يمكن الاستماع إلى الندوة في موقع "يوتيوب".
[38] قاسم بكري، "المتابعة تحذر من استفحال الملاحقة الترهيبية والاعتقالات والاعتداءات الدموية ضد الناشطين العرب"، "عرب 48"، 15 / 10 / 2023.
[39] بكر زعبي، "ملاحقة المواطنين العرب: نحو 100 طالب في الإجراءات التأديبية"، "سيحاه ميكوميت" (بالعبرية)، 19 / 10 / 2023.
[40]"ملاحقة الطلاب الفلسطينيين في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة"، "المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل / عدالة"، 30 / 11 / 2023.
[41] زكريا حسن، "إحالة دلال أبو آمنة إلى الحبس المنزلي بشروط مقيدة"، "عرب 48"، 18 / 10 / 2023.
[42] زكريا حسن، "المحكمة تُبقي على ظروف اعتقال ميساء عبد الهادي بالحبس المنزلي"، "عرب 48"، 13 / 12 / 2023.
[43] ضياء حاج يحيى، "تمديد اعتقال شاب من الطيبة بادعاء 'كتابة منشورات تحريضية' "، "عرب 48"، 11 / 10 / 2023.
[44] زكريا حسن، "تسريح الناشط عيسى فايد من يافة الناصرة بشروط مقيدة"، "عرب 48"، 16 / 10 / 2023.
[45] إيناس مريح، "تمديد اعتقال مهند طه من كابول بادعاء نشر مضامين تتعلق بغزة"، "عرب 48"، 12 / 10 / 2023.
[46] زكريا حسن، "تظاهرات ومضايقات عنصرية يومية: 'تهديد على حياة الفنانة دلال أبو آمنة' "، "عرب 48"، 6 / 12 / 2023.
[47] "حول التحقيقات، الاعتقالات، ولوائح الاتهام لفلسطينيي الداخل"، "المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل / عدالة"، 14 / 11 / 2023.
[48] انظر فيديو "المفوض العام للشرطة، المفتش يعقوب شبتاي: مَن يرغب بالتضامن وتأييد غزة، مدعو للصعود الآن إلى الحافلات المتجهة لهناك"، موقع "تيك توك"، 17 / 10 / 2023.
[49] " 'عدالة' تطالب المفوض العام للشرطة بالتراجع عن تعليماته بمنع التظاهر والاحتجاج"، "المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل / عدالة"، 18 / 10 /2023.
[50] "المفتّش العام للشرطة يدلي بتصريحات عنصرية ضد المجتمع العربي"، "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل".
[51] "منذ بدء الحرب على غزة: الشرطة الإسرائيلية حققت مع 100 مواطن عربي بزعم كتابات 'داعمة لحماس'"، "عرب 48"، 15 / 10 / 2023.
[52] مواسي، " منع بث 'شبكة الجزيرة' في إسرائيل..."، مصدر سبق ذكره.
[53] انظر: "قرارات لجنة السلوكيات في الكنيست بموضوع تصريحات أعضاء الكنيست عايدة توما - سليمان وإيمان خطيب - ياسين"، "موقع الكنيست"، 15/11/2023.
[54] المصدر نفسه.
[55] شيريت أفيطان كوهين، "هكذا عملت إسرائيل من وراء الكواليس من أجل منع أحداث 'حارس الأسوار 2' "، "يسرائيل هَيوم" (بالعبرية)، 27 / 11 / 2023.
[56] أمير مخول، "بالترهيب والترغيب وكاتم للصوت الجماعي للجماهير العربية الفلسطينية"، "الاتحاد" (حيفا)، 1 / 12 / 2023.
[57] أمير علي بويرات، "الشرطة تعترض مسيرة سيارات إسناداً لغزة في أم الفحم وتعتقل 4 شبان"، "عرب 48"، 13 / 10 / 2023.
[58] أمير علي بويرات، "أم الفحم: مسيرة مركبات تنديداً بعدوان الاحتلال على غزة"، "عرب 48"، 18 / 10 / 2023.
[59] أمير علي بويرات، "أم الفحم: اعتقالات وإصابات بقمع مسيرة تنديداً بالعدوان على غزة"، "عرب 48"، 19 / 10 / 2023.
[60] زكريا حسن وأمير بويرات، "مؤتمر صحافي للمتابعة إثر منع الشرطة إقامة اجتماع عربي – يهودي ضد الحرب"، "عرب 48".
[61] إيناس مريح وضياء حاج يحيى، "الشرطة تقمع محتجين ضد العدوان على غزة في حيفا والطيبة: 8 معتقلين بينهم متظاهِرات... ومصاب"، "عرب 48"، 18 / 10 / 2023.
[62] زكريا حسن وأمير بويرات، "إطلاق سراح رئيس لجنة المتابعة محمد بركة وقيادات عربية"، "عرب 48"، 9 / 11 / 2023.
[63] وُجّه نقد إلى "لجنة المتابعة" لاختيارها أن تعقد مؤتمرها الصحافي مع أبراهام بورغ، ولا سيما أنه خرج بعد المؤتمر الصحافي في مقابلة مع الإعلامي بلال شلاعطة، متحدثاً عن إدارة غزة في المرحلة المقبلة، بعد القضاء على حكم "حماس"، طارحاً لذلك إدارة عربية تتشكل من دول "الاتفاقيات الأبراهيمية" التطبيعية.
[64] حسن وبويرات "مؤتمر صحافي للمتابعة إثر منع..."، مصدر سبق ذكره.
[65] "ناجون من مجزرة مستشفى المعمداني: ما حدث معنا فاق كل المجازر وفاق النازية"، "TRT عربي"، 18 / 10 / 2023.
[66] "إسرائيل ترتكب مجزرة جديدة بقصف كنيسة الروم الأرثوذكس بغزة والبطريركية تصفه بجريمة حرب"، "الجزيرة نت"، 20 / 10 / 2023.
[67] جاد قعدان، "زمن الحرب... تهافت هامش المدنية الإسرائيلية"، "فُسحة - ثقافية فلسطينية"، 01/11/2023.
[68] "اطفوا الموسيقى، عيب! إلغاء حفلات رأس السنة حزناً على غزة"، "فُسحة – ثقافية فلسطينية" في موقع "إنستغرام"، 18 / 12 / 2023.
[69] محمود مجادلة، "الهيئة العربية للطوارىء تشكل لجاناً لمعالجة قضايا المجتمع العربي في ظل حالة الطوارىء"، "عرب 48"، 12 / 10 / 2023.
[70] قاسم بكري، "الهيئة المشتركة للكتل الطلابية تعقد اجتماعاً موسعاً تحضيراً لافتتاح السنة الدراسية في المعاهد العليا"، "عرب 48"، 26 / 11 / 2023.
[71] "ائتلاف الطوارىء – ائتلاف المجتمع المدني للطوارىء في المجتمع العربي"، "المركز العربي للتخطيط البديل"، 17 / 10 / 2023.
[72] المصدر نفسه.
[73] رامي منصور، "عن طموحات الجثة الأميركية الخارجة من ثلاجة الموتى"، "عرب 48"، 19 / 10 / 2023.
[74] ورد هذا الكلام خلال حديث مع عدد من الفاعلين في هذه المؤسسات.
[75] انظر: "فُسحة- ثقافية فلسطينية".
[76] محمد وتد، "مؤتمر بحيفا: نتائج الحرب على غزة تحدد مستقبل القضية الفلسطينية"، "الجزيرة نت"، 16 / 12 / 2023.