The "Flood" Belies an Invincible Israel and a Democratic West
Date: 
October 28 2023
Author: 
blog Series: 

ربما، وبلا شك، أن كتائب "القسام" عندما فكرت ثم خططت ونفذت عملية "طوفان الأقصى"، لم يكن في حسبانها أن تكشف كذبتين كبيرتين، فتعري "إسرائيل الخارقة" و"الغرب الديمقراطي" المنادي بحقوق الإنسان والمساواة، وخصوصاً حقوق الطفل والمرأة، وهي مفاهيم سعت لفرضها على مجتمعات الشرق التي وسمتها بالتخلف.

واستفاق "الغرب الديمقراطي" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر على انهيار زَرْعِه المتمثل بإسرائيل الموسومة بـ "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" والقوة الخارقة التي كسرت جميع الجيوش العربية، وفرضت على كثير من الأنظمة العربية التطبيع، واكتشف أنها على شفا الانهيار بعد عملية عسكرية نوعية، كل ما أراد مخططوها ومنفذوها أسر كمٍ كافٍ من الجنود الإسرائيليين بهدف تصفير المعتقلات الإسرائيلية التي يُحتجز فيها أكثر من خمسة آلاف أسير وأسيرة وموقوفون إدارياً لمدد تزيد على احتمالات حكم قضائي فيما لو حوكموا حتى لو بقوانين المحتل المختلة أصلاً.

لقد عاش الغرب وإسرائيل حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وَهم السيطرة على الشرق العربي بأداتي القوة العسكرية والتفوق التكنولوجي، وتصدير مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان واتفاقات السلام و"قواعد الحرب"، بما أن هذا الشرق، في نظر وتنظير الغرب ومستشرقيه، ليس سوى مجتمعات همجية يرتدي أفرادها أزياء الغرب، ويستخدمون منتوجاته المتطورة كالروبوتات، وهم غير قادرين على إنتاج مثل تلك الثقافة، ومثل تلك التكنولوجيا!

لم تكد تغرب شمس 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حتى اكتشف الغرب أن شجرة الحور الباسقة التي زرعها فوق أشجار الزيتون والسنديان لهدف تدمير البيئة الطبيعية لفلسطين، قد تعرت أغصانها وبانت جذورها ويبس ساقها، وباتت في قيد الانكسار، فهبت بدءاً بكبيرها في القارة الأميركية وليس انتهاء بالدول الأوروبية حتى الهامشية منها، للإحاطة بشجرة زرعوها في سنة 1948، وظنوا أنهم قضوا من خلالها على بيئة فلسطينية متأصلة في أرض لم تهدأ على الرغم من كل المجازر المتتالية والمتمادية.

أثبتت عملية "كتائب عز الدين القسام" ما هو معروف ومتداول منذ إعلان بلفور مروراً بنكبة 1948، أن تأسيس إسرائيل حمل بطياته هدفين: عدم السماح بوحدة عربية بما أن استعمار فلسطين وزرع إسرائيل فوق ترابها يفصل عرب أفريقيا عن عرب آسيا، ويُبقي العرب في حال عدم استقرار بما لا يسمح لبناء ذات مزدهرة؛ والتخلص من المسألة اليهودية، وتصدير عقدة ذنب المحرقة النازية إلى خارج القارة الأوروبية، بالتآزر مع الحركة الصهيونية، فيبدو العرب بصورة عامة، والفلسطينيون بصورة خاصة، كأنهم هم مَن ارتكب المحرقة. أمّا الولايات المتحدة التي تحكمت بأوروبا اقتصادياً وسياسياً بعد الحرب العالمية الثانية، فقصدت بناء قاعدة أمنية لها في المنطقة، كي تبقى مسيطرة على ما تختزنه من مصادر الطاقة، في جزيرة العرب، وكون فلسطين تقع في حيّز جغرافي استراتيجي. 

دعم مالي غربي غير محدود

إن حجم الدعم المالي الغربي بصورة عامة، والأميركي بصورة خاصة، لإسرائيل، يكشف عن مدى الرهان المبكر على هذه القاعدة الإمبريالية، المؤلفة من جيش هو مجتمع الكيان كله، بغطاء على شكل قيادة سياسية، كان أهمها قادة عسكريون مارسوا السياسة بعد تقاعدهم من القتال والقتل؛ إنها النموذج الحديث لدولة إسبرطية، لكن غاب عن الغرب أن إسبرطة نفسها، في السردية التاريخية، انهارت ولم يبقَ منها سوى رواية لفيلم أميركي عن تلك الأسطورة التاريخية.

لنلقِ نظرة على حجم الدعم الأميركي لإسرائيل، حتى قبل إعلان تأسيسها، أي منذ سنة 1946 حتى سنة 2023، من دون المساعدة الطارئة غير المسبوقة التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد عملية "طوفان الأقصى"، فتلك المساعدت المبكرة بلغت 158,665 مليار دولار، وفق تقرير صادر عن خدمة الأبحاث في الكونغرس في نيسان/ أبريل 2023، مثلما هو مبين في الجدول أدناه (بمليارات الدولارات).

 

السنة المالية

مساعدات عسكرية

مساعدات اقتصادية

منظومات صاروخية

المجموع

1946-2020

104,506

34,347

7,411

146,265

2021

3,300

-

0,500

3,800

2022

3,300

-

1,500

4,800

2023 (حتى نيسان/ أبريل

3,300

-        

0,500

3,800

المجموع

114,406

34,347

9,911

158,665

المصدر: Congressional Research Service: U.S. Aid to Israel

 

بينما تظهر أرقام لمنظمة USA Facts غير الحكومية، أن المساعدات الأميركية لإسرائيل خلال الفترة 1946-2022، بلغت 317,9 مليار دولار، وهي الأكبر بين جميع الدول الحليفة لواشنطن، والتي تتلقى مساعدات أميركية، مثلما يُبيّن الجدول التالي:

 

الدولة

إسرائيل

فيتنام (ج)

مصر

أفغانستان

كوريا (ش)

بريطانيا

الهند

العراق

تركيا

فرنسا

المبلغ

317,9

148,5

182,3

160,9

119,9

107,5

102,9

100,6

98,3

300

المصدر: USA facts Organization

 

فضلاً عن المساعدات الروتينية، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن، أعلن خلال زيارته لفلسطين المحتلة ولقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أنه سيطلب من الكونغرس مساعدات إضافية لإسرائيل بقيمة 100 مليار دولار، بينما أعلن منح السلطة الفلسطينية في رام الله ومساعدات لقطاع غزة بـ 100 مليون دولار (رويترز 19/10/2023).

وفق تقديرات المنظمة غير الحكومية المستشهد بها في هذه المقالة، فإن الحجم الأكبر من المساعدات الأميركية (99,7%) ذهبت إلى البنود ذات الصلة بالمساعدات العسكرية، وهذا بحد ذاته كافٍ لبرهنة أن تأسيس إسرائيل، إنما قُصد منه بناء قاعدة أمنية إمبريالية غربية، أكثر من تأسيس دولة عادية طبيعية.

فضلاً عن المساعدات الأميركية، فإن فرنسا تبرعت لإسرائيل ببناء ترسانتها النووية، من خلال تمويل فرنسا بناء مفاعل ديمونا النووي ومنح إسرائيل منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي مساعدات عسكرية، ولا سيما طائرات مقاتلة، وكذلك الابتزاز الذي لم ينته لألمانيا، كتعويضات عن المحرقة النازية. ووفق وكالة DW الألمانية فإن تلك التعويضات والمساعدات "وصلت قيمتها إلى 3 مليارات مارك ألماني سابقاً، أي ما يعادل 1,5 مليون يورو مُقسمةٌ على 12 عاماً. كما حصلت المنظمات اليهودية المدافعة عن ضحايا المحرقة النازية على 450 مليون مارك. وكانت ألمانيا الاتحادية، في الفترة ما بين 1960 و1970، ثاني أكبر مُصدر أسلحة للدولة العبرية. وهذه المساعدات ساعدت إسرائيل في الحفاظ على وجودها في فترة حساسة خلال الحربين الأولى والثانية في المنطقة. ويرجع الناشر والمؤرخ الإسرائيلي توم سيغف بالذاكرة إلى الوراء فيقول 'لقد اعتبرنا منذ ذلك الوقت ألمانيا كمصدر قوة لإسرائيل'." (10/9/2912).

بذلك فإن إسرائيل تُعد أكبر دولة متلقية للمساعدات الغربية، مع التذكير بأنها لم ترسم حدودها نهائياً مع دول الجوار، إنما الخطوط الحدودية هي متوارثة من الاستعمارين البريطاني والفرنسي، مع ما أدخلته إسرائيل من تعديلات بعد احتلالها أجزاء من أراضي جميع دول الطوق العربية في حرب حزيران/ يونيو 1967. 

صدمة أكتوبر وكذبة ديمقراطية الغرب

استخدمت إسرائيل الكم الأكبر من المساعدات لتطوير أنظمة الدفاع المتعددة لديها. فبنت منظومة "حيتس2 و3، والمنوط بهما التصدّي للصواريخ الباليستية وطويلة المدى. وتعكف شركة الفضاء الإسرائيلية بالتعاون مع شركة بوينغ الأميركية على تطوير منظومة حيتس، في إطار برنامج أميركي مضاد للصواريخ الباليستية.

وكانت إسرائيل قد طوّرت منظومة القبة الحديدية بهدف التصدّي للصواريخ المنطلقة من غزة، بينما كانت تهديدات إيران وحلفائها في حسابات إسرائيل، عندما عكفت على تطوير منظومتَي مقلاع داوود وحيتس.

ويتميز مقلاع داوود بقدرته على استخدام صواريخ موجّهة بنظام مزدوج أحدهما يستخدم رادار نشِط والآخر يستخدم تقنية التصوير بالأشعة تحت الحمراء، بحسب تقرير نشرته مجلة "ميليتاري ووتش العسكرية" (بي بي سي 13/5/2023).

فضلاً عن المنظومات الصاروخية المضادة للأهداف الجوية، حازت إسرائيل أحدث الطائرات الأميركية وأقواها وهي "أف 35"، كما عملت على تقوية دروع دبابة الميركافا التي فشلت خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في سنة 2006. ولم تكتفِ إسرائيل بكل ذلك، بل عمدت إلى بناء جدران أسمنتية ومنظومة أسلاك شائكة على الحدود مع لبنان ومع قطاع غزة، مجهزة بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا من أجهزة مراقبة، ومنظومات رشاشات تعمل على الاستشعار ومن دون تشغيلها مباشرة من الجنود.

إلاّ إن تلك المنظومات سقطت جميعها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وتمكّن مقاومو "كتائب عز الدين القسّام" من تعطيلها بواسطة أدوات بعضها بتكنولوجيا بدائية، وبعضها الآخر تقليدي، لكن عبر استخدام ذكي للأدوات المتاحة التي عطلت أبراج المراقبة والرشاشات الثقيلة الإلكترونية، ودمرت أسطورة دبابة الميركافا مجدداً عبر قصفها بقذائف مضادة للدروع من أعلى بواسطة مُسيّرات تجارية جرى تطويرها محلياً. وخلال أقل من 3 ساعات تمكن مقاتلو "القسام" من اجتياح غلاف غزة والسيطرة على عشرات المستعمرات، والقضاء على فرقة غزة الإسرائيلية واحتلال مراكز قيادتها وتدميرها، وفق نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" صالح العاروري في مقابلة مع قناة الجزيرة (12/10/2023).

لم تكد تغيب شمس 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ويبزغ صباح اليوم التالي، حتى ظهرت إسرائيل كدولة مهزومة تكاد تنهار جراء عملية عسكرية نوعية، فهبّت سلطات دول الغرب، كل الغرب، لدعم عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، مادياً عبر مباشرة الولايات المتحدة إرسال الأسلحة المدمرة التي أُسقطت على مباني غزة التي دمر أكثر من 40% من مبانيها، وتسببت باستشهاد أكثر من 7000 فلسطيني، حتى كتابة هذه المقالة، معظمهم من الأطفال والنساء، في حملة انتقام ومحاولة يائسة لإعادة بناء مفهوم الردع الذي تهاوى مجدداً.

في سياق معالجة ما جرى، طُرح سؤال عن كيف سقطت منظومة الردع الإسرائيلية بهذه السهولة، وأحد الأجوبة المقنعة كان أن إسرائيل المُحاربة والشرسة مثلما بناها الجيل الأول، ضعفت مع الجيل الثاني، وترهلت مع الجيل الثالث من القادة السياسيين والعسكريين الذين لم يتمكنوا من بناء الجندي المثالي.

أمّا الغرب الذي أسس إسرائيل، فهاله سقوط إسرائيله المدوي خلال عملية نوعية وليس في حرب ضروس، فهب عن بكرة أبيه داعماً مجازرها في قطاع غزة التي فاقت كل وصف، وارتقت لا إلى جرائم حرب فحسب، بل إلى جرائم ضد الإنسانية وجريمة تطهير عرقي. وفي الولايات المتحدة عمت التظاهرات ولايات عديدة، ودخل متظاهرون يهود أميركيون إلى مبنى الكونغرس رفضاً للعدوان الإسرائيلي، لكن الإدارة الأميركية بجمهورييها وديمقراطييها أصرت على دعم المجزرة الإسرائيلية بحق أطفال غزة ونسائها؛ كذلك في بريطانيا التي شهدت عاصمتها لندن تظاهرة فاق عدد المشاركين فيها مئة ألف، أصر رئيس حكومتها سوناك على السير خلف الولايات المتحدة في دعم المذبحة؛ أمّا في فرنسا، بلد النور، فقد مُنعت التظاهرات الرافضة للعدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة، وعلى الرغم من خروج تظاهرات في باريس تحدت المنع، أصر الرئيس ماكرون على دعم إسرائيل اللامحدود.

وهكذا، أسقط قادة الغرب الذين تدفقوا على إسرائيل أكذوبة ديمقراطيته، وتغنيه بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتشديده في أماكن أُخرى على اتفاقية جنيف وبروتوكولاتها الأربعة، وظهر على أنه حكم أوليغارشي. وأسقط تشدقه بحقوق الإنسان بتعامله مع حق الإنسان الفلسطيني على أنه الأدنى مرتبة، وكان هذا الغرب الكاذب قد صرف من أجل تصدير مبادئ حقوق الإنسان إلى ما يعتبره دولاً متخلفة، مليارات الدولارات. فبات حرمان الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره إرهاباً، وليس عملية ديمقراطية وتتماشى مع القانون الدولي والمنطق العام، وباتت حقوق المرأة والطفل واتفاقية جنيف وبروتوكولاتها حبراً على ورق، مع اعتبار هؤلاء أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها عبر قتل آلاف الأطفال والنساء وتدمير الأعيان المدنية.

سقطت كذبة إسرائيل التي لا تُقهر، وسقطت كذبة ديمقراطية الغرب وتشدقه بحقوق الإنسان مرة واحدة بعملية "طوفان الأقصى" المباركة.

Read more