Aiming to Displace Gaza Strip People into Sinai: Back to Allon’s Plan
Date: 
October 24 2023
blog Series: 

إن فكرة استغلال الظرف والفرصة لتنفيذ المخططات الاستراتيجية هي في صلب العقيدة الأمنية الإسرائيلية وأحد أركانها. لذا، فإن اختلاق الذرائع والمبررات الأمنية تتيح للمنظومة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية فرصة لتبرير السيطرة والتوسع أمام الشرعية الدولية.[1]  إن الهجوم المفاجئ على إسرائيل، وما كشفه من الفشل الأمني والاستخباراتي والعسكري والسياسي في إسرائيل، وإعلان إسرائيل حالة الحرب، سمح بتوفير ما يمكن وصفه بـ "حالة لزجة"، وهي حالة مؤاتية لإسرائيل لإعادة الاعتبار لمخططات استعمارية استراتيجية يتم النظر إليها على أنها قديمة (passé): إحدى أخطر المخططات المتعلقة بقطاع غزة هي خطة آلون الشهيرة.

فقد وصلت الدوائر الاستراتيجية في الكيان إلى قناعة تامة بفشل منظومة "الغيتو" التي فُرضت على غزة منذ سنة 2002 في إبان حكومة شارون، في إثرالانتفاضة الفلسطينية الثانية. فقد تحول إلى منظومة عسكرية، دعائمها قوية تهدد العمق، وتُظهر قدرات عسكرية واستخباراتية فاجأت الجميع، ولم تعد سياسة الحصار والتسهيلات الاقتصادية الهزيلة مجدية.

كما فشلت عقيدة رئيس هيئة أركان الحرب الإسرائيلي الأسبق غادي أيزنكوت (رئيس أركان الجيش السابق) والتي أُطلق عليها تسمية "المعركة بين الحروب"[2].  لقد قامت النظرية على قاعدة تنفيذ عمليات استخباراتية وسيبرانية وعسكرية في كل مكان، ولا سيما في غزة ولبنان وسورية والعراق، وإذا اقتضى الأمر، يشن الجيش حملات عسكرية من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب واسعة النطاق. والغرض المبتغى من هذه العقيدة الأمنية المستحدثة هو إبقاء قدرات "العدو" ضعيفة، بحيث لا تشكل تهديداً وجودياً للكيان. وقد تبجح أفيف كوخافي (رئيس هيئة أركان الجيش السابق) وأيزنكوت ونتنياهو والزمرة العسكرية بمدى نجاعة هذه العقيدة، لكنها الآن تٌظهر فشلها المدوّي أمام إرادة شعب أصلاني مصرّ على إنهاء نظام الفصل العنصري على أرضه.

خرجت المنظومة السياسية والعسكرية، نسبياً، من حالة التخبط والفوضى التي برزت في الأيام الأولى، بعد عبور السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وشرعت في صوغ أساليب الرد العسكري الذي بدت معالمه مشوشة، فالجيش الذي يدّعي أنه الأقوى في المنطقة افتقر إلى التكتيكات العسكرية النوعية من هول المفاجأة واستعداد الطرف الآخر. فبنك أهدافه تركز على المدنيين، كما في كل جولة حرب تقريباً على غزة. أما وقد نالت المنظومة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية الدعم المطلق من الأنظمة الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، فقد فتح ذلك شهيتها لتنفيذ إحدى أخطر خططها الاستعمارية، وهي خطة آلون الشهيرة- كبديل استعماري من منظومة الغيتو الفاشلة.

شغل إيغال آلون منصب وزير الهجرة ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول في حرب حزيران/يونيو 1967، وكان من أبرز مؤسسي عصابة البالماخ في سنة 1941، وترأسها وهو في عمر السابعة والعشرين. وقدّم مشروعه لمجلس الوزراء في تموز/يوليو 1967، أي بعد شهر تقريباً من احتلال سنة 1967.[3]  لم تعلن إسرائيل موافقتها الرسمية على الخطة، والتي نُشرت في صحيفة "معاريف"، آنذاك، تحت عنوان "الدروس المستفادة من حرب يونيو/حزيران 1967"، ونُشرت أيضاً في أسبوعية التايم الأميركية (انظر/ي صورة رقم 1). يمكن تلخيص المشروع في ثلاثة عناوين: 1) حدود آمنة؛ 2) السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي وضمها بأقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين، للحفاظ على الطابع اليهودي للدولة؛ 3) تحقيق ما يسمى "الحق التاريخي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل".

 

صورة رقم (1): شرح مقتضب لخطة آلون كما نشرتها صحيفة "معاريف" في تموز/يوليو 1967

 

وعلى الرغم من عدم مصادقة الحكومة الإسرائيلية على المشروع، آنذاك، فإن مجمل سياسات الحكومات المتعاقبة، ولا سيما خلال العقدين الأخيرين، تدل على أن السلوك الإسرائيلي ماضٍ قدماً في تحقيق مشروع آلون. هذا أيضاً يبدو واضحاً في فترة ما بعد اتفاق أوسلو وانهيار حل الدولتين. ويمكن القول إن ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة، والتي تتناغم كثيراً مع معالم خطة آلون، تحظى بإجماع من مختلف تيارات اليمين والوسط الإسرائيليَين، وتتقاطع إلى حد ما مع "صفقة القرن" التي صاغتها إدارة ترامب. وقبل الخوض فيما يتضمنه المشروع بشأن قطاع غزة، نشير إلى أبرزالنقاط، والتي أصبحت واقع حال الضفة والقدس تقريباً: إذ ينص المشروع على فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن حتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين، وضمّ القدس وضواحيها والخليل وكتلة غوش عتسيون جنوبي الضفة. أما بقية أراضي الضفة الآهلة بالسكان، فتُعاد إلى الأردن، أو يتم منحها إدارة حُكم ذاتي، وإقامة معبر بين هذه الأراضي والأردن، عبر ضواحي مدينة أريحا (انظر/ي الصورة رقم 2).

 

 

 

صورة رقم (2): خطة آلون كما تم نشرها سنة 1970، حيث تظهر مساحات القطاع التي ترغب الخطة في ضمها إلى إسرائيل[4]

 

 

ويلاحَظ أن الاستيطان الزاحف والممارسات الإسرائيلية الممنهجة في الضفة هي تطبيق فعلي لمشروع آلون الاستعماري، مع تعديلات طفيفة تلائم التغييرات التي جرت في العقود الأخيرة. أما فيما يتعلق بغزة، فينصّ المشروع على ضم القطاع إلى إسرائيل بالكامل، والإبقاء على السكان الفلسطينيين الأصليين في القطاع، وتوطين اللاجئين خارج القطاع، إما في سيناء، وإما في الضفة الغربية، فيما أطلق آلون عليها اسم "قرى نموذجية". كما نص المشروع على احتفاظ إسرائيل بشرقي سيناء، من إيلات إلى شرم الشيخ. والجدير ذكره أن الملك حسين رفض المشروع، وقدم رؤيته المعروفة بشأن المملكة المتحدة.

إن خطة آلون، في جوهرها، لا تختلف كثيراً عن خطة مدغشقر النازية (وضعها آيخمان سنة 1940) لإجلاء اليهود في الحرب العالمية الثانية، في سياق ما سُمي الحل النهائي، والتي كانت تهدف إلى ترحيل يهود ألمانيا النازية إلى جزيرة مدغشقر، قرب السواحل الشرقية للقارة الأفريقية.[5]  ويبدو أن خطة آلون تطفو الآن على السطح، ولا سيما أن حرب إسرائيل المسعورة تتشكل بغطاء دولي أوروبي وأميركي. فالمنظومة الاستعمارية الإسرائيلية تسعى لاستغلال "الحالة اللزجة" التي وفرتها الحرب، والدعم الغربي غير المسبوق، لتنفيذ الترانسفير الجماعي بحق سكان غزة، بحجة القضاء على المقاومة المسلحة. وتظهر إسرائيل أمام المجتمع الدولي باعتبارها قلقة على حياة الغزاويين، على الرغم من جرائم الجينوسايد القائمة على مرأى من العالم أجمع، وتفرض تطهيراً عرقياً جديداً ومتسارعاً، برعاية دولية ومجتمع دولي استشراقي، لا يأبه لمصير السكان الفلسطينيين الأصلانيين الذين "أفرزوا جماعات ظلامية تشبه تنظيم داعش"، على حد تعبير الخطاب الغربي.

إن نية طرد الفلسطينيين من القطاع تتقاطع مع العقيدة الأمنية الإسرائيلية من عدة جوانب: 1) الأمن القومي الإسرائيلي الذي يستدعي إجراءات أمنية حاسمة لحماية المدنيين الإسرائيليين؛ 2) الدفاع الذاتي وإعادة الاعتبار لهيمنة إسرائيل الأمنية والاستخباراتية من خلال التصدي لهجمات "حماس"، عبر الهجوم العسكري الواسع؛ 3) الأمن الإقليمي المتعلق بإحلال السلام في الشرق الأوسط. وهناك مَن يصف هذه السياسة بعبارة "الردع من خلال العقاب"، وهذا ما عبّر عنه عضو الكابينيت الجديد جدعون ساعر الذي صرّح بأنه "يجب تحصيل أراضٍ من غزة في نهاية المعركة كثمن، حزام أمني، وإفهام الطرف الآخر بأن الذي يبدأ يفقد الأرض."[6]

وكانت المقرِّرة الأممية في الأراضي الفلسطينية صرّحت: “نحذّر من تطهير عرقي جماعي للفلسطينيين، وندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار... الخطر الأكبر الذي نشهده قد يكون تكراراً لنكبة 1948 ونكسة 1967 على نطاق واسع."[7] كما صرّح رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي بأن العملية الحالية أكبر من القضاء على "حماس".[8]  والأكثر وضوحاً كان تصريح نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون في مقابلة مع قناة الجزيرة الناطقة بالإنكليزية في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بأن على الفلسطينيين في غزة التوجه إلى سيناء الواسعة، وهناك سيتم بناء 10 مدن مزودة ببنى تحتية لاستيعاب اللاجئين، مسترشداً باستيعاب تركيا مليونَي لاجئ سوري. وفي اليوم التالي، صرّح وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش في اجتماع اللجنة المالية للكنيست بأن "الانبعاث سيقوم في غزة"، في رؤية استيطانية مسيانية، تنسجم مع خطة آلون، وهو بذلك يعبّر عن موقف الصهيونية الدينية التي تتطلع، بحنين، إلى العودة إلى "غوش قطيف".

لقد أظهر الجانبان المصري والأردني وعياً كبيراً بمخاطر التهجير والتوطين، ولا سيما بعد التصريح المدوّي للرئيس المصري، والذي عبّر فيه عن مخاطر تصفية القضية الفلسطينية عبر الترحيل. لكن السلوك الإسرائيلي يسير في هذا الاتجاه، والحرب ما زالت مشتعلة، ومخاطر التطهير العرقي والتوطين قائمة، وتدركها الأطراف المعنية من دول الطوق. لكن طبيعة ونطاق هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر يؤكد أن مسار المعركة لا يُحدَّد فقط من طرف المنظومة الاستعمارية، بل إن محددات الميدان هي صاحبة الفصل في هذا السياق.

 

 

[1] Norman G. Finkelstein. Image and Reality of the Israel – Palestine Conflict  (London: Verso Books,1995(.

[2] Gadi Eisenkot and Gabi Siboni, "The Campaign between Wars:How Israel Rethought Its Strategy to Counter Iran’s Malign Regional Influence,"  In the Washington Institute for Near East Policy  (2019). See: https://t.lyBQluD.

[3]مدار-بيديا- موسوعة المصطلحات، "مشروع آلون"، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار. 

[4]Salem Thawaba: “Building and planning regulations under Israeli colonial power: a critical study from Palestine,”  Planning Perspectives (2018), DOI: 10.1080/02665433.2018.1543611

[5]خطة مدغشقر: (1940)، انظر:

حنه ارندت، "آيخمان في القدس- تقرير حول تفاهة الشر"، ترجمة: نادرةالسنوسي (الجزائر: ابن النديم للنشر والتوزيع، 2014).

[6]https://rotter.net/mobile/viewmobile.php?forum=scoops 1 &thread=816866.

[7]الجزيرة نت، مسؤولة أممية تحذر من "تطهير عرقي جماعي" في غزة.

[8]https://www.aljazeera.nett

Read more