منذ اليوم الأول للحرب التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة، رداً على الإنجاز العسكري الذي حققته "حماس" في هجومها المفاجىء يوم السبت في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومع تصاعُد وتيرة الهجمات الجوية المدمرة على القطاع والقصف العشوائي للمباني السكنية والاستهداف الوحشي للمدنيين الفلسطينيين، ومع بدء تبادُل القصف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، كان السؤال الأساسي المطروح: هل سينضم حزب الله إلى القتال ضد إسرائيل، ويفتح جبهة ثانية ضدها في الشمال؟
الوضع على الجبهة اللبنانية مرتبط بمآلات القتال في جبهة غزة
تدل التطورات الأمنية التي شهدتها الحدود اللبنانية- الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية، وتبادُل القصف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله ومحاولات التسلل، وسقوط ضحايا لحزب الله والجهاد الإسلامي ومقتل عسكريين إسرائيليين، على أن الساحة اللبنانية باتت مرتبطة بساحة المواجهة في غزة، والوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل أصبح مفتوحاً على جميع الاحتمالات، وإن بدرجات مختلفة من الخطورة والسخونة. والسؤال: هل ستبقى المواجهة محصورة، جغرافياً، في المنطقة المتاخمة للحدود، وستقتصر على تبادُل الضربات، من دون الانزلاق إلى الحرب الشاملة والواسعة النطاق، أم ستتطور إلى مواجهة شاملة؟
وعلى الرغم من حالة التعبئة التي أعلنتها إسرائيل في الشمال، والانتشار الكثيف لقواتها على الحدود مع لبنان، وتصريحات قادتها السياسيين والعسكريين بأنهم مستعدون في أي لحظة لفتح جبهة ثانية، فإن الراهن حتى كتابة هذه السطور أن إسرائيل لا ترغب في هذه الظروف بالذات في مواجهة واسعة مع حزب الله. وخصوصاً أن الجيش في خضم التحضير لعمليات عسكرية برية في قطاع غزة، وضع لها ثلاثة أهداف رئيسية، هي: القضاء على القدرات العسكرية والسياسية للحركة، واستعادة القدرة الإسرائيلية على الردع التي انهارت، وترميم ثقة المواطن الإسرائيلي بالجيش وقوات الأمن، والتي تزعزعت بشدة.
وتتعامل إسرائيل مع خطر اندلاع حرب على الجبهة الشمالية مع لبنان، بالاستناد إلى التقديرات التالية:
- التقدير أن حزب الله لا يريد التورط في حرب شاملة مع إسرائيل حالياً، لأنه فقد عنصر المفاجأة الذي استغلته "حماس" جيداً، وفي ظل حالة التعبئة العالية للقوات الإسرائيلية من جهة، ومن جهة ثانية، نظراً إلى الوضع اللبناني الداخلي المأزوم والشغور في رئاسة الجمهورية، وعدم وجود إجماع وسط الرأي العام اللبناني على الدخول في مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل، يمكن أن تكون أعنف بكثير من حرب تموز/يوليو 2006 ، كما يهدد الإسرائيليون أنفسهم.
-الاعتماد الإسرائيلي على الدعم الأميركي السياسي والعسكري غير المسبوق، والتحذيرات الواضحة التي وجّهها الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه الأخير إلى حزب الله وإيران. ويبدو من خلال ما نشرته الصحف الإسرائيلية* أن التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة يجري بصورة مستمرة على مستوى الرؤساء والقيادات العسكرية على مختلف الصعد، وهناك حديث عن تقسيم عمل بين البلدين إذا فُتحت جبهتا لبنان والجولان. وهذا في رأي الإسرائيليين، يمكن أن يشكل حتى الآن رادعاً لحزب الله وراعيه الإقليمي إيران.
- اقتصار المواجهات حتى الآن على قواعد الاشتباك التي وضعها حزب الله منذ حرب تموز/يوليو 2006، والتي تعتمد على الردع المتبادل، أي أن يقتصر ردّ الحزب على أيّ اعتداء إسرائيلي على الأراضي اللبنانية بالرد عليه بالمثل. لكن هذه القواعد عرضة للتغيير، في ضوء التغيرات والتطورات المتسارعة التي يشهدها القتال في غزة والمواقف الدولية، وخصوصاً إذا شنّت إسرائيل عملية برية ضد القطاع.
سيناريوهات إسرائيلية
هناك 3 سيناريوهات يتحدث عنها الإسرائيليون:
1- الاستمرار في تبادل الضربات من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة
هذا هو السيناريو الراهن على الحدود في الأيام الأخيرة والمعرّض أن يستمر في الأيام المقبلة، بعد أن نجح حزب الله في إشغال الجيش الإسرائيلي وزرع الخوف والذعر بين سكان المستوطنات المتاخمة للحدود، وما جرى مساء يوم الأربعاء من أخبار عن تسلّل مسيّرات وطائرات شراعية من لبنان وإطلاق صافرات الإنذار في شتى أنحاء إسرائيل ، ليظهر فيما بعد أنه إنذار كاذب، هو دليل على حالة الإرباك والقلق التي تسود الحدود في الجانب الإسرائيلي.
2- سيناريو الضربة الاستباقية
منذ اندلاع المعارك في غزة والمناوشات على الحدود اللبنانية، برزت أصوات تطالب بانتهاز الفرصة السانحة والشرعية الدولية التي حظيت بها إسرائيل في الوقت الراهن من أجل ضرب الترسانة الصاروخية لحزب الله. ويعتبر أصحاب هذه الدعوة أن انهيار نظرية "الاحتواء" التي طبّقتها حكومات بنيامين نتنياهو في التعامل مع "حماس" في غزة، ومع سلاح حزب الله الصاروخي في لبنان، دليل واضح على فشل التعامل السابق مع سلاح حزب الله وضرورة حسم المسألة الآن. والملاحظ أن هذه الأصوات لا تقتصر على ممثلين من اليمين فقط.
3- سيناريو الحرب الشاملة
لا يستبعد المسؤولون الإسرائيليون إمكانية اندلاع حرب شاملة، سواء بقرار يتخذه حزب الله، أو جرّاء وقوع مجازر في غزة، تدفع إلى تدهور الأوضاع على كافة الجبهات، أو تبدّل الموقف الإسرائيلي من خوض حرب شاملة. في مثل هذه الحالة، ستجد إسرائيل نفسها في حرب على عدة جبهات. وهذا السيناريو، بحسب التصريحات الرسمية، أنهى الجيش استعداداته له، كما أن الحديث عن إخلاء المستوطنات على الحدود الشمالية من السكان، قد يكون أحد المؤشرات إلى احتمال نشوب مثل هذه الحرب.
كما عزّز احتمال نشوب مثل هذه الحرب التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني في أثناء زيارته في الأمس إلى بيروت، والتي قال فيها إن احتمال "فتح جبهات أُخرى من سائر تيارات المقاومة ضد الكيان الصهيوني هو احتمال وارد".
* انظر: مقال رون بن يشاي ومقال عاموس هرئيل على الرابط التالي : https://mukhtaraat.palestine-studies.org/node/32618