الموافقة
13 آب/أغسطس
"قائمة المقبولين
الاسم: رشا الجندي
تاريخ السفر: ٢١ أغسطس لمدة ٧ أيام / ٦ ليالي."
هذه هي الرسالة التي ظهرت على شاشة هاتفي من وكيل السفر الأردني. لا أذكر أي وقت سابق حبست فيه أنفاسي لفترة طويلة كتلك اللحظات في حياتي.
علامة تعجُّب
21 آب/ أغسطس
"هل لديك سلاح في حقيبتك؟"
كان هذا السؤال الأول الذي وجّهه إليّ ضابط شرطة "حدود" الاحتلال الإسرائيلية بعد سؤاله عمّا إذا كان باستطاعتي التحدث باللغة الإنكليزية أم لا (إجابتي بالإيجاب عن هذا السؤال الأخير دفعته إلى الصراخ بأذرع مفتوحة في قاعة ممتلئة بالناس "وأخيراً!" (كنت على متن حافلة مع نحو 45 مسافراً، معظمهم من كبار السن. كنا أول "مجموعة سياحية" من حاملي جوازات السفر الأردنية، والتي حصلت على موافقة الاحتلال الصهيوني على زيارة وطننا الأم بعد 5 أشهر من انقطاع الموافقات. تستمر المفارقة التي يفرضها "الأخ الكبير" على الفلسطينيين في المنفى من خلال أداء موظفي مراقبة "حدود" الاحتلال المتعالين والمبالغين في زيّهم المثير للنزعات الجنسية. كنت في منتصف الطابور أمام الضابط الأول، لذا، أخذت وقتي لتهدئة خفقان قلبي. كانت هذه المرة الأولى التي أقترب فيها إلى هذا الحد من المحتل. كانت دقات قلبي وفكّي المتوتر يعكسان غضبي، بينما كانت أنفاسي العميقة تعكس سيطرتي.
وبينما كنت أنتظر دوري بفارغ الصبر، تفحصت بتمعُّن القاعة المبنية على "الحدود" الصهيونية الشمالية مع الأردن، والتي تُعرف بمعبر الشيخ حسين. يشتهر المعبر بأنه مصمَّم لمجموعات السياح الذين يعبرون برّاً، ومن هنا جاء هيكله المضاء بالأنوار البيضاء التي تشبه تلك الموجودة في المطارات. دارت عيناي من زاوية إلى أُخرى، متأملةً كل التفاصيل، كل كاميرا، وإشارة، وبلاطة. تأملت عميلات الاحتلال بمكياجهن الكامل، وأظافرهن الطويلة والمشذبة جيداً، وتسريحات شعرهن الحديثة، والجينز الضيق للغاية الذي يُبرز أجسادهن. تأملت عملاء الاحتلال الذكور بقمصانهم الضيقة التي تُظهر عضلات صدورهم المفتولة من كل جانب. سمعت كل صرخة عبرية في وجه سيدة عجوز، وكل ابتسامة، ونخير وضحكة لاذعة على أي شخص لا يضع حقيبته بالطريقة الصحيحة على حزام جهاز التفتيش بالأشعة. هم حدّقوا بي، وأنا بادلتهم التحديق حدّةً!
بعد بضعة أسئلة أُخرى، وضع شرطي الاحتلال ملصقاً أحمر مستطيلاً على جواز سفري، وعلّم على علامة التعجب بالحبر الأزرق. بعد التفتيش الجسدي، سألني موظف الجوازات الأسئلة نفسها باللغة الإنكليزية قبل أن يتوقف عند اسم جدّي ويتساءل بصوت عالٍ، فجأة بالعربية، "اسم جدك موسى؟" بعد المزيد من الانتظار على الكراسي الفولاذية الباردة، ظهرت قطة بيضاء جلست في حضني وخرخرت بتودد.
اقتربت مني ضابطة جديدة، بابتسامة عريضة على وجهها. استقبلتني كما لو كنا أصدقاء منذ زمن طويل، وشرعت في الاستفسار عن عملي، كوني مصوِّرة، وعن مكان إقامتي، وعن وفد السفر المرافق لي، وفي النهاية عن إقامتي الدائمة في ألمانيا. وقد منحني التفصيل الأخير الإيماءة اللازمة لموافقة الدخول النهائية من المحتل إلى وطني.
خطّط لموتك جيداً
"في حالة وحدة بس ممكن تضلوا هون فيها، وهي - الله يعطيكم الصحة والعافية ويطول بعمركم - في حالة الوفاة. بس إذا واحد فيكم حس إنه يعني خلص رح يودّع، روحوا موتوا بمستشفى إسرائيلي هه! مش فلسطيني.. غير هيك كمان برجعوكم!"
بهذه الكلمات أنهى المرشد الفلسطيني قائمته الطويلة من القواعد. بذلك حاول تخفيف مطالبه المتكررة بعدم التفكير حتى في خرق قواعد مدة الموافقة على الدخول، والبالغة 7 أيام و6 ليالٍ فقط. لقد خطط الاحتلال لنا رحلتنا حتى قبل أن تبدأ، فقد حدّد مدة إقامتنا، وتواريخ السفر، ونقاط الدخول/الخروج، وساعة المغادرة بتاريخ 27 آب/أغسطس. إن الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين أمر "عبقري"، فهو لا يحتل الأرض والعقل فحسب، بل يحتل وقتنا أيضاً.
باحة المسجد الأقصى، القدس (أغسطس/٢٠٢٣)
ولكي يضمن وكلاء السفر أن المسافرين من حاملي الجوازات الأردنية مثلنا ملزَمون بمغادرة فلسطين المحتلة في الموعد المحدد، فإنهم يشترطون على فرد عائلي لكل واحد منا بالتوقيع على ضمانات مالية تتراوح بين 25 و 30 ألف دينار أردني. في تلك اللحظة تساءلت: هل تعادل "عقوبة" العودة إلى فلسطين تكلفة أغلبية المركبات الجديدة التي تسدّ شوارع عمّان؟ وربما لهذا السبب، بعد حصولنا على "مباركة" الاحتلال لشمّ رائحة بلدنا، قام الوكيل الفلسطيني الذي استقبلنا بالإبقاء على جوازات سفرنا معه، وترك لكل واحد منا نسخة من الوثيقة الأصلية وورقة تأشيرة الدخول الإسرائيلية الخضراء الهشة للتنقل.
وعلى الرغم من التعليمات الصاخبة من الوكيل، فإن الحالة المزاجية في الحافلة كانت ممتلئة بالسعادة والفرح. لقد نجحنا في الدخول، كثيرون منا لأول مرة في حياتهم، وآخرون لأول مرة منذ الطفولة. كنا جميعاً ملتصقين بنوافذ الحافلة. لا أحد يريد أن يفوّت شبراً واحداً من الأرض. بدأ رنين الهواتف يضج في الحافلة من أقارب متحمسين يستفسرون عن موعد وصولنا إلى نقطتيْ النزول: الأولى في أريحا، والثانية في القدس.
كنت قد قررت في وقت سابق النزول في الأخيرة. هذه هي المرة الأولى التي أعود فيها إلى البلد، لذا، يجب أن أرى قلبه أولاً. المثير للدهشة أنه بعد أن أخذ مستنداتي في البداية، اقترب الوكيل نحو مقعدي في الحافلة وأعاد لي جواز سفري من دون أي تفسير. للحظة، خطرت في بالي فكرة البقاء في البلد. للحظة واحدة فقط.
الأخ الكبير
21 و 23 آب/أغسطس
كانت الساعة السادسة إلا ربعاً مساءً عندما توقفت الحافلة قُرب باب العامود في القدس. أتذكر اللحظة التي نزلت فيها منها. استقبلتني رائحة الياسمين الحادة. نظرت إلى الأعلى لأدرك أنني كنت أقف تحت شجرة ياسمين عملاقة تزين سياج فندق القدس. على الرغم من كونه يقع في مقابل محطة حافلات كبيرة، فإن الرائحة العذبة سيطرت على المكان. ابتسمت بارتياح. لقد كنت قلقة للغاية من أن أول ما سأراه وأختبره في المدينة هو سيطرة الوجود اليهودي المتطرف عليها. كانت الشمس تنحني ببطء نحو مغربها في ذلك اليوم، ونسيم لطيف داعب بشرتي وشعري. هواء القدس الذي لا يُنسى، عانقني بحنان، ورحّب بي في بيتي.
لا يمكن لأحد أن ينكر جمال القدس القديمة، بأبوابها العظيمة، وأزقتها الضيقة والمتعرجة، وممراتها الصخرية القديمة، وهوائها الممتلئ برائحة الزعتر والمر والنعناع والقهوة والصابون. رأيت جمال القدس في الناس وأصواتهم. ثلاث سيدات كبيرات في السن يجلسن بجانب بعضهن البعض، متكئات على باب العامود العملاق، يتبادلن الضحكات. تشمل منتوجاتهن البسيطة الخضار الورقية الطازجة، بالإضافة إلى التين والعنب، يلوّنون المشهد. أثوابهن الفلسطينية التقليدية وأغطية الرأس البيضاء ذات الطبقات تزين الأرض بتطريزها المعقّد. أيديهن المتجعدة والأظافر المغطاة بالحناء تروي القصص. أتوقف عند منظر العنب وأسأل إحداهن من أين هي. "الخضر"! تصرخ بابتسامة دافئة، وتؤكد أن العنب يأتي من أرضها في القرية. تمدّ لي قطفاً صغيراً لأتذوقه، وأشتري بعض العنب والتين من المجموعة ليغمر فمي طعم فلسطين.
كنت أعتقد دائماً أن رواية جورج أورويل (1984) وفكرة "الأخ الكبير" التي تقدمها هي مجرد خيال مجنون، حتى واجهت الكيان الصهيوني وجهاً لوجه. إن الدمار المنهجي الذي يرتكبه الاحتلال في أرضنا، من جدار النهب الاستعماري إلى التوسع الاستيطاني، وكاميرات المراقبة الواسعة النطاق في كل زاوية، وتدمير الأراضي هي جزء واحد.
ما يفعله "الأخ الكبير" الصهيوني بشكل جيد أيضاً وبطريقة خفية، هو إعادة كتابة تاريخ المكان. فهل ينتبه المرء إلى نجمة داود المزروعة حديثاً في الحجر القديم لأسوار المدينة؟ وهل يتعجب المرء من جمال نبات أخضر زاحف على واجهة باب العامود، ليدرك أن هذا النبات هو أداة استعمارية لإخفاء أي مظهر إسلامي عن أسوار المدينة؟ الحقيقة الصعبة تسخر مني في كل اتجاه.
من المؤكد أن المجموعات السياحية الدينية التي تجوب أزقة القدس، لا تنتبه أو تدقق في أيٍّ من هذه التفاصيل. إنهم لا يرون جنود الاحتلال عند كل بوابة من أبواب المسجد الأقصى، وهم يقومون بتفتيش الفلسطينيين وفحص هوياتهم في أثناء محاولتهم الدخول إلى الحرم وأداء الصلاة. إنهم لا يرون كاميرات المراقبة التي تراقب الجميع، بما في ذلك هم أنفسهم. إنهم لا يرون أطفالاً من اليهود يتبخترون حول أسوار القدس القديمة ويستعرضون بنادقهم الثقيلة من طراز M16. إنهم لا يرون "الأخ الكبير". لا يرون إلا الحجارة، تلك التي يؤمنون بأنها هي أقدس الحقائق. إنهم لا يرون أهل المدينة، سكانها الأصليين. أولئك هم الصامدون في وجه كل محاولة يهودية استعمارية لمحو جنسهم واستبدالهم بآخر أجنبي المظهر. لم أكره السياحة قط كما مقتت المجموعات السياحية الدينية في القدس، وسلوكها الذي يُسقِط القدسية عن كل شيء.
فاطمة تعود
22 آب/أغسطس
قبل بضعة أشهر، سافرت صديقة ألمانية إلى قلب فلسطين المحتلة لزيارة صديقة لها. حاولت توثيق قرية والدتي المهجّرة "بيت دجن"، قضاء يافا، وشاركت الصور التي التقطتها معي. الصدمة من المشهد الغريب لكل شيء على شاشة هاتفي ظلت ترافقني لعدة أسابيع. لم أتمكن من مشاركة الصور مع والدتي، ولم أكن أعلم حينها أنني سأقوم بالرحلة نفسها إلى "بيت دجن" بعد بضعة أشهر.
البلدة القديمة، يافا (أغسطس/٢٠٢٣)
هذه المرة واجهت قبح المحو الصهيوني للوجود الفلسطيني بنفسي. مجموعة من المنازل المتطابقة تقع بجوار بعضها البعض، مع وجود مدرسة في وسط المستوطنة التي تُعرف الآن بـ "بيت داجون"، لم يتبقّ شيء من الهوية الفلسطينية في كل ما رأيته، باستثناء بيارة برتقال على حافة هذا المكان الغريب. كانت الأرض جميلة، محاطة بأشجار الصبّار الفلسطيني. للحظات سمعت في أذني وصف والدتي لبساتين جدها. لحسن الحظ، وجدت فجوة كبيرة في السياج بما يكفي للتسلل إلى البستان. كنت قد خططت لعودة رمزية لجدتي المرحومة فاطمة (أم علي) منذ مغادرتي عمّان. وقد حملت معي محفظة مطرّزة ترمز إلى جدتي التي طرّزتها لي قبل وفاتها ببضع سنوات. تحت شجرة برتقال، أخرجت المحفظة من حقيبتي وهمست لفاطمة بأنها عادت إلى أرضها الآن. لن أنسى أبداً ثقل الهواء، ورائحة أوراق شجرة البرتقال، ويقظة الصبّار تغمرني. في تلك اللحظة، استعدت الجمال الفلسطيني لأرض "بيت دجن" وقبّلت الأرض.
كانت زيارة يافا وحيفا صعبة بالقدر نفسه. لقد سيطرت الهياكل والمعايير الغربية للتنمية الرأسمالية على المدينتين، ودفعت أفراد المجتمع الفلسطيني القلائل إلى كانتونات صغيرة. وقد عانيت ذهنياً من منظر الزوار الإسرائيليين وغيرهم من السياح الذين كانوا يلتقطون الصور بالقرب من ميناء يافا القديم المشوّه بعلم الاستعمار المسخ.
تبادرت إلى ذهني مشاهد من كتاب سعاد العامري الأخير "أم الغريب"، اللقب الفلسطيني للمدينة، وأنا أتجول في ساحة برج الساعة. بعد أن نجحت في العثور على مكان فلسطيني لتناول فنجان من القهوة، طلبت من السائق أن يأخذني إلى حي المنشية، فقال لي: "كل شيء راح"، مشيراً إلى آخر دليل على وجود الحي، وهو مسجد حسن بيك. ويقع المسجد، المحاط بالرافعات التي لا نهاية لها، وسط ما يرغب الكيان الصهيوني في تطويره ليصبح منطقة تجارية مركزية في يافا. لقد تحطمت الهوية العربية الفلسطينية بالكامل وتحولت إلى ركام، وأصبحت اليوم أساس حديقة على جانب الطريق. "بيسمّوها واحة العدالة بالعبري"، أكمل السائق بابتسامة متهكّمة. المفارقة في هذه الحقيقة جعلتني أشعر كأنني شخصية في كتاب جديد. لكن لسوء الحظ، لم يكن موضوعه خيالياً.
البلدة القديمة، نابلس (أغسطس/٢٠٢٣)
على الرغم من غضبي من قبح وغرابة "أم الغريب"، فإنني لم أستطع مغادرة يافا من دون أن أشعر بالبحر، بحرنا نحن. لذلك، أمضيت بعض الوقت وأنا أطفو في البحر الأبيض المتوسط الذي عانقني بأمواجه الدافئة ورحّب بي في بيتي. لقد زرت البحر نفسه مرات لا تحصى من قبل، وعشت بمحاذاته في تونس مدة عامين ونصف. ومع ذلك، كان إحساسي بمياه البحر مختلفاً على بشرتي هذه المرة. لقد استرجعت جزءاً من حقي المسلوب في بحر يافا.
أولاد عكا
شعرت كأن هناك ثقلاً على صدري في الطريق بعد التوقف في حيفا والتنقل عبر مناطق سيطرة الكيان الصهيوني. عندما ترجلت من سيارة الأجرة في عكا، شعرت بالثقل يتلاشى. تملأ أغنية "يا عاشقة الورد" لزكي ناصيف هواء ساحة موقف السيارات، بينما تنقّب قطة وحيدة في سلة مهملات البلدية الممتلئة، ويمشي الناس ببطء نحو مسجد الجزار القريب. أصحاب المتاجر يتبادلون التحيات والنكات مع بعضهم البعض. رائحة دخان السجائر الممزوجة بالشاورما وملح البحر تملأ الهواء. مناظر وأصوات العناد الفلسطيني تخفف من خطواتي السريعة. تحتضن أسوار المدينة العالية الجبارة بيوتها الحجرية التي تزينها أواني الزهور والصبّار. لقد وقعت في حب عكا على الفور.
سور المدينة القديمة، عكا (أغسطس/٢٠٢٣)
بعد تناوُل إحدى أفضل وجبات المأكولات البحرية، توجهت لرؤية أولاد عكا المشهورين بالقفز من أعلى سور المدينة إلى البحر. استقبلني حسين وعبد الله ومحمد بحماسة: "بدك تنطّي؟" صرخ واحد منهم في اتجاهي. هم لا يترددون في دعوة المارة أو المتفرجين الآخرين إلى الانضمام إليهم. يتسلقون سور المدينة الذي يبلغ ارتفاعه 13 متراً، ويقومون بقفزات بهلوانية طوال فترة ما بعد الظهر.
سور المدينة القديمة، عكا (أغسطس/٢٠٢٣)
بينما أمضيت بعض الوقت في توثيق نشاطهم والاستمتاع بطاقة شبابهم، لم يسعني إلا أن أرى طوفان الجماعات الدينية اليهودية التي تتوافد إلى المدينة. شاهدت فتاة يهودية يافعة تنفصل عن إحدى تلك المجموعات وتصلّي أمام سور المدينة. بعد حوالي ساعة، عندما عدت من مكان أولاد عكا، إلى حيث هي، كانت لا تزال في الوضعية نفسها. على يمينها، لاحظت وجود لعبة من ألعاب الملاكمة الإلكترونية. لا يمكن أن يتجاوز عمرها الـ 14 عاماً. ومع ذلك، فقد تم تمهيد حياتها كمستوطنة يهودية إسرائيلية مستقبلية. سينتهي بها الأمر هنا، وربما تأخذ مكان أحد أولاد عكا، وتدّعي أنها كانت هنا أولاً. توقفت ونظرت ملياً إلى مشهدين متجاورين لكن مختلفين تماماً عن مرحلة الشباب، وتمنيت أن أتقدم إليها وأقول لها: "العبي يا فتاة، لا تصلّي."
جروح الخروج
27 آب/أغسطس
"معك سلاخ؟"
السؤال الذي استقبلني به الكيان الصهيوني عند دخولي يُطرح أمامي مرة أُخرى، لكن هذه المرة على راكب آخر على متن الحافلة عند معبر الشيخ حسين. صعد الضابط الإسرائيلي إلى الحافلة واختار أحد الركاب بشكل عشوائي ليطرح عليه هذا السؤال. نظراً إلى سوء نطقه الكلمة العربية التي يُفترض أن تكون "سلاح"، لم يفهم الراكب السؤال حتى صرخنا جميعاً في وجهه بالنطق الصحيح. أردنا فقط المضي قدماً. كانت كلمة "لا" البسيطة متبوعة بابتسامة متذمرة كافية للسماح لنا بالمضي قدماً.
كان الهواء في الحافلة ممتلئاً بالحزن والإحباط. 7 أيام و6 ليال كانت لحظة عابرة في حلم جميل. عندما بدأ المسافر الجالس بجانبي بمحادثتي عن زيارته إلى البلد، لم أتمكن من حبس دموعي وأنا أستمع إليه باهتمام، فناولني منديلاً بصمت.
بكيت لأن هذه كانت المرة الأولى والقصيرة جداً التي أمضيها في الوطن، وقد تكون الأخيرة.
بكيت على الحب الذي فقدته في فلسطين.
بكيت على ما كان يمكن أن يكون.
بكيت لأنني لم أرِد المغادرة. لكنهم لم يريدوا مني البقاء.
* جميع الصور بعدسة رشا الجندي.