"Readings in the Palestinian National Project between Past and Present"
Date: 
July 07 2023

نُشرت هذه المادة في الأصل في الموقع الإكتروني لمركز القدس للدراسات بتاريخ 26 حزيران/يونيو 2023 وتعيد المؤسسة نشرها هنا.

تقديم

الكتاب من إصدار مؤسسة الدراسات الفلسطينية وتحرير جميل هلال وخالد فراج، وهو عبارة عن مجموعة من الأوراق قدمها عدد من الباحثين الضليعين في الشأن الفلسطيني، خلال ندوة نظمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية في قبرص في أيار/مايو 2019، وكان الهدف منها الإجابة عن السؤال الموسع التالي: إلى أين وصل المشروع الوطني الفلسطيني في ظل التحولات الكبيرة التي شهدتها الحركة السياسية الفلسطينية، وكل من الطبقة السياسية والمجتمع في اسرائيل، وفي ظل متغيرات جذرية في الوضعين الإقليمي والدولي كان لها تداعيات كبيرة في مختلف المجالات؟ وقد بقي المشروع الوطني في الوعي العام الفلسطيني، على الأقل، يتمثل في الاستقلال وحق تقرير المصير والعودة، لكن من دون تفصيل يذكر، ولا شك في أن كل واحد من هذه العناوين الثلاثة يحتاج إلى تفصيل، وخصوصاً أن قاعدة "الشيطان يكمن في التفاصيل" باتت ترافق الحقل السياسي الفلسطيني، داخلياً وخارجياً. فالكتاب يقدم تحليلاً للمشهد الفلسطيني خلال حقبة أوسلو، وفي الوقت نفسه يتساءل عن الحاضر، وإلى أين وصل المشروع الفلسطيني اليوم في ظل صفقة القرن، كما يسعى لاستشراف المستقبل. 

هيكل الكتاب

وهذا الكتاب عبارة عن مقدمة قصيرة، واثنتي عشرة مقالة لاثني عشر باحثاً مختصاً، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول عبارة عن محاولة توضيح مصطلح المشروع الوطني وتعريفه، والتغيرات التي جرت عليه، والظروف المحيطة بمسيرة هذا المشروع منذ أكثر من مئة عام، إلى جانب محاولة استقراء مواقف القوى وفهمها لهذا المشروع في ظل المستجدات الجارية. والقسم الثاني هو عبارة عن قراءة معمقة لواقع المكونات الأساسية للشعب الفلسطيني، ودورها في المشروع الوطني. أمّا القسم الأخير فهو عبارة عن ثلاث مقالات رائعة لجميل هلال وجورج جقمان وحسن خضر فصّلت واقع المشروع الوطني الفلسطيني، ومكامن قوته وضعفه، إلى جانب الحديث عن الوسائل والاستراتيجيا المطلوبة لإنجاز هذا المشروع.

وعلى الرغم من أن الكتاب جمع مقالات لعدة كتاب، فإنها كلها تناولت الموضوع نفسه من زوايا وجوانب متعددة، كلها لها علاقة مباشرة بصلب المشروع الوطني. وكعادته يقدم جميل هلال للقارئ بحثاً رصيناً متماسكاً، بناء على معطيات ووقائع، إذ سيلاحظ قارئ الكتاب أن في كل مقالة تتبعاً دقيقاً لأهم الأحداث أو العناصر التي يتناولها موضوع هذه المقالة، وهذا لا يعني أن القارئ سيتفق بالضرورة مع كل ما هو مكتوب فيها.

يتناول الكتاب موضوعاً في غاية الأهمية، جرى طرحه في توقيت مهم جداً أيضاً (2019)، إذ تزامن مع الحديث عن صفقة القرن، كما يقدم سرداً وتحليلاً لمسيرة النضال الفلسطيني بإخفاقاتها وإنجازاتها، ثم يعرض أبرز التحديات التي تواجهها. ويتميز الكتاب بصراحة الطرح من دون مجاملة أحد، وبلغة سهلة يستطيع القارئ فهمها بكل سهولة، إلى جانب التعبير المباشر عن الأفكار بكل وضوح، الأمر الذي يجعله صالحاً للقراءة من قبل جمهور عريض، على الأقل في أغلبية المقالات، إذ يتناوله طلبة الجامعات، والباحثون في الشأن السياسي، أو المتابعون للقضية الفلسطينية والمهتمون بها، بسهولة ويسر. هذا كله يجعلني أقول إن الكتاب يصلح لأن يكون مادة نقاش لطلبة العلوم السياسية في ورش العمل أو حلقات البحث، كما ينفع أن يكون على طاولة المراكز البحثية التي تقدم توصيات أو تقدير موقف لصناع القرار والنخب الفلسطينية.

في المقالة الأولى يتساءل ماهر الشريف، مستغرباً: من أين تنبع مشروعية طرح السؤال عن ماهية المشروع الوطني؟ ويعتقد الكاتب أن أبرز الأسباب تنبع من الخلل في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادتها وآليات اتخاذ القرار فيها. ولا شك في أنني أتفق معه على هذا التوصيف الذي، للأسف، ما زال يرافق الحركة الوطنية إلى اليوم، بما فيها تيار الإسلام السياسي، الذي كرر بعضاً من الأخطاء التي مارستها منظمة التحرير، وخصوصاً في جانب القراءة الخاطئة للمشهد الفلسطيني، وفضائه العربي والإقليمي.

يقدم الشريف التطورات التي جرت خلال المسيرة الفلسطينية، مبيناً أن العديد من الشعارات التي رُفعت في أكثر من مرحلة كانت أهدافها تعبوية لا أكثر، لكنها، في اعتقادي، أصابت الوعي الجمعي الفلسطيني بالعديد من الأضرار، ووضعت في طريقه السياسي الكثير من المطبات، كما أفقدته استغلال الفرص عدة مرات. ويشير ماهر الشريف إلى جهود القيادة الفلسطينية التي تركزت، لفترة طويلة، على الحصول على الشرعية، والسيطرة على "القرار الفلسطيني المستقل"، وهنا أرى أن هذه كانت أحد أبرز إخفاقات منظمة التحرير، وربما كان سعيها الدائم وهاجسها للحصول على الشرعية سبباً في تقديمها تنازلات كثيرة بلا أدنى مبرر، عدا عن التخبط وعدم قراءة الصورة كما ينبغي، وليس أدل على ذلك من الأداء السياسي للمنظمة في الثمانينيات، وما شهده من تخبط واضح.

يقدم الشريف تحليلاً جيداً لنتائج أوسلو، معتبراً أنه تخلى فعلياً عن اللاجئين في الشتات بعد أن ترك مصيرهم للمفاوضات، لا على أساس القرار 194، وإنما وفق ما يتفق عليه الطرفان. كما أن أوسلو أسقط من ملف الشعب الفلسطسيني الأقلية الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة سنة 1948. ثم يلخص الشريف إنجازات الحركة الوطنية ببقاء جزء مهم من الشعب الفلسطيني على أرضه، وخلق وعي عام بشأن وحدة الشعب على اختلاف أماكن وجوده، الأمر الذي حافظ على هويته، وعلى وجود كيان سياسي معترف به. وهنا سأتفق معه في الإنجازين الأول والثاني، وسأخالفه في الثالث؛ فقد باتت السلطة الفلسطينية عبئاً وليس إنجازاً، وأصبحت أداة بيد الاحتلال تنوب عنه في كثير من المجالات، وأعتقد أنها وصلت، وأوصلتنا معها إلى طريق مسدود. وباعتقادي، أخيراً، أن الكاتب محق فيما يتعلق بقدرة الشعب الفلسطيني على تجاوز تلك المعضلة، وعلى الخروج مجدداً من عنق زجاجة أوسلو، كما فعل مراراً عبر تاريخه.

يشخص جميل هلال الحالة الفلسطينية الراهنة بعبارات مختصرة بليغة ومعبرة تماماً، فيقول إن الحالة الفلسطينية مسكونة بالتفكك والتيه، محدداً العوامل التي قادت إلى هذا المأزق، وسأكتفي، بعد اتفاقي معه بشأن كل ما قيل، بأن أشير إلى أن هلال لم يُصب فيما يتعلق بقدرة القيادة السياسية في إسرائيل على أن تعي أن مشروعها لا يمتلك مقومات الانتصار، فالصهيونيون باتوا مصابين بالعمى وجنون العظمة، المستند الى انحياز أميركي حاد لمصلحتهم، وتساقط عربي وإقليمي غير مفهوم ولا مبرر. كما لا بد من أن أشير إلى صوابية منطقه في ضرورة وجود تكتل ديمقراطي يوازن حالة التجاذب بين اليمين الديني ("حماس" والجهاد) واليمين الوطني ("فتح")، مع تحفظي على تصنيف حركة "فتح" باليمين. أمّا دعوته إلى تعزيز بناء حركات اجتماعية عابرة للحدود، كحركة مقاطعة إسرائيل، فهي تنم عن وعي كبير، وإلمام تام بالمشهد الكبير المحيط بالقضية الفلسطينية، وما يواجهها من تحديات.

يوضح غسان الخطيب رؤية القوى السياسية للمشروع الوطني، وسبل إنجازه، موضحاً مدى التباينات بين هذه الرؤى، وهو ما يستدعي، باعتقادي، ضرورة الإسراع في صوغ رؤية موحدة من جانب كل الفلسطيني للمشروع الوطني وآليات تحقيقه. ويشير الخطيب إلى الرؤى الجديدة، التي لا تنتمي إلى رؤية القوى التقليدية الفلسطينية، مثل نموذج حركة المقاطعة التي ركزت على حقوق الإنسان الفلسطيني بدلاً من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، مستغلة نقاط ضعف الاحتلال في هذا الجانب، لكنني أتصور أن جهود حركة المقاطعة وغيرها في هذا الإطار لا تكفي لزحزحة الاحتلال عن مشروعه الاستعماري العنصري. ويقدم الخطيب في مقالته رؤية تشاؤمية لمستقبل المشروع الوطني، سماها خليل الهندي "التشاؤم العميق"، والتي بُنيت على ثبات الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية وتقدمها في مقابل التراجع في المشروع الوطني، وهو ما يستدعي صوغ استراتيجيا طويلة الأمد لمقارعة الاحتلال، الأمر الذي يبدو أقرب إلى الصواب في ظل الظروف الحالية أو المنظورة قريباً.

لقد قمت بجمع مجموعة من المقالات في إطار واحد، إذ إن ما يجمعها، في نظري، أنها تناولت تحليلاً لأوضاع تجمعات الفلسطينيين في محيط المشروع الصهيوني، وهنا أقصد المقالات التي تناولت أوضاع قطاع غزة، وفلسطينيي كل من الأردن وسورية ولبنان، بالإضافة إلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة سنة 1948. وقد يبدو مستغرباً للوهلة الأولى أنني وضعت قطاع غزة ضمن هذه الفئة، لكنني انطلقت من الأساس القائل إن المشروع الصهيوني بات يستهدف احتلال أكبر قدر ممكن من الأرض الفلسطينية واستعمارها، مع أقل عدد ممكن من السكان، عدا عن أن الجهود الصهيونية باتت تتركز بشكل كبير في السيطرة على الضفة الغربية، وهي نجحت بعد الانسحاب من القطاع والانقسام في عزل قطاع غزة تماماً، مع التخلص من كلفة احتلاله، وفي الوقت ذاته إبقائه تحت سيطرتها وضمن مجالها الحيوي.

أعتقد هنا أن عزل قطاع غزة، وتحييد الكتلة البشرية الضخمة الموجودة فيه، على الرغم من الحروب التي تخوضها غزة ضد إسرائيل كل بضعة أعوام، قد يستمران إلى أمد طويل ما دام النظام العربي الرسمي يرفض الاعتراف بالإسلاميين، وما دامت السلطة الفلسطينية غير معنية بالعودة إلى غزة، وهما أمران أعتقد أنهما سيستمران في المدى المنظور، على الأقل. يتكرر في مقالة الخطيب اجتزاء بعض زوايا المشهدـ، وتحميل غزة والقوى المحاصرة فيها، أحياناً، فوق ما تحتمل؛ فالمشكلة الأساسية في الاحتلال وسياساته الاستعمارية، ثم في القيادة الفلسطينية التي توهمت، راغبة، أن هذا الاحتلال مستعد لدفع ثمن سلام عادل وحقيقي. لكن الخطيب يعود في خاتمة مقالته ليضع الأمور في نصابها متسائلاً: ما العمل؟  وموضحاً أن إسرائيل رفضت كل الحلول الوسط، وأن الحل يكمن في إعادة بناء البيت الفلسطيني، وصوغ رؤية تقوم على أساس العودة إلى الرواية التاريخية، مذكراً أن لدى المشرع الصهيوني صبغة إحلالية إجلائية عنصرية.

تسلط لميس أندوني الضوء على نقطة بالغة الأهمية في بداية مقالتها، التي تبحث في دور الأردنيين من أصل فلسطيني في المشروع الوطني الفلسطيني، فتقول إن تهميش دور منظمة التحرير أدى إلى تجزئة الكتل الفلسطينية بمفهومها السياسي، وهي، بلا شك، محقة، بعد أن أصبحت السلطة الفلسطينية تستحوذ على معظم أدوار منظمة التحرير، الأمر الذي ساهم في تهميش دور الفلسطينيين في الأردن وغيرها من مناطق اللجوء. لكن أندوني تشرح حساسية وضع الفلسطينيين في الأردن، وما سمته "ازدواج الهوية"، فثمة عوامل أُخرى مرتبطة بتاريخ علاقة منظمة التحرير بالنظام الملكي في الأردن جعلت دور هذه الكتلة الكبيرة من الفلسطينيين هامشياً في المشروع الوطني، كما أن اتفاق أوسلو، وما تبعه من دخول الأردن على خط مسيرة السلام وتوقيعه اتفاق وادي عربة أفقد الفلسطينيين كثيراً من أدوات الفعل والتأثير.

بيد أن الأحداث في الأراضي المحتلة، ولا سيما في القدس والمسجد الاقصى، والتي تحولت إلى نقطة ساخنة في العقد الأخير، عززت الدفع بالقضية الفلسطينية إلى رأس سلم الأولويات في الأردن، بما في ذلك الحراك الشعبي، الذي كان لهؤلاء الفلسطينيين دور كبير فيه. وتشير لميس أندوني إلى أن صفقة القرن، وما فيها من مخاطر على الأردن ونظامه السياسي، أعادا إلى القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني، بما يحمله من حقوق تاريخية مشروعة للشعب الفلسطيني، الاعتبار والحضور على المستويين السياسي والشعبي في الأردن، بصورة عامة، الامر الذي مكّن الفلسطينيين من أصل أدرني من التفاعل مع الأحداث والمتغيرات على الساحة الفلسطينية، وخصوصاً أن هؤلاء الفلسطينيين يمارسون أيضاً العمل السياسي في الأردن من خلال الاحزاب الأردنية والنقابات الشعبية.

تقول أندوني إن الحفاظ على شعار حل الدولتين هو أمر ضروري لأنه ينطوي على عدم الاعتراف بالاستيطان، والضم لأراضي الضفة والقدس، وهذا التناقض الذي يبدو لي في مقولة أندوني السابقة ينبع، أساساً، من اتفاق أوسلو المجحف الذي قام على منح الصهيونيين 78% من أراضي الشعب الفلسطيني التاريخية، بينما أبقى 22% منها خاضعة للتفاوض. وأعتقد أن أغلبية الأردنيين من أصل فلسطيني، بخلاف ما تقوله أندوني، يعتبرون الصواب في العودة إلى الرواية التاريخية للمشروع الوطني، والتي تقول بحق العودة وتحرير الأراضي التي احتلت منذ سنة 1948.

تقدم هنيدة غانم تصورها لوضع العرب في إسرائيل، وتفصل في تحليلها ما مروا به من محطات، وصولاً إلى نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حيث أُعيد صوغ وتعريف كثير من المفاهيم السياسية والاجتماعية المرتبطة بحياة عرب فلسطين المحتلة سنة 1948، مثل الأسرلة والمواطنة. لكن ما تبع كتابة غانم لورقتها بوقت قصير، هو تحول كبير في أداء العرب السياسي في الداخل المحتل، وهنا أقصد دخول القائمة الموحدة بزعامة منصور عباس، لأول مرة في تاريخ الاحتلال، على خط المشاركة في حكومة صهيونية يترأسها مستوطن يميني كان ينادي في حملته الانتخابية بحق إسرائيل في الضفة الغربية، وترحيل الفلسطينيين منها. وهو، في اعتقادي، أمر يتطلب إعادة قراءة المشهد الفلسطيني في الداخل على أساس دمج هؤلاء الفلسطينيين في صياغة وبنية أي إطار قادم للمشروع الوطني الفلسطيني.

يدخل هلال إلى الكتاب عبر مقالته عن دور اليسار في المشروع الوطني، وفي اعتقادي لا داعي لها لأن ليس هناك مقالات تتحدث عن دور الأحزاب، وأظن أن اليسار جاءته الفرصة، في إثر الانقسام بين "فتح" و"حماس"، ليستعيد بريقه، ويشكل قوة ثالثة فلسطينية تؤدي دوراً مهماً في مرحلة في غاية الحساسية، لكنه فشل فشلاً كبيراً. وقد فصّل مهند عبد الحميد المعوقات التي تحول دون قيام اليسار بالدور المنوط به، والتي أراها محقة.

تساهم مقالة سهيل الناطور في إلقاء نظرة على واقع اللاجئين الفلسطينيين في كل من سورية ولبنان، ودورهم في المشروع الوطني، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من التمسك الشديد والحرص الدائم من هؤلاء اللاجئين على التمسك بحق العودة، واعتباره أحد أهم ركائز المشروع الوطني، فإن الأنظمة العربية التي بالغت جداً في التخوف من التوطين جعلت من هذا التخوف سبباً في حرمان هؤلاء من أبسط شروط العيش الكريم، وهو ما قاد إلى هجرة واسعة في صفوف هؤلاء الفلسطينيين نحو أوروبا، وخصوصاً الشباب منهم. ومع أن الناطور يسهب في تعقيدات أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان ودورهم في المشروع الوطني، الاّ إنه في خاتمة مقالته يعتبر أن هؤلاء يرون في قيام الدولة المستقلة أهم العوامل التي ممكن أن تنعكس إيجاباً على سائر المسألة الفلسطينية، مع أنه لا يوضح كيف توصل إلى هذه القناعة، ولا سيما في ظل أصوات عديدة وسط هؤلاء اللاجئين ما زالت تنادي بالعودة إلى التمسك بتحرير كل فلسطين التاريخية.

بعد جملة المقالات التي تناولت أوضاع اللاجئين، يتناول جابر سليمان تشخيص حالة اللجوء الفلسطينية وخصوصياتها، ودور اللاجئين في المشروع الوطني في إعادة التركيز على كثير مما ورد في المقالات السابقة، الاّ إنه يضع في نهاية مقالته 15 توصية تقود إلى تعزيز دور اللاجئين في المساهمة في نهضة المشروع الوطني، ومده بالإمكانات والأدوات التي تساعد في تحقيق أغراضه.

ما هو المشروع الوطني الآن؟ سؤال جورج جقمان يمكن أن يكون سؤالاً لكل فلسطيني، وعندما أقول كل فلسطيني أعني ما أقول، فهو يمكن أن يكون تساؤل الرئيس أبو مازن، أو غيره من قادة الأحزاب الفلسطينية، لأنه وبكل بساطة بات مفهوماً أن حل الدولتين لم يعد له أهمية، كما تجاوزته سياسات إسرائيل المدعومة أميركياً. ويعبر جقمان، في وصف رائع، عن تكرار الحديث في الأمر بأنه نوع من الهذيان السياسي من جانب منظمة التحرير، أو ما تبقى منها.

ويفسر جقمان سبب التمسك بهذا الوهم بأنه قابل للتسويق، وأن القيادة ترى فيه أحد أسس شرعيتها، عربياً ودولياً، وهذا يجعل، بحسب رأي الكاتب، القيادة الفلسطينية في انتظار مفتوح، لكن من غير الواضح انتظار ماذا، ومن دون أي تصور واضح للمستقبل.

يفصل جقمان ظروف المشروع الوطني في كل من الضفة وغزة في ظل حالة الانقسام، ويصل، بعد كل هذا المسلسل من محاولات رأب الصدع الفلسطيني الفاشلة، إلى استنتاج مفاده بناء برنامج سياسي جديد تبنى عليه استراتيجيا جديدة للأمدين القريب والبعيد تكون هي أساساً للمصالحة. ولا شك في أنها رؤية عميقة للأمور، وأن هذا أسلم طريق للخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي، الذي بدون الخروج منه لن يكون في إمكان المشروع الوطني أن يتقدم.

وهنا لا بد من أن أشير إلى فقرة من مقالة جقمان لما فيها من تعبير عن الحالة: "لا يوجد ربع قرن آخر للمفاوضات تستكمل فيه إسرائيل المشروع الصهيوني فيما تبقى من فلسطين. لقد وصلت القيادة الفلسطينية وʾحماسʿ إلى نهاية الطريق، بما في ذلك ʾالمشروع الوطنيʿ في آخر طبعة له، وليس لديهما تصور جديد ومختلف سوى البقاء من أجل البقاء. ولا تصور سوى شعارات لا علاقة لها بالواقع الراهن، ولا تكفي للحفاظ على ماء الوجه. ولا تصور لعناصر القوة الفلسطينية الموجودة وكيفية استخدامها، على الأقل لوضع لبنات مشروع وطني جديد تبقى أهدافه النهائية مفتوحة إلى حد ما، أو ممرحلة، إزاء صراع سيزداد وضوحاً مع استمرار سرقة الأرض في الضفة الغربية، لغرض استكمال المشروع الصهيوني."

ويختتم جقمان المقالة بعبارات واضحة، على غرار أن الوضع الحالي هو وجود دولة واحدة هي إسرائيل، وحكم ذاتي في ظل سيادتها الكاملة، وأن ما يمنع رؤية المشهد بوضوح هو استمرار تداول حل الدولتين، فلسطينياً وعربياً ودولياً.

يستكمل هاني المصري في مقالته ما انتهت إليه مقالة جورج جوقمان من الحديث عن الانقسام، مبيناً الفرق بين الانقسام الحالي وغيره من الخلافات التي مرت بها القضية الفلسطينية، ثم يبين أسباب فشل كل الجهود السابقة لإتمام المصالحة، معدداً هذه الأسباب، من الأهم إلى الأدنى أهمية، مع أن كل سبب لوحده كفيل بأن يعطل أي مسار مصالحة، ثم يفصّل عدة مقاربات لتحقيق المصالحة، موضحاً كيف آلت كلها إلى الفشل. ويعود المصري إلى تبيان أثر الانقسام على المشروع الوطني، ومع أن أحداً لا ينكر أثر هذا الانقسام البغيض، إلاّ إن المصري يحمله مسؤولية موت المشروع الوطني بقوله إن الانقسام أوقع ضحايا عديدة، لكن ضحيته الكبرى كانت المشروع الوطني. في اعتقادي، كان المشروع الوطني الضحية المباشرة لاتفاق أوسلو، وليس هناك ما يشير إلى أن سلوك قيادة منظمة التحرير السياسي كان سيتبدل لو لم يحدث انقسام. لكن لا شك في أن المصري محق في أن الانقسام ساهم في تآكل المؤسسات الفلسطينية.

وتختم مقالة حسن خضر الكتاب بالحديث عن دور الثقافة الوطنية الفلسطينية كرافعة للهوية الفلسطينية، وكحامية للمشروع الوطني، فيُغرق خضر القارئ في سلسلة من التعاريف لجملة من المصطلحات، من قبيل القومي والوطني والديني والسياسي والثقافي، في محاولة رائعة لوضع الأمور في إطار نظري ملائم لنقاش الأمر وتحليله بناءً عليه. وبعد أن يوضح خضر حجم ما جرى للمشروع الوطني من تحولات خلال خمسين عاماً، وما يظهر من صورة قاتمة وصلت إليها الأمور، يشير إلى نقطة ضوء في النفق المظلم، ذلك بأن بقاء نصف الشعب الفلسطيني على أرضه، وتمكين تجمعاته الديموغرافية الكبرى من التواصل والتفاعل، ومن إعادة إنشاء وإحياء العلاقة مع النصف الثاني من الشعب الموجود في المنافي القريبة والبعيدة، يبقيان على رأس أولويات المشروع الوطني، بصرف النظر عن الحلول الموقتة والسيناريوهات المحتملة. والواقع أن التقدم التقني، وما طرأ من تقدم على مفهوم العمل السياسي والاجتماعي، الذي لم يعد حكراً على الأحزاب، يقدمان حلولاً وأدوات كثيرة في هذا الشأن.

Read more