“Israelizing” Education in East Jerusalem
Date: 
July 06 2023

"التعليم في القدس الشرقية، الأسرلة الزاحفة 1967~ 2022"، كتاب جديد للباحثة "مرام مصاروة"، إصدار المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، 2022. يقع الكتاب في 198 صفحة، ويتكون من سبعة فصول وخاتمة للمناقشة، وقائمة بالمصادر.

تنبع أهمية الكتاب من كونه يزودنا بالمفاتيح اللازمة لفهم واقع التعليم في القدس الشرقية، لنكتشف كم هو واقع معقد ومتشابك وغامض، وبصورة خاصة لمن هم خارج القدس، ولأنه يلقي الضوء على خطورة النهج الإسرائيلي الدؤوب والهادف إلى أسرلة التعليم في المدارس الفلسطينية في القدس الشرقية، وهو نهج صامت وصاخب في آن معاً، تسعى إسرائيل لقطف ثماره في المدى البعيد، من خلال إعادة تشكيل العقل العربي على النحو الذي يحقق "تدجينه" و"تطويعه"، وصولاً إلى خلق جيل مقدسي مغترب عن قضيته الوطنية، ومنفصل عن واقعه الفلسطيني.. ومع الاعتقاد بعمق وحيوية الروح الوطنية الفلسطينية للمقدسيين، والاعتقاد أن مشاريع الأسرلة والتدجين باءت بالفشل (كما أفشلها أهلنا داخل الخط الأخضر)، إلا إن هذا لا يقلل من خطورة المسعى الإسرائيلي، ومن ضرورة التعرف إليه ودراسته لوضع الأسس الملائمة للتصدي له، وإفشاله فعلياً.

يرصد الكتاب واقع جهاز التربية والتعليم في القدس، ويحلل تأثير السياسات الإسرائيلية في الطلاب، وطرق تعاملها مع المناهج الفلسطينية والمؤسسات التعليمية العاملة في المدينة المقدسة. يستهل الفصل الأول بالتعريف بالوضع القانوني لمدينة القدس بعد احتلال الجزء الشرقي منها سنة 1967، وطبيعة التحديات التي يواجهها المقدسيون، وتذكّر الكاتبة بعشرات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والتي تؤكد أن القدس الشرقية أرض محتلة، وتخضع للقانون الدولي، وبالتالي فإن جميع الإجراءات الإسرائيلية في المدينة باطلة وغير قانونية.

وتشير الباحثة إلى طبيعة الممارسات الاحتلالية ضد المقدسيين، من قتل واعتقال وهدم بيوت، وتضييق على السكان، وعرقلة إجراءات الترخيص، وتدفيعهم ضرائب باهظة، وغيرها من السياسات العنصرية الهادفة إلى تنغيص حياتهم، ولدفعهم إلى مغادرة المدينة بالتهجير القسري البطيء.

وفيما يتعلق بواقع التعليم وتحدياته، تشير الكاتبة إلى العوائق الإسرائيلية المتمثلة بوجود جدار الضم والفصل العنصري، والذي أثّر في فئة الشباب ودفعهم إلى تكوين هوية فلسطينية متمايزة في ظل الاحتلال، وأيضاً الحواجز التي تفصل القرى المحيطة عن قلب المدينة، والتي تعيق وصول الطلاب والمعلمين إلى مدارسهم، بالإضافة إلى النقص في عدد المدارس والغرف الصفية، ومنع عمليات الترميم والتجديد والتوسعة، وافتقار المدارس إلى المرافق المهمة، كالملاعب والمختبرات والساحات.

ونتيجة واقع التعليم الصعب والبائس في مدارس القدس، ازدادت نسبة التسرب من المدارس، والتي وصلت إلى حدود الـ50% بين طلاب المدينة، وبسبب المضايقات الاحتلالية توجهت أعداد كبيرة من الطلاب إلى سوق العمل لمساعدة أهاليهم.

وتشرح الباحثة في الفصل الثاني الواقع التعليمي في القدس بشكل أكثر تفصيلاً، مشيرةً إلى أن وزارة المعارف الإسرائيلية خصصت منذ سنة 1985 قسماً خاصاً للإشراف على التعليم في القدس الشرقية، وهو "إدارة التربية والتعليم في القدس" واختصارها (مانحي)، كنموذج للتخطيط المشترك بين بلدية القدس ومكتب حكومي يضم مفتشي التعليم الإسرائيليين لفرض الأجندات الاحتلالية (ص 26).

قبل ذلك، أي بين عامي النكبة وهزيمة الـ 67، كانت القدس تابعة للأردن، ومدارسها موزعة بين المدارس الحكومية ومدارس الأونروا، وتدرّس المنهاج الأردني، وبعد ضم القدس، فرض الاحتلال سيطرته ومناهجه على مدارسها، وفي سنة 1994، بعد قيام السلطة الوطنية، تسلمت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية مسؤولية التعليم في كافة جوانبه ومراحله في الضفة والقطاع (باستثناء القدس)، حيث استلمت فقط مسؤولية مدارس الأوقاف، وبناءً عليه، صار نظام التعليم في القدس موزعاً على أربعة قطاعات، الأول: مدارس الأوقاف، وتتبع السلطة الوطنية، والثاني: مدارس القطاع الخاص (98 مدرسة)، والثالث: مدارس وكالة الغوث (6 مدارس)، وجميعها تعتمد المنهاج الفلسطيني (ص 28-32). ويبلغ عدد الطلاب في القدس (من الابتدائي حتى الثانوي) نحو مئة ألف طالب، 45 ألف منهم يدرسون في 146 مدرسة تتبع المظلة الفلسطينية، والبقية في مدارس تتبع حكومة الاحتلال (ص 33).

القطاع الرابع: المدارس التابعة لوزارة المعارف وبلدية القدس (مانحي)، وهذه المدارس تعاني أيضاً جرّاء الاكتظاظ وضعف البنية التحتية، وتفتقر إلى المرافق الضرورية، وتعمل "مانحي" على تحريف المنهاج الفلسطيني المعتمد في هذه المدارس، وتضيف إليه "التاريخ الإسرائيلي"، واللغة العبرية، والمعلمون في هذه المدارس يتلقون أجوراً أقل بكثير من نظرائهم في المدارس الإسرائيلية (ص 30).

ومنذ احتلال الضفة الغربية والقطاع، ظلت وزارة المعارف الإسرائيلية تنظر بريبة إلى المعلم الفلسطيني، فقد صرّح أول وزير للتربية "زلمان شزار" بأنه "من الضروري مراقبة المعلمين العرب، لمنعهم من جلب الأرواح الشريرة إلى المدارس العربية".. وقد عكس تصريحه الفكر الصهيوني الذي سيّر العملية التعليمية طوال سنوات الاحتلال (ص 42)، فقد ظل المعلم الفلسطيني تحت الرقابة الشديدة في كل ما يقوله أمام التلاميذ، وأمامه قائمة طويلة من المحظورات التي يُمنع الاقتراب منها، في كل ما يتعلق بالانتماء الوطني، وتحت طائلة الفصل من الوظيفة، وقد استمرت هذه العقلية الإسرائيلية في إدارة المدارس العربية في القدس، صحيح أن قائمة الممنوعات تقلصت كثيراً، إلا إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ما زالت تعتبر منظومة التعليم في الوسط العربي مسألة "أمن وطني"، عليهم السيطرة عليها، بما يحقق إعادة قولبة وتشكيل الهوية الفلسطينية وإخضاعها وفق المنظومة الإسرائيلية ( ص 43).

في الفصل الثالث، تتحدث الباحثة عن "الخطة الخماسية" التي أقرها الاحتلال بتشكيله لجنة تضم ممثلين لبلدية القدس والشرطة والاستخبارات ومكتب رئيس الحكومة لبحث الوضع الأمني في القدس، جرّاء ارتفاع حالات إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة ومشاركة طلاب القدس في المواجهات، وبعد جريمة قتل الفتى محمد أبو خضير(2014)، قررت اللجنة تفعيل برنامج تعليمي لا منهجي للطلاب بعد انتهاء الدوام المدرسي، بحيث ينشغلون في فعاليته، ولا يتبقى لديهم وقت للمشاركة في المواجهات (ص 60).

شمل البرنامج 15 مدرسة من المدارس التي اعتُقل عدد كبير من طلابها النشيطين، والذين ستتم مراقبتهم واحتواؤهم من خلال هذا البرنامج الذي تم رصد موازنة كبيرة له بلغت 2.1 مليار شيكل، والذي يهدف أساساً إلى تهويد القطاعات المختلفة لمدينة القدس، وفي مقدمتها المؤسسات التعليمية (ص 71).

 في الفصلين الرابع والخامس، قدمت الباحثة شرحاً مفصلاً للمناهج المدرسية في القدس، باستعراض مسهب لتسلسل المناهج واختلافاتها طبقاً للتحولات السياسية، وكيف أثّرت في مضامينها، مع مقارنات بين المنهاجين الفلسطيني والإسرائيلي، ومحاولات الاحتلال فرض المنهاج الإسرائيلي بطرق مباشرة وغير مباشرة، وكيف تصدى الأهالي والحراك السياسي والتربوي لهذا التوجه.

الفصل السادس خُصص للحديث عن التعليم العالي وعلاقته بسوق العمل، وتبين الباحثة أن الجامعات الإسرائيلية لا تعترف بشهادة الثانوية العامة لدارسي المنهاج الفلسطيني في القدس، وأنها تشترط عليهم اجتياز امتحان القبول الإسرائيلي (بسيخومتري)، وهو امتحان صعب ومرتفع التكاليف (ص 142). وتحدثت أيضاً عن واقع التعليم في الجامعات الإسرائيلية والتحديات التي تواجه الطلاب العرب، سواء من ناحية دراسية، أم من حيث الاندماج والتعامل مع الطلاب والمدرّسين الإسرائيليين، وإشكالات تعريف الهوية.  

وعرض الفصل السابع مستقبل التعليم في القدس، إذ تؤكد الباحثة أن التحدي الأكبر الذي يواجه مستقبل التعليم في القدس، بالإضافة إلى التحدي السياسي هو الواقع الاقتصادي، ففضلاً عن استهداف سلطات الاحتلال للهوية الوطنية للمقدسيين؛ فقد عمدت أيضاً إلى فصل الاقتصاد الفلسطيني في الضفة عن اقتصاد القدس، وهو ما أدى إلى تشويه اقتصادها، وجعلته يعتمد بالكامل على إسرائيل في التجارة والعمالة والسياحة، بما في ذلك التحاق الخريجين بسوق العمل، واشتراط إتقان العبرية والحصول على شهادة "البجروت" (ص 174). وتنهي الكاتبة  الفصل بعشرة مقترحات وتوصيات ليُسترشد بها عند وضع الإستراتيجيات الفلسطينية لإعادة الاعتبار إلى القدس ودعم مواطنيها  فعلياً، وتثبيت صمودهم وتعزيز انتمائهم، وتغيير الواقع التعليمي لطلابها، قبل أن يفترسهم غول الأسرلة الزاحف.

في الفصل الثامن والأخير، تؤكد الباحثة أن القهر الاستعماري الصهيوني للفلسطينيين (خاصة في القدس) يتمثل في سعي إسرائيل الدؤوب لاستبدال اللغة والثقافة والتاريخ والتربية الفلسطينية بالإسرائيلية، وصراعها على المنهاج.. وعندما تكون إسرائيل غير قادرة على تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للسكان الأصليين، مثل الاندماج والمساواة بعدالة، ستستند إلى أسلوب القهر والسيطرة، وفرض القوانين العنصرية، والسياسات التربوية الهادفة إلى تمرير الرواية الصهيونية وترسيخها في أذهان المقدسيين، وطمس الرواية الفلسطينية، لإنتاج أجيال تدين بالولاء لإسرائيل وتقبل احتلالها لهم، من خلال هندسة الوعي الجمعي (ص 180).

بقي أن نقول أن الكتاب إضافة  مهمة، ودليل استرشادي مهم لكل مَن يهمه مصير القدس.

انظر

Read more