حرب إسرائيل على لبنان 2006: عن قصة القرار 1701
طارق متري
قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2022. 212 صفحة.
يستهل متري كتابه بالعبارة التأسيسية التالية: "ليست كتابة التاريخ المباشر أو القريب أمراً يسيراً إذا ما حاولها مَن أنزلته مسؤولياته والظروف في منزلة الشاهد على وقائعه" (ص 23)، موضحاً بذلك الإشكالية التي سيعالجها الكتاب؛ فطارق متري المثقف اللبناني والأكاديمي والسياسي والدبلوماسي، ينطلق في كتابه من الوقائع التي شهدها وعايشها في تلك المرحلة، ليقدم، فضلاً عن "الموثَّق والمتداوَل من مفاوضات صيف 2006، معلومات متفاوتة الأهمية لدى المعنيين بها ومتلقّيها، وهي لم تُذَع من قبل أو غفل عن ذكرها السياسيون والمعلقون والمحللون، عن قصد أو من غير قصد" (ص 34). ويوضح أنه اعتمد على مصادر منشورة وأُخرى شفوية متقاطعة، وعلى أوراقه وملاحظاته خلال اجتماعات الحكومة، إذ كان وزيراً للثقافة ومكلفاً بوزارة الخارجية، كما كلّفته الحكومة الذهاب إلى نيويورك ليكون على رأس الوفد اللبناني المفاوض هناك خلال حرب تموز / يونيو 2006.
الكتاب الوثيقة
أودع الدكتور طارق متري بين أيدينا كتاباً، بل وثيقة، يمكن الرجوع إليها ليس لفهم ومعرفة كواليس الدبلوماسية خلال حرب 2006 فقط، بل أيضاً لفهم ومعرفة كيف تجري الأمور في تلك الأروقة الدبلوماسية، ولا سيما الأمم المتحدة، وكيف تُدار العلاقات الدولية، وموقع كل دولة في القرارات السياسية، كذلك موقع إسرائيل في هذا الجو الدولي. ويوثق الكتاب لنا خفايا القرار 1701، وكيف صدر بصيغته المعروفة.
فعلى سبيل المثال، يبيّن متري أن المندوبَين: الأميركي جون بولتون، والفرنسي جان مارك دو لا سابليار، كانا يجريان محادثات بينهما، ولا يُطلعان الدول الأُخرى عليها، الأمر الذي أثار غيظ العديد من مندوبي تلك الدول. وقد أفصح بعضهم لمتري عن استيائه، بينما أخذ بعضهم الآخر خطوة في اتجاه متري كالمندوب الروسي فيتالي تشوركين الذي عبّر أكثر من مرة عن استيائه، بل إنه في مرة من المرات سرّب لمتري مشروع قرار كانت واشنطن وباريس ستطرحانه في مجلس الأمن تحت الفصل السابع، من غير إطلاع لبنان عليه. ولا سيما أن الحكومة في لبنان ناقشت هذا التفصيل تحديداً، "وكنا اتفقنا يومها في مجلس الوزراء على تصويب الجهد الدبلوماسي نحو هدف الحصول على قرار لمجلس الأمن تحت الفصل السادس لا السابع، على ألّا تكون القوة الدولية مجرد قوة مراقبة ضعيفة الحيلة. ودفع ذلك أحدهم إلى القول إننا نسعى إلى قرار لمجلس الأمن تحت 'الفصل السادس والنصف' "(ص 112). وتبيّن في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، أن "الفصل السادس والنصف" ليس "طرفة لبنانية"، فقد "كرّر عدد من مسؤولي الأمم المتحدة الكبار العبارة إيّاها من دون حرج كبير ولا ابتسامة مَن يضع الكلام في غير موضعه" (ص 112). ويبدو في سياق الكتاب أن "الفصل السابع وحجم القوات الدولية، بما في ذلك قواعد الاشتباك المقبلة، صارا لب المشكلة" (ص 120).
قصة مسوّدة
تحدث متري مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عن المسودة الأميركية / الفرنسية التي سربها له تشوركين، مؤكداً رفض لبنان لها. وأوضح في مؤتمر صحافي أسباب الرفض: "فهي من البداية، لا تكتفي بتحميل حزب الله مسؤولية إشعال الصراع المسلح، بل تتجاهل أيضاً تحوّل مناوشة عند الخط الأزرق، بفعل ما دُعي رداً إسرائيلياً، إلى حرب مدمرة. كما أنها توحي بنوع من التوازي بين طرفي النزاع العسكري لجهة اتساع نطاق الحرب وأضرارها على المدنيين. وهي، فيما تشير إلى ضرورة إطلاق الجنديين الإسرائيليين الأسيرين، تتجاهل الأسرى اللبنانيين في سجون إسرائيل، وتشير في المقطع الأول من المنطوق، أي بعد مقاطع الديباجة، لا إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية كافة، بل وقف 'الهجومية' منها فحسب" (ص 128). وهذه الأسباب كانت جزءاً من أسباب أُخرى أعلنها متري.
كلمات وصِيَغ
كثيرة هي المداولات التي سبقت صدور القرار، وبعضها ساهم في صوغه. وفي هذا السياق يذكر متري أن لقاء جمعه بأنان، اهتم خلاله الأخير جداً بقرار الحكومة اللبنانية بشأن نشر الجيش، وأكد أنه (أنان) "عازم على الاستعانة به (القرار) لشرح ما تقوم به الأمانة العامة فيما تعدّ فقرة عن مهمات القوات الدولية، أي اليونيفيل المعززة. واعتبر إضافة فقرة كهذه، إذا ما قبلها الفرنسيون والأميركيون، تفتح المجال أمام الاستغناء عن صدور قرار لمجلس الأمن تحت الفصل السابع" (ص 138). وضمن المداولات التي حدثت، دُعي متري إلى حضور اجتماع بناء على طلب الوفد العربي، تمهيداً لجلسة مجلس الأمن المقرر عقدها بعد ظهر اليوم ذاته (8 آب / أغسطس 2006) بحضور الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، ونائب رئيس حكومة قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم، ووزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد، وعدد من أعضاء مجلس الأمن، فكانت تلك المناقشات "عسيرة بفعل تعنّت بولتون وضعف استعداده للاستماع إلى وجهة النظر العربية المؤيدة للموقف اللبناني" (ص 139).
وفي 10 آب / أغسطس 2006، اجتمع الوفد العربي مع "راعيَي مشروع القرار" (ص 154)، ودام الاجتماع "ساعات طويلة في مقرّ بعثة قطر لدى الأمم المتحدة، وتميزت المناقشات بالحدّة في غير مسألة" (ص 154). ففي الساعتين الأولى والثانية، كان المشتركون "كمَن يشارك في مناظرة علنية لا كمَن يتفاوض حول مسوّدة نصّ وعينه على السعي إلى اتفاق" (ص 154). وخلال الاستراحات القصيرة، كان كل مندوب يتصل برئاسته في بلده، كما كان وزير الخارجية القطري "يتصل بمسؤولين لبنانيين، رسميين وحزبيين" (ص 155)، وذلك باستثناء بولتون الذي لم يتصل بأحد، فقد أشار "إلى أن وزير الخارجية ليست رئيسته، فهو عضو في الحكومة مثلها" (ص 155). أمّا متري نفسه، فاتصل "برئيس الحكومة الذي توقف للمرة الألف عند أهمية ذكر الاقتراح اللبناني بشأن مزارع شبعا، وعند الإصرار على صدور القرار الأممي تحت الفصل السادس" (ص 155).
خلال المناقشات، رفض المندوب الأميركي "المساواة التامة بين الجنديين الإسرائيليين المختطفَين والسجناء اللبنانيين المحتجزين في إسرائيل" (ص 155)، فأيده المندوب الفرنسي، وحُلّ الأمر بصيغة جرى فيها استخدام عبارة "من دون شرط" (ص 155) في حالة الجنديين الإسرائيليين، و"على وجه عاجل" في حالة السجناء اللبنانيين لدى الاحتلال. غير أن المفاجأة كانت باستعداد بولتون للقبول بالفصل السادس، بينما رفض دو لا سابليار ذلك، وأصر على الفصل السابع لأسباب متعلقة بالقوات الدولية في لبنان. ولم يُحلّ الأمر إلّا بتدخل رئيس حكومة إيطاليا رومانو برودي الذي أعلن استعداد بلاده لتولي مهمة القوات الدولية التي وعدت فرنسا بإنجازها.
11 آب / أغسطس 2006
بعد ظهر هذا اليوم، وبعد إعلان التوصل إلى صيغة القرار في الأمم المتحدة، ألقت إسرائيل جحيمها على لبنان، ومع ذلك صدر القرار 1701 في مجلس الأمن، وخلال كلمات وزراء الخارجية، مُررت كلمات وعبارات كثيرة استوقفت الكاتب في تفسيراتها ودلالاتها. وما زال هذا القرار حتى اليوم، يُناقش بين أخذ ورد، وبين قابل ورافض، لكن من حسن الحظ أن كتاب متري يضعنا أمام تفصيلات اتخاذ القرار والحوارات التي دارت قبل وخلال صدوره.