Operation “Shield and Arrow”: Israeli Treachery, Defiance, and a Display of Excess Power
Full text: 

خلافاً لما يدّعيه الإسرائيليون، لم تكن عملية "درع وسهم" التي شنّها الجيش الإسرائيلي ضد حركة الجهاد الإسلامي في غزة، ودامت من 9 / 5 / 2023 حتى 13 / 5 / 203، مجرد جولة عنف أُخرى مثل سابقاتها من جولات العنف الكثيرة التي شهدها قطاع غزة منذ سنة 2005، وهي السنة التي أعلنت فيها إسرائيل انفصالها الأحادي الجانب من غزة، بل كانت عملية مختلفة أيضاً في وحشيتها واستباحتها للحيز الفلسطيني، وفي استخدام الجيش الإسرائيلي فائض قوته في مواجهة تنظيم فلسطيني مسلح صغير، ضعيف نسبياً، مقارنة بآلة الحرب الإسرائيلية، لكنه تجرأ على تحدّي إسرائيل.

منذ اللحظة الأولى لانطلاق العملية العسكرية، كان واضحاً الجهد الذي تبذله إسرائيل من أجل تقديم روايتها الخاصة والتحكم في جميع ما يقال عنها في الإعلام المحلي والأجنبي. كما ظهر إصرار المسؤولين السياسيين والعسكريين على تحديد إطار العملية، وسعيهم للسيطرة على تطورها ومنعها من التدهور إلى مواجهة أوسع، فرسموا منذ البداية نهايتها من خلال إعطائها طابع العملية المحدودة "الجراحية"، على حد زعمهم.

وكان لافتاً ومريباً في آنٍ معاً الجهد الإسرائيلي الذي بُذل منذ البداية لتحييد حركة "حماس" عمّا يجري وحصره في الجهاد الإسلامي، وإعلان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة، وبصورة علنية، أن لا علاقة لحركة "حماس" بما يحدث، على الرغم من معرفة إسرائيل الأكيدة أن الجهاد الإسلامي لا يمكن أن يقصف إسرائيل بكثافة مثلما حدث، رداً على استشهاد الأسير في السجون الإسرائيلية المضرب عن الطعام والناشط في الجهاد خضر عدنان، من دون الحصول على ضوء أخضر من "حماس"، فضلاً عن وجود غرفة عمليات مشتركة بين التنظيمين.

وفي موازنة دقيقة ودراسة مُحكمة للمخاطر، وجّهت إسرائيل ضربتها الاستهلالية الغادرة، واغتالت القادة الثلاثة في أسرّتهم مع عائلاتهم من نساء وأطفال، مدّعية أنها لا تستهدف المدنيين في غزة، بل تعاقب قادة تنظيمات مارقة، يشكلون خطراً على حياة المواطنين الإسرائيليين. 

الاغتيالات في زمن الهاي تك

أهم ما ميّز عملية "درع وسهم" عودة إسرائيل إلى أسلوب الاغتيالات الذي لجأت إليه بصورة مكثفة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سنة 2002. لكن أمرين ميّزا الضربة الاستهلالية التي أدت إلى اغتيال ثلاثة قادة من "الجهاد الإسلامي": الأول، استخدام عنصر الغدر والمفاجأة، فالهجوم جاء بعد التوصل إلى وقف إطلاق نار مع الجهاد، وليس خلال فترة قتال، واستهداف هؤلاء القادة وقع فجراً في غرف نومهم وقتلهم وزوجاتهم وأولادهم: طارق محمد عز الدين استشهد مع نجلَيه علي وميار؛ صلاح الدين البهتيني استشهد مع زوجته وابنته التي تبلغ من العمر 4 أعوام وقريبة له؛ شاكر الغنام استشهد مع زوجته وفاء. أمّا الأمر الثاني فهو التطور الكبير الذي طرأ على أساليب الرصد والمراقبة في زمن استخدام الـ "هاي تك" عملانياً. فوفقاً للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، فإنه جرى في العملية استخدام طائرات استخباراتية آهلة من نوع شبح، وهي من أحدث طائرات المراقبة والرصد، وكانت كوادر من الجيش تتابع من فوق ما يجري لحظة بلحظة، وتقوم بتوجيه الضربات العسكرية.

معنى ذلك أن المسؤولين العسكريين عندما أعطوا الأوامر بالاغتيال، كانوا على يقين من أنه سيؤدي حتماً إلى مقتل أطفال ونساء في أسرّتهم، وعلى الرغم من ذلك نفذوا الهجوم الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه "جريمة حرب".

من باب التذكر فقط، تحضرنا عملية فردان (10 / 4 / 1973)، حين اغتال كوماندوس إسرائيلي القادة الفلسطينيين الثلاثة محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، ليلاً، في داخل منازلهم؛ يومها، قُتلت زوجة النجار فقط في المواجهة التي جرت بين هؤلاء القادة وبين الكوماندوس، وبدا أن المنفذين تجنبوا التسبب بمقتل أطفال ونساء. وعندما خطط الموساد لاغتيال محمد الهمشري في باريس، بذريعة تورّطه في عملية قتل الرياضيين الإسرائيليين في ميونيخ، أوقف عميل الموساد في اللحظة الأخيرة تفجير العبوة التي كانت موضوعة في الهاتف، لأن ابنة الهمشري هي التي ردت على الاتصال، وليس والدها المستهدف الذي انفجرت العبوة فيه لاحقاً، وهذا ما وثّقه المخرج ستيفن سبيلبرغ في فيلمه الشهير عن العملية. وهذا الأمر لا يدل على إنسانية الموساد بقدر ما يدل على عدم إثارة الرأي العام الدولي والتورط في جريمة حرب على أرض فرنسية، والخوف من اتهامه بقتل أطفال عن قصد.

جاءت العودة اليوم إلى أسلوب الاغتيالات بعد مطالبة حثيثة من بعض الوزراء كزعيم حزب قوة يهودية إيتمار بن غفير، وبعد اتهام اليمين القومي المتطرف الحكومة الإسرائيلية بالضعف والتساهل في الرد على استفزازات الجهاد الإسلامي.

ومن المؤسف أن ردات الفعل المحلية والدولية على استخدام الاغتيالات وقتل قادة الجهاد الإسلامي خلال فترة تهدئة، وليس خلال مواجهات أو تصعيد أمني، كانت ضعيفة، وليست على المستوى المطلوب، ولا في حجم الجريمة المرتكَبة التي تسببت بمقتل أبرياء من الأطفال والنساء العزل.

في حملة الاغتيالات الأخيرة خرقت إسرائيل، حتى بحسب تعليقات إسرائيلية، قاعدة أساسية هي تجنب تنفيذ العملية إذا كان من المؤكد وجود أطفال يمكن أن يلحق بهم الأذى. وعلى ما يبدو، فإن الاغتيالات في غزة لم تعد تحترم قواعد وضعتها إسرائيل نفسها. ومن هنا ارتفعت مؤخراً أصوات منددة بقتل أطفال ونساء أبرياء في الاغتيالات، فكتب الصحافي روغيل ألفير في "هآرتس" (11 / 5 / 2023)، متوجهاً إلى رئيس الأركان الذي أمر بعملية الاغتيال: "ما هدف العملية التي تقودها في غزة؟ هل هو قتل مواطنين أبرياء؟ لقد أصدرتَ الأوامر بالقتل، على الرغم من معرفتك الأكيدة أن أبرياء سيتعرضون للأذى؟ هذه مسؤوليتك، لقد قُتلوا لأنهم كانوا أبناء ونساء وجيران زعماء الجهاد الإسلامي في غزة." لكن ياغيل ليفي كتب مقالة أُخرى في الصحيفة عينها (17 / 5 / 2023)، بعنوان "قتل الأطفال ليس جريمة حرب"، يبرر فيها المنطق الإسرائيلي والقانوني لقتل الأطفال، فيقول: "جرت الموافقة على اغتيال الجهاديين بعد عملية احتساب لموت هؤلاء الأخيرين في مقابل حياة إسرائيليين، أي: مقتل نجلَي طارق عز الدين وثلاثة آخرين من جيرانهم، هو ثمن معقول في مقابل إنقاذ أرواح الإسرائيليين الذين يمكن أن يُقتلوا نتيجة أفعال عز الدين المسؤول العسكري في الجهاد." انطلاقاً من هذا المنطق الإسرائيلي، يخلص الكاتب إلى القول: "قتل أطفال لا يُعتبر جريمة حرب، وهو ممكن طوال الوقت بفضل المرونة المفرطة للقانون الدولي وتفسيره الإسرائيلي، ولا سيما من محكمة العدل العليا. إن إلقاء المسؤولية على قادة الجيش والسياسيين، على الرغم من الخلل الأخلاقي الذي يميزهم، يحرر من المسؤولية منظومة معيارية شاملة تبنّتها إسرائيل."

كان التبرير الإسرائيلي دائماً لقتل أبرياء من أطفال ونساء هو اعتباره ضرراً جانبياً لمنع الخطر الذي يشكله الهدف الذي اغتيل على حياة الإسرائيليين، وهو في الأساس خطر محتمل وغير فعلي، لكنه في نظر الإسرائيليين، يبرر قتل أطفال وأبرياء. فهل هناك جهة قادرة على محاسبة إسرائيل على جرائمها، ولو لمرة واحدة، وهل قتل 3 قادة عسكريين في الضربة الاستهلالية يبرر مقتل 10 أشخاص أبرياء آخرين؟

في إسرائيل، هناك مَن يطالب الآن بإجراء تحقيق شفاف ومستقل، لأن ما جرى هو خرق حتى للقواعد التي وضعتها إسرائيل لنفسها، بحسب رأي إيلي باخر المستشار القضائي السابق للشاباك، والذي طالب بتشكيل لجنة تحقيق فوراً ("هآرتس" 22 / 5 / 2023). 

أكاذيب وحقائق

لدى مراجعة الجزء الأكبر من التعليقات الإسرائيلية على نتائج عملية "درع وسهم"، تبدو هذه العملية من أهم محاولات خداع الجمهور الإسرائيلي من خلال تضخيم الإنجازات العملانية، واختراع انتصارات سياسية وهمية.

من الأكاذيب التي تكررت على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو: "ترميم معادلة الردع الإسرائيلي"؛ إنزال "ضربة قاصمة بالجهاد الإسلامي"؛ إرسال "رسالة رادعة إلى حزب الله وإيران"؛ هذا فضلاً عمّا نُقل عن سياسيين وقادة عسكريين من أن العملية: خطوة أُخرى على طريق الفصل بين الجهاد و"حماس" في غزة؛ أعادت اللحمة إلى الجبهة الداخلية؛ وحّدت الجمهور الإسرائيلي الذي عانى جرّاء انقسام عمودي سببه التمسك بالإصلاحات القضائية، أو الوقوف ضدها؛ القتال أظهر أهمية الطيارين في سلاح الاحتياط الذين لبّوا نداء الواجب، وقاموا بالمهمة على أحسن وجه، بغضّ النظر عن مواقفهم الاحتجاجية ضد التعديلات القضائية ودعوتهم إلى رفض الخدمة. وهناك مَن تحدث عن أهداف داخلية حققتها العملية مثل ترميم مكانة نتنياهو السياسية، سواء أمام شركائه في الائتلاف الحكومي، أو أمام الإسرائيليين من سكان غلاف غزة الذين أعربوا عن تململهم واستيائهم من الرد الضعيف على قصف الجهاد، وأن إسرائيل حققت أهدافها كلها، وأنهت العملية مثلما بدأتها بقرار منها، من دون أن تدفع أي ثمن.

لكن على الرغم من الأبواق الرسمية التي أخذت تطبّل للإنجازات العملانية والاستخباراتية التي حققها الجيش الإسرائيلي، فإن التضخيم الرسمي للإنجازات المزعومة لم ينطلِ على أحد، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال عرض سريع لعناوين مقالات نُشرت مؤخراً في الصحف الإسرائيلية، تعكس وجهات نظر الأطياف السياسية كلها، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ على سبيل المثال، اعتراف صحيفة "إسرائيل اليوم" المقرّبة من نتنياهو، بأن "العملية في غزة كلّفت الجهاد ثمناً، لكنها لم تكسر أي معادلة" (يوآف ليمور، 10 / 5 / 2023)؛[1] المقالة التي نشرتها صحيفة "هآرتس" اليسارية الليبرالية بعنوان: "العمليات الموسمية في غزة لا تغير الحقيقة البسيطة: ليس لدى إسرائيل حل لمشكلة القطاع" (عاموس هرئيل، 12/5/2023)؛[2] "لا وجود لمعادلة جديدة، عملية درع وسهم هي تكرار للأمر عينه" (عومر دستوي، "مكور ريشون"، موقع إلكتروني ناطق بلسان اليمين القومي، 15/5/2023)؛ "الأكاذيب التي تبيعكم إياها الحكومة عن الاغتيالات" (يوفال ديكسن، "N12"، 14/5/2023، وهي قناة تلفزيونية تحظى بدرجة مشاهدة عالية)؛[3] "سياسة إدارة الأزمة" (غلعاد كاتس، "موقع القناة 7"، وهي ناطقة بلسان اليمين الديني الحريدي، 17/5/2023).[4]

ويمكن أن نضيف إلى ذلك كله أن العملية لم تساعد نتنياهو على تعزيز مكانته السياسية مثلما قيل، وقد برز ذلك من خلال استطلاع للرأي أُجري خلال العملية العسكرية، وأظهر أنه لو جرت الانتخابات الآن، فإن معسكر الأحزاب الموالية لنتنياهو سيحصل على 54 مقعداً، بينما المعسكر المناوىء له سيحصل على 56 مقعداً، وأن الرابح الأكبر في الفترة الأخيرة هو بني غانتس زعيم "المعسكر الرسمي"، والذي اعتبر 44% أنه الملائم لتولّي منصب رئيس الحكومة ("معاريف"، 12 / 5 / 2023).

فضلاً عمّا سبق، فإن "درع وسهم" لم تعزز قوة نتنياهو في مواجهة شركائه في داخل حكومته التي لا يزال أعضاؤها يتصارعون على توزيع مخصصات الميزانية، ويهددون بعدم المشاركة في التصويت إذا لم يستجب نتنياهو لمطالبهم. والعملية لم تلجم جماح وزير الأمن القومي، زعيم حزب "قوة يهودية" إيتمار بن غفير، الذي لا يزال يقوم بحملات التحريض ضد الفلسطينيين، ويدعو إلى قتل قادتهم، ويواصل استفزازاته، وآخرها زيارته لحرم المسجد الأقصى بعد مسيرة الأعلام. كما أنها لم تُعِد اللحمة إلى الشعب الإسرائيلي، وأبرز دليل على ذلك عودة التظاهرات الاحتجاجية الضخمة التي شهدتها شوارع تل أبيب في 20 / 5 / 2023، ضد الإصلاحات القضائية وغلاء المعيشة.

باختصار، إن ما أقدمت عليه إسرائيل في غزة ضد الجهاد الإسلامي هو عملية استقواء على طرف ضعيف، واستعراض لفائض القوة، واستخدام القتل من دون تمييز ضمن حلقة جهنمية للعنف الإسرائيلي الممنهج؛ إنه العنف من أجل العنف، إذ لا أهداف سياسية له، ولا استراتيجيا بعيدة المدى، أو رؤيا، باستثناء إدارة النزاع والحفاظ على حال الانقسام والتشرذم الفلسطينيين، وإحكام الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعميق الخلاف بين السلطة الفلسطينية و"حماس".

إسرائيل تقتل، لأنه يمكنها فعل ذلك من دون رقيب ولا حسيب، فالعالم كله لديه انشغالات أُخرى غير الموت العبثي في غزة. ولذا، فإن في إمكان إسرائيل ارتكاب جرائم حرب من دون مساءلة، وأن تدّعي تحقيق انتصارات عسكرية على تنظيم لا يمكن مقارنته بقوتها العسكرية، وأن تخترع إنجازات وهمية تدغدغ بها مشاعر الجمهور اليميني القومي المتطرف.

عملية "درع وسهم" هي النموذج الأحدث لتطور تقنيات آلة القتل الإسرائيلية، وهي بذلك تختصر ماهية إسرائيل الحقيقية: دولة محتلة عنصرية قاتلة ومجرمة.

 

المصادر:

[1] انظر النص الكامل في الرابط الإلكتروني.

[2] انظر النص الكامل في الرابط الإلكتروني.

[3] النص الكامل في الرابط الإلكتروني.

[4] انظر النص الكامل في الرابط الإلكتروني.

 

Author biography: 

رندة حيدر: صحافية لبنانية مختصة بالشأن الإسرائيلي.