في ذكرى مرور 75 عاماً على النكبة الفلسطينية، أجرت الصحافية، في "راديو فرانس أنترناسيونال"، آن برناس حواراً، في 15 أيار/مايو الحالي، مع إيتان برونشتاين الذي أسس في سنة 2001 المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية "ذاكرات"، كما أسس، في سنة 2015، مع عالمة الأنتروبولوجيا السياسية الفرنسية إليونور ميرزا، الباحثة في المركز الوطني للأبحاث العلمية في فرنسا، مختبر ومدونة "نزع الاستعمار"، الذي يقف القائمون عليه "ضد أفعال النسيان التاريخية"، ويتصوّرون "حياة مشتركة من المساواة والتعايش السلمي"، على الأرض الفلسطينية، بما "يتجاوز النظام الاستعماري والعنصري، حيث يعيش الجميع هنا على قدم المساواة"، وهو ما يتطلب "التغلب على الصهيونية" في إسرائيل و"الاعتراف بطرد الفلسطينيين وتدمير حياتهم، وتعويضهم عن ذلك من خلال منح اللاجئين حق العودة". وإذ ينظر القائمون على هذا المختبر إلى الفلسطييين بصفتهم الضحايا الرئيسيين للغزو الصهيوني، فهم يرون أن اليهود الإسرائيليين "دفعوا أيضاً ثمن هذا الغزو منذ سنة 1948 من خلال العيش في خوف دائم، ومن دون أمل في السلام".
م. ش.
وفيما يلي نص هذه المقابلة:
طُرد حوالي 750 ألف فلسطيني من أراضيهم وأجبروا بالقوة على النزوح منها في سنة 1948 عند قيام دولة إسرائيل. منذ ذلك الحين، يتم إحياء ذكرى النكبة، "الكارثة"، في 15 أيار/مايو من كل عام. وبعد 75 عاماً على وقوع النكبة، لا يزال هذا الحدث التاريخي غير معروف، على أقل تقدير، من جانب الإسرائيليين. نحاول أن نحلل هذا الحدث مع إيتان برونشتاين ، مؤسس المنظمة غير الحكومية Zochrot والمؤسس المشارك والمدير المشارك لـ De-Colonizer.
س: من أين يأتي مصطلح النكبة؟
ج: كلمة النكبة هي كلمة عربية، لكنها استخدمت لأول مرة في سنة 1948 من قبل الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يتحدثون العربية بطلاقة، والذين وزعوا آنذاك منشورات على الفلسطينيين، الذين كانوا لا يريدون مغادرة قراهم، يقولون لهم فيها إنهم إذا أرادوا تجنب وقوع كارثة، وتجنب وقوع مصيبة، فعليهم الاستسلام.
س: هل يمكننا المقارنة بين النكبة وحرب 1967؟
ج: أنا لست فلسطينياً، لكنني أعتقد أن الهوية الفلسطينية تغيّرت كثيراً بعد النكبة، وبسببها. لقد عانى جميع الفلسطينيين وما زالوا يعانون اليوم من عواقب سنة 1948. كانت حرب سنة 1967 هي المرحلة الثانية من عمليات الطرد واحتلال أرض فلسطين التاريخية بأكملها. هي المرحلة الثانية، لكنها ليست الأكثر أهمية بالنسبة للفلسطينيين، فقد حسم الأمر الأساسي في سنة 1948. منذ ذلك الحين، أصبح القسم الأكبر من الفلسطينيين لاجئين، وأولئك الذين لم يصبحوا لاجئين أصبحوا مواطنين إسرائيليين، لكن من الدرجة الثانية مقارنة باليهود. كانت سنة 1948 هي التي ولّدت هذه الوضعية الأساسية.
س: ما هو هدف الجمعية التي قمت بتأسيسها باسم Zochrot ؟
ج: تأسست Zochrot في سنة 2001 ، وتعني " تذكّر" بالعبرية، وهي تهدف إلى زيادة الوعي بين الإسرائيليين بشأن النكبة ، فهذه الحكاية هي حكايتنا أيضاً بصفتنا إسرائيليين، لأنها حكاية إقامة دولة إسرائيل، بلدنا. بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، كان ولا يزال من الصعب قبول فكرة أننا قمنا بطرد الفلسطينيين.من ناحية أخرى، هناك العديد من الإسرائيليين الذين كانت هذه الحكاية مثيرة بالنسبة لهم ومهمة للغاية، حتى لو أن اعترافهم بحق الفلسطينيين في العودة يبقى معقداً. شارك العديد من الإسرائيليين في أنشطة منظمتنا، بما في ذلك الجولات المصحوبة بمرشدين في القرى الفلسطينية المدمرة، وقد أثار هذا المشروع الكثير من الاهتمام. بيد أن قبول هذا الأمر كان أكثر صعوبة بالنسبة للحكومة، ومن هنا جاء إقرار قانون النكبة [في الكنيست] في سنة 2011 ، الذي يعاقب المنظمات التي تحيي ذكرى هذه الفترة من التاريخ. لكننا كنا ولا نزال قادرين على الاستمرار.
قبل إنشاء "ذاكرات" في سنة 2001، لم يكن أحد في إسرائيل على علم بالنكبة. لم يتم استخدام هذا المصطلح في المدارس، ولم يتم استخدامه البتة في المناقشات العامة. وللمفارقة، منذ إقرار قانون سنة 2011، أصبحت النكبة موضوعاً معروفاً للسكان. يعرف الإسرائيليون أن شيئاً ما حدث للفلسطينيين في سنة 1948، لكنهم لا يعرفون بالضبط ماذا حدث.
الأمر صعب على الإسرائيليين، إذ هم يعتقدون أن إسرائيل أقامت دولة يهودية على أرض ليست للفلسطينيين. فوفقاً للأسطورة الصهيونية، كانت أرض إسرائيل دائماً لليهود، لذا فإن احتلالها كان مشروعاً. القول صراحة بأن الفلسطينيين قد طُردوا ينطوي على مخاطرة أخلاقية. في الخطاب الرسمي، كانت حرب ستة 1948 حرب دفاع وليس حرب طرد تمّ التخطيط له. لذلك في الرواية الصهيونية، لا يزال من الصعب التحدث عن ذلك حتى اليوم.
س: ماذا عن الأجيال الإسرائيلية القادمة؟
ج: هناك نزعة راديكالية بين بعض الشبان الإسرائيليين الذين لم يشهدوا النكبة، وهناك نزعة قومية وعنصرية قوية بين المستوطنين. ولكن، من ناحية أخرى، هناك احتمالات بأن يكون الشبان الإسرائيليون أكثر انفتاحاً على ماضيهم. كل شيء يعتمد وسيعتمد على الوضع السياسي. إذا استمرت إسرائيل مع حكومة مثل الحكومة التي تحكمها اليوم، وإذا استمرت إسرائيل في السير في هذا الاتجاه القومي، فسيكون من الصعب أن يكون لنا رواية أخرى للتاريخ، وتعليم آخر للشباب. ليس لدي الكثير من الأمل في حدوث تغيير إيجابي.
س: هل يمكن لاعتراف الإسرائيليين بالنكبة أن يجعل من الممكن تحقيق نوع من السلام بين الشعبين؟
ج: أعتقد أن هذا هو العنصر الأكثر أهمية، لأنه قد يجعل من الممكن بالفعل إيجاد حل يضمن العيش بسلام وفي نطاق العدالة. لكن يجب أن يكون هناك اعتراف حقيقي، بما في ذلك الاعتراف بحق العودة لجميع الفلسطينيين (وهو المبدأ الوارد في القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة وأحد شروط مبادرة السلام العربية مع إسرائيل) وذريتهم الذين يرغبون في العودة إلى وطنهم.
ولدى ضمان حق العودة، لن يتمثّل هذا الحل في قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، إذ إن مثل هذا الحل هو سيئ أخلاقياً، لأنه يعترف بالمشروع الصهيوني. كما لن يوقّع أي زعيم فلسطيني على حل لا يقر مبدأ العودة إلى كل فلسطين. لذلك، فإن الاحتمال الوحيد هو أن تكون هناك دولة واحدة يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود وغيرهم سوياً على قدم المساواة. ويمكن أن تتخذ هذه الدولة شكل فيدرالية، لكن فكرة قيام دولتين، مع فصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ليست حلاً.
المصدر: