Palestinian Arts in Lebanon: Strengthened by Challenges and Martyrs
Date: 
May 08 2023

تملأ  الجوائز والدروع التقديرية جدران مكتب اتحاد الفنانين الفلسطينيين في لبنان، ومثلها في مكاتب مؤسسة بيت أطفال الصمود، وفي غيرها من مؤسسات وجمعيات تعنى بالتراث الوطني الفلسطيني في لبنان.

ويصح في توصيف الحال الثقافية الفلسطينية في لبنان أنها تشبه طائر الفينيق، فما إن تخبو حتى تنهض. تواجه الصعوبات بعناد، وبزخم مستدام. ولو شئنا تسليط الضوء على هذا الواقع بعد أعوام أربعة من جائحة كورونا، وأزمة لبنان الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، لأصبنا بقليل من الدهشة المفرحة لأن واقع حال الأنشطة الثقافية والفنية  الفلسطينية في لبنان لا يزال في حيوية وإن كانت متعبة، وهذه علامة فارقة.

يؤكد رئيس اتحاد الفنانين الفلسطينيين في لبنان محمد الشولي أن الأنشطة ما زالت مستمرة، وأن هناك فرقاً فلسطينية من لبنان تجوب العالم، رافعةً  اسم فلسطين. ويعطي أمثلة، قائلاً: "فرقة المسرح الوطني الفلسطيني موجودة حالياً في  قرطاج وتقدم عرضاً مسرحياً بعنوان "راجع"، من تمثيل وليد سعد الدين، وكتابة محمد عيد رمضان، ومن إخراجي. كما يقدم الحكواتي  عبد عسقول مسرحية "حكاية وعباية" في قرطاج، وهي من إخراجي أيضاً. وسبق أن نلنا خمس جوائز عن أعمالنا المسرحية هناك  ضمن إطار المسرح الجوال."

ويضيف الشولي أنه على الرغم من تقصير بعض وسائل الإعلام اللبنانية في التغطية وارتفاع البدل المالي لإيجار القاعات، فإن العروض مستمرة في بيروت: "قدمنا عروضاً  في المركز الثقافي الروسي، وكذلك أقمنا مؤخراً نشاطاً في مقهى الروضة أدّته  فرقة حنين، كذلك قدمنا حفلاً  في بلدة  صوفر تكريماً للشاعر طليع حمدان."

ويؤكد أن وباء كورونا  لم يكن عائقاً أمام فرقة حنين التي أطلقت أغنية "من البيت غنيت"،  كتبها محمد الآغا، رحمه الله، وأداها كل فرد من الفرقة من بيته، وتم عرضها على عدة قنوات، واهتم بها الإعلام اللبناني والعربي. وكذلك أغنية "من القدس سلام لبيروت" بعد انفجار المرفأ، وقدمتها فرقة حنين أيضاً."

أما بالنسبة إلى الوضع المالي، فقال:"نحن نتبع منظمة التحرير الفلسطينية،  ونأخذ رواتب شهرية، وإن كانت قليلة، لكننا شعب عنيد، وشبابنا مؤمن بقضيته، وأخوتنا هنا يدعموننا لوجستياً، بحسب الإمكانات، والسفارة تغطي رحلات السفر إلى الخارج. حالياً، وفي المناسبات الثابتة، نقيم  حفلات في كل الأراضي اللبنانية، فنعمل حالياً على تحضير حفل كبير بمناسبة ذكرى النكبة في منتصف أيار/مايو، لأننا نهدف إلى تثبيت الحالة الثقافية الفلسطينية."

وقد تم إنشاء الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين في لبنان في سنة 1981، وكانت فترة السبعينيات حافلة بالنشاطات الثقافية الفلسطينية.  يستعيد الشولي، قائلاً "بعد الاجتياح في سنة 1982، توقف العمل والنشاط، وتوزع معظم الفنانين الفلسطينيين بين تونس واليمن،" ويضيف "في الثمانينيات، لم نقُم بأي نشاط، حتى استعادت الثورة الفلسطينية حضورها، وعدنا إلى صيدا، وبدأنا نلملم  بعضنا، وباستعادة الأنشطة، وأعدنا تشكيل مؤسساتنا. وفي سنة 1993، عُقد مؤتمر الفنانين في تونس، وانتُخب الفنان الفلسطيني غسان مطر، رحمه الله، أميناً عاماً، و تم تكليفي بتنظيم وضع الأنشطة الثقافية  في لبنان، فأسّسنا فرقة عشاق  الأقصى في طرابلس، والكرامة في البقاع، والسنابل والبيادر  في بيروت، وديارنا في صور، وسراج العودة، وظريف الطول."

ومن جهته، يؤكد  أمين سر الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين ومدير فرقة حنين للأغنية والموسيقى الفلسطينية والكاتب والممثل محمد عيد رمضان أن فرقة حنين تضم العديد من الشباب الموسيقيين، ومنهم شهداء، مثل  الفنان محمد آغا وعازف الغيتار وليد شحادة وأحمد الخطيب وأسامة زيدان.

ويضيف: "أكثر الصعوبات كان اجتياح  العدو الإسرائيلي للبنان سنة 1982، وما نجم عنه من خروج عسكري وسياسي ومؤسسات ثقافية فلسطينية من لبنان. لكن، مرّت الأيام، وتبدّلت ظروف كثيرة، وبقيت الصعاب التي واجهها  إصرار هذا الشعب على الحق في الحياة، وإيمانه الأبدي بوطنه فلسطين محرراً من رجس الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني/الإحلالي، وهو ما يجعله دائماً في دائرة الضوء."

وتُعتبر فرقة الكوفية من مآثر التراث الفلسطيني وتتوقف المسؤولة والمدربة فيها حورية الفار عند البدايات  من خلال مدرسة أبناء الشهداء في بلدة سوق الغرب شمالي العاصمة بيروت، في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ، ومن خلال الفنان عبدالله حداد، رحمه الله.

وتضيف: من خلال المجلس الأعلى للشباب والرياضة كان هناك عدة فرق فلسطينية موجودة. بالإضافة إلى عبد الله حداد، كان محمد بارود ومحمد حرارة وصلاح عاشور وسلمى كامل، وقرروا  توحيد هذه الفرق وسمّوها مؤسسة المسرح والفنون الشعبية. وكانت نقلة نوعية وبداية للتطوير، وكنا نسافر كأبناء الشهداء برعاية الرئيس أبو عمار، نمثل تراثنا، وندرس الموسيقى بالنوتة والفولكلور على أيدي  أكاديميين، مثل سلمى كامل حاملة الدكتوراه في الرقص التعبيري واللياقة البدنية."

تقول الفار إن الهدف كان كذلك العمل على بناء الأطفال نفسياً وجسدياً، وتعزيز انتمائهم إلى قضية فلسطين. وفي سنة 1992، أعدنا تأسيس  الفرقة، وكنا 7 أشخاص من الجيران، ثم بدأنا نكبر ونشارك، ووصل عددنا إلى  115 شخصاً تقريباً. نحن نتاج تراكُم أجيال، ودائماً لدينا منتسبون جدد لأن هدفنا التمسك بقضية فلسطين وتراثها. وعددنا حالياً سبعون شخصاً..

وتتابع: "سافرنا، ونسافر لإقامة الحفلات، واستطعنا أن نزور فلسطين وأقمنا حفلات هناك، لأن الوصول إلى تراب الوطن كان إنجازاً كبيراً لنا. وعلى الرغم من أن مركز التدريب موجود في ملجأ في مخيم عين الحلوة، وعلى الرغم من المعاناة وظروف المخيم، فإننا نكسر كل الحواجز لأننا نؤمن بقضيتنا. نحن تحدّينا كل الظروف وخرجنا إلى خارج المخيم، وعملنا على حماية أطفال المخيم عبر الفن والموسيقى والتراث، وكل هذا  يهذب النفس والثقة بها. صحيح أن مشروعنا التطوير والإبداع وإحداث نقلة نوعية، ولكن على أساس التراث، لأننا  لا نطلع من تراثنا، وخاصة في المهرجانات الدولية، لأننا نمثل فلسطين وأزياءها والصور التعبيرية التي تمثل الشهيد والأسير."

من المؤسسات النشيطة والفاعلة وسط مخيمات اللجوء، لا يمكننا إلا أن نتوقف عند المؤسسة الوطنية للرعاية الاجتماعية والتأهيل المهني المعروفة ببيت أطفال الصمود ومديرها قاسم عينا الذي يقول: "خدماتنا من صفوف الروضة، وتمتد إلى تعلّم الموسيقى، ثم الدبكة، ونبقى على تواصُل مع الأطفال، لأننا لسنا جمعية خيرية، وإنما هدفنا بناء الإنسان الفلسطيني. نحن في حالة تحدٍّ مستمرة، وعندنا أنشطة لا يقوم بها سوانا، مثل عيادة طب أسنان الأطفال للعلاج والوقاية والتثقيف والصحة النفسية مع خبراء اختصاصيين، وللأسف، نستعين بأربعين اختصاصياً لبنانياً، لأن العمل ممنوع على الفلسطيني هنا، وندفع لهم "عالساعة" لأننا لا نستطيع دفع رواتب كاملة."

ويتابع:  بعد انتشار الكورونا، تعددت المشاكل عند الكبار والأطفال، وزاد الاكتئاب والعنف الأسري والطلاق وسرعة الغضب. لا ننسى أن مجتمع المخيمات محاصر ، والأقسى انه محاصر بغياب الأمل. لذا، نحن نعمل على تقوية نفوس أطفالنا في المخيمات. هناك خفوت ويأس عند شباب المخيمات لأن سقفه إما السفر وإما البطالة. وفي المخيمات تنتشر المخدرات كما في المجتمع اللبناني. والقوانين اللبنانية مجحفة بحق الفلسطيني. المطلوب تأهيل الشباب الفلسطيني، ونحن نعمل على تدريبهم على مهن لا تحتاج إلى إذن عمل. مثلاً، أقمنا في مخيم نهر البارد مؤخراً، وخلال ستة أشهر، دورة تدريب الشباب على كيفية تركيب الطاقة الشمسية لأنها موضة بسبب انقطاع الكهرباء."

وعلى الرغم من الصعوبات، يقول عينا أنهم شاركوا في معارض، كما ازدادت مشاغل التطريز، وازداد المبيع للخارج. ويضيف أن من فضائل كورونا ارتفاع اهتمام النساء بالتطريز في البيوت. مع التأكيد أن الأزمة الاقتصادية كان لها أثر.  ويقول "نحن الآن بصدد التحضير لإحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول/سبتمبر المقبل بالتشارك مع بلدية الغبيري وطلال سلمان ومؤسسة عامل."

انظر

Read more