يعتقد عدد من المحللين والخبراء الأمنيين في إسرائيل أن قوة الردع الإسرائيلية قد ضعفت كثيراً في الآونة الأخيرة نتيجة عوامل عديدة، وأن البيئة الإقليمية والبيئة الدولية تتغيّران في غير صالحها، الأمر الذي يفرض عليها، في اعتقادهم، أن تستعد لشن حرب استباقية تستهدف إيران بصورة مباشرة، أو حلفائها في المنطقة. فهل تغامر إسرائيل بشن حرب كهذه خلال هذه السنة؟
عن هذا السؤال، سأحاول الإجابة في هذا المقال، الذي اعتمدت في إعداده، بصورة رئيسية، على ما نُشر في الأيام والأسابيع الأخيرة في نشرة "مختارات من الصحف العبرية"، التي تصدرها يومياً مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وكذلك على مقال مهم نشره الصحافي والكاتب البريطاني المقيم في مدينة الناصرة جوناثان كوك.
قد يكون الاستعداد للحرب هو الخيار الوحيد
في مقابلة إذاعية أجريت معه في 11 نيسان/أبريل الجاري، تطرق الجنرال السابق يعقوب عميدرور، الذي شغل منصب "مستشار الأمن القومي" ما بين سنتَي 2011 و 2013، إلى الهجمات الصاروخية التي استهدفت إسرائيل من جنوب لبنان وهضبة الجولان وقطاع غزة، وذلك بعد قيام قوات الشرطة الإسرائيلية، في مطلع الشهر نفسه، باقتحام المسجد الأقصى لإخراج المعتكفين فيه بالقوة، ورأى "أن التوترات الأخيرة، والوضع في الشرق الأوسط وتغيّر أولويات الولايات المتحدة، يزيد احتمالية الحرب"، ويفرض على إسرائيل أن تستعد للحرب، إذ "من المحتمل أن نصل إلى مرحلة سيكون علينا فيها مهاجمة إيران من دون مساعدة أميركية"، مشككاً في مدى التزام الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل، ومقدّراً أن الولايات المتحدة "لديها مشاكل أكبر بكثير من مشاكل الشرق الأوسط، فضلاً عن أن العالم صار ينظر إلى إسرائيل بصورة مختلفة". وخلص عميدرور إلى أنه مع كل هذه التطورات "تزداد مخاطر تدهور [الأمن] عشرة أضعاف"[1]. وفي الاتجاه نفسه، أكد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هيرتسي هليفي، في حديث أجرته معه إذاعة الجيش الإسرائيلي ["غالي تساهل"]، ونشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، في السادس من الشهر الجاري، أن إسرائيل "يمكنها، وهي جاهزة لشنّ هجوم استباقي على إيران، حتى من دون مساعدة الولايات المتحدة الأميركية"، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي "لديه القدرة على توجيه الضربات في كل البلاد، البعيدة عن البلد والقريبة منه"، وأنه "سيعزز قدراته بشكل كبير في الأعوام المقبلة، من أجل أن يكون جاهزاً لاحتمال توجيه ضربة استباقية إلى إيران؛ وعلى الرغم من بُعد المسافة، فإن مثل هذه الضربة سيكون ساحقاً"[2].
ويعبّر محللون أمنيون إسرائيليون آخرون صراحة عن رأي مفاده أن احتمال قيام الولايات المتحدة الأميركية بشن عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية يظل "ضئيلاً ومحدوداً"، في المستقبل القريب، وخصوصاً في ظل وجود مؤشرات تدل على أن إدارة الرئيس جو بايدن قد تسعى إلى التوصل إلى "اتفاق مؤقت" مع الحكومة الإيرانية يعتمد "على رفع جزئي للعقوبات في مقابل تجميد تخصيب اليورانيوم تحت الدرجة العسكرية 60%"، وهو ما يطرح، على إسرائيل ضرورة الاستعداد لشن عملية عسكرية واسعة على إيران بصورة منفردة، حتى لو تسببت هذه العملية في اندلاع حرب إقليمية شاملة، ذلك إن التحرك العسكري هو خيار "سيئ، بينما البديل الآخر- السماح لإيران بأن تصبح نووية- هو أكثر سوءاً بكثير"[3]. بيد أن هناك من يقدّر، بين هؤلاء المحللين، أن "إحدى العقبات التي يجب إزالتها قبل معالجة الموضوع النووي الإيراني هو تهديد الصواريخ التي يملكها حزب الله والقادرة على إلحاق ضرر هائل بإسرائيل"، وهو ما قد يتطلب "الإعداد لحرب وقائية في الشمال للقضاء على التهديد الذي تشكله هذه الصواريخ على المنشآت الاستراتيجية في الدولة قبل معالجة النووي الإيراني"، وخصوصاً أنه "في غياب تحرك إسرائيلي حازم وناجع"، سيعتقد حلفاء إسرائيل في المنطقة، الذين يتخوفون من انسحاب أميركي منها، أن إسرائيل هي "دعامة من قصب لا يمكن الاعتماد عليها، وحينها سيتقربون من إيران"، وهو ما قامت به السعودية عندما توصلت إلى اتفاق مع إيران حول استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما[4]. وفي هذا السياق، رأى أحد المسؤولين السابقين الكبار في المؤسسة الأمنية أن الاتفاق السعودي–الإيراني، الذي "يشكل إنجازاً سياسياً إضافياً بالنسبة إلى إيران، يضاف إلى سائر إنجازاتها في الفترة الأخيرة"، قد يسهّل تحويل اليمن إلى "قاعدة لإطلاق الصواريخ الباليستية والصواريخ البحرية والمسيّرات وأسراب الحوامات الهجومية" على "منشآت استراتيجية، مثل ميناء إيلات ومحيطه ومنشآت النفط ومطارات المنطقة، أو مهاجمة سفن في البحر الأحمر يملكها رجال أعمال إسرائيليون، وضرب طريق التجارة البحرية بين إسرائيل والهند ودول الشرق الأدنى"[5].
العوامل التي أضعفت قوة الردع الإسرائيلية
لدى توقفهم عند العوامل التي أضعفت قوة الردع الإسرائيلية، يشير المحللون والخبراء الأمنيون الإسرائيليون إلى الانقسام الداخلي الذي لا سابق له في إسرائيل حول مسألة إصلاح النظام القضائي، وما تركه من انعكاسات سلبية على تماسك الجبهة الداخلية، وعلى جهوزية الجيش الإسرائيلي ومعنويات ضباطه وأفراده، وخصوصاً في صفوف الاحتياطيين، وإلى تعاظم قوة إيران العسكرية وتزايد شعورها بالثقة في ظل تحالفها مع روسيا والصين، وإلى تعزز القدرات العسكرية لحلفائها في المنطقة، وإلى تركيز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الحرب الدائرة في أوكرانيا والتوتر الناشئ في بحر الصين الجنوبي.
ففي مقال نشره في صحيفة "معاريف" في 20 نيسان/أبريل الجاري، بعنوان: "على الرغم من المخاوف الهائلة، فإنه يتعين على إسرائيل شنّ حرب وقائية ضد أعدائنا"، قارن المحلل السياسي إفرايم غانور بين الأجواء التي كانت تسود عشية اندلاع حرب حزيران/يونيو 1967 وبين الأجواء السائدة في إسرائيل حالياً، فرأى أن "الواقع المعقد والإشكالي في هذه الأيام، وقبل الذكرى الـ75 لقيام دولة إسرائيل، يشبه إلى حد بعيد الواقع الذي كان سائداً قبل 56 عاماً، عشية الذكرى الـ19 لقيام الدولة في ربيع 1967"، ذلك إن الشعور السائد هو أن دولة إسرائيل تمرّ، في هذه الأيام "بالواقع عينه، وتشعر بالتهديد الذي شعرت به في سنة 1967؛ فالانقسام والتصدّع في دولة إسرائيل، كما يتم تصويرهما ونشرهما يومياً في شتى أنحاء العالم من خلال التظاهرات، ومن خطابات السياسيين وتصريحاتهم، خلقا شعوراً بأن الدولة تتفكك، الأمر الذي شجّع أعداءنا الكثُر المتعطشين لاستغلال اللحظة للهجوم وتدمير دولة اليهود"، معتبراً أنه يتوجب على دولة إسرائيل أن تقوم "الآن وفوراً، بشنّ حرب وقائية ذكية ومفاجئة لضرب منظومة آلاف الصواريخ لدى حزب الله في لبنان، والموجهة نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية"، وكذلك" توجيه ضربة إلى حركتَي "حماس" والجهاد الإسلامي، وخصوصاً "أن الزمن ليس في مصلحتنا، وكل تأخير أو انتظار سيفاقم هذا الصراع على وجود دولة إسرائيل"[6].
أما الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي"، أوري ديكل، فقد ربط، في مقال نشره في "مباط عال" في 16 الشهر الجاري، بين الصدامات التي وقعت في المسجد الأقصى، والهجمات التي استهدفت إسرائيليين ومستوطنين على الطرقات في الضفة الغربية المحتلة، وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وجنوب لبنان وهضبة الجولان، ليستنتج أن هناك مسعى جدياً لـ "توحيد المحورين؛ محور المقاومة الفلسطينية الذي تقوده "حماس" والجهاد الإسلامي من جهة، ومحور إيران- حزب الله من جهة أُخرى"، وهو مسعى يستند، في تقديره، إلى عدة أمور من أهمها: تقدير حزب الله أن في إمكانه توسيع معادلة القوة في مواجهة إسرائيل بواسطة وضع قواعد لعبة جديدة على الحدود الشمالية، وتقدير حزب الله وإيران أنه من الممكن التحرك في هذا الاتجاه انطلاقاً من فكرة أن إسرائيل غير مؤهلة لخوض حرب على كل الساحات في آن معاً، وخصوصاً في ضوء ما يحدث في ساحتها الداخلية، وحذر الإدارة الأميركية من نشوب مواجهة في الشرق الأوسط، وخصوصاً مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتزايد التوترات بينها وبين حكومة اليمين في إسرائيل[7].
هل سيبدأ نتنياهو حرباً لينقذ جلده؟
تحت هذا العنوان، نشر الكاتب والصحافي جوناثان كوك مقالاً، في 14 نيسان/أبريل الجاري، رأى فيه أن الحروب تؤدي عموماً "إلى توحيد الإسرائيليين خلف حكومة محاصرة وإسكات المعارضة، مع كسب الدعم غير المشروط من اليهود في الخارج وتعاطف الدول الغربية"، وأن "التكتيك المفضل لدى رؤساء الوزراء الإسرائيليين المضطربين هو إثارة المواجهة، أو على الأقل المبالغة في رد الفعل لإحداث مواجهة، ثم إرسال الجيش [إلى الحرب]"، مقدراً أن بنيامين نتنياهو، الذي انخفضت شعبيته كثيراً في الأسابيع الأخيرة، "لديه الكثير ليخسره من خلال بدء الأعمال العدائية؛ لكن مع إملاء المتطرفين الدينيين أجندته، سيجد صعوبة في عدم تأجيج المنطقة"، وخصوصاً أنه "في قلب محاكمة فساد لم يفز بها"، بحيث قد يبدو احتمال نشوب حرب في الأسابيع المقبلة "جذاباً"[8].
مغامرة عسكرية ستكون محفوفة بالمخاطر
تحتاج إسرائيل كي تستعد لشن الحرب، في نظر المستشرق والأكاديمي دورون متسا، في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 13 الشهر الجاري، إلى استراتيجيا جديدة تعتمد على ثلاثة مداميك أساسية، الأول فيها سياسي، "والمقصود عملية ضرورية لتوسيع ائتلاف نتنياهو وتشكيل حكومة طوارىء وطنية"، بما يفرض على المعارضة "التخلي عن سعيها الساذج لإسقاط الحكومة من خلال النضال ضد الإصلاح القضائي"، ويجبر الائتلاف الحاكم "على تغيير أجندته القومية والتركيز على القضايا الأمنية"؛ والثاني جماهيري، بحيث يتوجب على قيادة إسرائيل إطلاع الشعب الإسرائيلي "على الأخبار السيئة، وتحضيره لسنوات صعبة وملبدة بالمفهوم الأمني"؛ والثالث عسكري، إذ ينبغي على إسرائيل "أن ترسم من جديد قواعد اللعبة الإقليمية والتخلي عن نظرية الاحتواء، أو على الأقل عليها أن تنوّع سجلها الاستراتيجي من خلال توجيه ضربة قاسية إلى إحدى خلايا منظومة المقاومة الإقليمية، وذلك انطلاقاً من الإدراك بأن فرص مواجهة النووي الإيراني بواسطة هجوم مباشر ضئيلة، لكن من الممكن مواجهة وكلاء طهران والخاضعين لوصايتها"[9].بيد أن الحرب التي قد تفكر إسرائيل بشنها، حتى بعد أن توفّر مداميك الاستراتيجية الجديدة الثلاثة، لن تكون هذه المرة خاطفة ومن دون عواقب وخيمة على الجبهة الداخلية في إسرائيل، بل ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولا سيما في ظل التطوّر الذي طرأ على موازين القوى بين إسرائيل، من جهة، والقوى المقاومة لها، من جهة أخرى. وعليه، وبحسب تقدير جوناثان كوك نفسه، قد لا يكون في مصلحة إسرائيل، في ضوء واقع كهذا، أن تبادر إلى إشعال المنطقة من خلال قيامها بشن الحرب/المغامرة، ذلك إن إشعال الحرب قد يبدو "بسيطاً على الورق"، لكن "تنفيذ مخطط كهذا قد يكون أكثر صعوبة"، و "إذا بدأ نتنياهو مواجهة عسكرية، فإن العواقب ستكون أسوأ مما واجهه [إيهود] أولمرت بعد المواجهة الكارثية التي دامت 34 يوماً مع حزب الله في عام 2006"، ليخلص إلى أنه "إذا حاكمنا الأمور بعقلانية، ستكون إسرائيل مخطئة في شن الحرب، لكن العقلانية ليست، بلا ريب، النجم الذي يوجّه إسرائيل، في الوقت الذي يرتبط فيه نتنياهو، ارتباطاً سيئاً، بمتدينين متطرفين مثل وزير بوليسه، إيتمار بن غفير، ووزير المالية (ووزير الاحتلال شبه الرسمي) بتسلئيل سموتريتش"[10].
[1] https://fr.timesofisrael.com/amidror-israel-doit-se-preparer-a-une-guerre-avec-liran-sans-laide-de-washington; https://ar.timesofisrael.com/رئيس-وكالة-الأمن-القومي-سابقا-على-إسرا/
[2] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/6-4-2023.pdf
[3] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/19-4-2023_0.pdf
[4] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/18-4-2023_0.pdf
[5] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/20-4-2023.pdf
[6] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/20-4-2023.pdf
[7] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/18-4-2023_0.pdf
[8] https://www.chroniquepalestine.com/netanyahu-declencher-guerre-pour-sauver-sa-peau
[9] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/13-4-2023.pdf
[10] https://www.chroniquepalestine.com/netanyahu-declencher-guerre-pour-sauver-sa-peau