تحتوي مجموعة عارف العارف على مواد غنية تتعلق بحياته في فترة الحكم العثماني في فلسطين قبل الحرب العظمى- ومن ضمنها أيام دراسته في الكلية السلطانية نموئة تراقي (المكتب السلطاني في الآستانة) سنة 1910، ثم التحق بجامعة إستانبول، وجُنّد بعدها كضابط في الجيش العثماني، وأُرسل للقتال في جبهة أرض الروم على الحدود الروسية. ثم اعتُقل في سنة 1915 في معركة إرزروم (أرض الروم)، وأُرسل إلى المعتقل الروسي في سيبيريا، حيث أمضى معظم سنوات الحرب في معسكر كروسنايرسق [قروسنايرسك]. تحتوي هذه الألبومات على تعليق مفصّل على كل صورة، يتراوح بن السطرين والنصف صفحة لكل منها. وقد استعمل العارف ضمير الغائب في تعليقاته على هذه الصور، وكأنه كان يصبو إلى نشرها في مجلد خاص من تحريره. في مجلد الألبوم الأول، على سبيل المثال، يقول العارف (بضمير الغائب) "عندما أتم العارف دراسته في جامعة استنبول عام ١٩١٤ كانت الحرب العالمية الأولى قد أُعلنت. وكانت تركيا قد قررت الوقوف إلى جانب ألمانيا في تلك الحرب....وبعد أن درب العارف في الكلية الحربية ستة شهور ترشح ليكون ضابطاً في قسم الاحتياط بالجيش العثماني. وأُرسل إلى جبهة القفقاس (١٩١٥) حيث حارب مع الأتراك العثمانيين ضد الروس. وفي معركة حامية وقعت هناك بين الطرفين [يقصد معركة ارزروم] وقع أسيراً."
من أظرف ما جاء في هذه المجموعة تعليق العارف على يوم مولده في القدس الشريف، والذي يقول فيه:
متى وأين وُلدت؟
وُلدت في مدينة القدس. في اليوم السادس والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر ١٨٩٣). فقد حدثتني أمي أنها، عندما ولدتني كان حليبها قد غاص. فعرضتني على عدد من صديقاتها فأرضعتني أم رشدي المهتدي. وأم عارف اهرام. وأم ظافر الشهابي. سألتهن: متى كان ذلك؟ فلم يشفين غليلي. وان قالت لي أم ظافر.. السيدة حفيظة امرأة نمر أفندي الشهابي إنها وضعت ولدها ظافر في اليوم الذي وصل فيه إلى القدس أول قطار حديدي.. وأن صديقتها محبوبة (أمي) وضعتني في اليوم نفسه.. وأنها هي (أي أم ظافر) أرضعتنا نحن الاثنين معاً. رحت بعدئذ أبحث في مجلات الأخبار، فوجدت أن أول قطار وصل القدس سنة 1892. ولكن لم اهتدِ لمعرفة اليوم والشهر، إلى أن وقع تحت يدي، بطريق الصدفة، مقال نشرته صحيفة (جيروساليم بوست) بتاريخ 26/9/1972 وقد جاء فيه أن أول قطار إلى القدس وصل في 26 أيلول (سبتمبر) 1892.
يشمل المجلد الأول من ألبومات العارف مجمل حياته في نهاية الحقبة العثمانية التي شملت دراسته في المعهد السلطاني، وعمله كمترجم في وزارة الخارجية، وعمله كمحرر ليلي لجريدة طنين، ثم اعتقاله في معسكر كروسنايرسق وسنوات الأسر (من أجمل سنوات حياتي)، وتشمل هروبه من المعتقل بعد الثورة البلشفية وسفره في القطار إلى منشوريا، ثم اليابان، حين عاد إلى سورية في السفينة، والتحق بالثورة العربية الكبرى. ثم إصداره جريدة "سورية الجنوبية" (في القدس) سنة 1919، والتي نادت بوحدة فلسطين مع سورية الكبرى تحت قيادة الأمير فيصل. في المعتقل الروسي، حرّر عارف العارف جريدة حائط هزلية سمّاها ناقة الله، لم يتوفر لدينا إلاّ مانشيت عدد واحد منها. (راجع الصورة أعلاه)
تحوي المجموعة أيضاً صورة "هوية أسير" في المعتقل الروسي (أعلاه)، وأُخرى التُقطت عندما سُمح له بمغادرة المعتقل والعمل مدرساً في مدينه كروسنايرسق. وقد وصف العارف حياته في المعتقل السيبيري في هذه الفترة بأنها "من أجمل سنوات حياتي" !!
غنى هذه الألبومات وكثافة التعليقات عليها تتيح لنا صوغ سيرة مستفيضة عن حياة العارف في الفترة التكوينية الأولى من حياته، وخصوصاً القسم الأقل معرفة بتفاصيلها مما كُتب عنه، وتتعلق هذه الفترة "المجهولة " بأيام الدراسة في الآستانة وعمله كمترجم في وزارة الخارجية العثمانية، ثم تجنيدة وأسره في الجبهة الروسية. كما تغطي هذه الفترة عودته المعذبة في نهاية الحرب من سيبيريا إلى فلسطين، بعد أن التحق بجيش الأمير فيصل لفترة وجيزة. كما تشمل عمله في جريدة "سورية الجنوبية" في القدس واعتقاله من طرف السلطات الانتدابية، بتهمة التحريض ضد السياسة البريطانية. ونرى في الصورة المرفقة صورة العارف وهو يقود تظاهرة حاشدة ضد وعد بلفور في باب الخليل سنة 1920، وهي بحسب ادّعائه، كانت اول تظاهرة ضد وعد بلفور تقام في فلسطين ضد الاستعمار البريطاني.
لدينا أدلة مغايرة لهذا الادّعاء من خلال صورة لأول تظاهرة في فلسطين في كانون الثاني/يناير 1918 في نابلس، عندما كان القسم الشمالي من فلسطين ما زال تحت السيطرة العثمانية. من الواضح أن العارف لم يكن على اطّلاع على أحوال نابلس في تلك الفترة. وهذا بالطبع لا يقلل من أهمية تظاهرة باب الخليل، ولا من مكانة عارف العارف كمؤرخ وناشط استقلالي نادى بوحدة فلسطين (جنوب سورية) مع بقية بلاد الشام بقيادة الأمير فيصل.
إصدار جريدة "سورية الجنوبية" في الفترة 1919 – 1921، وتحريرها من قبل عارف العارف وشريكه محمد البديري في القدس كان له دلالات سياسية مهمة.
- تبنّى عارف والبديري مفهوم وحدة بلاد الشام ضد محاولات التجزئة الاستعمارية التي برزت ملامحها في اتفاقية سايكس بيكو.
- رفض سلخ فلسطين عن سورية، كما يتضح من اسم الجريدة، بما في ذلك محاولات النضال من أجل استقلال فلسطين، أو الاعتراف بها ككيان ذي حكم ذاتي نابع من صك الانتداب البريطاني، والذي أشرفت عليه عصبة الامم.
كيف وازن العارف بين انتمائه إلى مشروع استقلال سورية الكبرى وبين بداية انخراطه في وظائف حكومية في الانتداب البريطاني (قائم مقام يافا وبئرالسبع وغزة)، بعد عودته من المنفى الأردني؟ سنجد بعض الإجابات عن هذا السؤال في مراجعة أعداد جريدة "سورية الجنوبية"، والتي أصبحت متوفرة حديثاً في موقع المتحف الفلسطيني. تقوم مؤسسة الدراسات الفلسطينية، حالياً، برقمنة جميع صور ألبومات العارف، وعددها اثنا عشر ألبوماً، للحفاظ عليها من الضياع، ثم إطلاقها لجمهور الباحثين.
المراجع:
- مجموعة صور عارف العارف الخاصة؛ أرشيف مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
- جريدة " سورية الجنوبية "؛ 1919 – 1920، الأعداد 1 –63 ؛ أرشيف المتحف الفلسطيني ، بيرزيت.
- سليم تماري، "مع ناقة الله في سيبيريا "، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 76، (خريف 2008).