Striking Teachers Are Continuously Let Down
Date: 
February 28 2023

يشعر المعلمون الفلسطينيون في عمق وجدانهم الجمعي بتدني سلَّم رواتبهم، مقارنةً بفئات أُخرى من الموظفين، وخاصة قطاع الأمن، كما أن العلاوات التي تطرأ على راتب المعلم ضئيلة جداً ومتباعدة زمنياً، ففي كل سنة، يزداد راتب المعلم بنسبة 2.5%، وهي العلاوة السنوية المعروفة، وهذه النسبة، في أحسن الحالات، لا تتجاوز الـ 75 شيكلاً (أقل من 25 دولاراً). وفي كل خمسة أعوام على الأقل، يرتقي المعلم درجة في السلّم الوظيفي تزيد راتبه ما بين 100و 200 شيكلاً (27 - 55 دولاراً). إن نظرة استكشافية إلى سلّم الرواتب[1]  تجعلنا نستنتج بسهولة سبب تدنّي راتب المعلم، مقارنةً بغيره.

في ضوء هذه المعطيات الأولية، نادراً ما تمرُّ سنة دراسية في مدارس فلسطين الحكومية من غير إضراب يربك الحياة التعليمة التي تعاني أصلاً من معضلات تراكمية خلَّفتها جائحة كورونا وسياسات التعليم التي واكبتها، ناهيك بالاحتلال وآثاره المدمرة في التعليم. أما المحرك الأساسي لمجمل الإضرابات فهو تحسين مستوى معيشة المعلم وتأسيس نقابة تمثل المعلمين. ويتكرر هذا السيناريو كل عام تقريباً منذ أواخر التسعينيات وحتى الآن.

في الخامس من شهر شباط/فبراير الجاري (2023) شَرَعَ المعلمون في إضراب مفتوح، شمل لأول مرة معلمي التوجيهي. غالباً ما يُستثنى معلمو التوجيهي من الإضرابات، بسبب المحددات الزمنية المتعلقة بمواعيد التسجيل والقبول في الجامعات. لكن على ما يبدو، كسر المضربون هذا التقليد بسبب شعورهم العميق بالخذلان من الحكومة، وكذلك للضغط عليها، باعتبار التوجيهي مسألة حساسة.

يأتي هذا الإضراب نتيجة لتنصُّل الحكومة الفلسطينية من الالتزام بالاتفاق المبرم مع اتحاد المعلمين الفلسطينيين في أيار/مايو 2022، وبوساطة الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان. تضمّن الاتفاق في حينه بندين: أولهما زيادة مالية نسبتها 15% كعلاوة على راتب المعلم الأساسي، تُصرف في بداية سنة 2023، وثانيهما البدء الفوري بعملية دمقرطة الاتحاد من خلال تعديل نظامه الداخلي، بما يتيح المجال لإنشاء جسم نقابي خاص بمعلمي المدارس الحكومية، عبر انتخاب ديمقراطي حر ونزيه.

لم يتحقق أيّ من بنود الاتفاق. في لقاء على تلفزيون فلسطين الرسمي يوم الثلاثاء (14/2/2023)، بررت الحكومة، على لسان وزير التربية والتعليم السيد مروان عورتاني، موقفها الحالي بعدم توفُّر الميزانية الكافية لتنفيذ هذا البند، وشدد عورتاني على أن الاتفاق الموقّع مع الاتحاد ربط التنفيذ بشرط توفُّر الميزانية اللازمة.  واعتبر عورتاني أن إقحام التوجيهي في دوامة الإضراب "يهدد الأمن القومي والمجتمعي مباشرة."[2]

رد ناشطون[3] في الحراك المطلبي على ادعاءات الوزير عورتاني، بأنهم مستعدون للعودة إلى العمل إذا تم تسجيل العلاوة في قسيمة الراتب، حتى لو لم تتم تغطيتها مالياً. في حين أكد السيد عمر عساف[4] وهو إحدى الشخصيات الوسيطة في إبرام اتفاق أيار/مايو 2022، بأن الاتفاقية لم تتضمن شرط توفُّر الميزانية، كما أشار عساف إلى أن اتحاد المعلمين لم يشرع في عملية دمقرطة الاتحاد كما جاء في نص الاتفاق.

إجراءات وزارية لتفكيك قاعدة الإضراب

كما في كل مرة، تتبع وزارة التربية والتعليم سلسلة من الإجراءات والأساليب الإدارية والإعلامية والأمنية لمواجهة الإضراب وتفكيك قاعدته التنظيمية. وغالباً ما تنجح في هذه المواجهة، وتتلخص هذه الاستراتيجيا بعدة خطوات، وهي:

  • تقسيم الجسم التربوي إلى عدة فئات: مدراء ونواب مدراء وسكرتاريا ومرشدون من جهة، ومعلمون من جهة أُخرى. الغاية من هذه الخطوة عزل فئة الإداريين والمرشدين والمعلمين الجدد عن الجسم التربوي، باعتبارهم حلقة ضعيفة يسهل كسرها، وفي هذا السياق، وزعت مديريات التربية منذ الأيام الأولى لبدء الإضراب تعميماً على المدراء يتضمن تهديداً مباشراً باستبدال أي مدير أو سكرتير أو مرشد "يمتنع" من العمل.
  • غالباً ما تكون الخطوة التالية فصل الناشطين من وظائفهم، أو إعطاءهم مهلة للتراجع.
  • حسم أيام الإضراب من راتب المعلم المضرب.
  • وصف المعلمين، باعتبارهم "ممتنعين من العمل" وليسوا مضربين، واتهامهم بتشويش وإرباك الحياة الاجتماعية. ثم تجييش المجتمع ضدهم، باعتبارهم خارجين على القانون ويهددون السلم الأهلي.
  • الإصرار على عدم تلبية مطالب الحراك مهما طالت مدة الإضراب.
  • عرقلة وصول المعلمين إلى رام الله للاحتجاج من خلال حواجز عسكرية تعترض طريقهم.

وغالباً ما تنجح هذه الاستراتيجيا في تفكيك بنية الإضراب، ليس بسبب قوتها، وإنما بسبب تعنُّت الحكومة وطول مدة الإضراب والشعور بعدم الجدوى وتسلُّل اليأس إلى نفوس المعلمين. إذ قد يطول الإضراب عدة أسابيع، وأحياناً أشهر، بلا فائدة تُرجى ولا بوادر تلوح في الأفق، وهو ما يجعل المعلمين يعودون إلى صفوفهم خائبين ومخذولين.

تمثيل المعلمين

لقد أصبح معروفاً في الوسط التربوي أن الإضرابات التي تتجاوز مرجعية الاتحاد لا يُكتب لها النجاح، فالوزارة، ومن خلفها الحكومة، حريصة على ألا تُسجل سابقة نجاح مطلبية لمصلحة حراك المعلمين، مهما كلفها الثمن. فالتمثيل النقابي واحد من الإشكاليات التي يعانيها المعلمون الفلسطينيون. وتعترف السلطة فقط باتحاد المعلمين الذي تأسس سنة 1969 ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن هذا الاتحاد لا يتمتع بشعبية في صفوف المعلمين. فهو من وجهة نظرهم، مسيس وغير محايد، فأعضاء قيادته مفرَّغين على الكادر الوظيفي للسلطة بامتيازات مالية كبيرة، وهو ما يجعل صدقيتهم موضع شك لدى أغلب المعلمين. على سبيل المثال، تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي قسيمة راتب لأحد المسؤولين في الاتحاد أظهرت الفرق الشاسع بين راتبه ورواتب مَن يمثلهم من المعلمين.

وفي مواقف عديدة تستدعي الإضراب، أحجم الاتحاد عن إعلان الإضراب، كما هي الحال في هذا الإضراب الذي يجري الآن، إذ من المفروض- من وجهة نظر المعلمين- أن الاتحاد هو مَن يجب أن يقود الإضراب؛ لأن الحكومة تنكّرت للاتفاق المبرم معه. والعكس أيضاً صحيح، إذ دعا الاتحاد إلى إضرابات سياسية لا حاجة إليها، وتنم عن ضعف أداء ونقص في الخبرة، كما هي الحال في الإضرابات التي واكبت سقوط الشهداء في مواجهات الاحتلال.

يعتقد المعلمون أن الإضرابات التي يدعو إليها الاتحاد تتم باتفاق مسبق مع السلطة، وعادةً لا تطول، يوماً أو يومين، ثم توافق الحكومة على المطالب، وهي عادة بسيطة وتتعلق بأمور غير مالية. وتنتهي هذه الحفلة بانتصار نقابي يقيَّد كإنجاز في سجل الاتحاد.

الأطر النقابية البديلة

ظل الاتحاد مرجعية نقابية للمعلمين حتى نهايات التسعينيات، عاماً بعد آخر، انحسرت ثقة المعلمين به، في ضوء مواقفه وسياساته المنحازة إلى مصلحة الحكومة، عدم ثقة المعلمين بالاتحاد جعلتهم يلجؤون إلى أطر بديلة اتخذت مسميات عديدة من قبيل لجنة التنسيق وحراك المعلمين الموحد. وقد شُكلت أولى هذه الأطر في سنة 1997 تحت مسمى لجنة التنسيق العليا. وفي الأعوام الأخيرة، تغيرت أسماؤها وأساليب تمثيلها، لكن مضمونها بقي ثابتاً. كانت الأطر البديلة ما قبل ثورة وسائط التواصل الاجتماعي تتشكل بطريقة ديمقراطية، إذ كان معلمو المدرسة الواحدة ينتخبون ممثلاً لهم في لجنة تنسيق المحافظة، وكل لجنة محلية تتمثل بعضو أو أكثر في اللجنة التنسيقية العامة. خاضت اللجنة التنسيقية العليا إضرابات مريرة منذ سنة 1997 وحتى سنة 2012.

وغالباً ما كانت السلطة تستفرد باللجان وتفكّك بنيتها التنظيمية من خلال فصل الأعضاء الناشطين من الخدمة واستقطاب بعضهم في وظائف ذات امتيازات مالية وإدارية.

وقد شهدت وسائط التواصل الاجتماعي في العقد الأخير ثورة هائلة من خلال تقنيات فيسبوك وتويتر وتيليغرام وغيرها، ومن خلالها استطاع المعلمون تأسيس أطر مطلبية افتراضية تحت مسمى حراك المعلمين الموحد، والذي قاد هذا الإضراب بدرجة عالية من الاقتدار والمسؤولية. مع ذلك، توصلت أجهزة الأمن إلى قائمة طويلة من المشرفين على مجموعات التواصل الإلكتروني وهددتهم بالسجن والفصل ما لم يعلنوا عودتهم إلى العمل.

أسلوب الحس المشترك

طوّر المعلمون خلال نضالهم النقابي الطويل أساليب بارعة وإبداعية في تجاوُز اتحاد المعلمين وتهميشه، وكذلك لتجنُّب عسف السلطة، واحد من هذه الأساليب الإبداعية هو ما يمكن أن أسميه (الحس المشترك)، وهو أسلوب في العمل المطلبي يصعب تحديد ملامحه ودراسته دراسة علمية. لكنه يتجسد واقعاً وبقوة خاصة في هذا الإضراب. إذ يعمد معلمو مدرسة أو عدة مدارس إلى  الإضراب، ويطلقون مبادرة عبر مجموعات التواصل الإلكتروني، تتلقف المدارس الدعوة وتعممها، وهكذا دواليك، حتى يعم الإضراب كل مدارس الوطن، أو معظمها. ويتواصل المعلمون والمسؤولون عن الحراك من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، ولكن بأسماء وهمية، هذا الأسلوب الحراكي جنّب الناشطين عقاب السلطة.

تدّعي الحكومة أن هذا الإضراب تخريبي، وأن مَن يقوده هم أشباح إلكترونية، وأنه لا يمكن التفاوض مع أشباح. لكن المعلمين يقولون إن التفاوض غير ضروري، وأن المطلوب هو تنفيذ الالتزامات. كما يؤكد المعلمون المضربون أن الحس المشترك الذي جعل المعلمين ينهضون للإضراب هو نفسه سيجعلهم يعودون إلى العمل في حال التزمت السلطة بواجباتها.

 

 

[1]-سلّم رواتب دولة فلسطين

[2]-https://www.raya.ps/news/1146376.html

[3]- https://www.facebook.com/mashhour.batran/videos/1245588163039721

[4]- https://www.facebook.com/watch/?v=1460944327740483

 

Read more