Earthquake Survivors from Al-Raml Refugee Camp Tell Their Story
Date: 
February 23 2023
Author: 

عند مدخل مخيم الرمل الجنوبي، تستقبلك مجموعة من الأطفال، يلعبون ببطانية تُركت بين ركام بناء دمره الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا فجر 6 شباط/فبراير الجاري؛ فإعادة تمثيل ما حدث لحظة وقوع الزلزال كانت جزءاً من لعبتهم، أحدهم يقول "البيت عم يهزّ.. عم يهزّ.. رح نموت"، فيصرخون معاً "انزلوا، انزلوا، عم توقع البناي،" ويركضون ضاحكين. ربما تكون إعادة تمثيل الأحداث الصادمة آلية تكيُّف أو تفريغ، يتّبعها أولئك الأطفال لمحاولة فهم ما جرى، أو الاستعداد لقادم أكثر غموضاً.

حصد الزلزال حتى لحظة كتابة هذه السطور (20/2) أرواح نحو 46 ألف إنسان بين تركيا وسورية، بينهم 103 فلسطينيين، 31 منهم قضوا في مخيميْ الرمل والنيرب في اللاذقية وحلب، أما بقية الضحايا الفلسطينيين، فتوزعت بين تركيا ومناطق شمال غرب سورية، الواقعة خارج سيطرة الحكومة السورية.

المخيمات الفلسطينية تشهد الأزمات التي تشهدها الدول المستضيفة، وتأخذ حصتها من الأزمات والنكبات والحروب، وهكذا عاش مخيم الرمل في محافظة اللاذقية لحظات الزلزال المروع، توفي 28 شخصاً، وتعرّض العشرات من أهله لإصابات تنوعت بين الشديدة والمتوسطة، جرّاء انهيار مبانٍ بالكامل، وأُخرى جزئياً. أدى هذا الحدث الكبير إلى تشريد عائلات من المخيم، تقطن اليوم في مدرسة الأونروا ومسجد المخيم.

نعوات جماعية، ومآتم بانتظار العثور على جثامين

على جدران المخيم نعوات جماعية، جميعها تحضن أكثر من اسم، بعضها ثلاثة، والبعض الآخر أربعة، وأُخرى خمسة، جميعهم أبناء بيت واحد. ناموا قبل ليلة الزلزال، ولم يستيقظ منهم أحد، إلا مَن نجوا.

لعل أبرز قصص النجاة، حكاية جنى الرنو، الناجية الوحيدة من عائلتها، بعد أن صمدت 8 أيام تحت الركام، بينما توفي 13 شخصاً من عائلتها تحت المبنى الذي كانوا يسكنون فيه. ويؤكد العم طالب بدوان (أبو خليفة) أحد سكان المخيم، أن هناك احتمال وجود المزيد من الضحايا تحت الأنقاض، خاصة مع سماع الأهالي بعض الأصوات في مناطق المباني المنهارة التي لم تتم إزالة الركام منها. وأكد أن منطقة الشاليهات على أطراف المخيم تضررت بشدة، وانهارت فيها ستة مبانٍ، كانت تقطنها عائلات فلسطينية وسورية، وتشير التقديرات إلى وفاة نحو 30 شخصاً فلسطينياً وسورياً هناك، ولم يتم الكشف بعد عن جثامين أخرى يُتوقع أنها ما زالت تحت ركام تلك المباني.

ترى الناس سكارى وما هم بسكارى"

يقف العم توفيق يتبادل مع أبناء من المخيم أخبار آخر الهزات الارتدادية، أقف لأستمع إلى حديثهم، وفي الخلفية أعلام فلسطينية تبدو في الزقاق، أسأل العم توفيق عما جرى ليلة الزلزال، فيجيب: "والله يا ابني كان اشي عظيم، وأبلغ تعبير عن اللي صار، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى." هكذا وصف ابن مدينة عكا حالة الأهالي حين همّوا بالهروب إلى الطرقات والساحات، في محاولة منهم للابتعاد عن المباني، خوفاً من تداعيها؛ ويضيف: "من شدة الخوف والهلع، هام الناس على وجوههم في طرقات المخيم، هرباً من كتل المباني الضعيفة أساساً.. كان همّ الجميع، حينها، الاطمئنان على أفراد عوائلهم، وأن أحداً منهم لم يُصب بأذى."
يدخل في الحديث العم أسامة، قائلاً "الأهالي الذين يمتلكون السيارات لجؤوا إليها، والبعض افترش الطرقات، والبعض الآخر لجأ إلى المسجد، بينما ذهب عدد من الأهالي إلى خارج المخيم، ظناً منهم أن هذا الحدث اقتصر على أرض مخيمهم." وبعد وقت ليس طويلاً، بدأ يعي الأهالي في المخيم بما حدث، ولا سيما بعد أن بدأت محطات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور لآثار الزلزال في سورية وتركيا.

عمليات الإنقاذ ارتجالية

لم تكن عمليات الإنقاذ سهلة، بدأ شبان المخيم بالعمل بأيديهم العارية، وبأدوات بسيطة لديهم، لرفع ما أمكن من الأنقاض، لإخراج أحياء من تحت المباني التي انهارت داخل المخيم، ولا سيما بعد تأخُّر وصول فرق الإنقاذ، وفعلاً، تمكنوا من إخراج بعض الأحياء في الساعات الأولى التي تلت الزلزال.

كان من بين الذين أُخرجوا أحياء، آدم، الطفل الذي لم يبلغ من العمر سوى أشهر قليلة، وهو اليوم يخضع للعلاج في مستشفى تشرين الحكومي في اللاذقية، بعد تعرُّضه لكسور متعددة، جرّاء انهيار المبنى الذي كان فيه مع ذويه، توفي شقيقه، ونجت والدته ووالده الذي كُسرت قدمه خلال محاولة إخراج ابنه المتوفي لدفنه. تحدثنا والدة آدم، وعيناها تنظران إلى رضيعها، والدمع يسيل على خديها "لحظات مريرة جداً، طفلي الكبير كان إلى جانبي، ولفظ أنفاسه أمامي، لم أستطع حمايته، كان الموت أقوى مني ومنه." وتوضح الأم الثكلى أن المنقذين أخرجوها خلال ساعات قليلة من تحت الركام، لكنها تسأل، في حيرة، عن سبب تأخير انتشال جثمان طفلها الذي توفي لمدة تجاوزت اليومين، "لا أعلم ما سبب ترك طفلي كل هذه المدة تحت ركام المنزل، على الرغم من أنه كان بقربي هو وجدّه المتوفي. زوجي كسر ساقه ليُخرج جثمان طفله الكبير، بعد أن تأخرت فرق الإنقاذ في انتشاله أكثر من يومين، نحن نعلم بأن إكرام الميت دفنه، وطفلي يجب أن يكرَّم أيضاً."

أنقذوني بأيديهم

"رعب برعب"، بهذه الكلمات يصف وائل اللحظات الأولى للزلزال، يقول وهو ممدد على سرير المستشفى، والأسياخ المعدنية مثبتة على عظام يديه وقدميه "منذ بدء الهزة، حاولنا الخروج من المبنى الذي تأرجح، كنا مصابين بالهلع والتخبط حينها، فتمكن بعض أفراد العائلة من الخروج من البيت، وبقيت برفقة اثنين داخل المبنى الذي انهار فينا،" يتذكر وائل أنه ربما فقد الوعي لساعات، فلم يشعر بما كان يدور حوله، بينما كان مدفوناً تحت ركام البناء، لاحقاً، وحين استيقظ، شعر بخدر في مختلف أنحاء جسده نتيجة إصابته بكسور في مناطق متعددة من جسمه، وليكتشف أن اثنين من عائلته كانا بقربه، أحدهما فقد ساقه نتيجة سقوط كميات كبيرة من الركام عليها، والآخر تعرّض لكسور وكدمات عدة؛ يتابع "لحسن حظي شعرت بوجود هاتفي داخل جيبي، حاولت بصعوبة الوصول إليه، وقمت بالاتصال بأفراد عائلتي في الخارج، لأعطيهم دلائل على مكان وجودنا تحت المبنى المنهار، وفعلاً، وبفضل أهالي الحي الذين بدؤوا بالحفر ورفع الركام من فوقنا بأيديهم، تمكنوا من الوصول إلينا وانتشالنا، الحمد الله لم يستشهد أحد من المبنى الذي نقطنه، فمعظمهم تمكن من الخروج..."

ماذا بعد؟

"مبانٍ تهتز وأُخرى تتداعى، صراخ وعويل أطفال ونساء، ورعب سيطر على قلوبنا،" هكذا يصف أسامة، أحد سكان حي الطلائع في مخيم الرمل الجنوبي، اللحظات الأولى  من فجر السادس من شباط/فبراير، لحظة وقوع الكارثة، ويضيف "على الفور، هرعنا أنا وعائلتي إلى السلالم من الطبقة الثالثة، حيث نسكن، وتجمّعنا تحت بيت الدرج، لنحمي أنفسنا من انهيار المبنى، وانطلقنا إلى الساحات العامة في المخيم، بعد أن انخفضت وتيرة الاهتزازات قليلاً التي كانت تعاود الاشتداد بين الفينة والأُخرى،" تصدّع المبنى الذي يسكن فيه أسامة وعائلته، ولم يعد إليه حتى الآن، بانتظار الحلول، ويشير إلى أن أعداد "المباني المصدعة بفعل الزلزال داخل المخيم تصل إلى أكثر من مئة، نزح سكانها إلى بيوت أقاربهم، وإلى مراكز الإيواء التي تم افتتاحها داخل مدرسة الأونروا ومسجد المخيم،" ويوضح أسامة وعدد آخر من اللاجئين الفلسطينيين في المخيم، أنه بعد مرور أكثر من عشرة أيام على وقوع الكارثة، لم يشهد المخيم أي تحرُّك لإيجاد حلول للأهالي الذين هُجّروا من بيوتهم، واقتصر ما يصل من مساعدات على الأغذية والألبسة، هذا بالإضافة إلى سؤالهم عن مفقودين لم يُعرف مصيرهم بعد.

منذ وقوع الكارثة في سورية، وضمنها المخيمات الفلسطينية في اللاذقية وحلب، وحتى الآن على الأقل، لم تتكشف أهوال الفاجعة بعد، فهناك مبانٍ تصدّعت، وهناك خطر مُحدق بأصحابها، لو عادوا إلى السكن فيها قبل ترميمها وتمتينها، وحتى ذلك الحين، فهؤلاء سيبقون بانتظار الحلول لأزمتهم الجديدة المضافة إلى الأزمات الأُخرى، بعد أن أنهكتهم الحرب في سورية، كأقرانهم من المواطنين السوريين.

انظر

Read more