Villagers of Masafer Yatta: Between Steadfastness and Nightmares of Expulsion
Date: 
February 03 2023

قد لا يستطيع سكان المناطق الحضرية أن يتفهموا كيف استطاع آلاف الفلسطينيين حتى هذا اليوم مواصلة حياتهم شبه البدائية في منطقة شاسعة يُطلق عليها اسم "مسافر يطا"، من دون فهم طبيعة المنطقة وحياة السكان والقوانين والسياسات المتبعة فيها. 

لتقريب الصورة وفهم ما يحدث في مسافر يطا، فقبل الإشارة إلى القوانين والسياسات الإسرائيلية المتبعة في مسافر يطا، لا بد للقارئ من فهم طبيعة الحياة التي يعيشها السكان في المكان الذي يُطلق عليه (مسافر يطا). والمقصود هنا منطقة واسعة شبه صحراوية من التلال والوديان تمتد جنوب شرقي مدينة يطا (جنوب الضفة الغربية) حتى الخط الأخضر، ويتناثر فيها 18 تجمعاً سكانياً عشوائياً، يعيش فيها أكثر من 4000 نسمة، يعتمدون في حياتهم على تربية المواشي وفلاحة أراضيهم الخاصة التي ورثوها عن أجدادهم قبل احتلال الضفة الغربية سنة 1967. 

ويعيش السكان هناك حياة شبه بدائية، تفتقر إلى شروط الحياة العصرية، وإلى البنية التحتية الضرورية لاستمرار الحياة الإنسانية، والتي تعرضت للتصحر بمرور السنين، بسبب الرعي الجائر والسياسات الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين، خدمة للتوسع الاستيطاني الذي بدأ في الثمانينيات من القرن الماضي. وقد حظي الاستيطان في المنطقة على دعم وتسهيلات من السلطات الإسرائيلية، وهو ما أسفر اليوم عن وجود أكثر من 10 مستوطنات وبؤر استيطانية يسكنها آلاف المستوطنين الأيديولوجيين المتطرفين الذين يحاصرون من خلالها التجمعات الفلسطينية ويصعّبون حياتهم. ولا يُخفى الهدف من محاصرة التجمعات الفلسطينية من خلال الاستيطان، المتمثل في اقتلاعهم من المكان وترحيلهم للاستيلاء على المنطقة بشكل كامل ونهائي، بالاستفادة من التسهيلات المقدمة للمشروع الاستيطاني من الحكومات الإسرائيلية وسنّ الكنيست القوانين التمييزية ضد الفلسطينيين في مناطق C والقوانين الخاصة المضافة المستهدفة لمنطقة مسافر يطا. 

حتى الآن، هناك معادلة صعبة وصمود شبه مستحيل لسكان عُزّل غير مدعومين أمام كابوس استيطاني وتهديد حقيقي بإنهاء وجودهم في المكان، يعبّر عنه السكان بأسى. فهناك شعور مستمر بأن التهديدات الإسرائيلية التي تتمثل في محاولة إخلائهم عنوة من المكان، بذريعة أن وجودهم على أرضهم بات غير قانوني، ستتحقق كل لحظة. ويعيشون كل مساء على أمل أن لا تأتي الجرافات الإسرائيلية لهدم عرائشهم وكهوفهم وحظائر أغنامهم في الصباح. وينامون ليلهم بانتظار الصباح، من دون أن ينسوا عمليات الهدم والترحيل الواسعة التي جرت سنة 1999، حين رحّلت الإدارة المدنية 700 من سكان هذه التجمعات، بحجة تواجدهم في منطقة إطلاق نار وتدريب عسكري. وكذلك في سنة 2001، حين نفّذت عمليات هدم واسعة في تجمّع سوسيا وتوامين، شملت جميع المساكن والكهوف وآبار المياه والحظائر، انتقاماً لمقتل المستوطن يائير سيناي. 

أما فيما يتعلق بالقوانين الخاصة بمنطقة مسافر يطا، فلعل أخطر هذه القوانين كان الإعلان رقم 918 الذي صدر في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، واعتبر 12 من التجمعات السكانية الفلسطينية، وهي: تجمعات الصفي الفوقا والتحتا والفخيت والمركز والحلاوة وجنبا والتبان والمجاز وخلة الضبع ومغاير العبيد وطوبا والمفقرة، والتي تتواجد على مساحة تزيد عن 30000 دونم، منطقة إطلاق نار وتدريب عسكري، وهو ما يحتّم ترحيل السكان خارجها. وعلى الرغم من أن القانون صدر في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، فإنه لا يزال يشكل تهديداً حقيقياً لاستمرار التواجد الفلسطيني في المنطقة. إذ شطبت المحكمة العليا الإسرائيلية سنة 2012 الالتماسات المعترضة على الإعلان، ورفضت تمديد مفعول الأمر الاحترازي بعدم تنفيذ الترحيل.

استمر السكان في إعادة استئناف الالتماسات لتمديد الأمر الاحترازي، لكنها رُفضت مرة أُخرى في شهر أيار/مايو 2021 بصورة نهائية، بإعلان المحكمة أن الحاجات العسكرية تتفوق على القانون. لكن ضغوط منظمة ريغافيم الاستيطانية المتزايدة لإجبار السلطات على تنفيذ قرار الهدم والترحيل، وضعت سكان التجمعات أمام تهديد جدّي وحقيقي، يزداد خطورة مع التغيرات الدراماتيكية السياسية بتأليف الحكومة الإسرائيلية الأخيرة، بمشاركة الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، والتي وضعت على رأس أولوياتها المشروع الاستيطاني وتوسيعه وتنفيذ عمليات هدم واسعة لن تتوقف فقط عند مسافر يطا.

بالتوازي مع ذلك، ومنذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، مع بداية الاستيطان في المنطقة، بدأ السكان يتعرضون لاعتداءات ومضايقات ممنهجة شبه يومية من المستوطنين، وبدعم من الجيش الإسرائيلي، تمثلت في الاعتداءات الجسدية على السكان ورعاة الأغنام وحرق الخيام والاعتداء على الماشية وسرقتها ومنع المزارعين من الوصول الى أراضيهم وإغلاق المراعي أمام الرعاة. وقد وثّقت منظمات حقوق الإنسان، ومنها منظمة بيتسيلم الإسرائيلية وييش دين مئات الاعتداءات الجسدية على السكان ورعاة الأغنام والاعتداءات على الأملاك وقطع الأشجار ومهاجمة قطعان الماشية وسرقة بعضها ومطاردة المزراعين ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم. هذا بالإضافة إلى هدم العرائش والكهوف وحظائر الأغنام المستجدة وتسليم إخطارات بوقف العمل على نطاق واسع في جميع التجمعات السكانية بانتظار تنفيذ عمليات الهدم والإزالة. بينما يقوم الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة بنصب الحواجز العسكرية في المنطقة بصورة مستمرة.

وبالمماطلة والحجج غير المبررة، امتنعت الإدارة المدنية من إقرارالخرائط الهيكلية المقدمة من مجالس التجمعات، وتم اعتماد خريطة هيكلية وحيدة، وهي التي أقرّتها سلطات الانتداب البريطاني سنة 1942، والتي اعتبرت فيها منطقة مسافر يطا منطقة للاستخدام الزراعي فقط، مع السماح ببناء مقلص لخدمة المزارعين. كما امتنعت الإدارة المدنية من تزويد التجمعات بشبكات المياه والكهرباء ومنعت شق الطرق المعبدة في الوقت الذي زودت البؤر الاستيطانية غير الشرعية والمستوطنات القائمة بكامل البنية التحتية. وأقرّت خرائط هيكلية واسعة للمستوطنات تضمن توسيعها وتطويرها لعشرات الأعوام القادمة.

وكان على سكان تجمعات مسافر يطا مواجهة هذه السياسات الممنهجة الهادفة إلى إنهاء وجودهم في المكان، فاستعانوا بمنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، ومن بينها منظمة حقوق المواطن (اكري) بشكل خاص لتقديم الالتماسات والاعتراضات على القرارات العسكرية، وخصوصاً القرار 918 وقرارات مصادرات الأراضي وإغلاقها وتسوية النزاعات بشأن الملكية على مناطق، بين ادعاءات السكان بملكيتها الخاصة والادعاء وتصنيفها كأراضي دولة وتوسيع ممنهج للمستوطنات القائمة، عبر الاستيلاء على مساحات واسعة للبناء والزراعة، بذرائع أمنية حدّت من تنقل السكان ووصولهم إلى أراضيهم لفلاحتها ورعي أغنامهم.

كما فاقمت تلك السياسات صعوبة حياة السكان والحصول على مصادر رزقهم، وبصورة خاصة الماشية التي انخفضت أعدادها في الأعوام الأخيرة بمعدل النصف بسبب تقلّص مساحات المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف، وازدياد الاعتداءات من المستوطنين. وهو ما اضطر السكان إلى مواصلة حياتهم بالاعتماد على أنفسهم، وواصلوا التشبث بالمكان بوعي أنه لا يوجد خيار أمامهم سوى الاستمرار في هذه الحياة البائسة المهددة إلى أن يقضي الله أمراً كان معلوماً. كما يعبّر معظم السكان، وبوعي، أن مصيرهم بات مرتبطاً بقرار مفاجئ من الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ عملية الترحيل، وإلى حينه، ما زال سكان تجمعات مسافر يطا يسافرون بين التجمعات على البهائم وفي السيارات ذات الدفع الرباعي في طرقات وعرة، وينقلون المياه المكلفة التي يصل ثمن المتر المكعب الواحد منها إلى أكثر من 10 - 15 دولاراً، ويشربون مياه الأمطار من آبار الجمع، وينيرون بيوتهم بواسطة الخلايا الشمسية التي قدمتها لهم مؤخراً منظمة كومت مي الإسرائيلية التي تزودهم بالإنارة فقط، من دون أن تتوفر الطاقة الكهربائية الكافية لاستخدام الأدوات الكهربائية الحديثة. وما زال السكان في حالة انتظار لأن يحدث ما ليس في الحسبان.

Read more