The Hunger Strike and Arming the Body: Palestine and International Experiences
Full text: 

إن البشر هم الذين يصنعون التاريخ، لكن ليس في ظروف يختارونها بأنفسهم.

كارل ماركس 

ليس لدينا ما نخسره سوى أجسادنا. لكنْ لدينا عالم عظيم لنكسبه.

من بيان لمعتقلين أتراك في سنة 2000 

قيودنا ستنكسر قبل أن تنكسر أرواحنا.

رسالة من مروان البرغوثي خلال إضراب الكرامة في سنة 2017 

مقدمة

تركت تجربة الإضراب عن الطعام أثراً مهماً في التاريخ السياسي المعاصر، وسأناقش في هذه الدراسة، بعد عرض تاريخ مختصر للإضراب، الكيفية التي حلل بها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا ظاهرة الإضراب والذات السياسية المرتبطة بهذا النوع من المقاومة، وتحديد الفجوات التي تقوم الدراسة بمعالجتها في الأدبيات العالمية، ومنها التجربتان الإيرلندية والتركية. أمّا في الحالة الفلسطينية فتُعتبر تجربة الأسرى الفلسطينيين وإضرابهم عن الطعام من أهم مواقع المقاومة الحيّة لمواجهة بُنية الاستعمار الاستيطاني المتمثلة في منظومة السجن. وفي الوقت الذي بدأتُ بكتابة هذه الورقة (2 كانون الثاني / يناير 2022) كان الأسير هشام أبو هواش ما زال مُضرباً عن الطعام، لليوم 140، رفضاً لاعتقاله الإداري. 

تاريخ مختصر للإضراب عن الطعام

في أوائل القرن العشرين لجأ مناضلو حركة السفرجيت (militant suffragettes) في إنجلترا إلى الإضراب عن الطعام في السجون البريطانية (Purvis 1995). وفي الهند انخرط غاندي في العديد من الإضرابات عن الطعام احتجاجاً على سياسات الاستعمار البريطاني، ليكون من أوائل مَن اتّبع الإضراب عن الطعام للمطالبة بالحقوق (Gandhi 2008). ومن الإضرابات الشهيرة التي تركت إرثاً عالمياً، إضراب الجمهوريين الإيرلنديين عن الطعام خلال الفترة 1917 - 1920، عندما طالب 60 من أعضاء الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) الاعتراف بمنظمتهم سياسياًفقد نفّذوا إضرابَين آخرين في سبعينيات القرن الماضي وأواخر ثمانينياته. وفي سنة 1973، بدأ مدانون إيرلنديون في سجن بريكستون إضراباً عن الطعام استمر ثمانية أشهر، وفي إضراب سنة 1981 فقد عشرة من أعضاء الجيش الجمهوري الإيرلندي حياتهم.

وفي ألمانيا، خلال الفترة 1973 - 1975، شرع أولريك ماينهوف وأعضاء من الجيش الأحمر RAF)) في عدة إضرابات عن الطعام احتجاجاً على أوضاع سجنهم وحبسهم الانفرادي. وتوفي العضو في الجيش الأحمر هولغر ماينز (Holger Meins) في السجن في سنة 1974 بسبب الجوع (2009Passmore ).

وفي إسبانيا، شارك 42 عضواً من جماعة المقاومة المناهضة للفاشية (GRAPO) في إضراب سنة 1989 احتجاجاً على احتجازهم في زنزانات معزولة وسجون منفصلة.

وفي سنة 1990، بدأ مئات المعتقلين السياسيين في جنوب أفريقيا إضراباً عن الطعام للمطالبة بإنهاء الاعتقال المفتوح إلى أجل غير مسمى، وبالحقّ في محاكمة عادلة.

وللإضرابات عن الطعام في تركيا تاريخ طويل. فقد وقع أحد أكبر هذه الإضرابات في سجن بوكا في سنة 1996 عندما فقد 12 أسيراً حياتهم خلال الفترة 2000 – 2001، واختار مئات اليساريين وغيرهم من المعتقلين الإضراب حتى الموت احتجاجاً على عزلهم في سجون الحبس الانفرادي من "النوع ف" (Type F)، وتوفي أكثر من 100 أسير، فضلاً عن أقارب لهم أضربوا خارج الأسر تضامناً معهم.

وفي غوانتانامو استخدم المعتقلون الإضراب، لكن جرى إطعامهم قسراً من طرف الولايات المتحدة منذ سنة 2002 (Worthington 2007).

أمّا في فلسطين، فقد لجأ الأسرى السياسيون إلى الإضراب احتجاجاً على الأوضاع الشديدة السوء في المعتقلات الصهيونية، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء الذين بقيت تضحياتهم راسخة في الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني. ومنذ سنة 2012، تتلاحق موجة من الإضرابات الفردية عن الطعام نفذها بداية أسرى الجهاد الإسلامي، ثم امتدت بعد ذلك إلى أسرى جميع المنظمات السياسية، سواء من اليسار أو اليمين العلماني، فضلاً عمّن يعتنق الأيديولوجيات الدينية. وكانت هذه الإضرابات احتجاجاً على الاعتقال الإداري، وجاءت في موازاة عدد من الإضرابات الجماعية في السنوات 2012؛ 2014؛ 2017. وتعتمد هذه الورقة على دراسة تناقش الإضرابات الفردية والجماعية خلال الفترة 2012 – 2018، ولهذه الغاية أجريتُ 85 مقابلة مع مَن أضربوا عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم الإداري، ليقوموا، وبعد تحررهم من الأسر، برواية تجربتهم التي عاشوها في أثناء إضرابهم عن الطعام. 

I 

الإضراب عن الطعام فلسطينياً: السياق؛ التاريخ؛ الأدبيات 

1 - السياق

تخضع فلسطين لاستعمار استيطاني اقتلاعي، ولا يمكن فهم نضال الأسرى في المعتقلات الصهيونية وتجربة الإضراب عن الطعام إلّا من خلال وضعها في السياق الأوسع لنضال الفلسطينيين ومقاومتهم. فالإضراب الذي يمارسه المعتقل السياسي بجسده الفردي، ما هو إلّا تجسيد للنضال الجمعي الفلسطيني وتعبير عن الجسد الفلسطيني الجمعي. ولا بد من وضع عنف الاعتقال السياسي في السياق الأوسع للعنف الاستعماري الاستيطاني منذ النكبة (Masalha 2012; Falah 1996)، إذ سُلبت من الفلسطينيين أراضيهم، وجرى خلال عملية السلب تلك تدمير الحيز والمجتمع الفلسطينيين (Ben Khelil et al. 2016; Gelvin 2005; Pappe 2004; Shindler 2013). ويصور إدوارد سعيد كيف خضع الفلسطينيون لاستعمار قاسٍ من خلال تأسيس "دولة إسرائيل" التي ارتبط تاريخها بالسلب وإبادة السكان الأصلانيين (Said 1995).

يُعتبر الاستعمار الاستيطاني الإطار الأوسع لإدراك تجربة الفلسطينيين، ولفهم عمليات السلب التي تعرضوا لها، وكيف قاوموها في إثر تعرضهم لعنف بُنيوي مارسه المستعمِر من أجل إنشاء الكيان الصهيوني. ولأن المشروع الاستعماري هو بُنية وليس حدثاً، على حد تعبير باتريك وولف، فإن الهدف الأساسي للاستعمار الاستيطاني هو المحو الشامل للسكان الأصلانيين (Wolfe 2006). وبحسب إطار الاستعمار الاستيطاني، فإن النكبة ليست حدثاً، وإنما بُنية وجزء من مشروع عنف لمحو الفلسطينيين الذين يناضلون منذ النكبة حتى الآن، ضد هذا المحو والسلب المنهجيين (Barakat 2018; Salamanca et al. 2012; Sayegh 2012). وتتجسد المقاومة ضد الاستعمار والمواجهة بين المستعمِر والمستعمَر، بل تتكثف داخل منظومة السجن، وهذه الورقة تشدد على مركزية النضال في الأسر بالعلاقة مع النضال الجمعي للحركة الفلسطينية، إذ لا ينتهي نضال الفلسطينيين بالأسر، ذلك بأن المقاومة تستمر داخل الأسر بأشكال متعددة لتصل في أقصاها إلى الإضراب عن الطعام. 

2 - تاريخ الاعتقال السياسي في السياق الاستعماري

يُعدّ الاعتقال السياسي إحدى خصائص المشروع الاستعماري (Nashif 2008)، فإسرائيل، بما هي مشروع استيطاني استعماري، أُسست كدولة أسر (Carceral State)، واتّبعت أنظمة العزل والفصل والسيطرة من خلال بناء المستعمرات، وِإقامة جدار الفصل العنصري، وفرض الحواجز، وهيكلة المعتقلات للسيطرة على الفلسطينيين (Khalidi 2014)، كي يصبح الأسر جزءاً لا يتجزأ من الصورة العامة لممارسات القوة الاستعمارية ضد السكان الأصلانيين. فعلى سبيل المثال، بات قطاع غزة يشار إليه بأنه أكبر سجن في العالم[1] حيث يرزح الفلسطينيون تحت حصار خانق منذ أعوام طويلة، فضلاً عمّا يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة من فرض الإغلاقات وعزل المناطق بعضها عن بعض، تماماً مثلما يجري داخل السجون، إذ إنه جرّاء اتفاق أوسلو الذي قسّم المناطق الفلسطينية إلى مناطق "أ"، و"ب"، و"ج"، تمكنت إسرائيل من فرض نظام ضبط وسيطرة على الأرض وعلى الفلسطينيين في الوقت نفسه.

لقد أنشأ النظام الصهيوني، مثلما يوضح وليد دقّة (دقّة 2010)، نظاماً يعتمد على أحدث تقنيات القمع الحديثة، الأمر الذي يجعل السجون نسخة طبق الأصل عن الأراضي الفلسطينية المعزولة والمسيطر عليها، ويحوّل الأسرى إلى فئران تجارب. وكذلك يعيش الفلسطينيون خارج الأسر ظروفاً مشابهة لأوضاع الأسرى الفلسطينيين، ليس فقط قمعاً وتعذيباً، بل أيضاً عبر احتجازهم في كانتونات جغرافية منفصلة ومنعزلة. ويشير عبد الرحيم الشيخ (الشيخ 2018) إلى العلاقة بين السجن الكبير والسجن الصغير في المقولة الخامسة من مقالته "معاني فلسطين في حكاية سر الزيت"، وذلك في أثناء التحليل الذي يقدمه لعمل الأسير وليد دقّة، كي نتمكن من فهم المشهد الفلسطيني برمّته - من السجن الصغير إلى السجن الكبير: "لا زالوا يعيشون في سجن الخارج الذي جعله مَن هَزموا مشروعهم الوطني سلطة بلا دولة، ودولة بلا سلطة."[2]

ومنذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في سنة 1967، جرى اعتقال نحو 800,000 فلسطيني، بينما بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية حتى أيار / مايو 2021 نحو 4450 معتقلاً، بحسب مؤسسة الضمير. وتُعتبر مؤسسة السجن الصهيوني موقعاً لممارسة عنف المستعمِر، والتي أُنشئت لسلب الفلسطيني وقهره، بهدف قمع النشاط السياسي والنضال الوطني ضد الاستعمار، عبر عملية الاعتقال. 

3 - تاريخ الإضراب عن الطعام

يُعتبر الإضراب عن الطعام أعلى أشكال المقاومة التي يستخدمها المعتقلون السياسيون في فلسطين للاحتجاج على أوضاعهم في المعتقلات الصهيونية، والذي أدى إلى ارتقاء شهداء ترسخت تضحياتهم في الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني. أول هؤلاء كان الشهيد عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد في سنة 1970 في إثر تنفيذه إضراباً عن الطعام في سجن عسقلان، ثم الشهيدين راسم حلاوة وعلي الجعفري اللذين استشهدا في سنة 1980 في سجن نفحة، والشهيد محمود فريتخ في سجن جنيد في سنة 1984، والشهيد حسين عبيدات في سنة 1992 في سجن عسقلان.

أمّا أول إضراب عن الطعام فكان في سجن نابلس في سنة 1968، عندما نفّذ المعتقلون إضراباً لثلاثة أيام احتجاجاً على ممارسات الضرب والإهانة التي تمارسها مصلحة السجون الإسرائيلية ضدهم. وفي سنة 1969، نفّذ الأسرى في سجن الرملة إضراباً استمر 11 يوماً احتجاجاً على المعاملة المهينة، وللمطالبة بوقف الممارسات المذلة التي كان بينها إجبار الأسرى على استخدام كلمة "سيدي" عند مخاطبة السجان (Nashif 2008).

تزامن الإضراب كأداة نضالية مع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في سنة 1967، وطرأت عليه تحولات تماشياً مع المتغيرات السياسية التي رافقت النضال الوطني والمقاومة الفلسطينية، أمّا الإضرابات الفردية فشهدت ازدياداً في الأعوام العشرة الماضية، وجاءت احتجاجاً فردياً على سياسة الاعتقال الإداري، وخصوصاً في فترة ما بعد أوسلو في ظل انحسار النضال الوطني الجمعي وتشرذم المنظمات الجماعية. ويمثل خطاب المُضربين وتجربتهم الفردية، الذاتَ الجماعية المدفوعة بالسياسات الثورية الفلسطينية ضد الاستعمار الاستيطاني بخلاف سياسات ما بعد اتفاق أوسلو التي استبدلت المقاومة ببناء دولة عقلانية نيوليبرالية (Dana 2019; Ganem 2010; Khalidi 2007; Massad 2006; Sayigh1999). ومع أن الإضرابات الفردية المعاصرة عن الطعام تبدو لأول وهلة فعلاً فردياً ذاتياً، إلّا إنها، في حقيقة الأمر، تُعتبر رافعة لتجديد النضال السياسي الجماعي، ووسيلة للحفاظ على المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، وهذا ما سأناقشه في القسم الثالث في إجابة عن سؤال الفردي والجماعي. 

4 - الأدبيات: مقاومة الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية

تتوفر سرديات محدودة باللغة العربية عن إضراب الحركة الأسيرة عن الطعام، بل تكاد تغيب الدراسات الأكاديمية التي تحلل تجربة المُضربين عن الطعام من زاوية استخدام الجسد كأداة مقاومة، وذلك بخلاف وفرة الأدبيات عن الاستشهاديين في فلسطين (Abufarha 2009; Araj 2008; Asad 2007; Hage 2003; Nashif 2013; Pape 2005). ونظراً إلى غياب هذه الدراسات، فإنني سأحاول هنا سدّ بعض الفجوات عبر الإضاءة على تجربة الإضراب عن الطعام من خلال بعض الكتابات الأدبية.

يحلل إسماعيل الناشف في كتابه "الأسرى السياسيون الفلسطينيون: الهوية والجماعة" (Palestinian Political Prisoners: Identity and Community)، (Nashif 2008) العملية التي تم بها تحويل نظام السجن الاستعماري إلى موقع لإنتاج وتوليد الهويات الوطنية والاجتماعية والثقافية من سنة 1976 إلى سنة 1993، من خلال البيانات الإثنوغرافية والنصية والأرشيفية. وأظهرت دراسته عمليات بناء مجتمع الأسرى السياسيين الذي أصبح أحد المواقع الرئيسية للحركة الوطنية الفلسطينية، والذي أعاد تشكيل حقائق الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على عدة مستويات، ممثلاً تحدياً للحركة الوطنية الفلسطينية وللاحتلال الإسرائيلي على حد سواء. وبذا، فإن "جماعة الأسرى" تعيد تشكيل رواية المقاومة الفلسطينية، وتعكس سردية الفلسطيني كضحية إلى سردية ينهض فيها ويدخل التاريخ بطلاً.

يناقش الناشف الكبسولة والإضراب عن الطعام في فصل يتعلق بجسد المجتمع كإحدى الاستراتيجيات الجسدية الراديكالية التي استخدمها الأسرى. ففي الكبسولة يستخدم الأسرى أجسادهم كوسيلة نقل للرسائل، بحيث تصبح أجسادهم أهم "أدوات" نقل المعرفة داخل السجون وخارجها، والتي يحملون من خلالها الرسائل والكتب والمقالات والقصائد والأوامر العسكرية، إلخ. ومع ذلك، لا يحلل الناشف الإضراب عن الطعام على نطاق واسع كمقاومة، مقارنة بنقاشه للكبسولة التي أخذت الحيز الأكبر في هذا الفصل. ويشير إلى أن هذين الأسلوبين هما من أساليب المقاومة الجسدية، وهي ممارسات تستغل وتتحدى الوضع الوجودي الذي تفرضه مصلحة السجون على الأسرى، إذ يقول: "في حالة الكبسولة فإن المستعمِر هو سيد السطح (lord of surface)، والمستعمَر سيد العمق (lord of depth). ومن خلال تعبئة العمق في وجه الأسر عبر التواصل وتداول المعرفة، يحاول مجتمع الأسرى السياسيين إعادة تعريف السطح" (Nashif 2008, p. 85).

أمّا دراستي بشأن تجربة الإضراب عن الطعام، فتقدم تحليلاً منهجياً للكيفية التي يكون فيها المُضرب عن الطعام هو "سيد" العمق الداخلي في هذه التجربة، وللطريقة التي استخدم بها المُضربون قوتهم الداخلية الكامنة لتشكيل ذواتهم الثورية. وتجادل الدراسة في أنه وعلى الرغم من أن الجسد كان السلاح المركزي في تكنولوجيا المقاومة الخاصة بالمُضربين عن الطعام، فإن العناصر الحاسمة التي ولّدت صمودهم هي العناصر غير المادية وغير المرئية (الإرادة والعقل والروح). لذلك، ومن وجهة نظرهم، لا يمكن للمستعمِر التحكم في هذه الموارد غير المادية والقدرات الداخلية الكامنة، فبالنسبة إليهم إذا لم تنحنِ الروح، فإنهم منتصرون لا محالة. وتساهم دراستي بشأن تشكل الذوات الثورية للمُضربين من خلال تسليح الجسد، في الإضاءة على هذه الموارد غير المادية للذات وطاقتها الكامنة التي تفجرت عبر عملية تسليح الجسد، الأمر الذي قادهم إلى الحرية والنصر. لقد حددت هذه الموارد غير المادية انتصارهم كونها غير قابلة للكسر، إذ كان من الصعب على المستعمِر كسر الروح على الرغم من أشكال العنف التي مورست على الجسد.

وفيما يتعلق بأدوات العنف التي تستخدمها مصلحة السجون الإسرائيلية، يفحص وليد دقّة في كتابه "صهر الوعي: أو في إعادة تعريف التعذيب" (دقّة 2010) أساليب صهر وعي السجناء وقيم المقاومة الجماعية الخاصة بهم،[3] ويستخدم الإضراب الجماعي عن الطعام في سنة 2004 كمثال لعقيدة الصدمة لتشكيل وعي الأسرى وضرب البُنية التحتية الأخلاقية لهم، ويؤكد أن الأسرى واجهوا نظاماً من الإجراءات القمعية المخيفة في منطقها وعملها. ويشير دقّة إلى أن إسرائيل أنشأت نظاماً قائماً على أحدث نظريات الهندسة البشرية، وعلى علم النفس الاجتماعي، بهدف إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني عبر تحطيم قيمه الجمعية، فالمحتل يستمد أفكاره ونظرياته وأدوات القمع من واقع ما بعد الحداثة الحضاري أو "الحداثة السائلة"، (liquid modernity) وهو تعبير يستعيره دقّة (دقّة 2010، ص 22) من سيغمونت باومان (Zygmunt Bauman)، ويرى أن تقنيات القمع الحديثة مخفية ومقنّعة ويصعب رؤيتها أو تعريفها، وهي عبارة عن تجميع لإجراءات صغيرة مجزأة يصعب تحديدها بشكل منفصل كأدوات للتعذيب. ويحاول دقّة في كتابه إدراك الإطار العام والمنطق وراء هذا النظام، إذ لم يعد جسد الأسرى هو الهدف المباشر، وإنما الروح والعقل (دقّة 2010، ص 21).

ولأن هدف المستعمِر هو الروح وليس الجسد، مثلما أشار دقة، فإن دراستي تقدم تحليلاً معمقاً للكيفية التي سلّح بها المُضربون عن الطعام الجسد في المعركة لحماية استهداف الروح. وتبيّن خطابات الأسرى المُضربين الذين قابلتُهم أنهم يدركون هذا الاستهداف للروح والعقل، ولذلك، فقد سعوا في معركتهم لتقوية الروح والفكرة على حساب الجسد. وفي مقالة نشرتُها مؤخراً، حللتُ تكنولوجيات المقاومة التي يستخدمها المُضربون خلال تسليح أجسادهم، والتي تعمل عبر خلق الثنائيات بين الجسد والقوى الذاتية غير المادية (العقل والروح)، (Ajour 2021). كما تكشف هذه التكنولوجيات عن فلسفة الحرية للمُضربين عن الطعام في مواجهة عمليات سلب الإنسانية، والمعنى الذي يمنحونه لـ "النصر". وبالتالي، فإنهم قادرون على ممارسة أفعالهم ومصادرة أساليب العنف الإسرائيلية، وفي إمكانهم السيطرة على أجسادهم من أجل إعادة هيكلة علاقات القوة الاستعمارية (Ajour 2021, a, b, c).

يشدد دقّة على قدرات المقاومة الذاتية لدى المعتقلين السياسيين، والتي تجعل من الممكن مواجهة الاستهداف الإسرائيلي للبُنية التحتية الأخلاقية للفلسطينيين بهدف إعادة تشكيل وعيهم (دقّة 2010، ص 28). وقد طور دقّة مفهوم "الزمن الموازي"، وأنتج معرفة أصيلة من عمق تجربة مواجهته من زنزانته أدوات العنف والتعذيب الصهيونية التي قام بتحليلها وتفكيكها. أمّا عبد الرحيم الشيخ (الشيخ 2021) فقدّم لنا تحليلاً معمقاً لمفهوم الزمن الموازي كمصطلح فلسفي داخل السجن في مقابل الزمن الاجتماعي، وذلك في إطار نظري ناقد للاستعمار الاستيطاني في 3 لحظات تاريخية تحكمت آليات الاستعمار خلالها في الزمن الفلسطيني. ويبيّن الشيخ كيف تمكّن دقّة من تجاوز قيد الأسر في الزمن الموازي ليعيش في الزمن الاجتماعي عبر فاعلية الكتابة التي بدورها تحشد الرأي لمصلحة قضية الأسرى كمقاتلين من أجل الحرية والكرامة.

وعلى الرغم من محاولات الدولة الصهيونية محو الوعي الوطني الفلسطيني، فإن الأسرى الفلسطينيين يمارسون الصمود لتحويل النظام الاستعماري إلى موقع فلسطيني مولّد لبناء الوعي الوطني المقاوم. ويضيف دقّة أن الإجراءات التي اتخذتها سلطات السجون الإسرائيلية تشير إلى تعذيب غير عادي يشكل قوة ضغط نفسي، لكن المشهد الأبرز هو الصمود والتحدي (دقة 2010، ص 5). أمّا لينا ميعاري (Meari 2014) فتبحث في أدوات الصمود للناشطين السياسيين الفلسطينيين خلال التحقيق الذي يجريه محققو أجهزة الأمن الإسرائيلية معهم. والصمود في سياق التحقيق يعني عدم تقديم أي معلومات للمحقق، وعدم الاعتراف به وبنظام السلطة الذي يمثله. فقد استمر الأسرى في تحمّل التعذيب من أجل حماية رفاقهم والمنظمات السياسية والمجتمعات والثورة الفلسطينية بصورة أوسع، ويكشف التحقيق كيف قام الفلسطينيون بصوغ أشكال سياسية من خلال صمودهم.

إن مفهوم الصمود هو مفهوم محوري في دراستي لتجربة الإضراب عن الطعام التي تجسد "معركة الإرادات" بين الأسير والسجان. وللإحاطة بفهم الذات الثورية للمُضربين عن الطعام، والتي تُعتبر معركة الإضراب فيها موقعاً كاشفاً لتشكل تلك الذات، فإن دراستي تتبّعت العوامل التي ساعدت الأسرى على الاستمرار في إضرابهم على الرغم من معاناتهم الجسدية وجوعهم من جهة، وأشكال التعذيب الصهيونية التي مورست عليهم لكسر إضرابهم من جهة ثانية. لقد أوضحتُ القوة الدافعة إلى صمود الأسرى التي مكّنتهم من الاستمرار في المعركة ومواصلتها حتى النهاية، ومن أجل فهم هذا الصمود قمت بتحليل خطاب المقاومة وتأثير الثقافة والمعتقدات والتقاليد في ذوات المُضربين عن الطعام. كما فحصت كيف يؤثر خطاب المقاومة في الذات، وكيف يشكل صمودها، وإلى أي مدى تؤدي الثقافة والتقاليد الفلسطينية، بما في ذلك الدين، دوراً في إلهام تجربة الإضراب عن الطعام.

وتحلل نهلة عبدو نضال النساء الفلسطينيات ضد الاستعمار في السجون الإسرائيلية (2014Abdo ) من خلال قصصهن وخطاباتهن وشهاداتهن الشفوية، وترصد الأشكال الجندرية للقمع التي تستخدمها إسرائيل تجاههن، وكذلك أساليب مقاومتهن في ظل القمع الإسرائيلي. فالقوات الصهيونية تستخدم تهديد النساء الفلسطينيات وتعذيبهن جنسياً لإسكاتهن وإخضاعهن وقتل روح المقاومة لديهن. وقد قمتُ بتحليل تجارب النساء المُضربات اللواتي قابلتهن وتبيان تقنيات القوة في منظومة السجون ضد النساء المُضربات. ففي الأوضاع المحددة للإضراب عن الطعام تتشكل ذات المرأة السياسية وفاعليتها بما يتعلق بالسلطتين الاستعمارية والأبوية، وتصبح أجساد النساء خاضعة للسيطرة وتتحكم فيها سلطات متعددة، لكنها تستحيل أيضاً إلى أدوات للمقاومة ضد كل من الاستعمار والنظام الأبوي. 

II 

تجربة الإضراب عن الطعام في شمال إيرلندا وتركيا 

في ظل غياب أدبيات عالمية تختص بتجربة الإضراب عن الطعام في الحالة الفلسطينية، قمتُ بالاستفادة من مراجعة أدبيات عالمية لحالتين دراسيتين أُخريين هما شمال إيرلندا وتركيا، لمقارنتهما بالحالة الفلسطينية. 

1 - الإضراب عن الطعام في سنة 1981 في إيرلندا الشمالية

تُعتبر دراسة ألِن فيلدمان "تشكلات العنف: رواية الجسد والإرهاب السياسي في إيرلندا الشمالية" (Formations of Violence: The Narrative of the Body and Political Terror in Northern Ireland)، (Feldman 1991) أول دراسة عن إضراب الجمهوريين في سنة 1981، والتي جرى فيها استخدام مصطلح "الجسد كسلاح" في وصف كيف قام الأسرى في الجيش الجمهوري الإيرلندي بالرد الاحتجاجي على السلطات البريطانية. ومثلما قال أحد المُضربين فإنه: "منذ اللحظة التي وصلنا فيها إلى بلوك ه (Block-H)، استخدمنا أجسادنا كسلاح احتجاجي" (Feldman 1991, p. 179). ويحلل فيلدمان العنف السياسي في إيرلندا من خلال سرديته عن الجسد خلال الإضراب عن الطعام قائلاً: "يجب أن يُنظر إلى هذا الحدث على أنه تقنية سياسية للجسم مرتبطة بالممارسات شبه العسكرية داخل السجن وخارجه. وعلى هذا النحو، يجب تحليل الإضراب عن الطعام ضمن الإطار العام للبناء الثقافي للعنف في إيرلندا الشمالية" (Feldman 1991, p. 221). ويشدد فيلدمان على دور الجسد كمورد مادي مهم ورمزي للنضال، موضحاً أن الإضراب عن الطعام كان نتيجة بُنية العنف السياسي وحصيلته.

ويعرض كريس يويل، في مقالته: "الجسد كسلاح: بوبي ساندز والجمهوريون المُضربون عن الطعام" (The Body as Weapon: Bobby Sands and the Republican Hunger Strikes)، (Yuill 2007) التحليلات النظرية المتعددة لعلم اجتماع الجسد وتجسيداته في الصراعات السياسية العنيفة. ويقدّم يويل، مستعيناً بعدة أدبيات، تفسيراً لكيفية التعامل مع الأجساد باعتبارها فاعلة في إنتاج وإعادة إنتاج الهوية الاجتماعية، والكيفية التي يمكن من خلالها اعتبار الجسد ليس موضوعاً سلبياً أو متلقياً لتأثير المجتمع، وإنما فاعل ومعبّر وأساس وجود للذات وللمؤسسات الاجتماعية. ويناقش يويل كيفية تحول الجسد إلى وسيط متعدد الأبعاد لتكوين المجتمع، وكيف يمكن أن يكون من موارد المقاومة، وخصوصاً في حالات الحرمان أو التقييد، كما في حالة المعتقلين الجمهوريين. فقد حولت سياسة التجريم التي اتبعتها الدولة البريطانية أجساد المعتقلين من "أجساد جنود مقاتلين" إلى "أجساد مجرمين"، من خلال إجبارهم على ارتداء زي السجناء. وفي المقابل، أعاد الأسرى صوغ أجسادهم كطريقة للمقاومة من أجل تأكيد هويتهم كجنود جمهوريين مناضلين لا كمجرمين، من خلال رفضهم ارتداء الملابس التي أُجبروا على ارتدائها، والتي استبدلوها بالبطانيات لتغطية أجسادهم، وفي الوقت نفسه شرعوا في إضراب عن الطعام حتى الموت. كذلك عمد الأسرى إلى تغطية جدران زنزاناتهم ببرازهم، بما عُرف باسم "سياسة الفضلات"، وهو استخدام رمزي لمخلفات الجسم للاحتجاج على الهياكل المؤسساتية لقمع الاستعمار البريطاني لأجساد الأسرى.

ويشير يويل إلى أن أولئك الذين يستخدمون أجسادهم كأسلحة يزعزعون استقرار خطابات الحداثة لمحاربة هيمنة الهياكل الاجتماعية القمعية، إذ يُعتبر "الاحتجاج القذر" زعزعة لاستقرار التجسيد الحداثي المتحضر، كما يؤدي استخدام البراز ورفض استخدام المراحيض لتنظيف أجسادهم إلى حالة من التحول من إخفاء البراز إلى إظهاره. ويبيّن رفض الأسرى الالتزام بقواعد السجن، واتخاذهم قراراً بالعيش في زنزانات ملأى بمخلفات أجسادهم، الكيفية التي استخدموا فيها وظائف أجسادهم الحيوية سياسياً لمقاومة اضطهاد الدولة البريطانية.

يمكن النظر إلى الإضراب عن الطعام على أنه شكل من أشكال الممارسة السياسية يعمل فيها كل من المشاعر والتفكير العقلاني معاً، ويتجسدان في فعل المقاومة. وتركز سارة أحمد في كتابها "السياسة الثقافية للعواطف" (The Cultural Politics of Emotion) على تأثير العواطف في الجسد والطريقة التي تتعامل بها الأجساد مع المجتمعات، الأمر الذي ينتج منه علاقات اجتماعية تحدد خطاب المجتمع. وتقترح نظريتها أن العواطف هي ممارسات اجتماعية وثقافية وليست حالات نفسية (Ahmed 2014)، ذلك بأن للعواطف قوة هائلة تمكّنها من تحديد أنماط حياتنا، وبهذا المعنى فإنها مداخل إلى العالم الاجتماعي والمادي. وتؤكد كتابات بوبي ساندز وخطاب الجمهوريين فكرة أحمد بأن العواطف ليست خاصة، وإنما منظمة اجتماعياً ويمكن أن تؤدي إلى توليد سياسة جماعية وسلطة اجتماعية، بل إنشاء هويات وطنية أيضاً، من قبيل الالتزام العاطفي بالمُثُل الجمهورية التي يجسدها البلانكتمان (The blanketman). وفي هذه الحالة، نشأت مشاعر من الغضب ضد الإمبريالية البريطانية، لكن يمكن أيضاً إدراك عقلانيتها من حيث القرار الواعي بالتضحية بالنفس من أجل قضية سياسية عادلة. علاوة على ذلك يمكن أن يُنظر إلى المُضربين عن الطعام على أنهم يعيشون ويُنتجون "بُنية الشعور" (Structure of feeling)[4] الخاصة بهم، بل يمكن اعتبار فعل الجوع عملاً عقلانياً تدعمه العاطفة.

ولا تصف كتابات بوبي ساندز تجربته الخاصة فحسب، بل تهدف أيضاً إلى إلهام الجمهوريين الإيرلنديين. فالمعتقلون الذين كانوا يعون ما تمر به أجسادهم من تغيرات خلال الإضراب، قالوا أنهم كانوا يتألمون وأجسادهم متجمدة وذابلة ومنهارة. ويشير بيريسفورد إلى أن "قرار إضراب الجوع، على الأقل عندما يتم بقناعة ذاتية ويؤخذ بجدية، هو معركة نفسية تدور حول 'توقع لحظة الحقيقة' تلك، وهي الاحتمال الفوري للموت" (Beresford 1987, p. 40). وكتب بوبي ساندز أيضاً: "يقاوم الجسد بما فيه الكفاية، لكن في نهاية اليوم يعود كل شيء إلى الاعتبار الأساسي، أي العقل، فهو الأهم. لكن من أين تنبع هذه العقلانية الصحيحة؟ ربما من رغبة المرء في الحرية، غير أنه ليس من المؤكد أن هذا هو مصدرها" (Sands n.d.). فبعد سبعة عشر يوماً، تخلى ساندز عن مذكراته لأنه لم يعد يمتلك القدرة على الكتابة بسبب الإنهاك الناجم عن الجوع، كاتباً ملاحظة عاطفية: "لن يكسروني لأن الرغبة في الحرية وحرية الشعب الإيرلندي في قلبي. سيأتي فجر اليوم الذي سيكون لدى جميع الناس في إيرلندا رغبة في إظهار الحرية، وعندها سنرى صعود القمر" (Beresford 1987, p. 98; Sands n.d.). 

2 - الحالة التركية: الإضراب عن الطعام (2000 - 2003)

يُعتبر إضراب المعتقلين السياسيين في تركيا عن الطعام خلال الفترة 2000 – 2003، هو الأطول والأصعب في التاريخ الحديث. وتنتمي المنظمات التي شاركت في الإضراب إلى التيارات الماركسية الراديكالية. وقد شرع المعتقلون في إضرابهم احتجاجاً على خطة الحكومة نقلهم إلى سجون من "النوع ف" (Type F) المصممة لعزل السجناء ومنع التفاعل فيما بينهم، وارتكاب عمليات التعذيب من دون أن يلاحظها أحد. وكان الهدف من الإضراب أيضاً تحدي سياسات مكافحة الإرهاب التي سنّتها السلطة في سنة 1991، والتي أسفرت عن اعتقال الآلاف. وبموجب قوانين مكافحة الإرهاب هذه، جرى تصنيف السجناء السياسيين على أنهم "إرهابيون"، لتمكين الحكومة من فرض مزيد من أساليب السيطرة والعقاب.

يفحص كل من أندرسون ومينون (Anderson & Menon 2009)، في مقدمة كتاب "العنف المؤدَّى" (Violence Performed)، العلاقة بين الأداء والعنف السياسي، من أجل فهم الدور الأدائي للعنف في السياقات الاجتماعية والثقافية المحددة، ويشيران إلى أن للعنف تأثيره وتجسيداته الثقافية. وفي دراسته عن الإضراب في تركيا يستكشف أندرسون في مقالة له بعنوان "أن تستلقي حتى الموت لأيام: الإضراب التركي عن الطعام" (To Lie Down to Death for Days: The Turkish Hunger Strike, 2000 – 2003)، (Anderson 2006)، الآثار السياسية والقيمة الأدائية لهذا النمط من المقاومة، بدءاً من قول فيلدمان: "يظل العنف اللغة المؤسسة للتمثيلات الاجتماعية." ويفحص أندرسون شكل الذات السياسية التي يجري إنتاجها في هذا النوع من المقاومة، وكيف تتم إعادة تعريف علاقتها بالدولة، فيكتب: "إن تصور السجن كمسرح يعني ضمنياً أن الإضراب ممارسة ثقافية متجسدة، ويكون عرضها أمام الجماهير الوطنية والعالمية مناسبة لإعادة تمثيل الأشخاص المشاركين. ويغرس الإضراب عن الطعام فكرة المقاومة ذاتها مع شكل متطرف من الممارسة المتجسدة، ويجعلها حية من خلال الاحتمال المتزايد باستمرار أن الممارسين سيموتون في مرحلة ما" (Anderson 2006). ويجادل في أن السجن هو موقع مهم لإنتاج سلامة الدولة وكيف تؤكد قوتها ومراقبتها، فيقول: "تعيد الدولة إنتاج نفسها من خلال تمكين إنتاج الذوات السياسية وإعادة اختراعها من خلال وصف وتعريف تلك الذوات وفقاً لـ 'عقيدة الحقوق' " (Anderson 2006, p. 818)، ويرى أنه يمكن فهم الإضراب عن الطعام كانعكاس معقد للعنف الذي تمارسه الدولة على الذات الفردية، والذي يعيد صوغ مسألة الذات السياسية، ويضع تحدياً أمام العلاقات التقليدية بين الدولة والذات.

تصوّر بارغو في كتابها "الجوع والاختفاء: سياسات تسليح الجسد" (Starve and Immolate: The Politics of Human Weapons)، (Bargu 2014) ما سمّته "ممارسات التدمير الذاتي" (self-destructive) باعتبارها تسليحاً لأساليب الحياة التي يتم فيها استخدام الجسد وسيلة للتدخل السياسي. وتجادل في أن هذا التدخل غالباً ما يمتلك عنصراً ميتافيزيقياً مرتبطاً به، ويتعلق بمعنى الوجود، فتكتب: "الجسد من ناحية هو وسيط، وهو وسيلة لتنظيم احتجاج، ويدفع بمطالب معينة كأهداف سياسية لذلك الاحتجاج. ومن جهة أُخرى، الجسد ليس فارغاً، بل هو وعاء وسيط لتحقيق غاية سياسية" (Bargu 2014, p. 16)، وهي بذلك تعتمد على طروحات فوكو بشأن علاقات القوة والعمل المشترك للخطابات والممارسات التأديبية والسياسة الحيوية. وفي تحليلها لمنظّري السياسة الحيوية، تجادل ضد جوانب معينة من طروحات فوكو (Foucault 1977) وأغامبين (Agamben 1998)، وتدّعي أن دراستها تقدم حالة نظرية لما تسميه "السيادة الحيوية".

وتجتمع السيادة والسياسة الحيوية معاً كي تستمرا في إنتاج أشكال جديدة من المقاومة، خلافاً لروايات منظّري السياسة الحيوية، الذين ينظّرون أن السلطة تشمل كل جانب من جوانب الحياة، وتحدّ من المقاومة. وهنا تضع بارغو تصوراتها النظرية لممارسات "التدمير الذاتي" التي تحوّل الحياة إلى سلاح كطريقة محددة للمقاومة تسميها "مقاومة النيكرو" (Necroresistance)[5] التي تمثل "شكلاً من أشكال الرفض ضد الهيمنة الفردية والشاملة في آن واحد، والتي تعمل من خلال انتزاع سلطة الحياة والموت بعيداً عن أجهزة الدولة الحديثة التي تُمنح فيها هذه السلطة تقليدياً" (Bargu 2014, p. 27). وتُظهر بارغو العلاقة بين العنف المدمر للذات وسلطة الدولة.

وعلى النقيض من دراسة بارغو، فإن دراستي لا تصف الإضراب في فلسطين على أنه فعل تدمير للذات، وإنما تركز على رواية المُضربين أنفسهم من أجل فهم تقنيات المقاومة من خلال تسليح أجسادهم في الحالة الفلسطينية التي لا تزال تحت التنظير. 

III 

نقاش بشأن الإضراب عن الطعام في فلسطين من خلال علاقته بالأدبيات العالمية 

1 - تجربة الإضراب عن الطعام لمواجهة عنف منظومة السجن

تسلط الإضرابات عن الطعام الضوء على طبيعة التضحية بالنفس في إطار أشكال من العنف السياسي، وتكمن في فضاء متنازع عليه بين العنف واللاعنف. ويعتبر البعض الإضراب فعل مقاومة غير عنيف كونه عنفاً موجهاً إلى الذات ولا يضر بالآخرين، على خلاف العمليات الاستشهادية. ومن جهة ثانية، يرتبط الإضراب عن الطعام بقوة رمزية ويُنظر إليه على أنه "سلاح الضعفاء". ويرى فيلدمان أن الإضراب عن الطعام يقع ضمن فئة العنف السياسي الأوسع. وتجادل بارغو (Bargu 2014) في أن "إضراب الموت" هو عمل عنيف، وأن أسلوب "التدمير الذاتي" هذا يختلف عن الأعمال السياسية غير العنيفة التي يتم ممارستها بهدف تحسين أوضاع السجن. وتضيف أن احتجاج الأسرى يخدم أيضاً غرضاً رمزياً، إذ يلفت الانتباه إلى كيفية حكم الدولة التركية لسجونها، وبهذه الطريقة، يتحدى السجناء السياسيون أيضاً عنف الدولة نفسها (Bargu 2014, p. 7).

يصور هؤلاء المنظرون من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الإضراب عن الطعام على أنه عمل عنيف يستخدم لغة العنف الموجه ذاتياً والعنف السياسي (Feldman 1991)، وأنه أسلوب "تدمير ذاتي" من خلال الإضراب السياسي المميت (Bargu 2014)، وبذلك فإنهم لا يرون سوى صورة جزئية لتجربة الإضراب عن الطعام كنموذج للعمل السياسي والذات السياسية التي تتشكل خلاله. وعلى النقيض من ذلك، فإن ما وجدتُه في تجربة الإضراب الفلسطينية يتجاوز ثنائية العنف واللاعنف.

إن المفردات واللغة الأصيلة التي انبثقت من خطاب المُضربين الفلسطينيين تتضمن: استعادة الإنسانية؛ الكرامة والحرية؛ الطاقة الكامنة؛ القوة غير المادية لتحدي الألم؛ الإرادة وتقرير المصير؛ انتصار الروح؛ الروحية والتعالي؛ الحب والأمل؛ إلخ. ولذا، فإن تجربة الإضراب عن الطعام لا تقتصر على تسليح الجسد كاستراتيجيا سياسية فحسب، بل تتعلق أيضاً بروحانية المقاومة (أي بإضفاء الروحانيات على السياسة). ففي هذه التجربة الإنسانية الوجودية التي تقع على الحدّ ما بين الموت والحياة، والتي تتطور فيها قوة غير مادية من خلال انهيار الجسد، نتعامل مع ذات سياسية ثورية مركبة تظهر فيها فرادة الحالة الفلسطينية التي تكشف عن مساهمات نظرية ومنهجية مهمة لدراسات ظاهرة الإضراب عن الطعام.

ولا يمكن اختزال الإضراب عن الطعام في الحالة الفلسطينية باعتباره حالة من العنف المضاد الذي لا ينضوي في إطار شكل من أشكال العنف المدمر للذات. بل بدلاً من ذلك، واستناداً إلى منظور فانون، فإنه يمكن فهمه كنوع من إضفاء الطابع الإنساني على العنف في مسار إنساني أوسع يسعى فيه المُضربون عن الطعام جاهدين لاستعادة إنسانيتهم التي تحققها مقاومتهم. إن حالة القمع في منظومة السجن وبُنيتها العنيفة (ومنها الاعتقال الإداري) كشكل من أشكال سلب الإنسانية، تخلق ظروفاً لـ "العنف الثوري" (Fanon 1967) الذي يُعتبر بالنسبة إلى فرانز فانون شكلاً وجودياً وتاريخياً للعنف له طابع خلاصي وإنساني. وفي قراءة لفانون ولمجال قوة العنف والعنف المضاد في العالم الاستعماري، كتب جان أميري (Améry 2005): "بالنسبة إلى فانون، كان هذا فعلاً مبرراً تاريخياً، وعملاً يبرر التاريخ ويخلق عدالة تاريخية ويشير إلى مستقبل كان في متناول اليد مباشرة" (Améry 2005, p. 16). ولذا، فإن للعنف الثوري بعداً مختلفاً من حيث الإنسانية والتاريخ عن العنف القمعي، فالعنف الثوري هو تأكيد للإنسان المحقق لذاته ضد نفي الإنسان وإنكاره، ذلك بأن سلبيته لها شحنة موجبة. أمّا العنف القمعي فيقطع الطريق أمام تحقيق الذات للإنسان، إلّا إن العنف الثوري يخترق ذلك الحاجز، ويشير إلى المستقبل الإنساني التاريخي أكثر من الزمن (Améry 2005, p. 16). وهكذا، وفقاً لأميري واستناداً إلى مفهوم فانون للعنف الثوري، تجادل هذه الدراسة في أن المُضربين عن الطعام يشكلون ذواتهم الإنسانية ووجودهم الأصيل من خلال ممارستهم المقاومة وسعيهم نحو الحرية. ومع ذلك، يضيف أميري أن فانون زعم أن العنف الثوري له طابع تعويضي وخلاصي، لكنه فشل في إعطائنا تفسيراً لسبب ذلك (Améry 2005, p. 15). وتساهم هذه الدراسة في تقديم هذا التفسير الذي يقدمه المُضربون أنفسهم من خلال إضاءتهم على فلسفتهم الإنسانية عبر ممارستهم ورفضهم عنف المستعمر الذي يعوق تحقيق ذات الإنسان ووجوده الصحيح. واستعادة الإنسانية هنا هي عملية مقاومة مستمرة في وجه مشروع السلب المستمر من طرف المستعمِر من أجل تحقيق الإنسانية التي يهدف مشروع المستعمِر إلى مصادرتها ونفيها. وفي هذه العملية المستمرة من استعادة الإنسانية، تتشكل الذات الثورية للمُضربين، ويتحقق وجودهم من خلال التحول من ذات الضحية إلى ذات ثورية فاعلة. 

2 - الذات الجماعية في تجربة الاضراب

تشمل تجربة الإضراب عن الطعام الأفراد داخل السجن والحركات السياسية في الخارج، ولذا فإنها تعكس أيضاً العلاقة بين الفرد والجماعة. فذات المُضرب ترتبط بالمجتمع السياسي وتُدعَم من المنظمات الثورية، ولا سيما عندما ينفَّذ الإضراب عن الطعام ليس فقط للمطالبة بالحقوق السياسية الفردية للأسرى أو لتحسين ظروف احتجازهم، بل ارتباطاً أيضاً بالنضال الوطني الأوسع الذي هو مواجهة قوة استعمارية (حالة إيرلندا الشمالية وفلسطين المحتلة)، أو سلطة الدولة القمعية (في الحالة التركية)، وذلك من خلال إنتاج معانٍ جماعية يكسر فيها الإضراب تفرّد السجناء، ويزعزع عملية العزل والتعذيب خلف أسوار السجن.

في الحالة التركية، توسع مجتمع المُضربين عن الطعام ليشمل ليس فقط الأسرى السياسيين في السجون في تركيا، بل الناشطين خارج السجن أيضاً. ويجادل أندرسون في أن الطريقة التي تم بها تنظيم الإضراب عبر جدران السجن، إنما ترمز إلى أهمية الحدود التي تمثلها هذه الجدران مادياً وخطابياً - كنتيجة محتملة للتحالف السياسي، بدلاً من كونها انسداداً له. ولذلك أصبح السجن موقعاً محدداً للإنتاج المتنازع عليه لـ "التركية"، واستعارة لإنتاج سلطة الدولة في تركيا بصورة عامة. وفي هذا السياق كتب أحد العاملين في مجال حقوق الإنسان: "إن تركيا بأكملها أصبحت سجناً من 'النوع ف' (Type F)" (Anderson 2006, p. 820).

وفي الحالة الإيرلندية، يمكن اعتبار جسد بوبي ساندز في جنازته التي حضرها عشرات الآلاف بمثابة مؤشر رمزي إلى إحياء الجسد الاجتماعي الإيرلندي. فمدة الجوع للأسير تسمح بالتواصل المباشر مع الشعب، فقد نشر ساندز خلالها القصائد والخطابات موضحاً سبب إضرابه. واستمر السرد العاطفي للجوع في السجون إلى ما بعد موت ساندز وآخرين، ولا يزال الناس يحتفلون ويحيون ذكراهم في جميع أنحاء إيرلندا.

أمّا في الحالة الفلسطينية، فيمارس المعتقلون السياسيون تجربة الإضراب عن الطعام ويفهمونها على أنها تجسيد للذات الفلسطينية الجماعية، وكمقاومة مستمرة لنزع عمليات السلب من الإنسانية، والتي تمارسها الدولة الصهيونية منذ النكبة حتى الآن. إن خطاب المُضربين الفلسطينيين هو عن عمليات السلب التي تهدف إلى تجريدهم من إنسانيتهم في منظومة السجون الإسرائيلية، كما أن التضحية بالجسد في إضرابهم عن الطعام مبنية على الطريقة التي يهدف بها الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي إلى تجريد الفلسطينيين وإبادة ذواتهم السياسية ومقاومتهم. ولذا، فإن دراستي تسلط الضوء على العلاقة بين تجربة المُضربين عن الطعام والذات الجماعية الفلسطينية، فالفعل الاستثنائي المتمثل في الإضراب عن الطعام هو تجسيد للذات الجماعية في مواجهة السلب الاستعماري، وفيه يشكل المُضربون وعياً سياسياً جماعياً لتقرير المصير للفلسطينيين على المستوى الجماعي. ويُنظر إلى الإضراب عن الطعام من أجل الحرية على أنه رمز لحلم الفلسطينيين الجماعي بالحرية وتقرير المصير. 

VI 

خاتمة

لا يتبع تسليح الجسد في الإضراب عن الطعام الاستراتيجيا نفسها في جميع الحالات التي يتم درسها، فعلى سبيل المثال، يختلف الأمر بين ما إذا كان العدو هو عنف الدولة (مثل تركيا)، أو إذا كان عنف الاستعمار (مثلما هو الوضع في إيرلندا الشمالية وفلسطين). ولهذا تتم ممارسة هذا الفعل السياسي المقاوم لأسباب متنوعة، وعلى أساس أيديولوجيات متعددة (التحرر الوطني في إيرلندا؛ الماركسية اللينينية في تركيا؛ مكافحة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين).

ففي إيرلندا، ألهمت الرؤية الوطنية للحركة الجمهورية نضال الإضراب عن الطعام في السجون، الأمر الذي أدى إلى تحول سياسي في الحركة الجمهورية. أمّا في تركيا، فإن خصوصية المُضربين الأتراك عن الطعام كانت متمثلة في إدراك الأسرى أن الدولة لن تفاوضهم أبداً في مطالبهم، ولذا شرعوا في طريق الجوع حتى الموت. ومثلما رأينا، فقد تم وصف ذلك في الأدبيات بـ "التدمير الذاتي" (Bargu 2014).

إن ممارسة تجربة الإضراب عن الطعام ودينامياتها ترتكز إلى سياق تاريخي محدد يؤدي بدوره إلى ظهور أساليب واستراتيجيات للمقاومة ولخطاباتها المتعددة. وتفحص هذه الدراسة الديناميات المحددة للإضراب عن الطعام في الحالة الفلسطينية، مع إيلاء اهتمام خاص للعلاقة بين استراتيجيات المقاومة وتشكل الذات الثورية. فالمقاومة عبر تكنولوجيتها في تسليح الجسد، والذي مارسته الذوات الثورية، وجدت أنماطاً ولغة أصلية تتخطى العنف، بعد أن بات العنف السياسي جزءاً من ذواتهم الإنسانية.

علاوة على ذلك، لم أتفق في عدة نواحٍ مع الأدبيات التي ناقشتُها في كل من إيرلندا وتركيا، والتي وصفت الإضراب بالعنف وبالتدمير الذاتي، ويرجع ذلك إلى محاولتي إنصاف روايات المُضربين عن الطعام وتجربتهم الإنسانية من أجل الحرية، والتي أكدوا أن بعض جوانبها، كالألم الروحاني، يتجاوز حدود توصيف اللغة، ذلك بأن حرية المُضربين مرتبطة بالحرية الجماعية الفلسطينية، ومن خلال مواجهتهم مع القوة الاستعمارية فإنهم يشكلون وعياً سياسياً لتقرير المصير للفلسطينيين على المستوى الجماعي.

ويصف الأسرى الفلسطينيون الإضراب عن الطعام بـ "الثورة الأسيرة" و"معركة الأمعاء الخاوية" التي يختارون فيها تحويل أجسادهم إلى موقع ثورة. وهنا يصبح الجسد أكثر من الجسد المادي الفردي، لأن الإضراب يصبح رمزاً للتحرر الجماعي، وجسد المُضرب عن الطعام رمزاً لسياسات الجسد الفلسطيني المشتركة مجتمعياً.

إن الأسرى الفلسطينيين المُضربين عن الطعام يقودون النضال في معركتهم، ويحيونه في ظل انحسار النضال الجماعي الحالي، بل إنهم النبض الثوري الذي يؤكد الوجود الفلسطيني السياسي المقاوم.

 

* هذه المقالة مشتقة من فصل من كتاب صدر مؤخراً في كانون الأول / ديسمبر 2021، وهو دراسة كاملة عن تجربة الإضراب عن الطعام في فلسطين. انظر:

Ashjan Ajour, Reclaiming Humanity in Palestinian Hunger Strikes: Revolutionary Subjectivity and Decolonizing the Body (London: Palgrave Macmillan, 2021).

المراجع 

باللغة العربية

بابِهْ، إيلان (2020). "أكبر سجن على الأرض: سردية جديدة لتاريخ الأراضي المحتلة". بيروت: مؤسسة نوفل. 

"البرغوثي: لماذا نُضرب عن الطعام؟". "الجزيرة نت" (18 / 4 / 2017)، في الرابط الإلكتروني. 

دقة، وليد (2010). "صهر الوعي: أو في إعادة تعريف التعذيب". تقديم عزمي بشارة. بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون؛ الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات. 

الشيخ، عبد الرحيم (18 / 11/ 2018). "معاني فلسطين في 'حكاية سرِّ الزيت' ". موقع "باب الواد" الإلكتروني، في الرابط. 

الشيخ، عبد الرحيم (صيف 2021). "الزمن الموازي في فكر وليد دقة". "المجلة العربية للعلوم الإنسانية"، العدد 155، ص 271 – 308. 

فوكو، ميشيل (1990). "المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن". ترجمة علي مقداد. بيروت: مركز الإنماء القومي. 

كلاين، نعومي (2009). "عقيدة الصدمة صعود رأسمالية الكوارث". ترجمة نادين خوري. بيروت: شركة المطبوعات للنشر والتوزيع. 

بالإنجليزية

Abdo, Nahla (2014). Captive Revolution: Palestinian Women’s Anti-Colonial Struggle within the Israeli Prison System. London: Pluto Press. 

Abufarha, Nasser (2009). The Making of a Human Bomb: An Ethnography of Palestinian Resistance. Durham, North Carolina: Duke University Press. 

Agamben, Giorgio (1998). Homo Sacer: Sovereign Power and Bare Life. Translated by Daniel Heller-Roazen. Stanford, California: Stanford University Press. 

Ahmed, Sara (2014). The Cultural Politics of Emotion. New York: Routledge, ed.2. 

Ajour, Ashjan (2021). Reclaiming Humanity in Palestinian Hunger Strikes: Revolutionary Subjectivity and Decolonizing the Body. London: Palgrave Macmillan. 

Ajour, Ashjan (July 2021a) “The Spiritualization of Politics and the Technologies of Resistant Body: Conceptualizing Hunger Striking Subjectivity”. Cultural Politics, vol. 17, issue 2, pp. 193-211. 

Ajour, Ashjan (2021b) “Techniques of Resistance through Weaponization of the Body during Palestinian Hunger Strikes”. Journal of Resistance Studies, vol. 7, issue 1, pp. 77-110.

Ajour, Ashjan (2021c) “Review of Walid Daqqa, Consciousness Molded: Or the Re-Identification of Palestinian Torture Jalbu’a Prison”. Journal of Resistance Studies, vol. 7, issue 1, pp. 151-155. 

Al-Shaikh, Abdul-Rahim (2019). “Walid Daqqa: Philosophy in Captivity”. This week in Palestine, issue 25, pp. 24-30. 

Améry, Jean (2005). “The Birth of Man from the Spirit of Violence: Frantz Fanon the Revolutionary”. Wasafiri, vol. 20, issue 44, pp. 13–18. 

Anderson, Patrick (2006). “To Lie Down to Death for Days: The Turkish Hunger Strike, 2000 – 2003”. Cultural Studies, vol. 18, issue 6, pp. 816–846. 

Anderson, Patrick, & Jisha Menon, eds. (2009). Violence Performed: Local Roots and Global Routes of Conflict. London: Palgrave Macmillan. 

Araj, Bader (2008). “Harsh State Repression as a Cause of Suicide Bombing: The Case of the Palestinian–Israeli Conflict”. Studies in Conflict & Terrorism, vol. 31, issue 4, pp. 284–303. 

Asad, Talal (2007). On Suicide Bombing. New York: Columbia University Press. 

Barakat, Rana (2018). “Writing/Righting Palestine Studies: Settler Colonialism, Indigenous Sovereignty and Resisting the Ghost(s) of History”. Settler Colonial Studies, vol. 8, issue 3, pp. 349–363. 

Bargu, Banu (2014). Starve and Immolate: The Politics of Human Weapons. New York: Columbia University Press. 

Ben Khelil, Mehdi, Gharbaoui, Meriem, Farhani, Fethia, et al. (December 2016). “Impact of the Tunisian Revolution on Homicide and Suicide Rates in Tunisia”. International Journal of Public Health, vol. 61, issue 9, pp. 995–1002. 

Bendelow, Gillian A., & Simon J. Williams (1998). The Lived Body: Sociological Themes, Embodied Issues. New York: Routledge. 

Beresford, David (1987). Ten Men Dead: The Story of the 1981 Irish Hunger Strike. London: Harper Collins Publishers. 

Burns, Robert B. (1997). Introduction to Research Methods. South Melbourne, Australia: Addison Wesley Longman. 

Chriost, Diarmait Mac Giolla (2012). Jailtacht: The Irish Language, Symbolic Power and Political Violence in Northern Ireland, 1972–2008. Cardiff, Wales: University of Wales Press. 

Dana, Tarik (2019). “The Prolonged Decay of the Palestinian National Movement”. National Identities, vol. 21, issue 1, pp. 39–55. 

Falah, Ghazi (June 1996). “The 1948 Israeli-Palestinian War and its Aftermath: The Transformation and De-Signification of Palestine’s Cultural Landscape”. Annals of the Association of American Geographers, vol. 86, issue 2, pp. 256–285. 

Fanon, Frantz (1967). The Wretched of the Earth. Harmondsworth, England: Penguin Books. 

Feldman, Allen (1991). Formations of Violence: The Narrative of the Body and Political Terror in Northern Ireland. Chicago: University of Chicago Press. 

Foucault, Michel (1977). Discipline and Punish: The Birth of the Prison. Translated from French by Alan Sheridan. London: Penguin Books. 

Gandhi, Rajmohan (2008). Gandhi: The Man, His People, and the Empire. Berkeley: University of California Press. 

Ganem, As’ad (2010). Palestinian Politics after Arafat: A Failed National Movement. Bloomington: Indiana University Press. 

Gelvin, James L. (2006). The Israel-Palestine Conflict: One Hundred Years of War. New York: Cambridge University Press. 

Gilbert, Nigel, ed. (2008). Researching Social Life. London: Sage Publications Ltd. 

Hage, Ghassan (Winter 2003). “ ‘Comes a Time We are All Enthusiasm’: Understanding Palestinian Suicide Bombers in Times of Exighophobia”. Public Culture, vol. 15, issue 1, pp. 65–89. 

Hennessey, Thomas (2013). Hunger Strike: Margaret Thatcher’s Battle with the IRA, 1980–1981. Dublin: Irish Academic Press. 

Khalidi, Rashid (2007). The Iron Cage: The Story of the Palestinian Struggle for Statehood. Boston: Beacon Press. 

Khalidi, Rashid (Summer 2014). “Israel: A Carceral State”. Journal of Palestine Studies, vol. XLIII, no. 4, pp. 5-10. 

Klein, Naomi (2007). The Shock Doctrine: The Rise of Disaster Capitalism. Toronto, Canada: Alfred A. Knopf Canada. 

Masalha, Nur (2012). The Palestine Nakba: Decolonising History, Narrating the Subaltern, Reclaiming Memory. London: Zed Books. 

Massad, Joseph (2006). The Persistence of the Palestinian Question: Essays on Zionism and the Palestinians. New York: Routledge. 

Mbembe, Achille (Winter 2003). “Necropolitics”. Public Culture, vol. 15, issue 1, pp. 11–40. 

Meari, Lina (Summer 2014). “Sumud: A Palestinian Philosophy of Confrontation in Colonial Prisons”. South Atlantic Quarterly, vol. 113, issue 3, pp. 547–578. 

Nashif, Esmail (2008). Palestinian Political Prisoners: Identity and Community. New York: Routledge. 

Nashif, Esmail (2013). “The Palestinian’s Death”. In: Phantom Home. Edited by Ahlam Shibli. Barcelona: MACBA/ Jeu de Paume. pp. 163-186. 

Olshansky, Barbra (2002). Secret Trials and Executions: Military Tribunals and the Threat to Democracy. New York: Seven Stories Press. 

Pape, Robert A. (2005). Dying to Win: The Strategic Logic of Suicide Terrorism. Melbourne, Australia: Scribe Publications. 

Pappe, Ilan (2004). A History of Modern Palestine: One Land, Two Peoples. New York: Cambridge University Press. 

Pappe, Ilan (2019). The Biggest Prison on Earth: A History of the Occupied Territories. London: Oneworld Publications. 

Passmore, Leith (January 2009). “The Art of Hunger: Self-Starvation in the Red Army Faction”. German History, vol. 27, issue 1, pp. 32–59. 

Purvis, June (1995). “The Prison Experiences of the Suffragettes in Edwardian Britain”. Women’s History Review, vol. 4, issue 1, pp. 103-133. 

Said, Edward (1995). The Politics of Dispossession: The Struggle for Palestinian Self-Determination, 1969-1994. New York: Vintage Books. 

Salamanca, Omar Jabary & Mezna Qato & Kareem Rabie & Sobhi Samour (2012). “Past is Present: Settler Colonialism in Palestine”. Settler Colonial Studies, vol. 2, issue 1, pp. 1–8. 

Sands, Bobby (n. d.). “Bobby Sands Trust”. Prison Diary.

Sayegh, Fayez (2012). “Zionist Colonialism in Palestine (1965)”. Settler Colonial Studies, vol. 2, issue 1, pp. 206–225. 

Sayigh, Yezid (1999). Armed Struggle and the Search for State: The Palestinian National Movement, 1949-1993. Oxford: Oxford University Press. 

Shindler, Colin (2013). A History of Modern Israel. Cambridge: Cambridge University Press. 

Whalen, Lachlan (2007). Contemporary Irish Republican Prison Writing: Writing and Resistance. London: Palgrave Macmillan. 

Williams, Raymond (1977). Marxism and Literature. Oxford: Oxford University Press. 

Wolfe, Patric (2006). “Settler Colonialism and the Elimination of the Native”. Journal of Genocide Research, vol. 8, issue 4, pp. 387-409. 

Worthington, Andy (2007). The Guantanamo Files: The Stories of the 774 Detainees in America’s Illegal Prison. London: Pluto Press. 

Yuill, Chris (March 2007). “The Body as Weapon: Bobby Sands and the Republican Hunger Strikes”. Sociological Research Online, vol. 12, issue 2, pp. 111-121.

 

المصادر:

[1] إيلان بابِهْ (2020)، "أكبر سجن على الأرض: سردية جديدة لتاريخ الأراضي المحتلة" (بيروت: مؤسسة نوفل).

[2] عبد الرحيم الشيخ (18 تشرين الثاني / نوفمبر 2018)، "معاني فلسطين في (حكاية سرّ الزيت)"، موقع "باب الواد"، في الرابط الإلكتروني.

[3] يستخدم دقّة في إطاره النظري لتقديم تحليله الخاص لأساليب التعذيب الحديثة في السجون الإسرائيلية كتابَي:

Michel Foucault (1977), Discipline and Punish: The Birth of the Prison;

نعومي كلاين (2009)، "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث".

[4] "بُنية الشعور"، هو مفهوم طوره رايموند ويليامز (Raymond Williams)، لتمييز ثقافة اللحظة التاريخية الخاصة (culture of a particular historical moment)، واقتراح مجموعة مشتركة من التصورات والقيم التي تتشاركها مجموعة خاصة (Williams 1977).

[5] Achille Mbembe (Winter 2003), “Necropolitics”, Public Culture, vol. 15, issue 1, pp. 11–40.

Author biography: 

أشجان عجّور: أكاديمية وباحثة في علم الاجتماع في جامعة ليستر، بريطانيا.