توطئة
تمثلت أبرز نتيجة أسفرت عنها الانتخابات الإسرائيلية العامة للكنيست (البرلمان) الـ 25، والتي جرت في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2022، في تحوّل التحالف الجديد لأحزاب الصهيونية الدينية، والذي خاض الانتخابات تحت اسم "الصهيونية الدينية"، إلى القوة الثالثة بعد حزبَي الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، و"يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد المحسوب على ما يوصف بأنه "معسكر الوسط".
ويضم تحالف "الصهيونية الدينية" الجديد ثلاثة أحزاب هي: "هئيحود هليئومي" ("الاتحاد القومي") برئاسة بتسلئيل سموتريتش؛ "عوتسما يهوديت" ("قوة يهودية") برئاسة إيتمار بن غفير، من أتباع الحاخام المقتول مئير كهانا؛ "نوعام" برئاسة أفيغدور معوز.
تعالج هذه المقالة ما يمكن اعتباره التطلعات الجديدة للصهيونية الدينية في إسرائيل على صعيدَي ماهية نظام الحكم والخطاب السياسي، وذلك من خلال قراءة وتحليل آخر الوقائع المتراكمة في هذا الصدد وما تحيل إليه من دلالات. وهي تطلعات تتّسق مع صعود ما بات يُعرف بأنه "يمين جديد" في إسرائيل، يتّسم أكثر شيء بأنه يفترق في توجهاته الرئيسية عن اليمين التقليدي الذي يمثله حزب الليكود الخارج من رحم الصهيونية التنقيحية، فيجاهر من ناحية تطلعاته بأنه يسعى لتكريس هيمنته على مؤسسات الحكم والخطاب العام، ويتبنّى من ناحية فكرية مفاهيم الصهيونية الدينية، ولا سيما حيال القضية الفلسطينية.
وستقدم المقالة بورتريهات لـ 5 أعضاء كنيست من تحالف الصهيونية الدينية توضح خلفيتهم، وتسلط الضوء على تلك التطلعات.
"اليمين الإسرائيلي الجديد".. في تعريف المصطلح
يتواتر في إسرائيل أخيراً استعمال مصطلح "اليمين الإسرائيلي الجديد"، وذلك من أجل إقامة حدّ فاصل بينه وبين "اليمين التنقيحي" الذي يتبنّى فكر زئيف جابوتنسكي. وهذا "اليمين الجديد" هو مَن بات المقرر لجدول الأعمال العام الداخلي، وللخطاب السياسي في إسرائيل، ويتألف من تحالف كل من الأحزاب الحريدية (المتشددة دينياً)، والأحزاب المتدينة القومية أو الصهيونية الدينية، والمستوطنين في أراضي 1967، وأعضاء الكنيست المتطرفين في حزب الليكود، والجماعات القومية المتطرفة ضمن حزب "إسرائيل بيتنا"، وحركات شبه فاشية مثل "إم ترتسو" ("إذا أردتم")، و"عاد كان" ("حتى هنا") وغيرهما.
وتتسبب التحولات السياسية والاجتماعية التي تجري داخل حزب الليكود في الأعوام الأخيرة، بتغييرات ملموسة من ناحية تركيبته وعلى صعيد خطابه السياسي. فمن المعروف أن هذا الحزب تطوّر إلى ما هو عليه الآن من مدرسة الصهيونية التنقيحية التي قادها ونظّر لها جابوتنسكي، وخلفه في قيادتها مناحم بيغن (رئيس الحكومة السابق)، كما أنه خلال العقود الماضية، وبتأثير بأفكار مؤسسه، حمل توجهاً أيديولوجياً ينطلق من رفض أي تقسيم لفلسطين التاريخية، حتى بعد احتلال الأراضي الفلسطينية في حزيران / يونيو 1967. غير أن الليكود، علاوة على توجهه القومي حيال "أرض إسرائيل الكاملة"، حمل توجهاً ليبرالياً، وخصوصاً في الاقتصاد، وفي الحقوق المدنية والفردية أيضاً. ولم يكن هذا الحزب يعتقد أن هناك تناقضاً بين توجّهه القومي وتوجّهه الليبرالي، فقد رأى أن حل الصراع يكمن في فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي مَنْح الفلسطينيين في هذه المناطق حقوقاً مدنية وسياسية فردية في إطار الدولة اليهودية، الأمر الذي تراجع عنه بيغن (على الأقل على المستوى التصريحي والرسمي) بتوقيع اتفاق كامب ديفيد مع مصر (1978) الذي أقرّ بمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً. وعلى الرغم من أن هذه التحولات تعكس تغيرات تتعلق بميزان القوى الحزبي الداخلي وبالصراع على السلطة، فإنها تؤثر في سياسة إسرائيل حيال الصراع مع الفلسطينيين. وما يجدر ذكره في هذا الشأن هو أن النخب الليكودية القديمة التي تحمل مثل هذه التوجهات الليبرالية، جرى إقصاء أغلبيتها في الدورات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي بشكل متدرج، وتسلمت مكانها نخب جديدة تنتمي إلى الصهيونية الدينية فكرياً، أو تحمل توجهات يمينية متطرفة تشبه توجهات اليمين المتطرف في أوروبا فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الفردية. كما أن النُّخب الأشكنازية اليمينية الليبرالية تراجعت في حزب الليكود لمصلحة قيادات شرقية تحمل أجندات غير ليبرالية وغير ديمقراطية ومعادية للعرب، وكذلك لمصلحة النخب الأشكنازية القديمة من "اليسار الصهيوني". وتشترك هذه النخب الجديدة في الليكود مع النخب القديمة بفكرة "أرض إسرائيل الكاملة" (بين أعضاء حزب الليكود، فقط بنيامين نتنياهو يصرح أنه يؤيد "حل الدولتين")، لكنها تختلف فيما بينها بالنسبة إلى الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين. فبينما تريد النخب القديمة إعطاء الفلسطينيين حقوقاً سياسية ومدنية فردية كاملة في إطار السيادة اليهودية على الأرض، فإن النخب الجديدة أسست فعلياً لنظام أبارتهايد يجسّد إبقاء السيطرة الإسرائيلية على الأرض، وضم مناطق من الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، وحرمان الفلسطينيين من أي حقوق سياسية ومدنية متساوية وكاملة.
ولا بدّ في هذا الإطار من الإحالة إلى كتاب صدر في إسرائيل في سنة 2017 بعنوان "لماذا تصوّت لليمين وتحصل على اليسار؟"، يزعم مؤلفه إيرز تدمور، أحد قادة ومؤسسي حركة "إم ترتسو"، أنه على الرغم من مرور أربعين عاماً على تسلّم حزب الليكود اليميني سدّة الحكم في إسرائيل عقب ما عُرف بـ "انقلاب 1977"، فإنه واصل الحكم من خلال النخب القديمة التي كانت في معظمها موالية لـ "الحركة الصهيونية العمالية" بزعامة حزب مباي التاريخي. كما يؤكد أنه فقط في الأعوام الأخيرة بدأ اليمين الإسرائيلي بتغيير هذه النخب كي "يتحقق الانقلاب الحقيقي" في المستقبل المنظور، وأن الحملة الشعواء التي يشنّها اليسار المتطرف ضد الجيش الإسرائيلي والصهيونية والهوية اليهودية للدولة، وضد "أرض إسرائيل" والرموز القومية والقيم اليهودية، ما هي إلّا المعركة الأخيرة لتلك النخبة اليسارية المنهارة. وهو يجزم بأن القوة الهائلة التي ما زالت هذه النخبة تحتفظ بها إنما تنبع فقط من انعدام بُعد النظر والتبصر والفهم السليم لدى مناحم بيغن (الكاتب يستعمل كلمة خيانة عند اسم بيغن)، ولدى كثيرين ممّن يكملون طريقه في اليمين الإسرائيلي، طوال أربعة عقود منذ سنة 1977.
وقبل كتاب تدمور هذا، أشار المحلل السياسي الإسرائيلي شالوم يروشالمي (2012) إلى أن هناك تقاسماً للأدوار بين عدد من الشخصيات الوزارية والبرلمانية التي تؤدي دوراً كبيراً على صعيد الدفع قدماً بتنفيذ خطة تغيير قواعد اللعبة بشكل كامل، وتحويل إسرائيل إلى نوع وصفه بـ "الدولة الديمقراطية اليهودية - الدينية المتعصبة التي تعتمد على الطابع اليهودي أكثر من تركيزها على الطابع الديمقراطي." ويتزعم هؤلاء بنيامين نتنياهو الذي أخذ يتجه نحو هذا المسار المعادي للديمقراطية، لكنه أحياناً يغير تكتيكه ويتراجع إلى الوراء ليعاود هجومه من جديد. وفي رأي الكاتب فإن إسرائيل بدأت "تسير في اتجاه نظام يُبعدها عن الديمقراطية الغربية، ويحوّلها إلى دولة أُخرى لا وجود فيها لليسار العلماني ولا لحقوق الأقليات."
التطلعات المستجدة للصهيونية الدينية
قبل نتائج الانتخابات الأخيرة (في 1 / 11 / 2022) كان يمكن جدولة التطلعات الجديدة للصهيونية الدينية عن طريق قراءة ما يصرّح به رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت، المنتمي هو أيضاً إلى هذا التيار. فمثلاً، في سياق مقابلة أجرتها صحيفة "مكور ريشون" مع بينت، في 29 / 7 / 2017، قال إن في صلب هذه التطلعات تحويل الصهيونية الدينية إلى حزب ذي مظلة واسعة للغاية تكون أكثر صهيونية، وتستطيع أن تكون سقفاً للجميع. وردّاً على سؤال عمّا يختلف فيه هذا الحزب، الذي يسعى بينت له، عن الليكود، قال هذا الأخير إن الليكود لا ينفك يرفع لواء الأمن، وفقط الأمن. وفي حال الالتزام بهذا اللواء فقط، فإن إسرائيل ستصل حتماً إلى أماكن ليست جيدة ولا محبَّذة، مثل الانفصال عن قطاع غزة، وخطاب بار - إيلان (الذي أعلن فيه نتنياهو في سنة 2009 تأييده "حل الدولتين")، وما شابه ذلك. لكن عندما تستند إسرائيل إلى الأساس اليهودي، فستكون في مكان آخر مختلف تماماً، وستمسي قوة صمودها أمام الضغوط ذات جذور أعمق كثيراً، الأمر الذي سينعكس على كل شيء. وتعكس أقوال بينت هذه إصرار الصهيونية الدينية على إعادة تصميم المجتمع الإسرائيلي وفقاً للصورة الحالية للصهيونية كخليط من الصهيونية القومية والدينية، غير أن الموضوع المركزي والطاغي في هذه الرؤية هو، من دون شك، موضوع إسرائيل كدولة يهودية، والمقصود موضوع يهودية الدولة ووزن طابعها اليهودي، في مقابل طابعها الديمقراطي. ومن هنا اتسمت الصهيونية الدينية بالهجوم على الجهاز القضائي والمحكمة الإسرائيلية العليا، متهمة إياهما بأنهما أدارا ظهرَيهما لطابع الدولة اليهودي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزيرة الداخلية الإسرائيلية في الحكومة المنتهية ولايتها، أييليت شاكيد من الصهيونية الدينية، أطلقت حين تولت منصب وزيرة العدل في حكومة نتنياهو الرابعة (2015 - 2019) مبادرة مع زعيم حزبها بينت، ترمي إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا بزعم أنها (المحكمة) "تخلق واقعاً جديداً تحوّل فيه إلغاء القوانين التي يسنّها الكنيست إلى أمر روتيني، الأمر الذي يضطرنا، نحن منتخبي الجمهور، إلى التحرك السريع والحازم لإعادة التوازن الصحيح بين السلطات الثلاث - التشريعية، والتنفيذية، والقضائية"، مثلما قال بينت.
وقبل إطلاق مبادرتها المذكورة، شنّت الوزيرة شاكيد هجوماً حاداً على المحكمة العليا متهمة إياها بـ "تفضيل حقوق الفرد على القيم الصهيونية"! وقالت، في حفل لنقابة المحامين في إسرائيل (آب / أغسطس 2017)، إن "منظومة حقوق الفرد في إسرائيل ترقى إلى درجة القدسية، لكن ليس بنزعها عن الخصوصية الإسرائيلية، وعن مهماتنا القومية وهويتنا، وعن تاريخنا، وعن تحدياتنا الصهيونية." وأضافت: "لا ينبغي للصهيونية أن تواصل - وأنا أعلن هنا أنها لن تواصل - طأطأة رأسها أمام حقوق الفرد والإنسان التي يجري تفسيرها تفسيرات كونية وبصورة تنزعها عن تاريخ الكنيست وتاريخنا التشريعي كله."
وأعلن بينت وشاكيد، في بيان خاص (أيلول / سبتمبر 2017)، أن "الرد على تجاوز المحكمة العليا صلاحياتها بشكل متكرر سيأتي بواسطة تشريع قانونَي أساس جديدين": "قانون القومية" (قانون أساس: إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي) الذي كان يجري تداوله والنظر فيه في الكنيست في ذلك الوقت (وسُنّ لاحقاً في سنة 2018)، و"قانون أساس: التشريع" الذي "سينظم العلاقات ما بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية، من خلال تحديد الشروط التي تتيح للمحكمة العليا إلغاء قوانين سنّها الكنيست"، موضحَين أن ذلك سيتم من خلال إدخال "فقرة التجاوز أو التغلب" التي تمكّن الكنيست من العودة وسنّ قوانين ألغتها المحكمة العليا - كاملة أو بنود محددة منها - بدعوى "عدم دستوريتها".
كما تجدر الإشارة إلى المقالة التي نشرتها شاكيد، وهي الأولى من نوعها باسمها الشخصي، وجاءت بعنوان "الطريق إلى الديمقراطية والحوكمة"، ونُشرت في عدد تشرين الأول / أكتوبر 2016 من مجلة "هشيلواح"، وهي مجلة شهرية إسرائيلية لـ "شؤون الفكر والسياسة". وقد وصفت شاكيد مقالتها بأنها "بيان تاتشريّ" عرضت من خلاله ما اعتُبر أنه "رؤيا شاكيد وتصوّرها" في عدة قضايا ومجالات، وخصوصاً قضايا الحكم والتشريعات والعلاقة بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية (الفصل الأول من المقالة)، وتقليص صلاحيات المحكمة العليا في إسرائيل (الفصل الثاني من المقالة).
غير أن الموضوع المركزي والطاغي في هذه الرؤية هو، من دون شك، موضوع إسرائيل كدولة يهودية، وهو الذي خصصت له الفصل الأخير من مقالتها.
وبدا واضحاً حرص شاكيد، في أكثر من موقع وسياق في هذه المقالة، على تأكيد انتمائها الفكري إلى "مدرسة اليمين المحافظ"، وخصوصاً اليمين الأميركي المحافظ الذي تأخذ عنه انطلاقه من قاعدة أن "جوهر الديمقراطية هو الحرية الاقتصادية"، وأن "الوسيلة الضرورية لإنتاج الحرية هي الحرية الاقتصادية" (بكلمات ميلتون فريدمان، أحد أبرز علماء الاقتصاد في هذا التيار).
ويمكن، إجمالاً، تحديد العناوين التالية التي عالجتها شاكيد في مقالتها هذه (التي جاءت بعد عام وخمسة أشهر من بدء مزاولتها منصب وزيرة العدل في حكومة نتنياهو الرابعة بـ: الدعوة إلى تعزيز وتعميق الطابع اليهودي لدولة إسرائيل والتقليل من "التوتر بين اليهودية والديمقراطية"؛ الدعوة إلى التقليل من التشريعات القانونية؛ مزيد من الفصل بين السلطات؛ تحديد وتقييد صلاحيات المحكمة العليا (وخصوصاً في مجال إلغاء قوانين يسنّها الكنيست).
وتُجمل شاكيد رؤيتها بالقول: "إن الكنيست يعقّد حياتنا بتشريعاته الكثيرة، والمحكمة العليا تضطلع بمهمات ليست لها، وأداء بعض السلطات يشكل خطراً متزايداً، أكثر فأكثر، على حرياتنا وعلى قدرة منتخَبينا على الحكم. علينا إعادة قاطرات الحوكمة إلى مساراتها، بأقصى سرعة ممكنة."
غير أن موضوع يهودية الدولة ووزن طابعها اليهودي، في مقابل طابعها الديمقراطي، احتل حيّزاً مركزياً في مقالة شاكيد هذه، إذ تقول: "في رؤيتي، فإن يهودية الدولة لن تبقى رمزاً فارغاً، بل ستكتسب حياة وحيوية نابعتين من داخلها"، مضيفة أنها تؤمن، شخصياً، بأنه "كلما كانت دولة إسرائيل أكثر يهودية، كانت أكثر ديمقراطية." وأعلنت أنها "وضعت هدفاً يتمثل في طرح مشروع قانون أساس يزيد من ثقل الهوية اليهودية لدولة إسرائيل، ويعمل على إرسائها ضمن مفاهيم عملية توازي في قوتها وأهميتها القوانين الأساسية الليبرالية والشمولية الأُخرى"، لأنه "يتعين على قطار القضاء الإسرائيلي أن يأخذ في الحسبان يهودية الدولة، كمركّب أساسي في هويتها."
وكتبت شاكيد أنها ترفض وجهة النظر التي تقول إن ثمة تناقضاً بين يهودية الدولة وديمقراطيتها، ذلك بأن "المنظّرين السياسيين الذين وضعوا أسس الديمقراطية المعاصرة، مثل جون لوك وتوماس جيفرسون، ارتكزوا في ذلك على التوراة"!، مثلما كتبت، وأن "المبادىء الغربية الشاملة الخاصة بحرية التعبير عن الرأي، ومبدأ تغليب الأكثرية، ينبعان جميعاً من التقاليد اليهودية"!! وعليه، ثمة "توافق تام بين اليهودية والقيم الديمقراطية، طبقاً لما أوضحته تفاسير المدرسة اليمينية المحافظة، على الأقل"! وبما أن "اليهودية هي منبع الديمقراطية العالمية ومصدرها، فإن تعزيز الطابع اليهودي لدولة إسرائيل سيؤدي إلى تعزيز طابعها الديمقراطي!"
ولتدعيم ما ذهبت إليه وإسناده، تطرح شاكيد ثلاث حجج تاريخية هي التالية: أولاً، كل ما تعرفه البشرية عن الديمقراطية اليوم هو من إنتاج اليهودية، بصورة حصرية؛ ثانياً، جميع الفلاسفة والمفكرين السياسيين غير اليهود الذين وضعوا أسس الديمقراطية المعاصرة، مثل جون لوك وتوماس جيفرسون، ارتكزوا على المصادر اليهودية، وفي مقدمها التوراة، لتطوير مفاهيمهم وتوجهاتهم الديمقراطية؛ ثالثاً، التقاليد اليهودية، وليس نموذج أنظمة الحكم الأُخرى التي كانت قائمة في القرنين التاسع عشر والعشرين، هي التي أتاحت قيام الديمقراطية ووجودها في إسرائيل!
وعلى مستوى منظمات حقوق الإنسان، فبموازاة الهجوم على الجمعيات التي تُعنى بهذه الحقوق واتهامها بأنها يسارية، ومحاولة محاصرتها مالياً وجماهيرياً، بدأت تنشط في الأعوام الأخيرة منظمات يمينية تتبنّى خطاب حقوق الإنسان، برفقة ظهور أشكال من التعاون بينها وبين منظمات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة التي تستخدم خطاب حقوق الإنسان. ويستعين هذا التعاون بأثرياء وأصحاب رؤوس أموال من أعضاء ومؤيدي الحزب الجمهوري، الذين صدّروا هذا الخطاب إلى إسرائيل عن طريق تمويل مراكز أكاديمية ومنظمات يمينية مدنية. ولا يبذل أصحاب هذه المبادرات، أشخاصاً ومؤسسات، أدنى جهد للتمويه أو المراوغة، بل يضعون الأمور على حقيقتها من دون أي رتوش: إنها مبادرات يمينية تسعى لوضع حدّ لـ "احتكار اليسار" لموضوعة حقوق الإنسان في إسرائيل، ولمقاومة التشهير بسمعة إسرائيل في العالم وتحسين صورتها، ومقاومة حملات المقاطعة الدولية ضد إسرائيل. وهذا كله من خلال الكشف عن "ممارسات شاذة" تصدر عن جنود الجيش الإسرائيلي في حقّ الفلسطينيين (هي "شاذة"، لأن تلك المنظمات تنطلق من الإيمان بتفوّق الجيش الإسرائيلي أخلاقياً!)، ومعالجتها مع "السلطات العسكرية المختصة"، من دون نشرها في وسائل الإعلام. وبكلمات أُخرى بسيطة: إنها مبادرات يمينية لإقناع الرأي العام، المحلي أولاً والعالمي تالياً، بأن ليس ثمة تناقض بين الاحتلال وبين حقوق الإنسان، لا بل يمكن "مراقبة التجاوزات ومعالجتها"، ثم "ضمان حقوق الإنسان" في ظل الاحتلال وتحت نِيره. وهي محاولة يمينية للتصدي لأطروحات اليسار الإسرائيلي ومقاومتها، من خلال تبييض وجه الاحتلال وتصويره احتلالا متنوراً، تقدمياً وإنسانياً، يمكن العيش في ظله والتعايش السلمي معه!
ومثلما أشرنا أعلاه، خضع تيار الصهيونية الدينية لكثير من التحولات، بعد أن كان في السابق تياراً واحداً ثم تلاشى، وتشكلت على أنقاضه مجموعات اجتماعية متنوعة. وتمثَّل هذا التيار أساساً، في الحزب القومي - الديني (المفدال) الذي كان في العقود الثلاثة الأولى لقيام إسرائيل أكثر اعتدالاً وبراغماتية منه اليوم، الأمر الذي تجلّى في تحالفه التاريخي مع التيار المركزي في الصهيونية العلمانية، ممثلاً في حزب مباي، ثم في حزبَي المعراخ والعمل، والذي استمر حتى سنة 1977. وبعد هذه السنة (التي شهدت ما يُعرف بـ "الانقلاب" الذي أطاح بالعماليين من السلطة ومهّد لحقبة من سلطة حزب الليكود) اتجه التيار الصهيوني - الديني مدفوعاً بإيمانه الشديد بعقيدة "إسرائيل الكبرى" وبولائه لـ "توراة إسرائيل"، ولا سيما في أعقاب صعود قيادات جديدة شابة إلى زعامته وزعامة حزبه (المفدال) تنتمي في أغلبيتها إلى غلاة محافل المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، إلى التحالف مع "اليمين القومي"، إذ شارك حزب المفدال في جميع الحكومات التي شكلها حزب الليكود منذ ذلك الوقت. وحتى منتصف سبعينيات القرن العشرين الماضي كانت القضايا الدينية هي القضايا الأساسية لتيار وحزب الصهيونية الدينية، لكن بعد صراع شديد بين القيادة القديمة للحزب والقيادة الشابة المتأثرة بتعاليم الحاخام تسفي يهودا هكوهن كوك (الزعيم الروحي لحركة "غوش إيمونيم"، الذراع الاستيطانية للتيار الصهيوني - الديني) بدأ هذا التيار وحزبه يركزان على الاستيطان وتأكيد عقيدة "أرض إسرائيل الكبرى". ومنذ ذلك الحين شهد التيار الصهيوني - الديني الذي يتبعه معظم المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عدة انشقاقات على خلفية إثنية وأيديولوجية. غير أن الصراع داخل هذا التيار، وعلى الرغم من انسحاب حزبه (المفدال) من حكومة أريئيل شارون عقب إقرارها خطة فك الارتباط الأحادية الجانب عن قطاع غزة (2005)، استمر شديداً تحت السطح تارة وفوقه تارة أُخرى، بين جناحَين رئيسيين: الجناح السياسي البراغماتي، والجناح السياسي العقائدي المتطرف المسياني الذي رجحت كفته في نهاية المطاف في زعامة حزب المفدال. ويمكن القول إن تيار الصهيونية - الدينية، كحال غيره من تيارات الصهيونية القومية والعلمانية، دخل في أزمة طويلة وعميقة مزدوجة؛ أزمة قيادة وأزمة أيديولوجية بدأت بواكيرهما منذ توقيع اتفاق أوسلو (1993)، ثم انتقلت إلى طور أعلى من التفاقم عقب اغتيال رئيس الحكومة يتسحاق رابين في سنة 1995 (الذي تتلمذ ونشأ قاتله يغئال عمير في أحضان تيار الصهيونية - الدينية ذاته)، واستفحلت منذ تنفيذ خطة فك الارتباط وإزالة المستعمرات اليهودية من قطاع غزة في سنة 2005، والتي أحدثت شرخاً في صفوف المعسكر الصهيوني القومي عامة، والتيار الصهيوني - الديني خاصة، لما عنته واقعياً وفعلياً من تحطم وانكسار لحلم "أرض إسرائيل الكاملة"، وانتكاسة لمجمل أيديولوجيا المعسكر الصهيوني القومي على اختلاف أطيافه وفروعه.
وثمة باحثون يرفضون الادعاء الشائع أن التطرف الذي أصاب الصهيونية الدينية كان ردة فعل على ما وُصف بأنه "خلاص أرض إسرائيل" في سنة 1967، وبأن مساحات الأراضي الجديدة هزت كيان الصهيونية الدينية وأدخلت إلى رأسها "أفكاراً جنونية". ويؤكد هؤلاء أنه منذ خمسينيات القرن العشرين الفائت وستينياته، ظهرت في أوساط الصهيونية الدينية مواقف مسيانية فاعلة ومؤيدة لاستخدام القوة بمنهجية حيناً، وبتجاهل الأسئلة الأخلاقية المرتبطة باستخدامها أحياناً، ويستنتجون من ذلك أن حربَي 1967 و1973 كانتا بمثابة محرّك فقط لبلورة هذه المواقف وتعميمها واستبطانها وليستا مصدرها. وبغضّ النظر عن ذلك، فإنه لا بدّ من رؤية أن النتيجة واحدة.
لائحة أعضاء الكنيست من تحالف أحزاب "الصهيونية الدينية"
بتسلئيل سموتريتش؛ إيتمار بن غفير؛ أوفير سوفر؛ أوريت ستروك؛ يتسحاق شمعون؛ سمحا روطمان؛ ألموغ كوهين؛ ميخال فالديغر؛ عميحاي بن إلياهو؛ تسفيكا فوغل؛ أفيغدور معوز؛ أوهاد طال؛ ليمور سون هار ميليخ؛ موشيه سولومون.
بتسلئيل سموتريتش (رئيس "هئيحود هليئومي" وقائمة "الصهيونية الدينية")
ولد بتسلئيل سموتريتش في 27 شباط / فبراير 1980، وهو عضو كنيست منذ سنة 2015، ويتزعم اليوم قائمة تحالف "الصهيونية الدينية" وحزب "هئيحود هليئومي" الذي يشكل جزءاً منها. ترعرع في مواقع وأجواء الاستيطان المتطرفة سواء من حيث الإقامة أو التعليم، فقد تعلم في مستعمرة كريات أربع، وكبر في مستعمرة بيت إيل، ودرس القانون العام والدولي، ثم تجند في الجيش حين كان في الثامنة والعشرين من عمره.
خلال فترة تنفيذ "خطة الانفصال" التي وضعها أريئيل شارون، اعتقل جهاز الأمن العام ["الشاباك"] سموتريتش ووضعه في قيد الاعتقال المنزلي بسبب التخطيط لإغلاق شوارع، لكن لم تقدَّم ضده لوائح اتهام. وحين تم ترشيحه عضواً في الكنيست في سنة 2015 قال معارضوه إنه كان قد خزّن 700 ليتر من الوقود لتخريب بُنى تحتية ومنع الإخلاء من قطاع غزة. ومع أن سموتريتش أنكر هذا، إلّا إنه لم ينفِ التخطيط لإغلاق شوارع قائلاً إن هذه خطوة ديمقراطية معترف بها في إسرائيل.
وكان أول ترشيح جدي له في الكنيست في سنة 2009، في المكان التاسع ضمن قائمة "هئيحود هليئومي". وفي تلك الفترة كان قد خدم في الجيش وخرج في عطلة لثلاثة أشهر عاد بعدها لاستكمال خدمته العسكرية بعدما فشل في دخول الكنيست. في سنة 2015، ترشّح ضمن قائمة "البيت اليهودي" في المكان التاسع، وتقدم إلى المكان الثامن بعد موت الوزير أوري أورباخ، فانتُخب عضواً في الكنيست. وتغلّب في سنة 2019 على منافسه أوري أريئيل، وانتُخب رئيساً لحزب "هئيحود هليئومي - تكوما"، ومنذ ذلك الوقت يقود سموتريتش هذا الحزب بشتى التحالفات. وهو يلقى دعماً كبيراً من حاخامي الصهيونية الدينية الذين يعلنون بوضوح أن الهدف من سيطرتهم على الحكومة هو منع إقامة دولة فلسطينية وتعزيز الاستيطان و"روح الجيش الإسرائيلي" القتالية، وتعزيز التربية على أسس التوراة وقيمها.
وسبق أن تولى سموتريتش ضمن العمل الحكومي وزارة المواصلات في حزيران / يونيو 2019، وكان عضواً في الطاقم الأمني السياسي المصغر.
وبرز نشاط سموتريتش من ناحية التشريعات البرلمانية في مجال تعزيز الاستيطان، فعمل على سنّ "قانون قطاع الاستيطان" الذي ينصّ على أنه يتعين على حكومة إسرائيل تحويل صلاحيات في مجال الاستيطان ومجالات أُخرى إلى قطاع الاستيطان في الهستدروت الصهيونية. وعمل سموتريتش أيضاً على سنّ "قانون الشفافية" الذي جاء للتضييق على منظمات حقوق إنسان ومنظمات حقوقية أُخرى تنشط ضد الاحتلال ومن أجل حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية المحتلة. وكان هدفُ القانون ومن خلفه سموتريتش، تلك المنظمات وشيطنتها بزعم أنها تتلقى دعماً من جهات خارج إسرائيل.
سموتريتش صوت بارز في اليمين ضد الحقوق الفلسطينية، فهو ينفي وجود حركة وطنية فلسطينية أصيلة زاعماً أن كل ما تفعله هو معارضة الصهيونية ووجود دولة إسرائيل. ومن هنا يقول إنه لا يمكن لهذين المطلبين أن يتعايشا معاً بسلام، ولذلك فإن سياسة إسرائيل يجب أن تتواصل استناداً إلى الردع والقبضة الحديدية، مثل مواصلة هدم البيوت، والطرد وتعزيز الاستيطان والمستعمرات. وبعد هبّة أيار / مايو 2021 (ما يُعرف فلسطينيا بهبّة الكرامة)، صرّح سموتريتش أن المواجهة ليست بين طرفين متساويين، وبين يهود وعرب، وإنما هي مواجهة مع إرهابيين. ورأى في الحدث "انتفاضة قوموية" لعرب إسرائيل الذين يتعاونون كطابور خامس مع أعدائنا في "حماس". هذه الأقوال تحمل الخطوط العريضة في توجه وعقيدة سموتريتش الذي سبق أن دعا في سنة 2017 إلى تطبيق ما سمّاه "خطة الحسم" التي تقضي بحسم الصراع مع الفلسطينيين وليس إدارته، مثلما تقول أغلبية الحكومات. وبين عناصر هذه الخطة: الشعب الفلسطيني ليس إلّا حركة ضد الحركة الصهيونية، وبالتالي فإن الحركة الوطنية الفلسطينية لن تسلّم بوجود إسرائيل في حدودها؛ الطموحات القومية لدى الشعب اليهودي من جهة، ومَن يسميهم "عرب إسرائيل" من جهة أُخرى، هي طموحات متناقضة لا يمكن أبداً التسوية بينها؛ يجب تفكيك السلطة الفلسطينية وفرض سيادة إسرائيل على الضفة الغربية كلها، وإقامة حشد من المستعمرات الإضافية ورفع عدد المستوطنين بمئات الألوف. أمّا سكان الضفة الغربية فيمكنهم مواصلة العيش ليس كمواطنين، بل كمقيمين فقط، ويمكنهم التصويت لمجالس بلدية معدومة من أي ملامح وطنية قومية. هذا التوجه السياسي الذي يلغي الفلسطيني يرتبط بالرؤية العقائدية الدينية لأنه يدعو إلى تعزيز الاستناد إلى الشريعة والأحكام التوراتية. وممّا قاله مثلاً في سنة 2019: "إن قوانين التوراة أفضل كثيراً من الدولة التي خلقها أهارون براك"، في إشارة إلى رئيس المحكمة العليا السابق والثورة القضائية التي قادها. ويأمل سموتريتش بأن يختار شعب إسرائيل إدارة الدولة وفقاً لقانون وأحكام التوراة، "مثلما كان في أيام الملكين داود وسليمان"، على حدّ تعبيره.
إيتمار بن غفير (رئيس "عوتسما يهوديت")
وُلد إيتمار بن غفير في 6 أيار / مايو 1976، ويحمل في جعبته عشرات المخالفات والإدانات على اعتداءات وأفعال عنف وما يُعرف بأعمال الشغب في القانون الإسرائيلي. وهو عضو كنيست منذ دورتها السابقة، عن حزبه "عوتسما يهوديت" ["قوة يهوديّة"]، وعمل مساعداً برلمانيا في الكنيست الـ 18 لعضو الكنيست ميخائيل بن آري من قائمة "هئيحود هليئومي". وسبق أن تنافس لدخول الكنيست لكنه فشل مرة بعد أُخرى إلى أن جاءته النجدة من بنيامين نتنياهو، إذ عمل هذا الأخير في الانتخابات قبل الأخيرة على إنشاء تحالف بين بن غفير وبين "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش، كما جرى ضمّ حزب "نوعام" أيضاً، فحققوا معاً في انتخابات 1 / 11 / 2022 قوة برلمانية مؤلفة من 14 ممثلاً.
لم يصل بن غفير إلى الكنيست من أروقة السياسة الاعتيادية، وإنما كان ناشطاً بارزاً يذكره الرأي العام منذ التظاهرات والممارسات التي أفضت إلى اغتيال رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين، وخصوصاً كيف وقف أمام الكاميرات متباهياً بانتزاع شارة سيارة "الكاديلاك" المصفّحة التي تقلّ رئيس الحكومة مهدداً: "مثلما وصلنا إلى الشارة سنصل إلى رابين." ولاحقاً ستُقدّم ضد بن غفير 53 لائحة اتهام، وقد تمت إدانته في 8 مخالفات شملت، علاوة على ما ذُكر، التحريض على العنف والعنصرية، وحيازة مواد دعائية لمنظمة إرهابية، ودعم منظمة إرهاب.
بن غفير من مواليد القدس في عائلة تميزت بالنزعة المحافظة واليمينية، لوالد من أصل عراقي، ووالدة من كردستان العراق كانت ناشطة في منظمة "إيتسل" الإرهابية التي خرج منها لاحقاً حزب حيروت ثم الليكود. ونشط منذ فتوّته في صفوف اليمين وشارك، على سبيل المثال وليس الحصر، في الاعتداءات على تظاهرات حركة "نساء بالسواد" المناهضة للاحتلال. انضم إلى حزب "موليدت" الذي كان قد أقامه الترانسفيري رحبعام زئيفي، ثم انضم إلى حركة "كاخ" التي أكملت درب الحاخام الفاشي مئير كهانا. وبعد وضع حركة "كاخ" خارج القانون كحركة إرهاب، وفي أعقاب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل في سنة 1994، أدين بن غفير بمخالفات أمنية، ورفض الجيش تجنيده بسبب ماضيه وأفعاله، لكنه واصل نشاطه في أطر اليمين المتعصبة، وبرز بتحركاته الاستفزازية ونشاطه الاستيطاني.
يكرر الصحافيون الإسرائيليون حين يحاورون بن غفير حقيقة أنه كان حتى الأمس القريب يضع في صالون بيته صورة سفاح الحرم الإبراهيمي باروخ غولدشتاين. ففي انتخابات الكنيست الـ 22 حين أسس نفتالي بينت قائمة "يمينا"، رفض بينت انضمام بن غفير معلناً أنه لن يضم مَن يضع على جدار صالون بيته صورة شخص قتل 29 إنساناً بريئاً. وبالتزامن مع كتابة هذا المقال (في أواخر تشرين الثاني / نوفمبر 2022) نشر بن غفير مقالة في صحيفة "يسرائيل هيوم" بعنوان "إخوتي في اليسار، لم تخسروا دولتكم" تنصّل فيها مجدداً من ذلك زاعماً أنه أخطأ، وذلك في مقابل مقولات وسلوكيات كثيرة تؤكد أنه دعم بمنهجية وبقناعة عميقة ما يرمز إليه هذا السفاح. فمثلاً في "عيد البوريم" [المساخر] في سنة 1995، والذي يرتدي فيه المحتفلون أزياء تنكرية، اختار بن غفير زيّاً يمثل غولدشتاين الذي كان طبيباً ويحمل رتباً عسكرية، وأعلن: "إن بطلي هو الدكتور غولدشتاين."
حاز بن غفير شهادة المحاماة من إحدى الكليات، ورفضت نقابة المحامين المصادقة على الترخيص الذي يجيز له العمل في المجال، فقدّم طلب استئناف إلى اللجنة المركزية للنقابة لكنها أكدت القرار، ولم ينل رخصة مزاولة مهنة المحاماة إلّا بعد انتهاء الإجراءات القضائية المفتوحة ضده. وهذه الرخصة هي التي جعلته المحامي الأبرز لجميع عناصر اليمين والاستيطان، وخصوصاً في العصابات العنيفة المتمثلة في ناشطي ما يسمى "شبيبة التلال" والبؤر الاستيطانية العشوائية التي لم يُشرّعها الاحتلال. انتقل بن غفير في سنة 2005 إلى الخليل وأقام في البؤرة الاستيطانية حيث ما زال هناك مع عائلته حتى اليوم. وقبيل الانتخابات الأخيرة، وبعد وقوع عملية إطلاق رصاص بالقرب من بؤرة مستوطني الخليل، سارع بن غفير إلى إعلان أنه كان هدف العملية، وهو ما لم تؤكده الشرطة ولا جهاز الاحتلال، بل إن وزير الدفاع بنيامين غانتس قال في أعقاب ذلك، إن بن غفير كاذب ويستغل العملية لمكاسبه الانتخابية الخاصة.
أوريت ستروك
أوريت ستروك هي عضو كنيست من حزب "الصهيونية الدينية"، وشغلت منصب رئيسة الكتلة البرلمانية، وهي من مواليد القدس في 15 آذار / مارس 1960، وكان أهلها ناشطين في اليسار الصهيوني الإسرائيلي. تعلمت في مدرسة مرموقة هي المدرسة المحاذية للجامعة في القدس، وحين وصلت إلى الصف الحادي عشر قررت التديّن وانتقلت إلى التعلم في إطار "خدمة قومية" في بلدة مغدال هعيمق. كانت مقرّبة من الحاخام حاييم دروكمان الذي عرّفها أيضاً إلى زوجها الذي عاشت معه في مستعمرة يميت في شبه جزيرة سيناء المصرية، وبعد الإخلاء انتقلا إلى البؤرة الاستيطانية الأشد تطرفاً في قلب الخليل.
كانت ستروك ناشطة وانتُخبت عضواً فيما يسمى "لجنة النساء من أجل معارات همخبيلا" (الحرم الابراهيمي)، وكانت أول مَن أسس "منظمة حقوق إنسان للمستوطنين" في سنة 2002، وبرزت في نشاطها الميداني والسياسي، وخصوصاً في فترة تنفيذ خطة الانفصال التي أعلنها ونفذها في حينه شارون (2005)، فالجمعية التي أقامتها مثّلت المعتقلين الذين رفضوا الانصياع لتعليمات الجيش خلال تنفيذ الانفصال. وتقولب ستروك نشاطها بشكل منهجي تحت عنوان "حقوق الإنسان في يهودا والسامرة"، وذلك في معارضة قوية لنشاط مؤسسات وجمعيات حقوق الإنسان الإسرائيلية الكبرى ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته.
انتُخبتْ عضواً في الكنيست الـ 19 في المكان العاشر ضمن قائمة "البيت اليهودي"، وكانت رئيسة "اللوبي من أجل جبهة أرض إسرائيل" في الكنيست، واللوبي من أجل دعم جنود مسرحين من الجيش. وبين القوانين التي بادرت إليها، أو شاركت في المبادرة إليها: قانون الاستفتاء العام الذي يشترط أي انسحاب من الضفة الغربية المحتلة بإجراء استفتاء عام؛ قانون لعرقلة صفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل والجانب الفلسطيني؛ قوانين لتصفيح سيارات المستوطنين التي تتنقل بين المستعمرات في الضفة الغربية. وثمة جانب آخر نشطت فيه ستروك هو العمل ضد الحقّ في الإجهاض، فبادرت إلى حملات وقوانين ضده، فضلاً عن نشاطها في لوبي يحثّ على الامتناع من الإجهاض.
قدّمت القناة السابعة الناطقة باسم معسكر اليمين الاستيطاني ستروك في تقرير خاص على أنها بدأت منذ كانت في السادسة عشرة من عمرها، بالبحث عن هويتها اليهودية، ونُقل عن لسانها كيف ذهبت إلى الصلاة لأول مرة وشاركت في المأدبة التالية لصلاة يوم السبت، ومن هناك واصلت البحث حتى تعرفت إلى الحاخام دروكمان وذهبت في الاتجاه اليميني بآرائها ونشاطها السياسي.
تقول ستروك أنها لم تخطط للانخراط في النشاط الجماهيري العام، لكن في فترة توقيع وتطبيق اتفاق أوسلو، وخروج الجيش الإسرائيلي ضمن إعادة الانتشار من مدينة الخليل، طُلب منها الخروج إلى الإعلام والتحدث مع الوزراء والمسؤولين، فلاقت التشجيع من المستوطنين في المدينة. وقد توسع هذا النشاط أكثر فأكثر، بحيث انتُخبت لمناصب جديدة في هذا الإطار.
وتقضي رؤيتها السياسية بأن "أرض إسرائيل جزء لا يتجزأ من التوراة" مثلما وردت في تنظيرات الحاخام كوك، الأب الروحي لليمين القومي - الديني، ومثلما تعلمت لدى الحاخام دروكمان. وهي تعرّف نشاطها بأنه جزء من العودة إلى صهيون وجزء من الخلاص، وتسعى لأن توجَد في المواقع التي يمكنها فيها "دفع القيم التوراتية وتطويرها"، كما تعتقد أن "للصهيونية الدينية درباً إيمانياً تربوياً واجتماعياً يحتاج إلى القوة، وهي تدفعه إلى الأمام داخل الكنيست."
وبين الاقتباسات البارزة المنسوبة إليها ما قالته عن أريئيل شارون يوم موته: "شارون كان من كبار بناة أرض إسرائيل، ومن كبار مخرّبيها"، كما لديها تصريح آخر بارز هو: "عرفنا على امتداد 2000 عام أننا سنعود إلى بلدنا. نحن أبناء هذا الجيل حظينا بذلك، ووظيفتنا كأعضاء كنيست هي تجديد سيرورة عودة صهيون."
سمحا روطمان
ولد عضو الكنيست سمحا روطمان في 13 نيسان / أبريل 1980 في مدينة بني براك (وسط إسرائيل)، ودرس الحقوق وعمل محامياً بعد أن أنهى خدمته في الجيش في سنة 2000. انتخب عضواً في الكنيست ضمن حزب "الصهيونية الدينية" في الكنيست الـ 24، وبرز نشاطه في لجان ولوبيات الكنيست، إذ كان ناشطاً في اللوبي من أجل تعزيز حقوق الدفاع عن النفس في إسرائيل، واللوبي من أجل الخدمة المدنية القومية، واللوبي من أجل تطوير العلاقات مع المجتمعات المسيحية في العالم، واللوبي من أجل الشعب اليهودي، واللوبي من أجل أرض إسرائيل، واللوبي من أجل استيطان النقب.
إن نشاط روطمان هذا يقدم الملامح الأساسية لنشاطه السياسي كعضو بارز وناشط في معسكر اليمين الديني القومي، لكنْ هناك جانب آخر من نشاطه بات أبرز ملامحه السياسية والعامة، وهو محاولة تغيير بنية الجهاز القضائي في إسرائيل. فقد كُتب عنه في أكثر من صحيفة وموقع، منها "هآرتس" و"شكوفيم"، أنه اشتهر أساساً بنشاطه الساعي لتغيير جهاز القضاء. فهو من مؤسسي "الحركة من أجل الحوكمة والديمقراطية" التي تعرّف عن نفسها بأنها تنشط لغرض "حماية التوازنات بين مختلف مركبات الديمقراطية في دولة إسرائيل: حسم الأغلبية، وحقوق الفرد، والنزاهة في الحكم." وهناك أهداف معلنة لهذه الحركة التي يقف روطمان في مركزها، ومنها تعيين مستشارين قانونيين في الوزارات الحكومية من طرف الوزير نفسه، وتغيير طريقة تعيين القضاة بحيث يتم انتخابهم مباشرة من خلال إعطاء وزن كبير لمنتَخبي الجمهور، أي أعضاء الكنيست والوزراء، بمعنى سيطرة الحكومة على جهاز القضاء، وهو ما يقول معارضوه إنه يسعى لإضعاف سلطة القانون، وزيادة التسييس في السلطة القضائية وفي المنظومة الحاكمة برمّتها.
ربطت روطمان علاقات وثيقة مع غلاة العداء لاستقلالية جهاز القضاء، وفي مقدمهم وزير العدل السابق من حزب الليكود أمير أوحانا، عضو الكنيست ياريف ليفين، وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو. وتبرز مواقفه في كتاب نشره بعنوان "حزب محكمة العدل العليا"، والذي يلخّص فيه رؤيته الأساسية بجواب عن سؤال: "كيف احتل القضاة الحكم في إسرائيل؟" فهو يتحفظ من الفاعلية القضائية، أي إعطاء المحكمة العليا صلاحية تفسير وفحص قانونية قوانين يسنّها الكنيست، ويدّعي أنه إذا استمر هذا النهج القضائي فإن "الحكم موجود فعلياً في أيدي مجموعة حقوقيين لم ينتخبهم أحد."
ولم يقتصر نشاط روطمان على الحيّز البرلماني فقط، بل برز أيضاً في نشاطه الميداني، إذ شارك في تظاهرات ضد المحكمة العليا، كالتظاهرة الكبرى في سنة 1999، ويُعتبر إحدى الشخصيات المؤثرة والمسموعة والفاعلة في اليمين في كل ما يتعلق بمحاربة صلاحيات الجهاز القضائي وتقليصها.
ويكرر روطمان في تصريحاته المقولة السائدة في صفوف اليمين الإسرائيلي وهي أن الجهاز القضائي تحول إلى "قلعة لليسار النخبوي". وهذه الحملة تهدف عملياً إلى تغيير تركيبة القضاة من خلال الادعاء أنها لا تمثل "إرادة الشعب"، وإنما هي مجموعة من المواقف والمصالح لدى نخبة ضئيلة.
واشتدّت حدّة مواقف روطمان هذه، مع تقديم لوائح الاتهام ضد بنيامين نتنياهو بشبهة ارتكاب مخالفات جنائية، إذ تحولت كراهية الجهاز القضائي إلى حجر الأساس لمعسكر بأكمله، مثلما كتب موقع "شكوف". فبرز متحدثون وخطباء مثل روطمان الذي يتهم النيابة بحياكة ملف لنتنياهو لدوافع سياسية، ويرى أن عمل القضاة بروح الثورة الدستورية التي كان قد قادها القاضي السابق رئيس المحكمة أهارون براك، هو "سطو على الديمقراطية وإلغاء لإرادة الشعب."
إن السلوك السياسي لعضو الكنيست من الصهيونية الدينية روطمان ربما يلخّص مجموعة الخطوط العريضة التي تحدد اليمين الإسرائيلي اليوم، والتي تتضمن العمل الحثيث على تعزيز الاستيطان وتوسيعه، وخصوصاً في القدس، داخلها وفي محيطها، وإلغاء أي منظومة من شأنها وضع حدود لوقف الاستيطان، أو استخدام القضاء من أجل هذا الأمر، فتجتمع النزعة النشطة والحثيثة لفرض مشاريع وخطط اليمين التوسعية، مع كبح أي جهة أو هيئة قد تقف، ولو إجرائياً وليس جوهرياً، في وجه تنفيذها.
أفيغدور معوز (رئيس حزب "نوعام")
حزب "نوعام" هو حزب إسرائيلي يميني أصولي تأسس في سنة 2019، ويعرّف عن نفسه بأنه أقيم "من أجل تعزيز الهوية اليهودية ومحاربة الأفكار التقدمية"، ومؤسساه هما أفيغدور معوز والحاخام درور أرييه. وقد تلقت إقامة الحزب مباركة أحد أبرز حاخامي اليمين الاستيطاني، وهو الحاخام يسرائيل طاو. وجنّد الحزب بسرعة فائقة ميزانية بلغت مليون شيكل بواسطة أسلوب التجنيد الشعبي، لكنه تراجع عن خوض الانتخابات في ذلك الحين.
يرى مراقبون كثر أن التعريف الأدق لهذا الحزب هو أنه حزب يمين أصولي، رايته الأساسية تعزيز الهوية اليهودية والوقوف ضد توجهات وتيارات تقدمية. والشخصية الأبرز في هذا الحزب هو أفيغدور معوز، المولود في 6 تموز / يوليو 1956 في مدينة حيفا، والذي انتُخب عضواً في الكنيست الـ 25 ضمن قائمة "الصهيونية الدينية". غير أن معوز لم يصل إلى هذا المنصب السياسي بسبب نشاطه على هامش الحياة السياسية، خلافاً لآخرين، مثلا إيتمار بن غفير نفسه، وإنما سبق أن شغل مناصب إدارية عليا فتولى، مثلاً، منصب المدير العام لوزارة الداخلية، ثم المدير العام لوزارة البناء والإسكان، وكان ناشطاً في عدد من الحملات السياسية المركزية.
يُقدّم معوز نفسه بدءاً من خدمته العسكرية في وحدة قتالية، ثم مشاركته في إقامة كيبوتس مغدال عوز (بين الخليل وبيت لحم) وعمله سكرتيراً له، والانتقال بعد ذلك، في سنة 1980، إلى الدراسة في كلية دينية يهودية (يشيفاه) وهي " يشيفات مركاز هراف"، وكان أستاذه ومعلمه الرئيسي هو الحاخام تسفي يسرائيل طاو، التلميذ الأبرز بين تلامذة الحاخام تسفي يهودا كوك الذي يُعتبر حاخام اليمين والاستيطان.
كان معوز ناشطاً في الثمانينيات فيما سُمي الحملة من أجل إطلاق سراح "أسرى صهيون"، في إشارة إلى معتقلين من وكلاء الحركة الصهيونية في الاتحاد السوفياتي السابق، وعمل بشكل حثيث مع بعض الناشطين من أجل إطلاق سراح ناتان شيرانسكي من السجن السوفياتي. وبرز نشاطه المتشعب عندما لم يقتصر عمله على الحملات الإعلامية، بل التقى زعماء وقادة دول وأعضاء برلمانات في أرجاء العالم أيضاً. ويشار هنا إلى أن معوز التقى في هذه الفترة، من حيث تقاطع النشاط، مع بنيامين نتنياهو الذي كان في تلك الفترة سفيراً لإسرائيل في الأمم المتحدة. وأسفر العمل المشترك لمعوز ونتنياهو عن تجنيد رئيس الولايات المتحدة رونالد ريغان في الحملة لإطلاق سراح شيرانسكي، الأمر الذي تم في النهاية، وفقاً لما يقوله معوز، خلال فترة حكم الرئيس السوفياتي ميخائيل غوباتشوف.
إذاً، إن نشاط عضو الكنيست هذا جاء من قلب المؤسسة، ومن قلب نشاط الحركة الصهيونية على المستوى المحلي وكذلك الدولي. ففي أوائل التسعينيات برز معوز في مشروع استيطاني لا يزال متواصلاً حتى الآن، إذ كان من المبادرين إلى حملة ومشروع الاستيطان في حي سلوان في القدس الشرقية، وأدار حملة اقتناء وشراء الأراضي والبيوت والمتابعة القضائية وتجنيد الأموال وبلورة المجموعة البشرية التي ستبدأ الاستيطان في هذا الحي.
كان معوز ناشطاً أيضاً في حملة برزت في مطلع التسعينيات واسمها "الشعب مع الجولان"، وهي حملة نظمها وقادها المستوطنون في الجولان السوري المحتل على هامش تطورات وتصريحات وتسريبات عن نية حكومة يتسحاق رابين في ذلك الحين إجراء مفاوضات جدية مع دمشق قد تشمل إعادة الجولان إلى وطنه سورية.
استقال معوز من منصبه كمدير عام لوزارة البناء والإسكان في سنة 2004 حين وُضعت خطة الانفصال في إبان حكومة شارون. فخلال فترة توليه منصب المدير العام لتلك الوزارة برز نشاطه ومبادراته المتعددة إلى ما يسمى "تعزيز الاستيطان اليهودي في النقب والجليل ويهودا والسامرة"، ويقول عن نفسه أنه واصل هذا النشاط حتى بعد استقالته من المنصب الإداري. وفضلاً عن ذلك، فإنه كان، ولأعوام طويلة، ضالعاً في كل ما يخص الأراضي، بصفته عضواً دائماً ممثلاً للحكومة في مجلس مديرية أراضي إسرائيل، وعضواً في المجلس القطري للتخطيط والبناء، ورئيساً للهيئات الإدارية لشركات حكومية يتركز نشاطها في مجال الأراضي.
وبين النشاطات البارزة لمعوز، وهي التي ترافقت بكتابات ومقالات وحملات متواصلة، رَفْض ما يسمى التيارات التقدمية داخل الجيش الإسرائيلي، كما برز على نحو خاص رفضه لفتح وحدات قتالية أمام المجندات. وكان واضحاً في تصريحاته إذ قال مرة: "علينا أن نقتلع من الجذور ليس فقط الأفعال، بل المنظومة ما – بعد – الحداثية أيضاً، والتي تسللت وسيطرت على قطاعات واسعة داخل الجيش الإسرائيلي وخارجه." وقد وضع حزبه- "نوعام"- خطة بعنوان "حامي الشعب"، هدفها "تشخيص وإجراء مسح لاقتلاع جميع تأثيرات المنظمات الغربية والدول الأجنبية في داخل الجيش، ومن جميع السلطات. فبهذا الشكل فقط يمكن إعادة الجيش ليكون جيش الدفاع بكل معنى الكلمة، وهكذا فقط سنعود ونشكل شعباً حراً وآمناً في أرضه وبلده."