Israeli Elections: First, the State as Jewish; Killing Rationally Is No Longer Sufficient
Date: 
November 07 2022
Author: 

جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية برسائل مهمة جداً على الصعيدين: الداخلي، إذ تُعتبر انتصاراً كبيراً لـ "المعسكر المؤمن" والهوية اليهودية للدولة في الصراع مع "الليبراليين"؛ والخارجي، على صعيد الرسائل المهمة جداً للفلسطينيين، وبصورة خاصة في الضفة الغربية وأراضي الـ 48. فبعد خمس جولات انتخابية محتدمة، لم يستطع فيها أيّ من المعسكرات تشكيل حكومة مستقرة، يبدو أن المجتمع الإسرائيلي استطاع حسم الصراع المستمر منذ عامين على هوية الدولة وشكلها، وكذلك علاقتها بالفلسطينيين في أراضي الـ 48 ودورهم ومكانتهم فيها. وبحسب النتائج، فإن نتنياهو سيشكّل حكومة يمين-يمين ديني ضيقة، يُتوقع لها أن تكون مستقرة وطويلة الأمد، على الرغم من أنها ضيقة، لكونها متماسكة وقريبة من بعضها البعض، أيديولوجياً وسياسياً أيضاً. أما عن توجهات هذا المعسكر الفائز الذي يسمى "المعسكر المؤمن"، فيمكن القول إنه يميني إلى درجة يمكن فيها اعتبار نتنياهو الأكثر عقلانية، والأقرب إلى "الوسط".

انتخابياً، وقبل الخوض في الرسائل السياسية التي بثتها نتائج الانتخابات، تُعد النتائج انتصاراً مضاعفاً لـ "المعسكر المؤمن". فمن جهة، تمكّنه من تشكيل الحكومة منفرداً، دون حاجة إلى أيّ من مركّبات المعسكر المقابل، كما يشكل تحالُف "الصهيونية الدينية" القوة الثانية في الائتلاف، إذ لا يمكن التخلي عنها أو تجاهُلها؛ ومن جهة أُخرى، هزيمة ساحقة للمعسكر المقابل لنتنياهو، وبصورة خاصة الشق "اليساري" فيه، المتمثل في كلٍّ من "ميرتس" و"حزب العمل"، إذ لم تنجح "ميرتس" في عبور نسبة الحسم، ويتأرجح "حزب العمل" على حافتها بأربعة مقاعد فقط. وهو ما يعني، عملياً، أن الكنيست الإسرائيلي المقبل، سيكون فيه 4 أعضاء كنيست فقط يمكن اعتبارهم "يساراً"-بالمفهوم الصهيوني لليسار طبعاً. وهو ما يمكن أن يكون الإشارة الأولى إلى موت فكرة "اليسار الصهيوني"، بعد أعوام طويلة من التراجع والاحتضار. أما الأسباب الكامنة وراء هذا الانتصار، فإنها تنقسم إلى جزأين: الأول هو نسبة التصويت المرتفعة وتجنُّد اليمين للتصويت بعد حملة نتنياهو التي ركزت كثيراً على "حكومة الإخوان المسلمين"، كما نعتها، بسبب وجود القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس، على الرغم من اعتراف الأخير بـ"يهودية الدولة" وتهميشه البعد القومي للصراع؛ أما الجزء الثاني فهو عدم قدرة المعسكر المعارض لنتنياهو على رصّ صفوفه، إذ خاض الانتخابات بقوائم صغيرة، بدلاً من تحالفات، وهو ما أدى إلى سقوط "ميرتس" وضياع أصواتها، وكذلك تفكُّك "القائمة المشتركة" وعدم عبور التجمع لنسبة الحسم.

يهودية، و"أغيار"

دارت الانتخابات حول قضيتين مركزيتين: الأمن الداخلي-الشرطة وأجهزة القمع الداخلية؛ وملف القضاء والتغييرات التي ينوي اليمين القيام بها في بنية الجهاز القضائي للدولة. الأولى، كُلِّف بها إيتمار بن غفير، الذي وعد خلال الحملة الانتخابية بأنه سيطالب بملف "وزير الأمن الداخلي" في حال فوز المعسكر وحسم الانتخابات، وكانت ذروة هذه الحملة عندما شهَر مسدسه في حي الشيخ جرّاح في القدس. وهنا تحديداً، يجب العودة إلى ما قبل تشكيل الحكومة الأخيرة التي سُمّيت "حكومة التغيير" لاحقاً، وتحديداً إلى "هبّة أيار/مايو" التي اندلعت في القدس وأراضي الـ 48، وامتدت إلى عدوان على قطاع غزة. إذ تشير أغلبية التحليلات الإسرائيلية إلى أن هذا الملف كان الرهان الرابح لبِن غفير، وهو ما أشار إليه كُل المحلل العسكري في "هآرتس" عاموس هرئيل، والوزير السابق شاي بيرون، الذي قال إن "المجتمع الإسرائيلي في حالة ما بعد-الصدمة بسبب أحداث حارس الأسوار وما حدث في المدن المختلطة." وهذا يمكن أن يكون غاية في الدقة، لكن الغريب في هذا السياق هو لماذا لم يختَر المجتمع الإسرائيلي رئيسيْ هيئة أركان، وهما غادي أيزنكوت الذي أقرّ "عقيدة الضاحية"، ومن خلالها هدم الضاحية الجنوبية في لبنان خلال عدوان 2006، وبيني غانتس زعيم حزب "كاحول-لافان" الذي افتتح حملته الانتخابية الأولى بفيديو هدم قطاع غزة؟ وخصوصاً أن المنافسة كانت محتدمة ما بين "الصهيونية الدينية" و"المعسكر النظامي" على المكان الثالث في الانتخابات، وانتهت بانتصار بن غفير، الذي لم يؤدّ الخدمة العسكرية كلياً، على جنرالين من رموز المؤسسة العسكرية، بفارق 4 مقاعد تقريباً.

الحكومات الإسرائيلية جميعها تريد إعدام الطموح القومي الفلسطيني، والفلسطيني نفسه إذا طالب به. وطبعاً، لا يمكن القول إن رئيسيْ هيئة الأركان الإسرائيلية السابقيْن أفضل من بن غفير بتاتاً، فكلاهما أجرما بحق الفلسطيني والعربي. لكن من الخطورة عدم الأخذ بعين الاعتبار الفروق ما بينهما، وبصورة خاصة مع خيار المجتمع الإسرائيلي الذي يحمل رسائل مهمة جداً في سياق الأمن الداخلي، ويمكن اختصارها في مقولتين أساسيتين: أولاً، إن الصراع القادم سيكون في الشوارع، في حي الشيخ جرّاح واللد والرملة وعكا والخليل، من دون "عقلانية" المؤسسة الأمنية التي لطالما كانت تعمل في إطار "مؤسساتي"، وتحت سلطة وبنية الدولة بكل ما تحمله من "محاكم صورية وشكلية" وأوامر عليا وتوزيع سلطات- المجتمع يريد العنجهية في حرب الشوارع- الإعدام من دون "محكمة صورية" حتى. وهو ما وعد به بن غفير، حين أعلن أن أحد الأمور التي سيعمل عليها ستكون "وقف تكبيل أيدي الجنود ورجال الشرطة"، بالإضافة إلى تغيير قواعد إطلاق النار-أي أن الإجرام الحالي لم يعد كافياً للمجتمع الإسرائيلي؛ وثانياً، أن الحرب المقبلة ستكون دينية أكثر مما هي قومية أو "مؤسساتية" تخوضها الدولة ضد الفلسطيني-فالفرق بينهما واضح في هذا المجال، بين معسكر يطلق على نفسه اسم "النظامي"، وبين مَن يريد بناء الهيكل. وباختصار: القتل بعقلانية لم يعد كافياً في إسرائيل بعد هذه الانتخابات؛ وجهود التبرير و"المحاكم الصورية" لم تعد مطلوبة؛ الشرعية توراتية، والصراع سيكون على جانبيْ الأخضر بالشكل نفسه من دون "خصوصية"، ومن دون "مواطنة".

الرسالة الداخلية والخارجية: هل حُسم الصراع على هوية الدولة؟

قد تكون نتائج هذه الانتخابات أهم بالنسبة إلى الإسرائيلي "الليبرالي" منها إلى الفلسطيني والعربي عموماً، وهي فعلاً موجهة إليه، لدرجة أن أكثر الكلمات التي بُحث عنها في محرّك غوغل بعد الانتخابات كانت "جواز سفر أجني". هذا لا يعني قط أنها غير مهمة بالنسبة إلى الفلسطيني، لكن التغيير الذي سيطرأ على الصراع مع الفلسطيني سيُشتق من التغييرات البنيوية التي ينوي "المعسكر المؤمن" القيام بها في هوية وبنية الدولة، وبصورة خاصة في مجال علاقة "الدين-الدولة"، وفي المجال القضائي. فالأول-العلاقة بين الدين والدولة، هو أساس تكتُّل المعسكر الفائز أصلاً، واستناداً إليه، كانت الساحة السياسية الإسرائيلية تنقسم طوال فترة الأزمة، وإعادة الانتخابات، المرة تلو الأُخرى، من دون حسم.

لذلك مثلاً، كانت أكثر الكلمات التي رددها الفائزون في الانتخابات خلال المقابلات في المقرات الانتخابية هي "هوية يهودية"، وهو ما يؤكده أيضاً تجنُّد الحريديم للتصويت وارتفاع تمثيل أحزابهم بشكل مهول، فللمرة الأولى منذ 20 عاماً، يحصل حزب "شاس"، بزعامة أرييه درعي، على 12 مقعداً، بحسب النتائج الأولية، وهو بمثابة انتقام من ليبرمان والحكومة الحالية التي حاولت تقليص الميزانيات الموجهة إلى هذا الجمهور، بهدف دفعه إلى العمل والخدمة العسكرية. وفي المقابل، يشكل وصول "الصهيونية الدينية" إلى هذا العدد من المقاعد تهديداً حقيقياً لـ"حركة المثليين"، إذ من المتوقع أن تكون القرارات الأولى: إلغاء "منع الجلسات العلاجية"، والمواصلات العامة خلال أيام السبت، وإدخال الخميرة إلى المرافق العامة خلال عيد الفصح، بالإضافة إلى الميزانيات للمدارس الدينية، وإلى العلاقة مع الغرب-وهي عقدة النخب الإسرائيلية القديمة تاريخياً.

في الوقت الذي يتماسك "المعسكر المؤمن" وبات له اسم أيضاً، لا يزال المعسكر المقابل غير متماسك ولا يعرف نفسه بالضبط وماهيته. فهو من جهة، لا يمكن اعتباره "يساراً" لأنه لا يمكن اعتبار نفتالي بينت أو أفيغدور ليبرمان وساعر "يساراً"، وهم لاعبون مركزيون فيه؛ ومن جهة أُخرى، لا يمكن اعتباره معسكراً "ديمقراطياً" لأنه لا يمكن أن تكون إسرائيل ديمقراطية حتى النهاية، لتعارُض هذا مع يهوديتها. ولكن الصراع، كما يتم التعبير عنه في المواقف من قضايا "الدين-والدولة"، هو نقاش بشأن معادلة "يهودية-ديمقراطية" بحد ذاتها-الإبقاء عليها كما هي، وعلى التوازن ما بين القطبين المتناقضين-وهو ما يحاول اليمين الديني تغييره بادّعاء أن المجتمع تغيّر، وأن "العلمانية" لم تعد قادرة على قيادة الدولة بعد الانزياح إلى اليمين الديني، وهو مسار بدأ بعد احتلال المناطق المحتلة سنة 1967، ولا يزال يتعمق، من دون أن يُحسَم داخلياً. ومن هنا فقط، يمكن فهم الإجماع داخل "المعسكر المؤمن" على التغييرات القضائية المتوقعة، والذي عبّر عنه عضو الكنيست عن "الصهيونية الدينية" بالقول إنه سيكون "سيمفونية" بين مركّبات الائتلاف.

أما الهدف منه، فهو منح الكنيست المنتخب الأفضلية، أو المساواة على الأقل، أمام المحكمة العليا التي يمكنها في الوضع الحالي إلغاء قوانين يسنّها الكنيست في حال تعارضت هذه القوانين مع "قوانين الأساس" أو "القانون الدولي"-بشرط ألّا يتعارض القانون الدولي مع قانون الاحتلال طبعاً، وما يسمى "الأمن". عملياً، تلعب المحكمة العليا في إسرائيل دور الدستور، بسبب عدم وجود الدستور، وتشكل في الوقت ذاته أداة تشريع الاحتلال أمام المحاكم الدولية، فتفسّر وتمنع حالات انجراف يمكنها أن تشكل خطورة على الدولة في المحافل الدولية، وتمنحها الشرعية القضائية لممارساتها الاستعمارية، هذا من جهة. ومن جهة أُخرى، تلعب المحكمة العليا دوراً مركزياً في الدفاع عمّا يسمى الـ "حيز العام" الليبرالي، في ظل أغلبية ساحقة لليمين الديني في الهيئة التشريعية. فيدّعي هذا اليمين أن المحكمة العليا تكبل قدرته على الحكم مع كل سؤال يُطرح عن وجوده طوال هذه الأعوام والتغييرات التي أجراها. هذا بالإضافة إلى تغييرات مقترحة تفيد بتغيير التوازنات داخل هيئة اختيار القضاة للمحكمة العليا، حيث يريد اليمين الديني أن تكون الأغلبية للكنيست المُنتخب، وهو ما سيجعل المحكمة العليا في إسرائيل مرآة للتمثيل البرلماني-أكثر يمينيةً وأكثر دينيةً-سياسياً وثقافياً ونظامياً أيضاً.

وعملياً، مع هذه الانتخابات، تلتقي الظروف الملائمة بشكل مثير لإجراء التغييرات: لدى نتنياهو المصلحة في تغييرات قضائية، بهدف إلغاء المحاكمة؛ لدى الصهيونية الدينية المصلحة بهدف الانتقال إلى واقع جديد في الضفة يتخطى "الحكم العسكري"، ويحكم باسم الشريعة التوراتية، وهو ما صرّح به سموتريتش وشبيبة التلال؛ ولدى الأحزاب الحريدية المصلحة بهدف منع "الليبرالية الاجتماعية". عملياً، هناك إجماع بأن ينعكس الواقع الديني السياسي على النظام القضائي.

فلسطين: الصراع الديني، والمواطنة المنقوصة

لهذه النتائج إسقاطات مهمة على تجمُّعين فلسطينيين ستتغير ظروفهما إذا استكملت إسرائيل مسارها: أولاً أراضي الـ 48، حيث تستند الحالة السياسية والقانونية برمتها إلى "الهامش الديمقراطي"- أو ما يسمى أيضاً "المواطنة المنقوصة"، والطموح هو تحويلها إلى مواطنة كاملة، فتنشط الأحزاب والمؤسسات الحقوقية في فلك الشق "الديمقراطي"، وتحاول تغليبه على "اليهودي" كهامش العمل الوحيد عبر القضاء واستغلال التناقض الداخلي وفضح "ديمقراطية" إسرائيل دولياً؛ وثانياً، الضفة الغربية، وتحديداً السلطة، حيث عملت وتعمل على منع التحول النهائي عن "حل الدولتين" والإبقاء على الخطاب والوضع القائم. فلهذه النتائج إسقاطات مهمة على الصعيدين: تحويل الدولة إلى دينية أكثر مما هي دينية، سيقلص "هامش المواطنة"، وفي حال توغّل الخطاب، من الممكن أن يلغيه نهائياً، وبصورة خاصة مع التحريض المستمر على الفلسطينيين حملة جواز السفر الإسرائيلي في أعقاب "هبّة أيار/مايو"، على اعتبار أنهم "خطراً استراتيجياً". ومن هذا الباب، يمكن فهم التحالف ما بين بعض الأحزاب العربية والمعسكر المعارض لنتنياهو، وخصوصاً "القائمة المشتركة"-بأنه الرغبة، على الأقل، في الحفاظ على القائم أو البنية القائمة، ومنع التغيير الذي يريده اليمين-نحو الحسم. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا المعسكر "المعارض لنتنياهو"، لا يملك أي فرصة لتأليف حكومة إلا بمساعدة أحزاب عربية، أو انتقال أحد أحزاب اليمين إليه، مثلما حدث مؤخراً مع نفتالي بينت.

أما بخصوص السلطة الفلسطينية، فستكون أمام اتجاهين: الأول، هو عودة نهج نتنياهو، الذي أراد تهميشها إلى أقصى حد ممكن، والإبقاء عليها كهيئة خدماتية دون أي بُعد قومي أو أي مفاوضات سياسية تمنحها مبرّر وجود سياسي؛ والثاني، هو الهجوم المتوقع عليها بسبب الطرح الواضح والصريح من معسكر نتنياهو كما يعبّر عنه كلٌّ من بن غفير وسموتريتش، اللذين يرفضان وجودها لمجرد كونها "جسماً" فلسطينياً بحد ذاته، فبالنسبة إليهما، على الفلسطينيين أن يكونوا تجمعات من دون قومية أصلاً، حتى لو كانت على مستوى شعارات، يحكمهم الحاكم العسكري من جهة، إلى جانب هيئات خدماتية محلية لا تربط بينهم قطرياً، أو حتى على صعيد الضفة وغزة فقط. هذا طبعاً، بالإضافة إلى الضم الذي يمكن الآن التعامل معه على أنه مفهوم ضمناً، وخصوصاً أن أقوى شخصين في الكنيست بعد نتنياهو سيكونان: بن غفير الذي يستوطن في "كريات أربع" داخل الخليل، وسموتريتش الذي يستوطن في "بيت إيل"-المستوطنة التي تحاصر رام الله. لذلك، فمن المتوقع أن تتوقف حتى اللقاءات مع وزير الأمن التي كان عليها الكثير من الملاحظات بسبب البعد الأمني وغياب البعد السياسي. أما الأهم فلسطينيًا دون علاقة بالتجمّعات، فهو الدفع المتوقّع من قبل الائتلاف الحالي بالصراع إلى مكانة صراع ديني كامل ومتكامل، يشكل "بناء الهيكل" و"الدفاع عن المسجد الأقصى" قطبيه الرئيسيَّيْن والأساسييْن في المرحلة المقبلة.

Read more