Tawfiq Sayegh: The Darkness of the Soul, the Radiance of the Word
Full text: 

هل كان توفيق صايغ شاعراً فلسطينياً؟

لا أعرف الجواب، فالرجل الذي مات في التاسعة والأربعين في منفاه الاختياري الأميركي كان شاعراً وكان فلسطينياً. لم يجعل من انتمائه الفلسطيني صفة لشعره، وترك لنفسه أن تبحر في الأسئلة الوجودية التي لا جواب لها.

مات توفيق صايغ بحسرة مجلة "حوار" التي تحولت من إنجازه الثقافي الأهم إلى مصيدته. صدّق الرجل منظمة حرية الثقافة التي موّلت مجموعة من المجلات الأدبية في العالم، ليكتشف أن الأدب، بالنسبة إلى وكالة الاستخبارات الأميركية، لم يكن أكثر من خديعة، وأن الثقافة كانت إحدى ضحايا الحرب الباردة.

ابن قسيس بروتستانتي سوري، عاش في طبرية وطُرد منها مع عائلته في حرب نكبة 1948، وشقيق كوكبة من المفكرين الذين ساهموا في تشكيل الوعي السياسي والفكري الفلسطيني، اختار أن يموت على صليب ألمه. عشقه كان ألماً، وشعره كان صدى لأوجاع الروح، ومجلته تحولت إلى ضريح عبثت به الخديعة.

واليوم لا نكاد نعثر على توفيق صايغ، نبحث عنه في ذاكرة الأدب العربي المعاصر فلا نجده. شعره شظايا كلمات، وبحثه عن جبران بقي، على الرغم من أهميته، على هامش الدراسات الجبرانية، ومجلته التي نشرت بداية الرواية المابعد محفوظية من خلال روايتَي الطيب الصالح "موسم الهجرة إلى الشمال" و"عرس الزين"، تلاشت، وترجماته دخلت في النسيان.

الشاعر والناقد والمترجم، الذي وضع بصمته على الأفق البيروتي، يوم كانت المدينة أفقاً ثقافياً عربياً، تمت إزاحته إلى الهامش الذي أتى منه.

فالشاعر كان يسعى للألم والموت كصديقه الكركدن. أحب كي يموت، وكتب متضرعاً لإله الموت، وانتهى في البعيد الأميركي مفتتحاً منفى الموتى.

كان توفيق صايغ شاعراً محيراً، لم يكن جزءاً من تيار مجلة "شعر"، لكنه أخذ قصيدة النثر إلى أقصى نثريّتها، حيث على القارىء أن يبحث عن ضوء الشعر وسط عتمة الروح. كان معزولاً ومنعزلاً، وعندما روى أحمد دحبور عن إعجابه بصاحب "معلقة توفيق صايغ"، أُصبت بالذهول! ما علاقة الهامش الوجودي المعتم الذي عاش فيه توفيق صايغ بالمخيم الفلسطيني الذي أضاءه وهج بدايات الثورة الفلسطينية؟

ما لم أفهمه يومها هو أن "اليرموك" وسائر المخيمات سيحولهما الاستبداد العربي إلى هوامش للموت، وأن هامش توفيق صايغ الفردي كان يعبّر في داخله عن هامش جماعي تعيشه الفلسطينيات والفلسطينيون وسط مشرق عربي تحول إلى هامش لا متن له.

عندما قرأت هذه المخطوطة التي أتى بها صقر أبو فخر، وكتبها توفيق صايغ عندما كان طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت، اكتشفت جمال البدايات. وأبحرت في شعر الحب عند شاعرين كبيرين: الأموي عمر بن أبي ربيعة واللاتيني كاتُلّوس.

نحن أمام دراسة في الأدب المقارن تكمن أهميتها الأولى في أنها تضيء بدايات شاعر "الكركدن"، وتضع بين أيدي الباحثين والمهتمين وثيقة نادرة.

ننشر هذه المخطوطة كوثيقة أدبية، من دون أن ندّعي أننا قادرون على إخراج توفيق صايغ من هامشه، وهي تسمح لنا بأن نكتشف أن كنوز الأدب الفلسطيني المخبّأة تستحق أن يُلقى عليها الضوء، لأنها تعبّر عن الغنى الإنساني في هذه التجربة، ولا تأسرها في إطار مقفل.

 

توفيق صايغ يقرأ أحد أعداد مجلة "حوار"