ذكرت صحيفة "هآرتس"، في 21 تموز/يوليو الجاري، أن حركة "نحالا" الاستيطانية تعتزم إطلاق "حملة ميدانية من أجل إقامة 28 بؤرة استيطانية في أراضي الضفة الغربية حتى نهاية العام الحالي"، وذلك في إطار مشروعها الرامي إلى السيطرة "على ما تبقى من تلال في مناطق ج في الضفة". ومن جهته، أفاد المحلل السياسي أفرايم غانور، في مقال بعنوان: "القانون والنظام في الضفة الغربية لا يطبَّقان على مستوطني شبان التلال"، نُشر في صحيفة "معاريف" في 20 من الشهر نفسه، بأن حركة "نحالا" شرعت بالفعل في إقامة ثلاث بؤر استيطانية، وبأن رئيسها الناشط اليميني دانييل فايس عندما سئل "ألا يزعجه أن العملية غير شرعية؟"، ردّ فوراً بالقول: "شرعية أم غير شرعية، هذا الأمر لا يهمني؛ ما هو غير شرعي هو التخلي عن الأرض التي تعود إلى الشعب اليهودي". وبعد أن لاحظ غانور أن هذا الواقع الكئيب "يضيف طبقة إضافية إلى حقيقة تدهور الدولة نحو الفوضى، إذ منذ وقت طويل، لا يوجد قانون ولا نظام في مناطق الضفة الغربية بشأن كل ما له علاقة بشبان التلال والذين يقدمون لهم الرعاية"، تساءل: "إلى متى؟ إلى متى سيستمر غضّ النظر وإغلاق الآذان إزاء هذا النشاط غير الشرعي؟"، ونقل عن دانا ميليس القائمة بأعمال المدير العام لحركة "السلام الآن" قولها: "الفكرة هي الانتقال من الكلام إلى الأفعال، وعدم انتظار قيام الجيش بتفكيك هذه البؤر غير الشرعية، كما لم يفكك [البؤرتين الاستيطانيتين] أفياتار ولا حوميش؛ نحن نعلم جيداً بأن هذه البؤر هي وكر لعنف المستوطنين"[1].
وقد استعدت حركة "ناحالا" لهذه العملية منذ مدة ثلاثة أشهر على الأقل، وجمعت حملة التمويل الجماعي التي نظمتها أكثر من 5 ملايين شيكل من أكثر من 8000 مانح، وذلك بعد أن تلقت دعماً من شخصيات عامة، بما في ذلك عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية، والحاخام الأكبر في القدس أرييه شتيرن، والحاخام الأكبر لصفد شموئيل إلياهو، وعدد من رؤساء بلديات المستوطنين في الضفة الغربية. وقد أعدت الحركة لأعضائها شواحن الهواتف المحمولة، ومصابيح تعمل بالطاقة الشمسية، ومظلات، وأغطية أرضية، وعلب مياه سعة 20 ليتراً، ومراحيض محمولة، ومواد للتنظيف الشخصي[2].
وقد عبّر الاتحاد الأوروبي، في تغريدة على تويتر نشرها في 19 تموز/يوليو الجاري، عن قلقه إزاء الخطط الإسرائيلية لإنشاء بؤر استيطانية جديدة، وقال: "البؤر الاستيطانية غالباً ما تعمل على إنشاء أو زيادة توسيع المستوطنات الإسرائيلية وهي مصدر مباشر محتمل لزيادة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين"، وأضاف: "أن المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير قانونية بموجب القانون الدولي وتشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق حل الدولتين"[3].
حركة "نحالا" ومشروع الوصول إلى مليوني مستوطن
في 5 شباط/فبراير 2019، وقع عشرات الوزراء وأعضاء الكنيست من الليكود وأحزاب يمينية أخرى على بيان وتعهد بمبادرة من حركة "نحالا" للترويج لخطة تعود إلى عهد رئيس الوزراء السابق يتسحاق شامير، وترمي إلى "توطين مليوني يهودي في يهودا والسامرة" [الضفة الغربية المحتلة].
وكان من ضمن المسؤولين الرئيسيين الذين وقعوا على هذا البيان والتعهد رئيس الكنيست يولي إدلشتين، والوزراء يسرائيل كاتس، وياريف ليفين، وزئيف إلكين، وجلعاد إردان، وأييليت شاكيد، ونفتالي بينيت، وميري ريغيف، وتساحي هنغبي، وأيوب قارا، ويوآف جالانت، وجيلا جمليئيل وأوفير أنوكيس. كما وقعّه أيضاً أعضاء كنيست ومرشحون من الليكود واليمين الجديد والبيت اليهودي.
وقد جاء في هذا البيان والتعهد: "أتعهد بأن أكون مخلصاً لأرض إسرائيل وألا أتخلى عن شبر واحد من تراث أجدادنا. أتعهد بالعمل من أجل خطة استيطانية لتوطين مليوني يهودي في يهودا والسامرة، وفقاً لخطة رئيس الوزراء يتسحاق شامير، وتشجيع وقيادة تحرير الأراضي في جميع مناطق يهودا والسامرة. وأتعهد بالعمل على إلغاء إعلان الدولتين لشعبين واستبداله بإعلان رسمي: أرض إسرائيل - دولة واحدة لشعب واحد!".
وتعليقاً على ذلك قالت حركة "نحالا": "إن توقيع العريضة أمام منزل رئيس الوزراء في منتصف الانتخابات التمهيدية لليكود وأثناء تشكيل القوائم في كتلة يمين الوسط وحتى قبل الحملة الانتخابية المقبلة يشكل اختباراً من الولاء العقائدي والأخلاقي لمختلف المرشحين"[4].
وتستغل حركة "نحالا" أي حادثة من أجل الشروع في إقامة بؤر استيطانية. ففي 17 كانون الأول/ديسمبر 2021، استغلت حادثة مقتل أحد نشطائها، وهو يهودا ديمينتمان، كي تقيم بؤرة استيطانية جديدة تدعى "نوفي يهودا" بالقرب من مستوطنة كريات أربع في منطقة الخليل، وتذرع نشطاؤها بذريعة إقامة مدرسة دينية، كي يعودوا إلى الأرض التي كانت تقوم عليها مستوطنة "حومش" فوق أراضي قرية برقة، قبل أن يتخذ قرار بتفكيكها في سنة 2005 في إطار"خطة الانفصال" التي أعدها رئيس الوزراء السابق أريئيل شارون. كما كانت قد استغلت مقتل المستوطن يهودا غويتا، في عملية عسكرية فلسطينية، كي تقيم في أيار/مايو 2021 بؤرة "إيفياتار" الاستيطانية في جنوبي نابلس بعد أن استولت على قطعة أرض وبنت، في غضون أسابيع قليلة، عشرات المباني. وبحسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الحكومة الإسرائيلية وحركة "نحالا" غادر المستوطنون الموقع الذي تحوّل إلى نقطة عسكرية، وذلك حتى يصدر حكم قضائي يحدد ملكية الأراضي التي أقيمت عليها البؤرة، على أن يُحافظ على المباني التي تم تشييدها، وهي حيلة للسماح للمستوطنين بالعودة إلى البؤرة الاستيطانية بأسرع ما يمكن[5].
البؤر الاستيطانية: خلفية تاريخية
البؤرة الاستيطانية هي مستوطنة أقيمت في الأراضي الفلسطينية المحتلة من دون إذن من الحكومة الإسرائيلية، أي إنها تختلف، بموجب القانون الإسرائيلي، عن المستوطنة التي رخصتها أو سمحت بها الحكومة الإسرائيلية؛ وهو اختلاف لا علاقة له بالقانون الدولي، الذي يعتبر الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء أكان مرخصاً أم لا، غير قانوني. وتميّز الحكومة الإسرائيلية، عادة، بين البؤر الاستيطانية المقامة على "أراضي الدولة" وتلك المبنية على أراض فلسطينية خاصة، معطية الانطباع بأنها "تتشدد" مع المستوطنين الذين يقيمون بؤرهم الاستيطانية على أراض فلسطينية خاصة، ومتجاهلة حقيقة أن ما يُطلق عليه اسم "أراضي الدولة" يندرج ضمن الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في سنة 1967. وفضلاً عن البؤر الاستيطانية المأهولة، يلجأ المستوطنون، في بعض الأحيان، إلى إقامة بؤر استيطانية وهمية غير مأهولة، وذلك "لصرف انتباه الجيش لمنع إخلاء البؤر الاستيطانية المحتلة"، أو "لتحسين المواقف التفاوضية من خلال توفير بؤر استيطانية إضافية لتفكيكها وإظهار للعالم أن الدولة تدمر البؤر الاستيطانية". كما يلجأ الجيش الإسرائيلي، أحياناً، إلى إقامة بؤر عسكرية للأغراض الاستراتيجية، يمكن أن تتحوّل، مع الوقت، إلى مستوطنات مدنية.
وقد شاع إقامة البؤر الاستيطانية بعد اتفاقيات أوسلو في سنة 1993، عندما التزمت الحكومة الإسرائيلية "نظرياً" بتجميد بناء المستوطنات الجديدة. وفي تموز/يوليو 2002، أقرت الحكومة الإسرائيلية بأنه تم إنشاء 69 بؤرة استيطانية منذ سنة 1996. وفي سنة 2003، كان هناك 103 بؤر استيطانية، وتمّ، في سنة 2012، إضفاء الشرعية بأثر رجعي على 10 بؤر استيطانية غير مصرح بها بصفتها أحياء لمستوطنات مجاورة من قبل حكومة بنيامين نتنياهو. وعلى الرغم من أن البؤر الاستيطانية غير مدعومة رسمياً من قبل الحكومة، فإن السلطات الإسرائيلية العامة والهيئات الحكومية الأخرى، مثل وزارة الإسكان والتعمير، وشعبة الإسكان في المنظمة الصهيونية العالمية، تضطلع بدور مهم في دعمها.
ويبلغ عدد سكان البؤرة الاستيطانية حوالي 400 شخص، وتتكوّن عادة من كرفانات، ولكن أيضاً من منشآت أكثر تقدماً مثل المساكن الدائمة، وكذلك الطرق المعبدة ومحطات الحافلات والمعابد اليهودية والملاعب. ويتكوّن سكان البؤر الاستيطانية إلى حد كبير من متطرفين لا يحترمون سوى حاخاماتهم وعدد قليل من السياسيين المتدينين والقوميين المتطرفين، وينشأ الكثير من أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين من هذه البؤر الاستيطانية، ويستفيد هؤلاء المستوطنون من تواطؤ قوات الأمن الإسرائيلية معهم[6].
الحكومة الإسرائيلية تتواطأ مع المستوطنين المتطرفين في البؤر الاستيطانية
تحت هذا العنوان، كتب يوسي ميكيلبرغ، أستاذ العلاقات الدولية والزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "تشاتام هاوس" في لندن، مقالاً في 28 نيسان/أبريل 2022، بدأه بالإشارة إلى أنه "حان الوقت لوضع حد نهائي للخديعة الإسرائيلية المتمثلة في التمييز بين المستوطنات الرسمية وما يسمى بالبؤر الاستيطانية "غير القانونية" في الضفة الغربية المحتلة"، والتي تحاول من خلالها إسرائيل "دون نجاح يذكر، خداع المجتمع الدولي من خلال هذا التمييز الزائف، بينما لا تفعل الدولة شيئاً لتفكيك هذه الأشكال غير القانونية من الاستيطان، بل على العكس من ذلك، تمنحهم إسرائيل الشرعية وتدرجهم بشكل تدريجي". وأضاف أنه يوجد حالياً في الضفة الغربية المحتلة "141 بؤرة استيطانية"، وأن هذه البؤر تؤوي، بحسب منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية غير الحكومية "أكثر من أربعة آلاف مستوطن فيما يقرب من ألفي منزل متنقل ومباني دائمة"، وأن "حوالي 80 منها تقع، كلياً أو جزئياً، على أرض يملكها فلسطينيون".
ويلحظ الأستاذ نفسه أنه في سياق العلاقة الغريبة التي نشأت بين مستوطني البؤر الاستيطانية والدولة، "لم يقتصر الأمر على تقديم الخدمات والمرافق لهم، بل تغيرت أيضاً اللغة المستخدمة لوصفهم؛ فبدلاً من استخدام مصطلح "البؤر الاستيطانية"، يشير المسؤولون، بمن فيهم الوزراء، الآن إلى البؤر الاستيطانية على أنها "مستعمرات فتية" فيما يبدو أنها محاولة أخرى للتغطية على حقيقة أنها فرضت وجودها بشكل غير قانوني على الدولة لغرض وحيد هو الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وتأجيج التوترات مع الفلسطينيين المحليين"[7].
وفي سياق الدعم الذي تقدمه الحكومة الإسرائيلية لهذه البؤر الاستيطانية، صادقت وزارة العدل، في 12 نيسان/أبريل الفائت، على توصيل الكهرباء إلى 30 بؤرة استيطانية، كما قامت هذه الحكومة، في 19 تموز/يوليو الجاري، "بإضفاء الشرعية على البؤرة الاستيطانية في "متسبيه داني"، والتي تم بناؤها شرق رام الله، ووافقت على خطة لإضافة 114 وحدة سكنية جديدة إليها، على مساحة 150 دونم (15 هكتاراً)، وهو ما سيترتب عليه مصادرة مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية في قرية دير دبوان"[8].
[1] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/21-7-2022.pdf;
https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/20-7-2022.pdf
[2] https://fr.timesofisrael.com/creation-davant-postes-illegaux-en-cisjordanie-la-police-et-tsahal-mobilises/
[3] https://www.france-palestine.org/L-Union-europeenne-preoccupee-par-les-plans-israeliens-visant-a-etablir-de
[4] https://israelvalley.com/2019/02/06/lobjectif-de-nahala-israel-installer-deux-millions-de-juifs-judee-samarie/
[5] https://www.arabnews.fr/node/119346/yossi-mekelberg
[6] https://fr.wikipedia.org/wiki/Avant-poste_isra%C3%A9lien
[7] https://www.arabnews.fr/node/234056/yossi-mekelberg
[8] https://ismfrance.org/index.php/2022/07/22/israel-legalise-lavant-poste-colonial-et-lagrandit-de-114-nouvelles-unites-de-logement/