ارتفعت درجة التوتر بين لبنان وإسرائيل بشأن النزاع على ترسيم الحدود البحرية بصورة ملحوظة في نهاية الأسبوع بعد إعلان حزب الله مسؤوليته عن إطلاق ثلاث مسيرات في اتجاه حقل كاريش، وتعليقه من بعدها: "المهمة أُنجزت والرسالة وصلت".
كيف قرأت إسرائيل هذه الرسالة؟ وإلى أي حد يمكن أن يشكل ما حدث مقدمة لمواجهة محتملة جديدة بين حزب الله وإسرائيل قد تكون ساحتها النزاع على حقوق استخراج الغاز في البحر، لكنها يمكن أن تنزلق إلى مواجهة عسكرية أوسع أو أكثر خطراً؟
في رأي الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي، أورنا مزراحي ويورام شفايتسر ودافيد سيمان طوف، أن الهدف الأساسي للحزب هو على صعيد الوعي ونقل رسالة إلى إسرائيل واللبنانيين على حد سواء. والرسالة إلى إسرائيل هي رسالة "ردعية في ضوء تقدم المفاوضات بين إسرائيل ولبنان بوساطة أميركية، وهدفها إعطاء محتوى فعلي للتهديدات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قبل قرابة الشهر، وقال فيها إنه قادر على منع استخراج الغاز من حقل كاريش." لكن في رأيهم الرسالة التي لا تقل أهمية هي تلك الموجهة إلى اللبنانيين وفحواها: "أن يثبت الحزب للبنانيين أهمية دوره كحامي للبنان، وخصوصاً الآن مع تصاعد الأصوات المعارضة لاستمرار احتفاظه بسلاحه، وتحسين فرص مشاركته في الحكومة اللبنانية الجديدة التي يجري العمل على تشكليها الآن." ويتابع الباحثون: "يعكس اعتراض الجيش الإسرائيلي لمسيرات الحزب إصرار إسرائيل وقدرتها على الدفاع عن منصات الغاز، والدفع قدماً بخطة البدء باستخراج الغاز من كاريش في الربع الأخير من سنة 2022، في ضوء حقيقة أن هذا الحقل يقع ضمن حدود المياه الاقتصادية لإسرائيل. وما يؤكد هذا الموقف الإسرائيلي تراجع اللبنانيين في محادثتهم مع الوسيط الأميركي (13-14 حزيران/يونيو) عن مطالبتهم بمساحة أكبر من المياه تحتوي على جزء من حقل كاريش. لذا فالحزب الآن في موقف إشكالي ويعمل ضد المصالح اللبنانية ويعرقل الجهود الرامية إلى تحقيق ربح اقتصادي للبنان المنهار."[1]
لكن المراسل العسكري في "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي أشار إلى هدف آخر، بالإضافة إلى عرقلة المحادثات اللبنانية الإسرائيلية في موضوع الغاز، وهو "إحراج الحكومة الإسرائيلية من خلال إبراز انكشاف حقولها البحرية للغاز، وتوتير الأجواء قبيل زيارة الرئيس جو بايدن إلى المنطقة، وتقديم خدمة إلى رعاته الإيرانيين وإلى نفسه." [2]
وفي صحيفة "هآرتس" اعتبر المعلق الإسرائيلي تسفي برئيل أن رسالة حزب الله موجهة إلى أكثر من عنوان، فهي بالدرجة الأولى موجهة إلى إسرائيل ليقول لها إنه "لا يخشى مواجهة عنيفة وهو مستعد للمبادرة إليها إذا اعتقد أن إسرائيل انتهكت السيادة اللبنانية وتنقب عن الغاز في حقل يملكه لبنان."[3]
كما تساءل الكاتب: هل من الممكن أن يكون الهجوم بالمسيرات هو رد انتقامي من الحزب على العمليات والاغتيالات التي قامت بها إسرائيل داخل الأراضي الإيرانية والسورية؟ لكن وعلى الرغم من اعتقاده بوجود تنسيق مسبق بين حزب الله وإيران، فإنه استبعد أن يكون ما جرى هو رد انتقامي لأن المسيرات لم تكن مفخخة أومزودة بالمتفجرات.
بناء على ذلك يستنتج الكاتب أن الهدف يتمحور فعلاً حول موضوع النزاع على ترسيم الحدود البحرية، ولا سيما أن لبنان ما زال ينتظر الرد الإسرائيلي على اقتراحه الذي قدمه إلى الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين وفيه تنازل عن المطالبة بالخط 29 وعودة إلى الخط 23، لكن بشرط أساسي هو أن يدخل حقل قانا الواقع بين الخطين داخل المياه الاقتصادية اللبنانية. وبحسب الكاتب فإن هذا الأمر ترفضه إسرائيل لأن جزءاً من الحقل المذكور يقع داخل حدودها، وهي ليست حتى الآن في وارد التنازل عنه، ويجري البحث في عدد من الخيارات لحل هذه المشكلة من دون التوصل حالياً إلى حل.
وهناك من رأى في تحرك حزب الله الأخير ما هو أبعد من ذلك؛ محاولة لتغيير قواعد المعادلة السائدة بين إسرائيل وحزب الله وتحدي السيطرة الإسرائيلية على الأجواء اللبنانية، وهذا هو رأي عاموس يادلين الذي رأى فيما جرى "محاولة من حزب الله لتحدي السيطرة الإسرائيلية في سماء لبنان، ووضع معادلة جديدة، وتحدي الطلعات الاستطلاعية الإسرائيلية."[4]
كذلك حذر المراسل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"[5] يوآف زيتون من أن حزب الله يملك قدرات أكبر بكثير مما ظهر في هجوم المسيرات يوم السبت، وهدفه كان نقل رسالة لا التسبب بأذى، وأن "الكلمة الأخيرة في المعركة على المياه الاقتصادية لم تُقل بعد وهذه المعركة من المتوقع أن تستمر." وتابع زيتون: "الدفاع عن حقل كاريش الذي يقع على مسافة 100 كيلومتر عن الشاطىء أكثر تعقيداً وصعوبة من الدفاع عن حقل لفيتان الذي يبعد عشرة كيلومترات عن الشاطىء." واعتبر الكاتب أن نجاح الجيش الإسرائيلي في اعتراض المسيرات هو جزء من المعركة التي يخوضها لا ضد حزب الله فحسب بل ضد إيران أيضاَ." لكن وعلى الرغم من ذلك فإن إسرائيل لا تنوي تصعيد الوضع، لكنها تتمسك بموقفها بأن كاريش يقع خارج المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل.
ما هي الردود الإسرائيلية المتوقعة؟
على الرغم من الاتفاق الإسرائيلي بشأن أن ما جرى هو رسالة ردعية موجهة إلى إسرائيل وإلى الساسة اللبنانيين على حد سواء، لكن الآراء الإسرائيلية تباينت بشأن كيفية رد إسرائيل على استفزاز حزب الله. وتوزعت الآراء بين مَنْ يدعو إلى الحذر من التورط في تصعيد ومواجهة يحاول حزب الله من خلالها توريط إسرائيل في الساحة اللبنانية بصورة تخدم مصلحته وتساعده في تصوير نفسه بأنه "المدافع عن لبنان" في ظل تصاعد الأصوات الداخلية في لبنان المطالبة بنزع سلاحه. وبين آراء أكثر تطرفاً رأت بأن على إسرائيل إعداد مجموعة من الردود التصاعدية على ما جرى، بدءاً من تقديم شكوى إلى مجلس الأمن وتعليق المحادثات مع لبنان على ترسيم الحدود، مروراً بالقيام بحملة دعائية موجهة إلى الجمهور اللبناني لتحذيره من أن ما يقوم به حزب الله يقضي على آماله بالتوصل إلى تسوية للنزاع على الغاز يمكن أن تنقذ لبنان من انهياره الاقتصادي، بالإضافة إلى حملة ضد الحزب لدى الدول الغربية، وخصوصاً فرنسا الحريصة على مصلحة لبنان، وصولاً إلى توجيه ضربة إلى مواقع المراقبة التي نشرها حزب الله على طول الحدود اللبنانية - الإسرائيلية. وذهبت بعض الأفكار إلى حد الاقتراح بأن تشن إسرائيل هجوماً على المواقع التي يستخدمها حزب الله لإخفاء مسيراته في القرى والبلدات الجنوبية وتدميرها، حتى لو أدى ذلك إلى التدهور نحو حرب واسعة النطاق بين حزب الله وإسرائيل.
[1] معهد دراسات الأمن القومي، "إطلاق المسيرات في اتجاه منصة كاريش رسالة من حزب الله إلى إسرائيل واللبنانيين": 4/7/2022.
[2] رون بن يشاي، "أهداف حزب الله من إرسال المسيرات: محاولة لعرقلة المفاوضات مع لبنان"، "يديعوت أحرونوت"، 2/7/2022.
[3] تسفي برئيل، "مسيرات حزب الله موجهة إلى الرئيس اللبناني أيضاَ"، "هآرتس"، 4/7/2022.
[4] عاموس يادلين، "نصر الله يتحدى السيطرة الإسرائيلية في الجو ويضع معادلة جديدة"، موقع N12 "، 3/7/2022"
[5] يوآف زيتون، "محاولة حزب الله فشلت"، "يديعوت أحرونوت"، 3/7/2022.