وُلد في قرية صفورية سنة 1935، ونشأ فيها إلى أن أصبح في الثالثة عشرة من العمر. حينها، احتلت القوات الصهيونية الإرهابية البلدة، وطردت أهاليها البالغ عددهم ستة آلاف نسمة، بعد أن دمرتها ونهبتها وصادرت أملاك الصفافرة واستحوذت عليها لمصلحة المشروع الاستعماري الإحلالي.
الفتى الواعد في ذاك المكان بات لاجئاً، ومحَت النكبة أحلامه المتفتحة الجميلة، لتتحول كلها إلى كابوس، ومنه إلى حلم واحد كبير، فردي وجماعي، وهو العودة إلى المكان بأهله. فالوطن بأهله وبحلمهم الكبير.
دارت حياة أمين محمد حول العودة، واختلطت المقولات، بين العرفاتية القائلة: ترونها بعيدة وأراها قريبة، وتلك القائلة: أراها قريبة. لكن المسافة إلى العودة الدائمة إليها تُقاس بالزمن الذي يحتاج إليه تحقيق الحلم، وفي الحالتين تُقاس المسافات على قدر أهل النضال، أصحاب الحق.
شكّل الانتقال إلى الناصرة حالة قسرية بسبب التهجير، لكنه أتاح له "امتيازاً" بمفهوم اللجوء، تركّزَ على إمكانية أن يبقى يُطل يومياً وفي كل لحظة على بلده السليب، من وطنه السليب، على الرغم من أن المكان يسكن قلبه وهاجسه. لقد اعتبر أبو عرب إقامته في بلده الحبيب إلى قلبه، الناصرة، إقامة موقتة إلى حين العودة إلى بيته في صفورية، وإلى حاراتها وبساتينها. وإن لم يعد هو، فحتماً سيعود أولاده، أو أحفاده، كما كان يردد. بات أبو عرب مَعلَماً وعَلماً في هذه المدينة وسوقها القديمة وروحها الأصيلة، واندمج في حياتها الاجتماعية والسياسية، وكان شريكاً في تحقيق انتصار جبهة الناصرة في سنة 1975، بقيادة توفيق زياد، وانتُخب لعضويتها، وفي مرحلة ما كان نائباً لرئيسها، كما كان إلى جانب قيادة لجنة التجار والحرفيين في المدينة. وارتبط اسمه بلجنة إحياء تراث صفورية، وخصص مساحة من بيته في حي الصفافرة ليكون متحفاً لتراث هذه البلدة وتراث فلسطين بمجملها.
ارتبطت سيرته بمسيرة العودة كما مسيرته الحياتية، فالعودة حلم، إلا أنها وبالأساس مشروع حياة بالنسبة إليه، فكان في الناصرة عنواناً لكل باحث عن رواية التهجير وحلم العودة. ورأى أن العودة على قدر وقوة وزخم هذه المسيرة الشعبية التي تبنّاها وحملها، منطلقةً من مقولة إن كل الطرق تؤدي إلى فلسطين الوطن، فلسطين البلدة، والبيت والأرض والأهل. كان عضواً قيادياً مؤسِّساً في اللجنة القُطرية للدفاع عن حقوق المهجرين في الداخل، والتي تأسست في أعقاب اتفاقيات أوسلو، وكانت رداً على تجزئة قضية فلسطين وشعبها، وخصوصاً فلسطينيي الـ 48 واللاجئين في الشتات والمهجرين، أي اللاجئين في وطنهم، وهم يشكلون نحو ربع فلسطينيي الداخل. كما ترأس أبو عرب اللجنة فترة طويلة؛ وفي الذكرى السنوية الخمسين للنكبة في سنة 1998، وفي إطار اللجنة، قاد مسيرة العودة السنوية التي خُصصت لصفورية في ذلك العام، تحت شعار "استقلالكم نكبتنا"، فالتقت الجموع الغفيرة من كافة أنحاء الوطن على أطلال هذه البلدة، التي لو بقيت لكانت اليوم مدينة يقدَّر عدد سكانها بعشرات الآلاف. تلك المسيرة التي واجهت احتفالات الإسرائيليين باستقلالهم، والتي أكدت، كمثيلاتها، أن العودة حق لا تنازُل عنه في أي ظرف، ولا عودة عن العودة.
تبقى مقولة أبي عرب بمثابة وصية أبقاها مَن كرّس حياته من أجل العودة: "أشعر بأن وجودي في الناصرة موقتاً إلى حين أعود إلى صفورية، وإن لم يكن على زمني، فعلى زمن أولادي، أو أحفادي، فالعودة حتمية".
* توفي أبو عرب، وشيّعته الجماهير الغفيرة إلى مثواه الأخير في 17 نيسان/أبريل، وورِيَ الثرى في المقبرة الجديدة في الناصرة، والمطلة على مسقط رأسه صفورية.