"تحية لأسرى وأسيرات الحرية"، هو عنوان معرض أعمال فنية للأسرى وعن الأسرى، تنظمه مؤسسة الدراسات الفلسطينية في مقرها في بيروت، التي تسعى لاستعادة عافيتها بعد زلزال الانفجار الكبير، وبيروت هي العاصمة التي استضافت فلسطين ومسيرتها التحررية. في المعرض تحية لبيروت وتحية من بيروت، وفيه تبادُل للتحيات بين أسرى الحرية في سجون الاحتلال وسجناء الحرية والرأي في سجون الأوطان. افتُتح المعرض في الأول من نيسان/أبريل، عشية يوم الأسير، وعشية الشهر الفضيل الذي يتعامل معه الاحتلال كما لو كان حدثاً أمنياً استراتيجياً، لا شهر البركة والتكافل، بينما منظومة الاحتلال الاستعماري تُكثر خلاله من غزواتها ضد الشعب الفلسطيني والحق والحرية، وترى في الأمسيات الرمضانية المتأصلة في روح الشعب والأمة تهديداً لها ينبغي النيل منه.
يتزامن المعرض مع إنجاز كبير الشأن حققته الحركة الفلسطينية الأسيرة، وكان الأمر متوقعاً، وليس من باب التنبؤ، إنما من باب أن التصعيد الاحتلالي العدواني ضد الأسرى ومنجزاتهم هو أمر يعزز الإرادات ويصقلها، وحين يكون خيار الأسرى، إمّا الانتصار، أو الانتصار، فإن الانتصار حليفهم. لقد أدركوا أنها مسألة وقت وصمود وإصرار منهم حتى تنصاع إدارة سجون الاحتلال لمطالبهم، وما مطالبهم في الجوهر سوى تراجُع السجّان عن كل الإجراءات التصعيدية الانتقامية التي أعلنوها في أعقاب نفق الحرية. فإخفاق هذه المؤسسة يجعلها تتبنى غريزة الانتقام الجماعية، وعندما تستفيق من صدمتها، تجد أن الانتقام ارتد إليها، وقد توحد الأسرى حول الموقف والإرادة الجماعية. هكذا يبدأ معرض "تحية لأسرى وأسيرات الحرية"، بالتزامن مع تحقيق الأسرى معظم مطالبهم، وتراجُع مصلحة السجون في اللحظة الأخيرة، قبيل بدء الإضراب الجماعي عن الطعام. كما كان متوقعاً أن يحدث ذلك أيضاً لأن منظومات الاحتلال أدركت أن تهديد الأسرى بالإضراب حقيقي، والجهوزية عالية داخل السجون، وعلى المستوى الشعبي والفصائلي والرسمي الفلسطيني، وعلى مستوى التضامن العالمي، والإسناد العربي الإعلامي والشعبي. كما حدد الأسرى قرارهم بأنه تعليق للإضراب كي لا تسعى سجون الاحتلال واستخباراته لمفاجأتهم والنكوص بوعودها، إذ لا معنى للوعود إن لم تكن تضمنها إرادة كفاح.
قضايا الأسرى وحقوقهم وإنجازاتهم ليست مسألة يمكن حصرها فيما يجري داخل السجون، بل لا يمكن لأيّ آلة قمع وقهر وضبط محاصرتها والتحكم في تفاعلاتها، إنها المعادلة الفلسطينية القائمة على مضاعفة قوة الأسرى بقوة الشعب وكل أنصاره ونصيراته في العالم. ليأتي معرض "تحية لأسرى وأسيرات الحرية" ويؤكد أن عامل مضاعفة القوة يتعزز، وأن الثقافة التحررية، بمجمل إبداعاتها غير المحدودة، هي جزء أصيل الإرادة وطريق الشعب، بل هناك معادلة فلسطينية تقول إنه كلما زاد ارتفاع جدران السجن الكبير والسجون الصغيرة، وكلما ازدادت سماكة أسلاكها وتضاعفت أجهزة الرقابة والقهر، كلما بات الأسرى إلى الناس أقرب، ومرئيين وحاضرين أكثر، وبات الفعل الشعبي ملموساً في السجون، يعزز الأمل بالأمل.
إنها حالة فلسطينية بامتياز، لكنها ليست حصراً بالفلسطينيين وحدهم. الحرية هي حلم كل إنسان أو إنسانة، وهي حلم كل شعب وحركة حرية تسعى لغد أفضل ووطن أجمل. إنها حلم الخلاص من القمع والقهر والإلغاء، وهو حلم لن يحققه إلّا أصحاب الشأن، وفي مقدمهم الضحايا المباشرون، وبقدر ما يناضلون من أجله.
وكما تشير خريطة المشاركين والمشاركات في المعرض، فإن قضية فلسطين ليست محصورة بشعب فلسطين، بل بكل الشعوب العربية، وقضايا الشعوب العربية هي من شأن شعب فلسطين، وتزداد أهمية هذه المعادلة في مرحلة تتعاظم فيها المشاريع التطبيعية السافرة التي قد تنشغل في كل شيء إلّا بمصالح الشعوب وكرامتها، لتعود إلى الواجهة الحاجة القصوى إلى رابطة ضحايا هذه المشاريع، لتعزز حرية شعب فلسطين من حرية كل الوطن العربي، ولتعزز حرية الشعوب العربية من حرية فلسطين. وفي معرض الأسرى تجتمع قضايا الحرية والتحرر، فترسم لوحة على واجهة الوطن العربي والشعب العربي بمجمله. العلاقة هنا ليست تضامناً، بل هي تكامل وتقاسُم للهمّ المشترك ومتطلبات الحلم والطريق المشترك إلى الحرية، فلا حرية تأتي من تلقاء نفسها، بل بقدر ما يكون النضال من أجلها.
إنها لحظة لتأكيد جدارة وأخلاقية حركة التضامن العالمي مع فلسطين، ومع الأسرى، إذ لم تترك حركات التضامن الأسرى وحدهم، بل قامت بدورها، وبقدراتها المتوفرة. إنهم شركاء الطريق إلى الحرية، إنهم الصوت الأخلاقي العالمي في مواجهة إسناد أغلبية الأنظمة للاحتلال ودولته. وهي تأكيد أن دور الفلسطيني لا ينحصر في تلقّي التضامن، بل بالتضامن مع كل الشعوب المسلوبة حريتها، والعيش بكرامة إنسانية.
في السابع عشر من نيسان/أبريل الجاري، يحلّ يوم الأسير الفلسطيني، والمقصود الأسير والأسيرة على حد سواء، وقد بات يوماً من أيام التضامن مع فلسطين، ولا بد من أن يحتفي الأسرى بمعرض "تحية لأسرى وأسيرات الحرية"، فهو منهم وإليهم، إنه رسالة من بيروت وإليها، بيروت القريبة جغرافياً، إلاّ إن المسافات بين الفلسطيني والفلسطيني، وبينه وبين العربي، تُقاس بمعايير الزمن والواقع القسري المستدام حالياً، لتصبح اختصاراتها ممكنة، فقط في الوجدان والبصيرة. حلم الحرية لا يعترف بالمسافات ولا بالحدود، بل مسيرته دائمة، ولا بد من أن يتحقق.