On "Palestinian Water: From Control to Annexation"
Date: 
March 09 2022
Author: 

صدر حديثاً كتاب "المياه الفلسطينية من السيطرة إلى الضم"، للباحث عبد الرحمن التميمي، مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين، وهو الأول للتميمي ضمن سلسلة "القضية الفلسطينية آفاق المستقبل"، التي بدأت مؤسسة الدراسات الفلسطينية بنشرها منذ سنة 2013، وصدر منها حتى الآن ثلاثة عشر كتاباً.

الكتاب من القطع الصغير، وقد جاء في 139 صفحة، وحوى خلاصة، وتسعة فصول، وثمانية جداول، وخمسة أشكال، وخاتمة، وملحقاً، وقائمة بالمصادر والمراجع.

يروي الكتاب جوانب من قصة الصراع على المياه في فلسطين بين المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي والشعب الفلسطيني، ويحوي تفاصيل كثيرة عن ممارسات الاحتلال العدوانية بحق المياه الفلسطينية، ويقدم مراجعة نقدية لمرحلة المفاوضات على المياه منذ مدريد وأوسلو، ويشرح طبيعة الهياكل المؤسساتية الفلسطينية التي ظهرت بعد سنة 1993، والتي أوكلت إليها مهمة الحفاظ على الحقوق المائية الفلسطينية، وإدارة الشأن المائي في فلسطين، ويتوقف عند أهم التحديات التي تواجهها، ويُظهر جوانب من التعاون بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية في مجال المياه، ويعرض شواهد على السيطرة الإسرائيلية على المياه الفلسطينية، ويوضح التأثير الكبير للوضع السياسي في فلسطين في الشأن المائي، ومقدار التدخل الإقليمي والدولي في الشأن المائي الفلسطيني، ويطرح عدداً من السيناريوهات السياسية المستقبلية ومدى تأثيرها في وضع المياه في فلسطين، ويقترح وسائل للتعامل معها.

 

أرشيف صور سلطة المياه الفلسطينية

 

يقدّم الفصل الأول لمحة تاريخية عن إدارة قطاع المياه في فلسطين منذ العهد العثماني حتى الآن، مع التركيز على مرحلتيْ ما بعد نكسة حزيران/يونيو 1967، وتأسيس السلطة، ويراجع بالتفصيل وضع المياه الفلسطينية في الاتفاقيات الفلسطينية- الإسرائيلية منذ سنة 1993، أمّا الفصل الثاني فيتناول مصادر المياه في فلسطين، بما فيها السطحية والجوفية والموارد غير التقليدية (مياه الصرف الصحي والتحلية)، ويتحدث عن قدرة الأحواض المائية وتقسيمها وفقاً لاتفاق أوسلو2 (البند 40)، ويستعرض الأخطار التي تتعرض لها الموارد المائية الفلسطينية من نضوب في المياه الجوفية وتلوثها واجتياح مياه البحر لها، في حين يهتم الفصل الثالث بتوضيح المرجعيات السياسية والقانونية والمؤسساتية لقطاع المياه الفلسطيني، ويشرح طبيعة ودور الهياكل والمؤسسات الفلسطينية المسؤولة عن إدارة إمدادات المياه ومياه الصرف الصحي، ويتطرق الفصل الرابع إلى المياه في القانون الدولي، والانتهاكات الإسرائيلية بحق المياه الفلسطينية، سواء في نهر الأردن، أو في حوض بحيرة طبرية، أو مياه الأودية الموسمية في الضفة، أو حوض وادي غزة، أو حقوق المشاطأة الفلسطينية في البحر الميت؛ ويشير إلى المرجعيات القانونية الأساسية للانتهاكات الإسرائيلية لحقوق المياه الفلسطينية في مجاري الأحواض المائية السطحية، ويعرّف الحقوق الفلسطينية في مجاري أحواض المياه السطحية وفق مبادئ قانون المياه الدولية وقواعده، ويقدم بعض النصائح التفاوضية في مسألة المياه.

ويراجع الفصل الخامس السياسة الإسرائيلية إزاء المياه الفلسطينية منذ بداية المشروع الصهيوني أواخر القرن التاسع عشر، وكيف أن المياه كانت جزءاً أساسياً من هذا المشروع، وأن الاحتلال استمر في تعزيز سيطرته على المياه الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو، ويعرض جوانب من تجربة المفاوضات الثنائية الأطراف في أعقاب مؤتمر مدريد سنة 1991، وجولاتها الرسمية وغير الرسمية، أمّا الفصل السادس فيتناول نماذج من المشاريع الإقليمية الخاصة بالمياه والمواقف العالمية والإقليمية منها، مثل مشروع قناة البحرين (البحر الأحمر- البحر الميت)، ومشاريع التحلية، ويشرح الفصلان السابع والثامن التداعيات السلبية لبناء جدار الفصل العنصري وخطة الضم الإسرائيلية على المياه في فلسطين، ويضع الفصل التاسع عدة سيناريوهات مستقبلية للوضع السياسي في فلسطين، وتداعياتها على إدارة الشأن المائي، مع تسليط الضوء على سيناريو حلّ السلطة، ويقدم في الخاتمة عدداً من التوصيات في حال استئناف المفاوضات على المياه.

لمحة تاريخية ناقصة 

أشار المؤلف في الصفحة الأولى من الكتاب إلى أن هدف الدراسة إعطاء لمحة تاريخية عن إدارة المياه في فلسطين، من الحقبة العثمانية حتى قيام السلطة، لكنه، عملياً، ركز على إدارة المياه في فلسطين منذ نكسة 1967 حتى الآن، أمّا المراحل التي سبقتها فجاءت في سطور قليلة، وتم تجاهُل بعض المحطات كما في المرحلتين البريطانية والأردنية، على الرغم من أهميتهما في تحديد معالم المراحل اللاحقة لهما، وخصوصاً المرحلة الأردنية التي كان لها تداعياتها على الشأن المائي في الضفة الغربية بعد النكسة، فلو حدث تطور كبير في إمدادات المياه وحفر الآبار ومأسسة عمليات التزويد في الحقبة الأردنية، وكان للفلسطينيين دور مركزي في هذا التطور، ربما كنا شهدنا واقعاً مائياً أقل مأساوية مما عشناه في مرحلة ما بعد النكسة، والعكس صحيح، وفي السياق نفسه، نجد أن الكاتب تجاهل مرحلة قيام دولة الاحتلال، ولم يذكر للقارئ ما جرى للمياه داخل أراضي الـ 1948، وكأنها لم تكن يوماً مياهاً فلسطينية.

لجنة المياه المشتركة الفلسطينية – الإسرائيلية

تضمن الكتاب تفاصيل عمّا استجد من هياكل ومؤسسات تُعنى بالإدارة المائية في فلسطين بعد أوسلو، وكان لافتاً حديثه عن تجربة لجنة المياه المشتركة الفلسطينية- الإسرائيلية، فقد تم تشكيل لجنة للمياه في إثر اجتماع اللجنة التوجيهية للمفاوضات المتعددة الأطراف في موسكو في كانون الثاني/يناير 1992، ثم شُكِّلت لجنة المياه المشتركة الفلسطينية – الإسرائيلية بموجب الاتفاقية المرحلية " أوسلو 2" (البند 40) من الملحق الثالث "بروتوكول التعاون الاقتصادي" سنة 1995، وبحسب الاتفاقية، فإن اللجنة المشتركة تتعامل مع مشاريع المياه من شبكات وخزانات وحفر آبار وصرف صحي في الضفة الغربية، سواء الفلسطينية أو تلك المرتبطة بالمستعمرات، وتخضع لإشراف لجنة الشؤون المدنية العليا، وتتكون من لجان فرعية، هي: لجنة الأسعار، ولجنة الصرف الصحي، واللجنة العلمية وتبادُل الخبرات، ولجنة التزود ومشاريع المياه، ولجنة الآبار، ولجنة الطوارئ (ص 29- 30)، وتكون قراراتها بالإجماع.

إن ما ورد من معلومات عن تجربة اللجنة المشتركة مخيب للآمال ويبعث على التشاؤم، فاللجنة تعاني منذ تشكيلها جرّاء سطوة الاحتلال وقدرته على توجيه قراراتها، وخصوصاً أن قراراتها مرتبطة بموافقة الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفي رأي قيادة جيش الاحتلال ومجلس المستعمرات، من الواضح أن الاحتلال عمل على استخدامها لشرعنة المستعمرات، عبر ربطها بالمشاريع المائية الفلسطينية، في المقابل، كان الطرف الفلسطيني الحلقة الأضعف في المشهد، فقد أكد الكتاب أن سلطة المياه الفلسطينية وافقت على جميع الطلبات الإسرائيلية الخاصة بمنشآت إمدادات المياه الجديدة لمستعمرات الضفة، في مقابل الموافقة على 37% من طلبات الفلسطينيين في الفترة 1995-2009 (ص 6)، وحصول الفلسطينيين منذ سنة 1993 على إذن واحد من الاحتلال للقيام بحفر بئر في الحوض الغربي (ص 87)، واعتراض الاحتلال على كل طلب فلسطيني يتعلق بالآبار الجديدة في الحوض الغربي للخزان الجبلي الجوفي، وقيامه بتأخير الموافقة على تطبيقات أُخرى مدة تصل إلى ثمانية أعوام (ص 7).

خاتمة

لا شك في أن واقع المياه في فلسطين كما ورد في كتاب التميمي صادم، ويعكس وحشية الاحتلال، وعجز المفاوض الفلسطيني، وعبثية الرهان على حلّ تفاوضي يكفل الحفاظ على ما تبقى من حقوق الفلسطينيين المائية، وخصوصاً أن 31 عاماً من مسار التسوية فاقم الوضع المأساوي للمياه الفلسطينية، وعزَّز سيطرة الاحتلال على مصادر المياه وآليات توزيعه. لقد أصبح الواقع الحالي أبعد ما يكون عن فكرة الحلّ التسووي، وبات الأفق السياسي مسدوداً تماماً، ولم يعد هنالك أيّ فائدة من تكرار النصائح التفاوضية، لذا، المطلوب تجاوُز الصيغ السابقة المعتمَدة من المستوى الرسمي، والبحث عن حلول ميدانية تراكمية تفضي إلى تثبيت ما تبقى من حقوق مائية للفلسطينيين. لا بد من وضع المياه على قائمة عناوين الصراع الحساسة، مثل الأقصى والأسرى والشيخ جرّاح وغيرها، والعمل على المستوى الشعبي والمقاوم على دفع الاحتلال للتفكير في الثمن الذي سيدفعه في حال المساس بالحقوق المائية الفلسطينية، ومن دون ذلك، سيستمر الاحتلال في سياساته، وسنفقد ما تبقى لنا من مصادر مائية.

Read more