هذا هو عنوان التقرير المطوّل الذي أصدرته منظمة العفو الدولية في 1 شباط/فبراير الجاري مشتملاً على ما يقرب من 200 صفحة من التحليلات، والذي يأتي بعد تقريرين نشرتهما المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية "يش دين" (هناك عدالة)، في حزيران/يونيو 2020، بعنوان: "الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وجريمة الفصل العنصري: وجهة نظر قانونية"، ومنظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، في 12 كانون الثاني/ يناير 2021، بعنوان: "نظام سيادة يهودية يمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، إنه فصل عنصري"، كما يأتي بعد تقرير أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية المعنية بحقوق الإنسان، في 27 نيسان/أبريل 2021، بعنوان: "تجاوزا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد".
محاور تقرير منظمة العفو الدولية
كان تقرير منظمة العفو الدولية نتيجة تحقيق تواصل على مدى أربع سنوات خلال الفترة 2017-2021 ، وجاء ليسلّط الضوء على ممارسات الفصل العنصري التي تستهدف الفلسطينيين والفلسطينيات سواء أكانوا يعيشون في غزة أو الخليل أو في القدس الشرقية أو في داخل إسرائيل، وهو توزع على المحاور التالية: تعريف الفصل العنصري؛ معاملة الفلسطينيين كتهديد ديموغرافي؛ قمع لا يعرف حدوداً؛ مواطنون أقل درجة؛ نزع الملكية؛ قيود قاسية على حرية التنقل؛ طريق المضي قدماً: توصيات.
فقد عرّف التقرير نظام الفصل العنصري بأنه "منظومة مُمأسسة للقمع والهيمنة تمارسها جماعة عرقية ضد أخرى؛ إنه انتهاك خطير لحقوق الإنسان يُحظّره القانون الدولي العام"، وأشار إلى أن البحث الواسع والتحليل القانوني أثبتا أن إسرائيل "تُطبّق هذا النظام ضد الفلسطينيين من خلال قوانين وسياسات وممارسات تضمن إدامة معاملتها العنصرية القاسية لهم".
وأقرّ التقرير بأن دولة إسرائيل، منذ قيامها سنة 1948، انتهجت "سياسة تكوين أغلبية ديموغرافية يهودية ثم الحفاظ عليها، وتعظيم سيطرتها على الأراضي والموارد لمنفعة الإسرائيليين اليهود"، ثم وسّعت، في سنة 1967، هذه السياسة لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة؛ واليوم "تستمر إدارة كافة الأراضي التي تخضع لسيطرة إسرائيل بما يفيد الإسرائيليين اليهود على حساب الفلسطينيين، فيما يستمر إقصاء اللاجئين الفلسطينيين". وبيّن التقرير أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اعتبرت الفلسطينيين "تهديداً ديموغرافياً، وفرضت تدابير للسيطرة على وجودهم ووصولهم إلى الأراضي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة".
ووثّق التقرير أفعالاً مُحرّمة في كافة المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، وخصوصاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدابير متعددة "لحرمان الفلسطينيين عمداً من حقوقهم وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك قيود قاسية على حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، و"حرمان اللاجئين من حق العودة". كما وثّق التقرير عمليات النقل القسري، والاعتقال الإداري، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبراً أن القتل غير المشروع للمتظاهرين الفلسطينيين "هو أوضح تعبير عن كيفية استخدام السلطات الإسرائيلية أفعالاً محظورة للحفاظ على الوضع الراهن".
وأبرز التقرير كيف أن إسرائيل تسعى في معاملتها للفلسطينيين في كل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى تحقيق الهدف ذاته: "منح امتيازات للإسرائيليين اليهود في توزيع الأراضي والموارد، وتقليص وجود الفلسطينيين ووصولهم إلى الأراضي إلى أدنى حد". إذ يواجه الفلسطينيون من حملة الجنسية الإسرائيلية – الذين يشكلون نحو 19 بالمئة من السكان – أشكالاً عديدة من التمييز المُمَأسس، الذي تبلور، في سنة 2018، "في قانون دستوري كرّس للمرة الأولى إسرائيل كـ “دولة قومية لليهود” حصراً"، وعزز أيضاً "بناء المستوطنات اليهودية وخفّض مكانة اللغة العربية كلغة رسمية". ووثق التقرير كيف يُمنع الفلسطينيون فعلياً من الاستئجار في 80 بالمئة من أراضي دولة إسرائيل "نتيجةً لعمليات الاستيلاء العنصرية على الأراضي، ولوجود شبكة من القوانين التمييزية المجحفة بشأن توزيع الأراضي وتخطيطها وترسيمها". وسلط الضوء على الوضع في منطقة النقب التي تعتمد الحكومات الإسرائيلية، منذ سنة 1948، سياسات مختلفة لـ "تهويدها"، بما في ذلك "اعتبار مساحات واسعة محميات طبيعية أو مواقع إطلاق نار عسكرية، ووضع أهداف لزيادة عدد السكان اليهود"، وبات هناك حالياً 35 قرية بدوية "غير معترف بها" من جانب إسرائيل، تضم قرابة 68 ألف شخص، "ما يعني أنها محرومة من الكهرباء وإمدادات المياه التابعة للشبكات الوطنية، ومستهدفة بعمليات الهدم المتكررة".
وفي الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تسيطر إسرائيل على سجل السكان منذ سنة 1967، "لا يحمل الفلسطينيون جنسية ويُعدّ معظمهم منعدمي الجنسية ويحتاجون إلى بطاقات هوية من الجيش الإسرائيلي كي يعيشوا في الأراضي المحتلّة ويعملوا فيها". ويظل اللاجئون الفلسطينيون والمنحدرون منهم، الذين هُجّروا في حَربَيْ 1947-1949 و1967، "محرومين من حق العودة إلى أماكن إقامتهم السابقة، ويُعدّ إقصاء إسرائيل للاجئين انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ترك الملايين معلّقين في حالة تهجير قسري دائمة". ويُمنح الفلسطينيون في القدس الشرقية، التي ضمتها إسرائيل قسراً إليها، "إقامة دائمة بدلاً من الجنسية – مع أن هذه الحالة دائمة بالاسم فقط"، ذلك إنه ومنذ سنة 1967، "سُحبت الإقامة مما يزيد على 14 ألف فلسطيني وفق تقدير وزارة الداخلية، ما أدى إلى نقلهم قسراً إلى خارج المدينة". بينما يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة "تحت حصار إسرائيلي خلق أزمة إنسانية، وبات "من شبه المستحيل على الغزاويين السفر إلى الخارج أو إلى سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ فهم معزولون فعلياً عن بقية العالم".
وأفاد التقرير أن نزع الملكية من الفلسطينيين وتهجيرهم من منازلهم شكّل "ركناً مهماً جداً في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي"، إذ مارست إسرائيل منذ قيامها "عمليات استيلاء جماعية وقاسية على الأراضي ضد الفلسطينيين"، وواصلت "تطبيق عشرات القوانين والسياسات لإرغام الفلسطينيين على العيش في معازل صغيرة"، ولجات إلى هدم "مئات الآلاف من منازل الفلسطينيين وغيرها من الممتلكات في كافة المناطق الخاضعة لولايتها القضائية وسيطرتها الفعلية"، وترفض السلطات منح تراخيص بناء للفلسطينيين الذين يعيشون في النقب، وفي القدس الشرقية والمنطقة ج في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ، "ما يرغمهم على إنشاء مبانٍ غير قانونية تتعرض للهدم مرة تلو الأخرى". ومن جهة اخرى، يزيد التوسّع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية الوضع سوءاً، وتغطي المستوطنات اليوم "نسبة 10 بالمئة من مساحة أراضي الضفة الغربية، وجرت مصادرة نسبة 38 بالمئة من أراضي الفلسطينيين في القدس الشرقية بين عامَيْ 1967 و 2017". وغالباً ما تستهدف منظمات المستوطنين المدعومة بالكامل من الحكومة الإسرائيلية الأحياءَ الفلسطينية في القدس الشرقية، "بهدف تهجير الأسر الفلسطينية وتسليم منازلها للمستوطنين، ومن جملة هذه الأحياء حي الشيخ جرّاح الذي يشهد تظاهرات متكرّرة منذ مايو/أيار 2021، فيما تخوض الأسر صراعاً للحفاظ على منازلها في ظل التهديد بإقدام المستوطنين على رفع دعوى قضائية ضدها".
توصيات منظمة العفو الدولية
في ضوء أعمال القتل غير المشروعة والممنهجة ضدّ الفلسطينيين، دعت منظمة العفو الدولية، في تقريرها، مجلس الأمن الدولي إلى "فرض حظر شامل على توريد السلاح إلى إسرائيل"، وإلى فرض عقوبات "تستهدف أشخاصاً محددين، مثل تجميد أصول المسؤولين الإسرائيليين الأكثر ضلوعاً في ارتكاب جريمة الفصل العنصري". كما دعت منظمة العفو الدولية المحكمة الجنائية الدولية "إلى النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، وناشدت جميع الدول "ممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة"، مؤكدة أن "لا مكان للفصل العنصري في عالمنا، والدول التي تقرر أن تقبل تجاوزات إسرائيل ستجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ، والحكومات التي تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة وتحميها من المساءلة في الأمم المتحدة تساند نظام فصل عنصري، وتقوّض النظام القانوني الدولي، وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني". وخلص تقرير المنظمة إلى أنه "لا يجوز بعد الآن أن يقتصر الردّ الدولي على الفصل العنصري على الإدانات العقيمة والمراوغة؛ فإذا لم نعالج الأسباب الجذرية، سيظل الفلسطينيون والإسرائيليون أسرى دوامة العنف التي دمرت حياة عدد كبير جداً من الناس"[1].
ردة الفعل الإسرائيلية الرسمية: أسطوانة مشروخة
على الرغم من أن تقرير منظمة العفو الدولية ليس جديداً في مضمونه، بل سبقه -كما ذكر سابقاً- تقريران حملا المضمون ذاته لمنظمتين إسرائيليتين معروفتين هما "يشن دين" و "بتسيلم"، فإن المسؤولين الإسرائيليين عادوا إلى أسطوانتهم المشروخة، لدى صدور هذا التقرير الجديد، وهي الأسطوانة التي تتهم كل من يتنقد سياسات الحكومة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين بـ "العداء للسامية". فقد هاجمت حكومة بينت-لبيد، بحسب صحيفة "هآرتس"، تقرير منظمة العفو الدولية حتى قبل إعلانه، واتهمت المنظمة على الفور بمعاداة السامية، إذ اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، لئير هايات، أن هذا التقرير "يعزز ويعيد الأكاذيب والادعاءات غير المتسقة التي لا أساس لها، والتي تأتي من منظمات الكراهية المعروفة المعادية لإسرائيل"، وأضاف: "لقد فهمنا أن معاداة السامية ليست مسألة الماضي بل مسألة الحاضر". بينما انتقد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد منظمة العفو الدولية لكونها "ليست منظمة لحقوق الإنسان، ولكنها مجرد منظمة راديكالية أخرى، تردد صدى الدعاية دون تمحيص جاد؛ وبدلاً من البحث عن الحقائق، تستشهد منظمة العفو بأكاذيب تروّج لها المنظمات الإرهابية"[2].
تقرير منظمة ذات مصداقية يجب أن يُحدث ضجيجاً
في مقال نشرته مجلة "أوريان 21 " الفرنسية الإلكترونية، في 1 شباط/يناير الجاري، رأى الصحافي والكاتب الفرنسي جان سترن أن منظمة العفو الدولية هي "من أهم منظمات حقوق الإنسان في العالم، وواحدة من أكثر منظمات حقوق الإنسان حرصاً أيضاً على اختيار كلماتها لوصف الأوضاع"، معتبراً أن تقريرها يمثّل "معلماً بارزاً"، و"يجب أن يحدث ضجيجاً لأنه يحلل من دون تمييز أوضاع الفلسطينيات والفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك اوضاع اللاجئين الفلسطينين المهجّرين في بلدان أخرى". وهذا الرفض لتجزئة الفلسطينيين إلى أقسام، و"اعتبار أن مصالحهم ستنتهي إلى التباين بحسب مناطق إقامتهم، هو ثورة حقيقية في خطاب المجتمع الإنساني-الدبلوماسي الدولي". وهو "يستلهم حججاً تطرح منذ فترة طويلة من جانب عدد كبيير من الفلسطينيين (وكثيرين غيرهم) حول وحدة شعب تجزأ بفعل إقامة دولة إسرائيل في سنة 1948". ويضيف سترن أن تقرير منظمة العفو الدولية "ينطوي على تغيير سياسي مهم، إذ هو يوفر معلومات كثيرة حول الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون أكانوا في غزة، أو الضفة الغربية، أو القدس أو حيفا"، وهو "يعود إلى أصول دولة إسرائيل كي تُستوعب بصورة أفضل جذور سياسة سلط الضوء عليها عدد من المؤرخين من مختلف الجنسيات خلال السنوات الأخيرة". وقدّر الصحافي نفسه أن ما يحدث الآن ببساطة هو أنه، بعد أن فشلت القوة الناعمة الإسرائيلية (والعديد من حلفائها في جميع القارات، من لوس أنجلس إلى دبي) في "خنق الأصوات المعارضة في فلسطين أولاً، ولكن أيضاً في إسرائيل، بين اليهود كما بين العرب"، فإن هذا الالتزام الجديد الراسخ لمنظمة العفو الدولية سيؤدي إلى أن يتوقف القصف الشديد على استخدام كلمة الفصل العنصري بخصوص إسرائيل، حتى في فرنسا، وإن تعلق الأمر في هذه الحالة بحلم[3].
[1] https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2022/02/israels-apartheid-against-palestinians-a-cruel-system-of-domination-and-a-crime-against-humanity/”
[2] https://www.courrierinternational.com/article/reaction-accuse-dapartheid-par-amnesty-israel-denonce-un-rapport-antisemite, https://www.franceculture.fr/geopolitique/amnesty-international-accuse-israel-de-pratiquer-lapartheid-envers-les-palestiniens
[3] https://orientxxi.info/magazine/amnesty-international-disseque-l-apartheid-d-israel,5346