The Great Failure: A Preliminary Reading into the Israeli Reactions Towards the “Freedom Tunnel”‬
Date: 
September 07 2021
Author: 

"الإخفاق" و"الزلزال المدوّي"، كانا من التوصيفات التي كرر الإعلام الإسرائيلي استخدامها طوال يوم السادس من أيلول/سبتمبر، بعيْد الكشف عن عملية سجن الجلبوع. كما أن الصدمة سيطرت على هذه المؤسسة مثلما استحوذت على كل مؤسسات دولة الاحتلال. وقد رافقتها في الساعات الأولى حالة من الهلع، وبصورة خاصة بين مستوطنات غور بيسان ومرج ابن عامر، تحسّباً لقيام الأسرى الستة الذين حرروا أنفسهم، بعملية اختطاف رهائن. بعضهم شبّهه بإخفاق حرب 1973، والذي جمع بين الفشل الأمني والاستخباراتي في أكثر السجون صيانة وإحكاماً، وحتى في التوقيت، ليلة العيد، والذي يذكّر بيوم الغفران قبل ثمانية وثلاثين عاماً وتحصينات إسرائيل التي انهارت.

كما في كل حدث أمني، تعامل الإعلام الإسرائيلي مع ذاته كإعلام حرب، لكنه لم يستطع إخفاء انبهاره بما قام به الأسرى، ومن باب "شر البلية ما يضحك" شهدت مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من السخرية والتهكم على حالة مصلحة السجون، لدرجة أن فتحة الخروج من النفق باتت رمز هذا اليوم.

ما ميز ردات الفعل الإعلامية هي حالة الإخفاق والإحباط وانهيار العقيدة والرغبة في الانتقام، في حين ميز التلعثم ردات فعل المؤسسسة السياسية. بينما كشفت ردات فعل مصلحة السجون الإسرائيلية عن حالة يرثى لها في مساعيهم للتقليل من تفوّق الأسرى الستة عليهم ذهنياً، ولتذهب هذه المؤسسة إلى التفتيش عن الخلل في بنية الأسس التي بُني عليها أكثر سجون الاحتلال صرامة وتجهيزاً واحتياطات أمنية. ويبدو من الإعلام الإسرائيلي، وبصورة أولية، أن المؤسستين الأمنية والسياسية ستحمّلان كامل المسؤولية لمصلحة السجون التي عبثت بالـ"خزنة" كما يطلقون على سجن الجلبوع الذي أقيم سنة 2004، على خلفية الانتفاضة الثانية لاستيعاب الكم الكبير من الأسرى المحكومين بالمؤبدات المتكررة ومدى الحياة.

الإعلام الإسرائيلي، كما في الكثير من الدول، ليس مؤسسة متجانسة، بل يمثل تيارات متصارعة ضمن البيت الواحد، فنجد أن القناة السابعة، التي تمثل التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، تدفع بالحكومة إلى اتخاذ قرار بتصفية الأسرى الستة الذين خرجوا إلى الحرية، في حين ذهبت وسائل الإعلام الأكثر رزانة، مثل هآرتس وموقعيْ واينت وواللا، إلى بُعد آخر، وهو الاعتراف بالنجاح والتفوق الذي أبداه الأسرى الستة، وإلى كونه قد يتحول إلى حدث استراتيجي مفصلي على المستوى الفلسطيني العام. فقد قامت هآرتس بطرح عدد من السيناريوهات، ومنها اندلاع موجة واسعة من المواجهات في الضفة الغربية، استلهاماً من الأسرى، والذي تزامن مع النيل من قناص الاحتلال وقتله على الجدار الذي يحاصر غزة، واعتبرت أن الحدثين مهينيْن لـ"عظَمة اسرائيل وسطوتها" ويحفزان الفلسطينيين على تقليدهما، أو ابتداع عمليات من هذا القبيل.

كما توقفت وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة عند حالة النشوة والفرح التي اجتاحت الشارع الفلسطيني وتجليات الفرح وتوزيع الحلوى والقهوة، واعتبرت أن هذه الحالة ذات دلالات على أن المواجهات مُجدية من وجهة نظر الشعب الفلسطيني، وهذا ما يجب أن يُقلق إسرائيل.

البُعد الآخر في القراءة الإعلامية الإسرائيلية هو في عودة مركزية قضية الأسرى والاعتقالات، والتي تُعتبر من أكثر الأمور التي يُجمع عليها الشعب الفلسطيني، وأي مسّ بحياتهم الاعتقالية في السجون من شأنه أن يشعل نار الفعل الشعبي ضد الاحتلال. وهذا ما سأتوقف عنده لاحقاً.

من جانب آخر، ذهبت وسائل الإعلام المذكورة إلى انعكاسات الحدث على الحالة الفلسطينية الداخلية، فمن ناحية تُعتبر هذه العملية من صنع منظمة الجهاد الإسلامي، وهذا ما اعتبرته هآرتس وواينت بأنه "سرقة الأضواء" في قضية الأسرى من "حماس"، وهذا من شأنه أن يضغط على "حماس" داخلياً للقيام بعمليات ذات صلة بالأسرى، بالإضافة إلى بطاقة صفقة التبادل المحتملة التي تملكها، وهذا أيضاً قد يسرّع موقف اسرائيل في التوصل إلى صفقة لمنع تعقيد إضافي في الوضع، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية.

في المقابل، رأت وسائل الإعلام في وجود القائد في كتائب شهداء الأقصى زكريا زبيدي، والشعبية الواسعة والملهمة التي يتمتع بها، تحفيزاً لعناصر في حركة "فتح" والكتائب وفي المخيمات على أن تحذو حذوه وتثير فيها الرغبة في تصعيد المقاومة. وفي حال اشتبك مع قوات الاحتلال واستشهد ستكون احتمالات الهبّة الشعبية كبيرة ومباشرة ومسلحة.

حيرة الاحتلال

فور الكشف عن الحدث في سجن الجلبوع، أعطى رئيس  الحكومة الإسرائيلية بينيت توجيهاته بالتحرك المتعدد المنظومات، وهذا على النقيض من حالة الفوضى التي عمّت في الساعات الأولى وتبادُل الاتهامات بين مصلحة السجون والشرطة، وحتى مع مهندسي بناء السجن. والمقصود بالتحرك المتعدد المنظومات هو إقامة غرفة عمليات واحدة تجمع الجيش بكل وحداته وأذرعه والشاباك والشرطة (تشمل وحدة حرس الحدود) ومصلحة السجون، يكون مقرها في سجن الجلبوع. هدف هذا التحرك العملياتي والاستخباراتي هو الوصول إلى الأسرى الستة، وكشف المعلومات عن كيفية نجاحهم في مهمتهم، وهذا يعني أيضاً تحقيقات وتقديرات أولية داخل المنظومة، وبالذات في أداء مصلحة السجون، وحملة استدعاءات وتحقيقات مع الأسرى في السجون من طرف الشاباك، وحملة تحقيقات واعتقالات ومطاردات لعائلات الأسرى والأوساط المقربة منهم في جنين والمنطقة وبصورة أوسع. كما سلطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على ردات فعل كلّ من حركة الجهاد الإسلامي وتلفزيون الميادين وحزب الله، الذين تبنّوا بشكل أو بآخر عملية الجلبوع المعقّدة، في مسعى لتبرير الاعتراف الإسرائيلي الاضطراري الإعلامي والسياسي بمدى إتقان العملية واحتمالية تلقّي المساعدة من داخل طواقم السجون ومن قوى خارج السجن.

كما سلّطت وسائل الإعلام الضوء على أن خرائط السجن وتصميمه الهندسي التفصيلي منشورة على مواقع الإنترنت وهي في متناول مَن يريد. أمام الإخفاق الكبير أظهرت وسائل الإعلام نوعاً من نزع الثقة بمصلحة السجون، وبالذات إزاء تمكّن الأسرى من اختراق منظومات وبنية أكثر السجون إحكاماً في الإقفال عليهم، وعليه دفعت نحو المطالبة بإقامة لجنة تحقيق رسمية ومن خارج هذه المؤسسة التي أخفقت، والتي انشغلت تصريحات قياداتها في تسليط الضوء على خلل في التصميم الهندسي للمبنى، وفي عدم تحمّل المسؤولية المباشرة وعلى الفور، وهو ما أفقدها من صدقيتها الأمنية، بحسب المواصفات الإسرائيلية. هذا وأكدت وسائل الإعلام أن هذه الخرائط جرى حجبها من المواقع الرسمية، بينما لا تزال متاحة من خلال "غوغل".

تكمن حيرة الاحتلال الجوهرية في كيفية التعامل مع الأسرى الستة الذين حرّروا أنفسهم، فمواقع اليمين الديني الصهيوني تدعو إلى تصفيتهم لا اعتقالهم كما تدعو القناة السابعة، وهناك مَن لا يتدخل في كيفية إلقاء القبض عليهم، فالمهم إلقاء القبض عليهم كيفما كان. حيرة الاحتلال هي أنه في حال استشهد المحرَّرين الستة فستكون عمليات المقاومة واسعة، الأمر الذي سيجعل "حماس" والجهاد أقوى نفوذاً في الضفة الغربية، وعلى حساب السلطة الفلسطينية. وهو ما سينعكس على تراجع حالة الأمان لدى الإسرائيليين.

الدعوات إلى سحب إنجازات الأسرى

من دون أن يسميها أو يعترف بها، كشف الإعلام الإسرائيلي إنجازات الأسرى المتراكمة وأعادها إلى جدول الأعمال السياسي والأمني على شكل إخفاق متواصل لمصلحة السجون، وفي مسعى للنيل منها أو التخلص منها.

في مقابل ذلك، وهذا ما أشار إليه أيضاً قادة سجون سابقين، وهو حاجة السجون ومصلحتها الأمنية إلى توفير الهدوء والرتابة، ويتم هذا بالتوصل إلى تفاهمات مع الأسرى، إذ تدرك مصلحة السجون أنه من دون توفير حاجات الأسرى لإدارة حياتهم الاعتقالية فلن تحظى بالهدوء الذي تسعى له، وستفقد القدرة على السيطرة والضبط.

لذلك شددت هذه الجهات على النيل من تنظيم الأسرى بمفهوم إدارة حياتهم الاعتقالية، أحد هذه الأمور هو إعادة توزيعهم الفصائلي والمكاني (أي توزيع الأقسام على أساس جغرافي)، فالمتّبع اليوم أن كل تنظيم يدير عدداً من الزنازين في الأقسام المختلفة فصائلياً ويقيم بها أسرى من أعضائه. وبهذا يديرون حياتهم الاعتقالية بالشكل الذي يرتؤونه، ويسعى كل تنظيم للاحتفاظ بشؤونه الداخلية ومداولاته العلنية وغير العلنية، إلخ. بينما تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن ضرورة الحد من الاحتكار الفصائلي للزنازين، وحتى أنهم دعوا إلى أن يكون ممثل المعتقل (حلقة الوصل بين الأسرى في القسم والإدارة) من حركة "فتح"، كونها الأكثر "اعتدالاً" بين الفصائل. لكن لو عدنا إلى هذه التوزيعات فإنها تشكل بالنسبة إلى مصلحة السجون أداة ضبط وتحكّم. وفي هذا الصدد استمعنا إلى الكثير من التخبط في رؤية المؤسسات المختلفة تجاه الوضع داخل السجون.   

لقد شددت وسائل الإعلام ذاتها على "إخفاق تشغيل منظومة التشويش" على هواتف الأسرى الخليوية التي دخلت إلى السجون وانتشرت. وطالبت بحملات لتصفية وجود هذه الهواتف بين الأسرى، بينما تدرك مصلحة السجون أنه من دون توفير منظومة اتصال رتيبة ومقبولة للأسرى، وفي ظل حالة العقاب الجماعي وتعطيل الزيارات، فمن شأن إجراء كهذا إثارة  القلاقل في سجونها، ولن تستطيع منع دخول الأجهزة. بل وهناك رأي أمني احتلالي في أن أجهزة الهاتف تتيح للشاباك التنصت على الأسرى ومعرفة تحركاتهم، وهذا ما أخفقوا فيه أيضاً.

صورة هزيمة

كما كشفت الحادثة جوانب من هندسة القهر والمخطط الهندسي للسجن، والذي "يستحيل الهروب منه"، وشعور الأسرى في داخله بانعدام الحس بالجهات، وهو فعلاً كذلك، لكن يتبين أن هذا جزء من هندسة القهر.

شدد الإعلام الإسرائيلي على الضربة الكبرى التي تلقّتها العقيدة الأمنية السائدة، وهي عقيدة سطوة الردع، يُضاف إليها التفوق التكنولوجي والبشري الإسرائيلي والعنجهية التي تطال أذرعها أية بقعة في العالم، لتجد أن ستة أسرى تفوقوا على ذهنيتهم وعلى أجهزتهم، وكسروا نشوتهم.

صورة الهزيمة بالمفهوم الإسرائيلي تتطلب رداً انتقامياً غير متناسب، سعياً وراء استعادة "الهيبة"، وباعتقادي ستُتخذ إجراءات متشددة، مع العلم بأن كل الإجراءات متشدّدة وطوال الوقت، وللحياة الاعتقالية وتيرتها، ولن تستطيع المؤسسة تغيير الوضع في المدى الطويل. فالتصعيد سيواجهه تصعيد إلى أن تعود الأمور إلى حالتها.

في المحصلة، النفق صورة هزيمة إسرائيلية، ومهما سعت دولة الاحتلال للنيل من الأسرى، فإن حفرة النفق إلى الحرية هي ما حُفر، وبشكل متناقض، في الذهنيتين الفلسطينية والإسرائيلية.

Read more