Inspiration Derived from Experience
Date: 
July 05 2021
Author: 

يحظى التعذيب بشقّيه– النفسي والجسدي- في دولة الاحتلال بالتشريع القانوني والموافقة من أعلى الهرم السياسي. وبالشراكة بين الجهاز القضائي الصهيوني ومحققي الشاباك الإسرائيلي كانت تمارَس أبشع الفظائع بحق المعتقلين الفلسطينيين في أقبية التحقيق –التعذيب- المنتشرة على طول البلاد. فالقضاء الإسرائيلي شريك رئيسي في العملية الممنهجة للتعذيب التي تمارَس في أقبية ومراكز التحقيق الصهيونية، بحيث يقوم هذا الجهاز بتوفير كل أشكال الحماية لمن يقومون بالتعذيب وحمايتهم من المساءلة والملاحقة القانونية، محلياً ودولياً، عبر سنّ التشريعات المخالِفة للقوانين الدولية.

 

بوستر، الاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين، ١٩٨٥، موقع بوستر فلسطين

 

منذ احتلالها فلسطين، مارست اسرائيل التحقيق والتعذيب الممنهج بحق الأسرى الفلسطينيين على نطاق واسع وشامل بهدف كسر إرادة الإنسان الفلسطيني والتسبب بأذى نفسي وجسدي واجتماعي، وردعه عن الانخراط في أي عمل وطني ضد الاحتلال، أياً كان نوعه. فالتعذيب بالنسبة إلى الصهيونيين ليس وسيلة لنزع اعترافات من الأسرى الفلسطينيين بأعمال قاموا بها ضد الاحتلال فحسب، بل يتعداه إلى كسر روحهم المعنوية وبناء رادع نفسي لديهم لمنعهم من الانخراط في الهمّ الوطني ومناوءة الاحتلال بأي طريقة مهما قلّ شأنها، وتحييدهم في المديَيْن القصير والبعيد.

كنت أحد ضحايا التعذيب في سنة 1995 لمدة 71 يوماً في أثناء التحقيق في سجنيْ رام الله والمسكوبية. إذ واجهتُ خلال تلك الفترة كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي من أفراد الشاباك الصهيوني. وكان للإرادة والمبادئ والصبر والإيمان بعدالة القضية دور رئيسي وحاسم في المواجهة المفتوحة مع الجلادين الصهيونيين. ففي تلك الأثناء يكون المعتقل معزولاً عن العالم الخارجي، منهكاً ومحبطاً جرّاء الظروف المحيطة به داخل أقبية التحقيق، إلاّ إن الإرادة والإيمان بعدالة القضية والمبادئ، كلها أمور تشكل عناصر قوة لدى المعتقل في معركة الإرادة مع أفراد الشاباك الصهيوني.

بدأ التحقيق العسكري العنيف، بل المفرط في العنف، منذ الأيام الأولى لاعتقالي، وكان التحقيق بشأن قضايا كبيرة. مارسوا بحقي أبشع صنوف التعذيب العنيف والقاسي، مثل الشبح الذي كان يستمر مدة 115 ساعة متواصلة في الأسبوع، من صباح الأحد حتى نهاية يوم الخميس، وعلى مدار الفترة التي أمضيتها في التحقيق، بالإضافة إلى الضرب العنيف، والتهديد بالإعدام، وإنهاء مستقبلي المهني والتعليمي، وأذية العائلة، إلخ. كما منعوا المحامي من زيارتي بقرار قضائي، فلم يتمكن من رؤيتي إلا بعد أربعين يوماً أو أكثر.

في الأسبوع السادس من عمر التحقيق، وكان الأسبوع الأقسى، تم إخراجي من الزنازين الساعة الثانية صباحاً إلى قسم التحقيق لإرهاقي وتحضيري وإيهامي بأن هناك اعترافات مباشرة ضدي من بعض المعتقلين، وقد بلّغوني أن التحقيق سيبقى مستمراً معي حتى الانهيار، وأنهم لا يكترثون لوضعي الصحي، وحتى لو مت سيكون موتي مكسباً لدولتهم المزعومة. بدأ التحقيق بوجود كولونيل وميجر واثنين برتبة كابتن، وكانت جلسات التحقيق تستمر 24 ساعة يومياً. استمر هذا الوضع أسبوعاً كاملاً مارسوا خلاله كل ساديتهم، فكانوا يضربونني بالحائط لدرجة أن الدماء التي سالت لونت جدران الغرفة باللون الأحمر؛ كانوا يدفعونني إلى الأرض والكراسي للتسبب بجروح وكدمات؛ نزعوا شعر اللحية التي كانت طويلة، بحيث كانت الدماء تسيل على ملابسي وعلى الأرض؛ كانوا يدوسون على الكلبشات التي تقيد يديّ وأنا مُلقى على الأرض للتسبب بالأذى؛ ربطوني بوضعيات مؤلمة مع ممارسة الضرب المتواصل.. وغير ذلك من الممارسات العنيفة جداً.

كانت ردة فعلي أنني وصفتهم بالنازيين والمجرمين والقَتَلة، رفضت التجاوب معهم بالرد على أي سؤال حتى أنني أنكرت اسمي. ففي صباح اليوم الثالث من هذا الأسبوع دخل المحقق وقال: "مَن أنت، أنا مش عارفك، إنت مش موسى، بدي أجيبلك مراية تشوف حالك، أنا حاسس إنك محمد، إرحم حالك واعترف وخلّص نفسك من العذاب اللي إنت فيه." وهنا التقطت الفكرة وأنكرت اسمي، وعندما صاروا يحاولون إعادة التحقيق إلى مساره وتهدئة الأوضاع، كنت أرد عليهم بأنني محمد ولست موسى. فلم ينعموا بأي إجابة حتى باسمي.

بعدها شهد التحقيق فترة هدوء، وهنا اعتبرت أنها فرصتي لاستكمال الهجوم عليهم، إذ كنت أشكك في صحتهم النفسية وأقول لهم إنهم غير متوازنين وغير طبيعيين، وأشكك في أن يكونوا أسوياء في بيوتهم ومع أطفالهم. كان هذا الحديث يثيرهم جداً فيبذلون جهداً كبيراً في تأكيد أنهم يعيشون حياة طبيعية مع زوجاتهم وأطفالهم. وكنت أنهي الحديث معهم بأن الإنسان الطبيعي لا يقوم بتعذيب الآخرين، ومَن يمارس التعذيب يكون شخصاً غير سوي وغير طبيعي، ويتحول إلى مجرم لأنه تجرّد من الإنسانية.

منحوتة الفنان العراقي سيروان باران تعيد الذاكرة إلى الليالي الطويلة التي قضيتها في التعذيب بالشبح على وقع الموسيقى الصاخبة التي توتر الأعصاب. كنت ضيفاً دائماً في الغرفة رقم 5، والتي كانوا يشبحوني فيها مع تشغيل التكييف، بحيث تصبح ثلاجة بكل ما تعنيه الكلمة؛ كانت ملابسي ممزقة من شدة التعذيب والضرب الممنهج. كانوا يتعمدون التسبب بأذيتي من خلال شبحي على ماسورة التكييف في الممر الخلفي بين الزنازين وغرف التحقيق. كانوا يبادرون بالقول: "نحن نعرف أنك تعاني من الحساسية وضيق التنفس، خليك بلكي تموت وبنخلص منك." لقد تم شبحي على الكرسي الصغير تسعة أسابيع، من صباح يوم الأحد حتى مساء يوم الخميس، ما عدا الأسبوع الأخير حين تمت إراحتي لأنهم كانوا يستجدونني للذهاب إلى المسكوبية للفحص على "البوليغراف"، أي جهاز فحص الكذب.

على الرغم من أنها كانت التجربة الأولى لي في التحقيق العسكري القاسي ومواجهة محققي الشاباك الصهيوني، إلّا إنني انتصرت عليهم ولم أعطِهم أية إجابة تفرحهم، حتى أنني أنكرت معرفتي بأي إنسان سوى بعائلتي. هذه التجربة أعتز بها وأحكي عنها بكل فخر. فالصمود أمام الشاباك ممكن في كل الحالات، وأي إنسان يمكنه أن يصمد ويهزم الشاباك إذا تسلح بالإرادة والتصميم والإيمان بعدالة القضية ومشروعية مقاومتنا للاحتلال.

بوستر للفنان اللبناني إميل منعم، 1978، من موقع بوستر فلسطين
Issa Qaraqe
بوستر للفنان كامل المغني، ١٩٧٧، من موقع بوستر فلسطين
Khaled Farraj
بوستر لفنان غير معروف، 1983، من موقع بوستر فلسطين
Ameer Makhoul
بوستر لـ أسامة حجاج، ٢٠٠٨، من موقع بوستر فلسطين
Lama Khater
بوستر لـ محمد أبو عفيفة، ٢٠٠٨، من موقع بوستر فلسطين
Ismat Mansour
دارين طاطور، فيسبوك
Dahesh Akari
بوستر للفنان الاردني غازي نعيم، ١٩٨٧، من موقع بوستر فلسطين
Hassan al-Fatafta

Read more