On Solidarity
Date: 
April 14 2021
Author: 
blog Series: 

على امتداد سنوات السجن التسع، استمر تلقّينا رسائل وبطاقات التضامن، لنجمع مع الوقت نحو الألف منها. كانت ترِدني من صديقات وأصدقاء من مختلف أرجاء العالم ممن نشطوا معنا في محافل ومنتديات وحركات عالمية، وكذلك من أناس وأعضاء في تنظيمات مدنية لم تكن تربطني بهم أية علاقة من قبل.

كان وصول الكم الكبير من البطاقات يزعج مدير القسم، لأن التعليمات تقضي بأن يقوم أحد الضباط بالاطّلاع على مضمون أية رسالة أو بطاقة تثير الشك لديهم. أما ترجمة هذا الإجراء على أرض الواقع، فكانت بالتشكيك في مضمون كل الرسائل، وهكذا يكون السجان أطاع مرؤوسيه واعتمد الطريق المضمونة كي لا يحدث "إخفاق أمني" نتيجة رسالة لم تراقَب. إلّا إن ذلك لم يكن بالأمر السهل، فالأغلبية الساحقة من السجانين لا يفقهون اللغة الإنكليزية أو الفرنسية، وتزداد ورطتهم لكون كل رسائل التضامن التي كانت تصلني مكتوبة بخط اليد، باستثناء متضامنة واحدة كانت ترسل رسائل مطبوعة.

مع الوقت طوّرتُ مهارة "فك الحرف"، فنتيجة تنوع الخطوط، ومنها ما كُتِب بالأحرف المشبوكة، أو الرئيبة والمنفصلة، باتت لدي مهارة في قراءة الخطوط المرسَلة، إلا إن السجان كان يخفق في ذلك، وأحياناً كان يحتجز الرسائل أياماً أو أسابيع، وبعضها أشهر طويلة، إلى أن يُستبدَل السجان وينتقل إلى سجن آخر أو قسم آخر، فيأتي سجان آخر أقل صرامة، ويسلمني الرسائل من خلال شاويش الساحة، وهو الأسير المعتمَد من الأسرى للإشراف على المرافق في الساحة، وعلى المردوان، أي مجموعة الأسرى المتطوعين مثله للقيام بتوفير الخدمات الاعتقالية اليومية.

كان لرسائل التضامن مواسم، إذ تتسع الحلقة عشية يوم الأسير في السابع عشر من نيسان/أبريل من كل عام، وكذلك في الأعياد ورأس السنة، أو خلال مناسبات وحملات تقوم بها حركات التضامن. حين تصل رسائل تضامن كان يلتفت الأسرى، ليس من باب الفضول، بل إعجاباً بالمتضامنين والمتضامنات من أنحاء العالم، والذين يمنحون الأسرى شعوراً بأنهم ليسوا منسيين، حتى وإن كانت الرسالة موجهة إلى أسير واحد منهم. وبدوري كنت أتساءل ما الذي يحفّز معلمة مدرسة متقاعدة في سويسرا، أو عامل مصنع في كندا، أو طالبة دراسات عليا في أستراليا، أو رجل دين في قرية في جبال الألب، أو مناضلة هولندية ضد الأبرتهايد، أو فنانة في إشبيلية في الأندلس، بالمواظبة على الكتابة، بما فيها الاهتمام بانتقاء بطاقة مناسبة، وأغلبيتهم كانت تهتم ببطاقات مرفقة بمشاهد طبيعية خلابة تنعش روح الأسير، ثم الذهاب إلى البريد وإرسالها؟ وكيف يواظبون طوال سنوات على إرسال هذه الرسالة التي تحمل رسالة؟

كنا نتناقش في ساحة القسم في سجن الجلبوع ونتساءل لماذا لا نتضامن نحن مع غيرنا من المظلومين في العالم، علماً بأن الثورة الفلسطينية في مرحلة نهضتها كانت ملهِمة لحركات التحرر، وكانت تتضامن معها، فالتضامن هو تفاعليّ وتبادليّ ولا يقتصر على التلقّي.

كان منتدى التضامن الإسباني في الأندلس مع فلسطين من أبرز المجموعات المتضامنة، ولم يكن يكتفي بالرسائل بل كان ينظم حملات تضامن مع الأسرى بصورة عامة، وأحياناً معي بصورة خاصة، وكانت تتضمن عدة فعاليات، منها إصدار ملصق، وجمع تواقيع، وتظاهرات تضامُن يجري تعميمها على الرأي العام، ورسائل إلى حكوماتهم للتدخل لمصلحة الأسرى في سجون الاحتلال، بالإضافة إلى تنظيم مسيرات كبيرة في يوم الأسير، كما كانوا يصممون بطاقات خاصة بالحملة في كل عام، وأحياناً يصممون روزنامات خاصة بالأسرى الفلسطينيين، لتوزَّع على زنازين الاعتقال بحسب الكمية المتوفرة. كانت النصوص تشدد على التضامن، وعلى أن الأسرى والأسيرات ليسوا منسيين. وهكذا كان المتضامنون شركاء في صنع الأمل وشحن الروح.

التضامن فعل سياسي وإنساني يحمل رسالة المسؤولية المتبادلة والشراكة في الطريق إلى الحرية، وبإمكانه أن يكون فعلاً سياسياً مؤثراً في حال كان جمهور الضحية مناضلاً وبصورة فعالة وهادفة. الشعب الفلسطيني بأسراه، وبلاجئيه، وبكل أبنائه وبناته، وفي كافة أماكن تواجده، جدير بالتضامن سنداً ورافداً لتغيير واقعه، كما أن أولوية الأسرى والأسيرات لا تتوقف عند التعاطف الشعبي معهم وهم في السجون، بل إن ما يصبون إليه هو الفرج والحرية، ولا ننسى أن حرية الأسرى من حرية الشعب وتحرره، ويبقى المستقبل واعداً، فالأمل يولّد الأمل.

انظر

Read more