تشهد المناطق الفلسطينية إحدى أسرع معدلات تزايد حالات فيروس كورونا في العالم، وقد ارتفع عدد الحالات من 800 إلى أكثر من 55.000 حالة مسجلة من 24 حزيران/يونيو حتى 12 تشرين الأول/أكتوبر 2020. وجاء هذا التزايد بعد الإشارة إلى فلسطين كحالة نجاح في التعامل مع الجائحة في بداياتها، ويستمر هذا التزايد في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية وصحية محفوفة بعدم الاستقرار واللايقين الذي يتصف به الواقع الفلسطيني .
تهدف هذه المقالة إلى إبراز تجارب الفلسطينيين في الضفة الغربية، وطرق التعايش مع الوضع الناجم عن الجائحة استناداً إلى مقابلات معمقة أُجريت بين بداية نيسان/أبريل ومنتصف تموز/يوليو 2020، وشملت 31 شخصاً من كلا الجنسين، ومن مختلف الأعمار ومن تجمعات سكانية متنوعة تشمل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وكذلك المناطق المصنفة "ج"[1] (كالأغوار).
الإغلاق الشامل وإجراءات الحكومة وجاهزيتها
في أوائل آذار/مارس المنصرم سُجلت أول حالات الإصابة بفيروس كورونا في مدينة بيت لحم، فسارعت الحكومة الفلسطينية إلى اتخاذ جملة إجراءات مشددة لمواجهة تفشي الفيروس تشمل الحجر الصحي والإغلاق الشامل، ونبع ذلك من القلق من عدم القدرة على تحمل عواقب الانتشار الواسع للفيروس. وساعدت هذه الإجراءات في البداية في السيطرة على انتشار الفيروس وانخفاض عدد الحالات، وكانت كفيلة بزيادة ثقة الشعب في الحكومة. واعتُبرت هذه الفترة من أكثر الفترات التي تعززت فيها هذه الثقة، ففي استطلاع لأوراد أُجري في أواخر آذار/مارس جاء أن نحو 80% من المشاركين قيّموا أداء الحكومة خلال الأزمة إيجابياً. وقد عبّرت إحدى المشاركات في دراستنا عن الثقة في الحكومة قائلة: "وجود سلطة وطنية مسؤولة عن اتخاذ القرارات أعطاني شوية ضمان." وتحدثت مشاركة أُخرى عن حملات التكافل الاجتماعي التي تبناها المجتمع المحلي لتعزيز صمود مجتمعهم، فتعددت المبادرات الاجتماعية لمساعدة المتضررين وتعزيز نفسياتهم، والتي برأيها يعود إليها الدور الأكبر في التخفيف من حدة هذه الأزمة، فقالت: "اللي بقويني إنه أشوف أكبر عدد من الناس متجاوبة لمّا أشوف مبادرات إيجابية للتكافل الاجتماعي، أي نعم في عنا أخطاء في إدارة الأزمة سواء صحياً أو أو.... بس الصورة العامة جيدة والأداء جيد جداً .... هاد بقوي وبدعم نفسياً هذا هو اللي بدعمني أنا نفسياً."
لكن مع استمرارية الحجر الصحي لأكثر من شهر وما ترتب عليه من عواقب اقتصادية في ظل غياب نظام حماية اجتماعية تساءلت الجموع عن مدى جهوزية الحكومة لمواجهة الجائحة بشكل حقيقي، إذ قال أحد المشاركين: "حسيت إنه السلطة وصلت لمرحلة الضياع بطلت عارفة شو بدها تعمل، ويلها الاقتصاد .… وويلها صحة الناس،" إذ سرعان ما شعر الناس بالعواقب الاقتصادية والاجتماعية الخطرة للجائحة، واكتشافهم عدم جاهزية الحكومة للتصدي للأزمات، وعدم تنفيذها خطة شاملة لتعويض الخسائر المادية والأضرار النفسية للجائحة. وقد عبّر عن ذلك أحد الأطباء قائلاً:
"طيب ما إلها السلطة 27 سنة، إلها وزارة الصحة 27 سنة .... ليش إحنا على أول مطب حقيقي نوعاً ما تكشفنا؟ ليش ما كان في تحضيرات أساسية؟ .... كتير شغلات ما كان عندك الحد الأدنى اللي هو بالأساس كان لازم يكون موجود .... حسيت إنه كورونا عرّت بعض القطاعات في الدولة وجاهزيتها."
كورونا تحت الاحتلال
اعتبر العديد من المشاركين أن الاحتلال ما زال العامل الأساسي الذي يهدد الفلسطينيين، فقالت مشاركة "إحنا وجعنا بيجي معظمه كالعادة من الاحتلال،" فعلى الرغم من الأوضاع المتردية الناجمة عن الجائحة، استمرت سلطات الاحتلال في بث الذعر في صفوف الفلسطينيين بممارسة حملات الاعتقال والقتل وهدم المنشآت والمبالغة في تضييق الحركة. فمنذ بداية الجائحة قامت سلطات الاحتلال بمصادرة وهدم أو إجبار فلسطينيين على هدم 415 منشأة من منشآتهم بحسب تقرير٩-٢٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٠ لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، وتحدث أحد المشاركين من منطقة الأغوار عن ممارسات الاحتلال قائلاً: "الاحتلال غفل عن ضم الأراضي؟ للأسف لا، غادر جزء من مخططاته باتجاه الأراضي والمواطن الفلسطيني؟ للأسف لا .... شهداء موجود، وضم أراضي موجود، وضم الأغوار في المستقبل القريب للأسف كمان .... هدم بيوت؟ واحنا بعز الطوارئ كان في هدم بيوت الفلسطينيين."
وعمل الاحتلال أيضاً على إحباط جهود السلطة الفلسطينية للحد من انتشار الفيروس من خلال سيطرته على الحدود، وتسبب في عجز في توفير المعدات الصحية لمواجهة الجائحة وهو ما زاد في خوف المشاركين. إضافة إلى ذلك أشار عدد من المشاركين إلى تعمد الاحتلال نشر الفيروس من خلال عدة ممارسات، إذ قامت سلطاته باستحداث فتحات في جدار الفصل العنصري وتسهيل تنقل العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر،[2] من دون اتخاذ التدابير الصحية اللازمة لحمايتهم من العدوى. وعبّرت مشاركة من قلقيلية قائلة "إحنا صار عنا حالات في قلقيلية، الاحتلال يفتح العبّارات عشان العمال تهرب منها وترجع منها بدون ما تعمل فحص .... هاد إشي سياسي وأثر." كما قام بعض جنود الاحتلال بتشجيع الهلع البيولوجي من خلال ممارسات تفسد إجراءات الوقاية كالبصق على ممتلكات الفلسطينيين وأيدي المركبات والمنازل خلال حملات الاعتقال والتي استمرت خلال الجائحة.
كورونا والأزمة الاقتصادية
واجه العديد من الأفراد وخصوصاً عمّال القطاع غير الرسمي الذين يشكلون نحو 60% من القوى العاملة أزمات اقتصادية ناجمة عن خسارة العمل أو اقتطاع الرواتب، ووصف أحد المشاركين هذه الحالة قائلاً: "واحد حلف يمين إنه طول شهر رمضان وهو بس بوكل عدس ما حدا اتطلع فيه." وقد دفعت هذه الأزمات الاقتصادية العديد من الأفراد إلى المجازفة والإخلال بالحجر الصحي للعمل وتوفير قوتهم، كما أوضح أحد المشاركين أنه بالنسبة إليه ممكن أن يموت "وولاده ما يموتوا من الجوع ممكن الواحد يضحي بحاله .... ويجيب فلوس اللي تخلي ولاده تعيش."
ومن جهة أُخرى كان هناك عدم رضى من المشاركين عن توزيع المساعدات الحكومية للمتضررين في ظل غياب نظام حماية اجتماعية رسمي داعم، إذ أشار البعض إلى عدم وجود قنوات تواصل بين الحكومة والناس، وتوقف المؤتمرات الصحافية التي كانت تشكل مساحة للتواصل المباشر بين الحكومة والمواطنين بعد فترة طويلة سابقة من الانقطاع عن هذا النوع من التواصل بسبب تحولات سياسية داخلية، وكانت هذه المنصة عامل شفافية وساهمت في تعزيز ثقة الناس في الحكومة خلال المراحل الأولى من الجائحة. وعبّر أحد عمال المطاعم الذي كان منقطعاً عن عمله لأكثر من ٣ شهور عند إجراء المقابلة: "الحكومة لازم يكون عندها توعية أكبر من هيك، وإشي يجذب المواطن ويخلّيني أتابع البرنامج." وفي السياق نفسه، ذكر أحد العاملين في القطاع الصحي أن: "الناس كانت تنتظر على مستوى المعلومة، تنتظرها من ناس عندهم السلطة .... واحد مُطّلع ويقدر يوصل المعلومة .... الرؤية ما كانت واضحة عندهم [مشيراً إلى وزارة الصحة] فهاد خلق نوع شوية من التخبط والبلبلة."
وفي ظل هذا الفراغ في التواصل والاتهامات بالفساد والتخبط في اتخاذ القرارات وعدم الشفافية في إدارة المساعدات وخصوصاً صندوق "وقفة عز،"[3] زاد التشكيك في احتمال استغلال الجائحة لأهداف سياسية واقتصادية غير معلنة عند البعض، فقال أحد العاملين في القطاع الخاص: "صار في مشاكل كتير، أغلب اللي ما دفعوا لموظفينهم هم متبرعين لصندوق وقفة عز، إنت تبرعت لصندوق وقفة عز عشان التسهيلات البنكية والضريبية." وكان هناك تشكيك في وجود الفيروس عند البعض كمواطن من الأغوار قال: "الفيروس ممكن يكون مصطنع، ممكن يكون لتمرير نشاط سياسي أو نشاط اقتصادي." وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتقادات والمعتقدات برزت مع ظهور العواقب الاقتصادية للجائحة، وخصوصاً بعد صرف أول دفعة من مخصصات وقفة عز، وبعد مرور ما يقارب شهرين ونصف شهر على بداية الإغلاق الشامل.
كورونا والتأثير الاجتماعي
أمّا على صعيد التأثير الاجتماعي للجائحة، فقد أصبحت الوسائل المتعارف عليها في المجتمع الفلسطيني للمقاومة والتعامل مع مختلف المحن التي تشمل التقارب والتكافل والدعم الاجتماعي غير متاحة بأشكالها المألوفة، وأثر هذا التباعد سلباً في أفراد المجتمع، إذ مُنعت التجمعات كالأفراح وبيوت العزاء وتبادل الزيارات والسلام باليد والتي تعتبر من العادات الدارجة ومن أساسيات التضامن الاجتماعي التي أحدثت فارقاً حقيقياً في أوقات الشدة والأوضاع السياسية التي عاشها الفلسطينيون تحت الاحتلال وما زالوا. ومن ناحية أُخرى ذكر بعض المشاركين وجود بعض الآثار الإيجابية مثل التقارب مع العائلة النووية.
ومن الأمور التي ساعدت على تخفيف حدة التأثير الاجتماعي للجائحة لدى بعض المشاركين القاطنين في القرى وجود مساحات خالية، كما أشار إلى ذلك أحد المشاركين "إحنا عايشين في نظام قروي كنا نطلع بره بساحة البيت تحت الشجر بالحواكير هاد كان كتير ينسينا إنه إحنا موجودين بحجر منزلي، هاد كان سبب إنه ما عنا تأثير نفسي،" على عكس سكان المدن الذين يعيش معظمهم في نظام شقق سكنية حيث لا توجد مساحات واسعة وخالية للترويح عن النفس.
"نهاية النفق مظلم"
وفي ظل هذه الأوضاع وصف المشاركون الحالة المحفوفة بعدم التأكد التي يعيشها الناس مع انتشار الفيروس، والعواقب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية للجائحة، بالتخبط وعدم الوضوح واللايقين وعدم التوازن الناتجة من مجهولية الفيروس وعواقبه وضبابية المستقبل. كما أشار البعض إلى هذه الحالة "بالتوهان" والضياع والمشي في اتجاه المجهول أو كالموت البطيء، بينما وصف آخرون الحالة بالكارثية. وقد عبرت عن ذلك ممرضة من مدينة بيت لحم قائلة: "يعني زي اللي داخل بده يطلع مسافة إنه مش عارف شو في ورا، هو بير، هو بحر، هو جورة، هو في وحوش، هو في غابة؟ إنه أنا ماشي في طريق مش عارف شو بده يكون بعد هاد المنغلق، في فتحة صغيرة هاي أكيد رح نعدي منها بس لإيش؟ شو رح نلاقي بكرا؟" وقال مشارك آخر: "إحنا عمالنا بنمشي باتجاه المجهول" و"نهاية النفق مظلم". ووصف المشاركون أيضاً هذه الحالة التي نعيشها بعدم الأمان وعدم الثبات وعدم الاستقرار، والزعزعة، والإرباك، أو اليقين أو عدم اليقين بوجودية أو أحقية الفيروس. ومن المهم الإشارة إلى أن حالة اللايقين المعاشة في ظل انتشار فيروس كورونا هي حالة عالمية بالتأكيد، لكنها اتخذت بعداً مميزاً وأكثر تعقيداً في الواقع الفلسطيني، وكما ذكر مشارك: "إنه أزمه على أزمة بالنسبة للشعب الفلسطيني .... أزمة الوضع القائم عنّا من زمان وضع الشعب الفلسطيني بالإضافة لشغلة الكورونا."
تأثير الجائحة النفسي
عكس وصف المشاركين الحالة المعاشة في ظل انتشار الفيروس الوضع النفسي الذي يعيشونه، وعبّر المشاركون عن حالتهم النفسية وتبعاتها الصحية عليهم، إذ شعر العديد منهم بالتوتر والقلق والارتباك وبمشاعر الإحباط واليأس والضياع وفقدان الأمل، وذكر معظم المشاركين أن "نفسياتهم تعبانة"، وأن هذا التعب نابع من الخوف والقلق من الإصابة بالفيروس ومن عواقبه الوخيمة. وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الحالي مختلف مع الزيادة الكبيرة وغير المتوقعة في عدد الحالات منذ نهاية شهر حزيران/يونيو الأمر الذي سمح للشائعات بأن تتغلغل بين الناس، وأن يصبح أفراد المجتمع ضحية الهُراءات والأخبار المغلوط فيها عن الفيروس وهو ما زاد في حدة القلق والتوتر. كما أثر عدم وجود فرص للتفريغ النفسي في زيادة صعوبة الأمر، وأدى إلى تفاقم شعور القلق والحزن والوحدة، كما ذكر المشاركون أن القلق الأكبر ناجم عن مجهولية الفيروس.
يُشار أيضاً إلى التأثيرات النفسية التي عانى جرّاءها المرضى الذين أصيبوا بالفيروس والتي جعلت إصابتهم أشبه بالخطيئة لدى أفراد المجتمع، إذ قال أحد المتعافين في مقابلتنا له: "طب معقول أنا سويت هيك بالبلد طب أنا شو خصني؟ أنا مخترتش المرض،" وأضاف في وصفه تعامل الناس مع المصابين: "الناس بتتعامل معنا كأنا مصدر وباء، والمحل اللي بنكون فيه بيشردو منه .... هاد كله نتيجة الخوف نتيجة الجهل نتيجة الاضطراب." كما أوضح هذا المشارك أن المرضى تعرضوا للتنمر من المجتمع الأمر الذي أحبط عزيمتهم بشكل كبير.
وقد امتدت آثار الجائحة لتشمل الصحة الجسدية لدى المشاركين، إذ أشار العديد منهم إلى بعض التأثيرات الجسدية الناجمة عن الحالة النفسية مثل آلام في الرأس والعضلات وارتفاع ضغط الدم، وزيادة في الوزن ومشاكل في النوم وفقدان في الشهية وغيرها.
استذكار تجارب سابقة
وكان الطابع الإيماني أحد سبل التفريغ النفسي والتعايش مع الحجر والفيروس التي لجأ إليها البعض، والاتجاه إلى الروحانيات للتنفيس عن ضغوطهم النفسية، وفي هذا المجال قالت إحدى المشاركات: "أنا حسيت يعني أكتر إشي بساعدني إني أمسك القرآن وأقرأ." وقالت أُخرى: "أنا ما اتأثرت لا نفسياً ولا صحياً الحمد الله، الإيمان والدين هو الراحة النفسية إلي."
وكان الدور الأكبر للتخفيف من حدة الأوضاع الراهنة يُعزى إلى زيادة التكافل الاجتماعي، التكافل الذي كان حاضراً في أوقات الشدة التي عاشها الفلسطينيون في الانتفاضتين الأولى والثانية،[4] فقد أشار العديد من المشاركين إلى أن هذه التجارب السابقة ساعدتهم إلى حد ما على التأقلم مع الوضع الحالي، فذكرت إحدى المشاركات أن: "هاي التجربة كانت موجودة عنا زمان يعني ذكرتنا في إشي إحنا كنا مارقين فيه من قبل." وأفاد بعض المشاركين الذين عايشوا الانتفاضة أن تجربتهم السابقة نمّت لديهم أساليب التعامل مع الأوضاع الصعبة، مثل تدابير لسد حاجاتهم، فقال أحدهم: "يعني البيت محضر حاله عنا رز وعنا العدس فبالتالي بنقدر نتحمل وهاي يمكن من وضعنا اللي عشناه هداك." وهنا يجب التفريق بين الأجيال التي عاشت الانتفاضة وتعلمت أساليب التعامل معها والأجيال الصغيرة التي سمعت ولم تعش أوضاعاً صعبة مشابهة، فبالتالي قد تختلف طرق تعايشهم ويختلف تأثير الجائحة والإغلاق فيهم.
كما فرّق المشاركون بين التجربة الفلسطينية في ظل الاجتياحات الناجمة عن وجود الاحتلال ووضع الجائحة، فتجسدت أوجه التشابه في عمليات تقييد الحركة في التجربتين، لكن خرق منع التجول المفروض من الاحتلال كان له تبعات خطرة على الحياة كما أفادت إحدى المشاركات: "طبعاً بختلف، هلأ صح هو في منع بس منع محترم يعني إنه مثلاً طالعة لإشي بتحكي مع الشرطي بفهمك بس هناك ما فش إذا طلعت بدك تموت بتنطخ". كما أن التزام المنزل خلال الجائحة كان نابعاً من الحرص على السلامة وليس مفروضاً من المحتل لأهداف السيطرة والتضييق. وكان خرق المنع في أثناء الانتفاضة يُعتبر شكلاً من أشكال المقاومة على عكس الفيروس الذي كان التزام الحجر الصحي فيه يشكل مسؤولية اجتماعية كما قال أحد المشاركين: "المنع كنا نقاومه [مشيراً إلى الانتفاضة]، هاد إحنا ما بدنا نقاومه بدنا نلتزم فيه [مشيراً إلى الجائحة]." وتحدث مشارك آخر عن طريقة التزام الحجر المنزلي خلال الجائحة: "يعني ما حدا سكر علينا الباب وبحكي إنه ممنوع تطلع من الباب، هذا لازم يكون انضباط ذاتي منا."
ربما كانت كورونا وتبعاتها حدثاً صادماً محلياً وعالمياً، وتجربة ليست بالسهلة لكن الجدير بالذكر أن التجربة العالمية بكل صعوباتها ومساوئها كانت مضاعفة لدى الشعب الفلسطيني بوجود الاحتلال الذي وصفه المشاركون "بالفيروس الحقيقي" والذي يعمل باستمرار على تضييق حياة الفلسطينيين والحد من حرياتهم. وقال أحد المشاركين في هذا الإطار: "إحنا عنا وبائين، عنا وباء دائم اللي هو الاحتلال، والكورونا اللي صارت .... بس إحنا منفردين بالاحتلال عن العالم."
لكن على الرغم من صعوبة الوضع فما زال الفلسطينيون يحيون بالأمل وبأنهم سيتجاوزون هذه الأزمة وقد عبّر أحد المشاركين عن هذا الأمل قائلاً: "أنا عندي ثقة كبيرة يقينية إنه إحنا كشعب راح نتجاوز هاي المحنة لأنه تجاوزنا عشرات المحن." وأضافت مشاركة أُخرى: "كمجتمع رح نقدر نتجاوز هاي المسألة بنوع من أنواع التضامن الحقيقي والمهم جداً." وبحسب المشاركين فإن هذه الأزمة أكدت عدم الجهوزية المؤسساتية والحكومية للتصدي للأوضاع الصعبة كما أشار أحد المشاركين: "فهي كشفت عدم جهوزيتنا لإشي أقل من جائحة مش الجائحة نفسها، عدم جهوزيتها لبعض الجوانب، للنشاطات اليومية." وبناء على ذلك يطالب الجموع بتحول جذري في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية، وإعادة تشكيل المخيال والوعي الجماعي من أجل التصدي للأزمات الحالية والمستقبلية، واستبدال مجهولية الحاضر بمستقبل أكثر إشراقاً.
[1]مناطق "ج": إحدى مناطق تقسيم اتفاقية أوسلو لأراضي الضفة الغربية، وتشكل نحو 61% من أراضي الضفة، حيث تكون السلطة الفلسطينية مسؤولة عن تقديم الخدمات الطبية والتعليمية فيها، لكن السيطرة الأمنية والإدارية عليها للسلطات الإسرائيلية.
[2] العمال الفلسطينيون في داخل الخط الأخضر: هم مواطنون فلسطينيون يحملون هويات فلسطينية ويعملون لدى إسرائيليين داخل الخط الأخضر، أو في المستعمرات الإسرائيلية. يعمل معظمهم في مهن كالبناء والزراعة.
[3] وقفة عز: صندوق وطني تأسس لدعم العائلات المحتاجة والمتضررة بسبب أزمة كورونا من خلال جهود وطنية للتبرع عبر حساب بنكي، وذلك لتعزيز التكافل الاجتماعي وتخفيف آثار الأزمة (waqfetizz.ps).
[4] الانتفاضة: مصطلح أطلق على الثورة الشعبية الفلسطينية ضد عناصر الجيش الإسرائيلي، وهي شكل من أشكال الاحتجاج الشعبي الفلسطيني على الأوضاع المزرية.